موقع النيلين:
2024-07-18@22:22:09 GMT

حرب السودان : جدلية الانتصار، والهزيمة

تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT


لئن كان متمردو قوى الحرية والتغيير بشقيها المدني، والعسكري يسوِّقون للسؤال عمن أطلق الرصاصة الأولى في الحرب، ويريدون أن يبنوا مشروعا سياسيا على أرضية هذا السؤال؛ مشروعا يستدعي تحقيقا دوليا، لئن كانوا يريدون ذلك، فإن الشعب السوداني يسأل، وبإلحاح: لماذا تأخر الجيش عن إطلاق الرصاصة الأولى، وهو المسؤول عن حماية الدستور، وقد كان يرى الأصابع الأجنبية تحرك في دُمى المتمردين بشقيهم؛ للإجهاز على السودان الدولة، وليس الحكومة، ولئن كانت هناك مطالب بالتحقيق، فلن تكون في غير التأخر في التصدي للأعداء من الأجانب وعملائهم ممن عاثوا الفساد في كل مناحي الحياة.

عند بداية المعركة لم يكن هناك من يشك أنها بدأت بأفضلية للمتمردين عَددا، وعُددا، بالإضافة لأفضلية السبق للارتكاز في الأماكن الحيوية؛ حيث كان التخطيط لهذه الحرب قد بدأ من وقت مبكر، فكان أن بنى المتمردون أحلافا إقليمية، ودولية تضمن لهم استمرار الإمداد، وسد الحاجة للإخلاء عند الضرورة، بالإضافة لفرق الإسناد السياسي، والدبلوماسي.

أدرك الجيش من أول وهلة أن الهدف المتفق عليه بين أطياف الحلفاء في الداخل، والخارج هو تفكيك الجيش، وبعد ذلك لكل منهم وجهته؛ فالكل يسعى لهندسة واقع سوداني يحقق أهدافه من وجهة نظره..

لم يفت على قادة الجيش أن تفكيك الجيش محصلته النهائية هي زوال الدولة، وتفرق جغرافتيها بين المتربصين، وتشتت شعبها بين الملاجئ، فكان لا بد من وضع خطة لإدارة المعركة بعقل بارد، وخطوات واعية، وقد كانت هذه الخطة ذات ثلاثة أضلاع كما يأتي:

أولا: تعزيز الالتفاف الشعبي العارم مع الجيش، وضد المليشيا:

لقد كانت هذه المهمة صعبة، وسهلة في آن واحد؛ فهي صعبة، لأن حلفاء المليشيا المدنيين كانوا قد صوروا الحرب، وكأنها صراع بين جناحين في الجيش طمعا في كراسي السلطة، وذلك حتى يقف الشعب موقفا محايدا في الحرب؛ فيخسر الجيش أهم مصادر قوته، وهي حاضنته الشعبية، وحتى تنجح تلك المساعي، أطلقوا حملة لا للحرب، التي كانت تمثل تغليفا جميلا لهذه الخطة القاتلة، وقرنوا كل ذلك مع غطاء إقليمي، ودولي، تَمَثل في الدعم المباشر في عمليتي الإمداد، والإخلاء، وكذلك الإسناد الإعلامي، المصاحَب بصمت مطبق عن كل الانتهاكات التي ترتكبها المليشيا، أو قرْن الجيش معها إن لم يكن هناك بد من الحديث عنها.

كما أن هذه المهمة كانت سهلة؛ لأن المليشيا كانت قد شنت الحرب على الشعب أكثر مما تفعل مع الجيش، فقد بلغت المدى في انتهاك حرمة الدماء، والأعراض والأموال، مع حرص غبي على توثيق كل ذلك باعتباره انتصارات لها، فكان على الجيش فقط التركيز على إعلان ذلك في بياناته الرسمية، فلا تكاد تجد في بيان للجيش شيئا غيرها؛ مما عمق البغض لهذه المليشيا، وأحكم الالتفاف حول الجيش، حتى انه لا يطفو إلى سطح الأحداث حديث عن تفاوض، إلا وتعلو الأصوات الرافضة من كل أطياف الشعب، مع التربص الشعبي بحلفاء المليشيا في مَهَارِبِهم للإيقاع بهم، وعلى نقيض ذلك، لا يظهر قائد من قادة الجيش، أو أي فرد من أفراده، إلا ويعلو الهتاف المؤيد، وزغاريد النساء، وهكذا أنجز الجيش مهمته الأولى بنجاح، ولم يبقَ عليه إلا المحافظة عليها..

ثانيا: المحافظة على الدولة:

إن أول ما سعت إليه المليشيا المتمردة، وحلفاؤها هو اختطاف الدولة، وفرض الوصاية السياسية على الأغيار السياسيين، وأعني بالأغيار كل ما سوى المليشيا والقوى المتحالفة معها، وقد بدأوا في فرض هذه الوصاية بتوقيعهم على الاتفاق الإطاري، ورفض أي تعديل عليه يمكن غيرهم من المشاركة فيه بحجة واهية، ومضحكة، وهي عدم السماح بإغراق العملية السياسية، وهذه الحجة الواهية كانت تمثل المخدر الذي حُقِنوا به حتى يساقوا، ومعهم كل البلاد إلى هذا الواقع الذي تعيشه الآن، فتحت سكرة التأييد الدولي الظاهري رفضت المليشيا، وحلفاؤها كل مساعي ضم بقية القوى السياسية إلى الاتفاق الإطاري، وفي محاولة للي ذراع الجيش، شرعوا في عقد ورشهم التي نص عليها الاتفاق الإطاري حتى وصلوا إلى موضوع دمج الدعم السريع في الجيش، ولأنه أصبح أداة قحت العسكرية، ويده التي تبطش بها تواطئوا معه ليكون الدمج في عشر سنوات، وألا يتبع للقائد العام للقوات المسلحة، ولم يكن أمام الجيش من بد من رفض التوقيع، فكان التهديد بإشعال الحرب لإرغام الجيش على التسليم، ثم إشعال الحرب التي ظلوا يعدون لها منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير، وكان ترويض الدعم السريع، أو إرغامه على الانضمام لمعسر قحت هو آخر لبنة في بناء خطة اختطاف الدولة السودانية.

كانت الأيام الأولى للحرب غاية في الصعوبة بسبب هول الصدمة، والإعداد الجيد للحرب من قبل المليشيا، وحلفائها، لكن بعد توفيق الله، والتخطيط الموفق تم إجهاض هذا الهدف بإعفاء حميدتي من منصب نائب رئيس مجلس السيادة، وتسمية مالك عقار في هذا المنصب، وشروع الحكومة في ممارسة مهامها من بورتسودان، ولقد كان اختيار مالك عقار موفقا جدا؛ حيث أغلق كثيرا من أبواب مناهضة الحكومة، ثم كان تماما على ذلك خروج رئيس مجلس السيادة في عملية جريئة، وتوليه أمر الحكومة؛ حيث أضفى ذلك الخروج حيوية على الحكومة خاصة بزياراته الميدانية، والدولية المتكررة، وريدا رويدا مات مشروع اختطاف الدولة.

بقي أمر آخر هو أيضا في غاية الخطورة؛ وهو المحافظة على الشرعية الخارجية للحكومة، فقد عملت المليشيا مع حلفاء خارجيين على سحب هذه الشرعية، تحت غطاء ان البرهان لا شرعية لديه بعد انقلابه على حكومة حمدوك، صرح بذلك الرئيسان الإثيوبي، والكيني، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، لكن كان للجهود الجبارة التي بذلتها الخارجية السودانية خاصة بعثتها في الأمم المتحدة، وكذلك الدبلوماسية الرئاسية التي نشط فيها رئيس مجلس السيادة، ونائبه كان لها الأثر البالغ مع الصبر في المحافظة على الاعتراف الدولي القائم بالحكومة، ثم تحولت الحكومة بعد ذلك إلى الهجوم بعد أن كانت تلتزم الدفاع؛ فكان تجميد مباشرة إيقاد للاضطلاع بالقضية السودانية قاصمة ظهر للتدخل الإفريقي، ومناصرته للمليشيا، ثم فضح الدور الإماراتي، والتشادي، والجنوب سوداني، وباقي الأدوار الإفريقية إيذانا ببدء انحسار ثوب العزلة، وكشف غطاء دعم المليشيا، وما يزال الطريق طويلا في هذا الأمر.

ثالثا: المحافظة على الجيش:

وعند الحديث عن المحافظة على الجيش لا بد من المرور على محورين أساسين في إطار تحقيق هذا الهدف هما:

الأول: المحافظة على القوة المادية:

ففي بداية هذه الحرب فقد الجيش الاغلبية الساحقة من قواته البرية في عملية التمرد، حيث كان الدعم السريع يمثل أساس هذه القوة، وهيكلها العظمي، فلما وقع التمرد، لم يبقَ من مشاة الجيش إلا القليل، ممن لا يقارن عددهم بأعداد الدعم السريع؛ تمردوا بكامل عتادهم، فكان لزاما على الجيش العمل على إدارة المعركة بهدوء، وتعقل لتحقيق أقل خسارة في قواته، وحتى يكسب وقتا لتعويض الفرق في الأعداد بينه، وبين المتمردين.

لم يكن من الحكمة، والحال هذا الاندفاع في المعركة، فذلك يعني إبادة كامل ما تبقى من قوات المشاة، خاصة في ظل تمركز قوات القنص التابعة للمتمردين في البنايات العالية، مع السبق إلى الأماكن ذات الأفضلية في أرض المعركة، فكان القرار المدروس باعتماد سياسة دفاعية تستدرج المتمردين ثم تقوم بحصدهم بواسطة المدفعية، وسلاح الطيران، والمسيرات، فأحدثت في صفوفهم خسائر بعشرات الآلاف في غضون الشهور الأولى من المعركة، كما عمل الجيش على تخفيف الضغط عليه باستدراج المتمردين للانتشار الجغرافي الواسع تحت عناوين أوهام تحقيق الانتصارات، ثم عزل كل قوة عن بقية القوات، وتقطيع أوصالها، ورغم الخسائر البشرية، والمادية هنا، وهناك، وترويع المواطنين في كل الأماكن التي دخلها المتمردون، وما يزالون فيها، إلا أن ذلك جعل المتمردين يفقدون ميزة التفوق العددي بشكل متدرج، لكنه سريع، وبموازاة ذلك كان الجيش يقوم بالاستنفار، والانتقاء من المستنفرين لأصلب العناصر، وأقواها، حتى استطاع بناء قوة تفوق أعداد قوة التمرد، كل ذلك صحبه عمل دؤوب لقطع طرق الإمداد الخارجي، والداخلي عن التمرد، فكان التدمير شبه المبرم لكل قوة يراد إلحاقها بالمتمردين من دارفور، أو من دول الجوار، ولولا قيود القانون الدولي، وتقديرات سير المعركة لطال الطيران مطارات الإمداد الخارجية في المدن الحدودية لبعض الدول.

ثم إن الجيش، وفي إطار السعي للمحافظة على قوته المادية نجح كذلك في المحافظة على تفوقه النوعي في التسلح، فلم يفرط في سلاح المدفعية، ولا سلاح الطيران اللذَيْن يعطيانِه أفضلية ليس على قوات متمردي الدعم السريع، بل حتى على معظم جيوش الإقليمين؛ العربي، والإفريقي، كما إنه نجح في تعزيز هاتين القوتين بشكل واضح أثناء سير المعركة.

الثاني: الالتزام:

حينما تذكر الجيوش النظامية، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو الالتزام، ويقصد بالالتزام التقيد بالقوانين، والاتفاقيات الدولية الضابطة للأعمال العسكرية؛ فمن المعلوم أن كل جيش نظامي يستند في وجوده على دستور بلاده الذي يؤسس لشرعية وجوده، ويؤطر القانون عقيدته، وعلاقته بباقي مؤسسات الدولة، وينظم أعماله في المعتاد، هذا القانون يبين تفاصيل نشاطاته في حالة السلم، والحرب، والمخالفات، وجزاءاتها، كما أن هناك اتفاقيات دولية تكمل القوانين الداخلية للدول في ضبط الأعمال العسكرية؛ من أهمها القانون الدولي الإنساني الذي ينظم التعامل مع المدنيين، والأعيان المدنية وقت الحروب.

إذا عُلم ذلك، علم أن على الجيش السوداني التزامات دستورية، وقانونية، ودولية بموجَب عضوية السودان في المنظمات الدولية الإقليمية، ومصادقته على الاتفاقيات، وحينئذ يجب عليه في الحرب مراعاة ما قد لا تراعيه المليشيا المتمردة، فهو يجب عليه الالتزام بحماية المدنيين، والأعيان المدنية مهما تكن، ومن باب أولى في الحالة السودانية حيث تمثل حماية المدنيين، وممتلكاتهم مصدر شرعية أعمال الجيش، فهؤلاء شعبه، وهذه ممتلكاتهم، فوجوب الالتزام هنا مضاعف؛ فلذلك كان حرص الجيش السوداني على حماية المدنيين هو ما أخر حسم كثير من المعارك الحربية ، لكنه في المقابل عجل بكسب معركة الالتزام الأخلاقي، والقانوني في مقابل مليشيا دمرت البنية التحتية المدنية، واحتلت بيوت المواطنين، واتخذت منهم دروعا بشرية ونهبت ممتلكاتهم، فضلا عن القصف العشوائي للمستشفيات، وأماكن السكن المكتظة بالسكان، ولعله بعد أن تضع الحرب أوزارها سترفع دعاوى بارتكاب جرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية يأخذ بعضها برقاب بعض، وستأخذ بتلابيب المليشيا، والداعمين لها؛ أفرادا، وجماعات، ومنظمات، ودول، ولعله قد كان الجيش قد وضع خطته منذ البداية للخروج منها منتصرا، وهو الآن في فسحة من أمره بهذا الانضباط، وبالمقابل، فإن الجيش، وهو يلتزم بهذا الانضباط يحقق إشباعا دينيا، وأخلاقيا لجنوده، علاوة على تفويت الفرصة على المتآمرين الذين يتربصون به الهزيمتين، كلتيهما، أو إحداهما، ولقد تجاوز الأولى، وما وقع في فخ الأخرى، فمن المعلوم أن المنظمات الحقوقية تراقب عن كثب، وهي ليست إلا واجهات سياسية لدول تبتغي حصد ثمار هذه الحرب، وكلما وجدت بابا مفتوحا ولجت منه، فالالتزام يغلق باب العقوبات التي يمكن أن تفرض على الجيش السوداني من القوى المؤثرة في السياسة الدولية، فتعوق تسليحه، وإعادة بنائه بعد الحرب، بل ويغلق الباب أمام أي تدخل متوقع، أو يضيق عليه مَوالجَه.

كان أساس الخلاف الظاهر بين الجيش، المليشيا المتمردة هو عملية دمجها في القوات المسلحة، وصولا لتوحيد الجيوش في السودان، ولقد كان هذا الشعار مرفوعا، وقد ضمن الوثيقة الدستورية الحاكمة، واتفاقية جوبا للسلام، وحتى الاتفاق الإطاري الذي وقعت عليه المليشيا، ودُعي الجيش للتوقيع عليه، ولم يبدِ الجيش أي ممانعة في ذلك من حيث المبدأ، غير أن الميليشيا اشترطت أن يكون الإدماج في عشر سنوات، وأن تتبع قواتها لرئيس الوزراء، وألا يكون للقائد العام للجيش أي ولاية عليها، مما أبان النوايا الحقيقية للمليشيا، وحلفائها؛ إذ كيف يمكن أن تبقى هذه القوات لمدة دورتين حكوميتين، ونصف الدورة خارج ولاية الجيش، مما يعني بناء جيش مواز بكل صنوف الأسلحة التي ما كان يمكن أن تحصل عليها المليشيا بحسبانها لا يسمح بامتلاكها إلا للجيوش النظامية.

مع هذا الواقع، وبعد اندلاع الحرب غير الجيش استراتيجيته في التعامل مع المليشيا، فبعد أن كان الهدف هو دمجها في الجيش، أصبح الهدف هو سحقها تماما، وهذا ما عمل عليه الجيش، ووضع له الخطط التي أصبحت توتي أكلها كل حين، فتآكلت تلك القوة الضاربة للمليشيا، وأصبح الموت في صفوفها بالمآت يوميا أمرا عاديا، حتى لم يبقَ من تلك القوات التي كانت تقدر بمائة، وأربعين ألفا مدججة بأحدث أنواع الأسلحة لم يبقَ منها إلا بضعة آلاف، وما تزال آلة القتل تعمل فيهم.

أ.د. الخاتم عبد الرحمن أبو الحسن

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الاتفاق الإطاری المحافظة على الدعم السریع على الجیش قد کان لم یبق لم یکن

إقرأ أيضاً:

ما وراء هجوم «العطا» المتصاعد على الإمارات؟

درج مساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا، الذي يشرف على العمليات العسكرية في منطقة أم درمان، على توجيه انتقادات تُوصف باللاذعة لدولة الإمارات، وكثيرا ما يطلق عليها “دولة الشر”..

التغيير:(وكالات)

في أحدث خطاباته العسكرية، شنّ مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، هجوما جديدا على دولة الإمارات، متهما رئيسها محمد بن زايد بالعمل على تدمير السودان، من خلال تقديم العتاد العسكري لقوات الدعم السريع.

ودرج العطا، الذي يشرف على العمليات العسكرية في منطقة أم درمان، على توجيه انتقادات تُوصف باللاذعة إلى الدولة الخليجية، وكثيرا ما يطلق عليها “دولة الشر”.

وبرأي مراقبين، فإن العطا يبدو أكثر جنرالات الجيش السوداني انتقادا للإمارات، وأكثرهم تشددا ضد قادتها، بخلاف قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه شمس الدين كباشي، الذين لم يهاجما الدولة الثرية بذات الحدة التي ينتهجها العطا.

ويرى المحلل السياسي، محمد خليفة صديق، أن “هناك تقسيما للأدوار بين قادة مجلس السيادة السوداني” مشيرا إلى أن “البرهان باعتباره رئيسا لمجلس السيادة لا يريد حرق كل مراكب العودة”.

وقال صديق لموقع الحرة إن “التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لا يزال قائما، كما أن الذهب السوداني يصل الأسواق الإمارتية، في حين تقوم منظمات إماراتية بتقديم العون لمتضررين من حرب السودان”.

وأشار إلى أن الإمارات حاضرة كذلك في الحراك السياسي والإنساني بخصوص الأزمة السودانية، إذ شاركت مؤخرا في المؤتمر الذي نظمته الحكومة المصرية لبحث سبل إيقاف الحرب، كما شاركت في مؤتمر باريس للمانحين، وقدمت تبرعا في المؤتمر”.

وأضاف “كذلك يضع بعض قادة الجيش ومجلس السيادة اعتبارا للدبلوماسية والمستقبل وللجالية السودانية في الإمارات، ولذلك لا يصعّدون كثيرا ضد الحكومة الإماراتية”.

تصعيد دبلوماسي

في ديسمبر الماضي، وصل الخلاف بين السودان والإمارات إلى مرحلة التصعيد الدبلوماسي، إذ أعلنت الخرطوم 15 من الدبلوماسيين العاملين في سفارة الإمارات أشخاصاً غير مرغوب فيهم.

وجاءت الخطوة السودانية ردا على قرار إماراتي بطرد المحلق العسكري بسفارة الخرطوم في أبوظبي وعدد من الدبلوماسيين، من أراضيها. في حين لا تزال سفارة كل بلد من البلدين تعمل في البلد الآخر.

ويرى المحلل السياسي، حسن إسماعيل، أن “التقديرات السياسية” والقناعات تتفاوت بين قادة الجيش، مشيرا إلى أن ذلك يؤثر في طبيعة الخطاب الرسمي.

وقال إسماعيل لموقع الحرة، إن المهارات الخاصة بالخطاب وبكيفية إنتاج خطاب تعبوي ومتى تُظهر أو تُخفي العدوات، يتم اكتسباها، إما بالتدريب وتراكم الخبرة، أو أن تكون وسط مجموع سياسي ناضج، يحدد لك خططا مدروسة ومعدة بعناية”.

وأضاف “اعتقد أن خطاب العطا فيه إسراف شديد جدا، وإذا لم يكن يستند على اتفاق داخل الصندوق القيادي، فإنه سيولد مشكلات داخلية”.

وتابع قائلا “قد تكون هناك معلومات صحيحة يُراد إيصالها إلى طرف أو أطراف محددة، لكن يجب أن يُراعي في أي خطاب الظرف الزماني والظرف المكاني، وكذلك اختيار العبارات والمفردات، حتى لا يكون الخطاب مؤذيا أكثر من كونه مفيدا”.

ولفت المتحدث ذاته، إلى أن المجموعة التي صعدت إلى حكم السودان عقب سقوط نظام البشير، سواء من العسكريين أو المدنيين، تفتقر إلى الخبرة السياسية والقدرة على إنتاج خطاب سياسي يخدم الدولة السودانية.

لا تتوقف اتهامات الحكومة السودانية ضد الإمارات على ما يصدر من بعض القادة العسكريين، إذ صعّد مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، لهجته ضد الدولة الخليجية بمجلس الأمن.

الإمارات..الراعي الإقليمي للدعم السريع

ووقع صدام بين الحارث، وبين سفير الإمارات لدى الأمم المتحدة، محمد أبو شهاب، في جلسة عقدها مجلس الأمن في 18 يونيو، عن الأوضاع السودانية، إذ اتهم المندوب السوداني أبوظبي بأنها الراعي الإقليمي لتمرد الدعم السريع.

ووصف أبو شهاب، الاتهامات السودانية بأنها “سخيفة وباطلة، وتهدف لتشتيت الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة التي تحدث على الأرض”.

وفي المقابل، يرى الباحث والأكاديمي، فاروق عثمان، أن “ياسر العطا يتحدث بهذه الدرجة من الوضوح، لأن الواقع يتطلب ذلك، ولأن دعم الإمارات لميليشيا الدعم السريع تجاوز كل الحدود”.

وقال عثمان لموقع الحرة، إن “حديث العطا يعبّر عن معظم السودانيين الذين يرفضون أي تدخلات خارجية تحاول فرض رؤيتها عليهم وعلى بلادهم، أو تسعى لنهب خيراتها”.

وأشار إلى أن حديث العطا وهجومه على الإمارات يجب أن يجري على ألسنة كل قادة الجيش، حتى لا يُفهم أن هناك انقساما في طريقة وآلية التعامل مع أي دولة تستهدف السودان”.

في المقابل، يرى المحلل السياسي، الفاضل منصور، أن “العطا يعبّر عن الحركة الإسلامية السودانية، وعن جماعة الإخوان المسلمين، ولا يعبّر عن الشعب السوداني الذي يكنّ احتراما للإمارات التي كثيرا ما تسنده وقت الشدة”.

وقال منصور لموقع الحرة، إن “الحركة الإسلامية تراهن على العطا كإحدى أدواتها للعودة إلى السلطة، وهو موثوق عندها أكثر من البرهان”.

وأشار إلى أن وجود العطا في منطقة أم درمان التي يوجد فيها عناصر الحركة الإسلامية، والنظام السابق، وكتيبة البراء بن مالك، أثرّت على خطاباته العدائية تجاه الإمارات”.

ولفت المتحدث ذاته، إلى أن “العطا يدعم تسليح المقاومة الشعبية التي يعترض عليها كباشي، وسبق أن حذر جماعة الإخوان من السيطرة عليها، مما يؤكد أن العطا يعبّر عن النظام السابق، ولا يعبّر عن السودانيين”.

ياسر العطا

وفي إفادة سابقة لموقع الحرة، أشار المحلل السياسي الإماراتي، ضرار الفلاسي، إلى أن “الحكومة السودانية درجت على إطلاق الاتهامات في مواجهة الإمارات دون دليل، ما يؤكد أن تلك الاتهامات تنطلق من أجندة سياسية”.

وقال الفلاسي إن “الاتهامات التي يطلقها قادة بالحكومة السودانية والجيش السوداني، تعبر عن موقف جماعة الإخوان المسلمين التي تخطط للعودة إلى حكم السودان”.

الحكومة السودانية تتهرب

ولفت إلى أن “الحكومة السودانية تبحث عن مبرر للتهرب من مسؤوليتها في إيصال السودان إلى هذه المرحلة من الاقتتال، وللتهرب من مسؤوليتها في الأوضاع الإنسانية القاسية التي تعيشها قطاعات من السودانيين، بإصرارها على الحرب”.

من جانبه، استبعد صديق، أن يكون لظرف المكان أثر في مواقف العطا، مشيرا إلى أن المقرات العسكرية الموجودة في أم درمان تابعة للجيش، رغم أنها تضم تشكيلات أخرى مثل كتيبة البراء بن مالك وغيرها”.

ولفت إلى أن العطا يخاطب الرأي العام الشعبي والوجدان السوداني، “لأن كثيرا من السودانيين على قناعة بأن الإمارات تمد قوات الدعم السريع بالسلاح والعتاد الحربي”.

وأضاف “لا أظن أن العطا يتحدث من منطلقات شخصية، أو أنه يحاول تقديم نفسه للشعب السوداني قائدا محتملا، أو بديل للبرهان وكباشي، كل ما في الأمر أنه يعتقد أن التصعيد الإعلامي ضد الإمارات سيحرك المنظمات الإقليمية والدولية”.

وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص وإصابة آلاف آخرين، بينما تقول الأمم المتحدة إن نحو 25 مليون شخص، أي نحو نصف سكان السودان، بحاجة إلى مساعدات، وإن المجاعة تلوح في الأفق.

وقالت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، في يونيو الماضي، إن عدد النازحين داخليا في السودان وصل إلى أكثر من 10 ملايين شخص.

وأوضحت المنظمة أن العدد يشمل 2.83 مليون شخص نزحوا من منازلهم قبل بدء الحرب الحالية، بسبب الصراعات المحلية المتعددة التي حدثت في السنوات الأخيرة.

وأشارت المنظمة الأممية إلى أن أكثر من مليوني شخص آخرين لجأوا إلى الخارج، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر.

ويشير عدد اللاجئين خارجيا، والنازحون داخليا، أن أكثر من ربع سكان السودان البالغ عددهم 47 مليون نسمة نزحوا من ديارهم.

نقلا عن الحرة

الوسومالفريق ياسر العطا حرب الجيش و الدعم السريع دولة الإمارات

مقالات مشابهة

  • السودان يحتضر وجدة تنتظر !
  • حالة إدراك!!
  • ما وراء هجوم «العطا» المتصاعد على الإمارات؟
  • "تقرير صادم" عن جرحى الحرب في السودان
  • لماذا التوجس من الأجندة الواضحة؟
  • تقرير صادم عن جرحى الحرب في السودان .. ثلث المصابين هم من النساء أو الأطفال دون العاشرة
  • شبكات جلب وتجنيد المرتزقة في ميليشيا الدعم السريع.. من هو المقاول الخفي؟
  • عائشة الماجدي تكتب: علاء
  • الي اين يقودنا البرهان؟
  • خطاب الحرب في السودان: «فيسبوك» وتحولاته خلال 100 يوم الأولى