استقالة حكومة اشتية.. قفزة للوراء؟!
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
جاءت استقالة حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، بحسب ما يتم تداوله، استجابة لـ"الإرادة الدولية"، وبعبارة أخرى استجابة للضغوط الأمريكية الغربية، التي تسعى لـ"إعادة إنتاج" السلطة أو "تجديدها" لتتوافق مع المعايير الأمريكية في رؤيتها لإدارة قطاع غزة (إلى جانب الضفة الغربية) في ترتيبات ما يعرف باليوم التالي للحرب على غزة.
الاستقالة التي قدمها اشتية لعباس في 26 شباط/ فبراير 2024 والتي قبلها عباس، تمت دون توافق وطني مسبق، واستبقت المباحثات الفلسطينية الداخلية بين الفصائل، وفتحت الطريق لفرض الأمر الواقع لـ"المرة الألف" لملاحقة السراب أو "الجزرة" الأمريكية الصهيونية.. والتجاوز المسبق لحماس وقوى المقاومة (التي ما زالت تخوض معارك وتقود صمودا أسطوريا)، ليس له معنى سوى احتقار الإرادة الشعبية الفلسطينية، والتجهُّز لإدارة قطاع غزة لمرحلة "ما بعد حماس" وفق أحلام ورغائب تتقاطع مع الإرادة الأمريكية الإسرائيلية.
ويظهر أن الأداء الأسطوري للمقاومة في معركة طوفان الأقصى، وضرباتها النوعية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي أسقطت النظرية الأمنية للاحتلال ومبرر وجوده ومبرر دوره الوظيفي في المنطقة، ووحشية العدوان الصهيوني ودمويّته ومجازره، واستشهاد وجرح أكثر من مئة ألف فلسطيني.. والتفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة، ليس ثمة مشكلة في تشكيل حكومة توافق وطني أو حكومة تكنوقراط بعد الحرب، ولكن ذلك يجب أن يكون "منتجا وطنيا" لتوافق فلسطيني بين القوى الفاعلة، بحيث يعكس الإرادة الشعبية الفلسطينية وقرارها الوطني المستقل؛ ويعكس شروط وبيئات ومسارات مشروع التحرير؛ لا أن يكون نموذجا جديدا لاستمرار عقلية الهيمنة لدى قيادة السلطة وفتح، وعقلية التكيُّف مع شروط الأمريكان والاحتلالوفقدان الثقة بسلطة رام الله، والمطالبة الشعبية الواسعة باستقالة عباس.. كلُّ ذلك لم يقنع أبا مازن وقيادة فتح وسلطة رام الله بمراجعة أدائها في إدارة الملف الوطني الداخلي، وفي التوقف عن احتكار السلطة، وفي الانفتاح الجاد على القوى الفلسطينية الفاعلة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
* * *
ليس ثمة مشكلة في تشكيل حكومة توافق وطني أو حكومة تكنوقراط بعد الحرب، ولكن ذلك يجب أن يكون "منتجا وطنيا" لتوافق فلسطيني بين القوى الفاعلة، بحيث يعكس الإرادة الشعبية الفلسطينية وقرارها الوطني المستقل؛ ويعكس شروط وبيئات ومسارات مشروع التحرير؛ لا أن يكون نموذجا جديدا لاستمرار عقلية الهيمنة لدى قيادة السلطة وفتح، وعقلية التكيُّف مع شروط الأمريكان والاحتلال.
إذا ما قام عباس بتكليف رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة تكنوقراط دون توافق فلسطيني مع حماس وقوى المقاومة، فسيكون ذلك قفزا عن الحقائق على الأرض، وعن الأوزان الشعبية الحقيقية؛ ومجرد تغيير ديكوري لإبقاء خيوط اللعبة بيد عباس وفتح، ومزيدا من شراء الوقت للهرب من الاستحقاقات الكبرى لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس صحيحة. وهي عملية لا تنجز بشكل سليم "شرعية فلسطينية"، بقدر ما تحاول "شرعنة" قيادة سلطة رام الله لدى الأمريكان والاحتلال وبيئات التطبيع والانبطاح العربي، وهي بالتالي ليست إلا شكلا جديدا للهروب من الأزمة بطريقة ستعيد إنتاج الأزمة من جديد، وستكون كتلك النعامة التي ذهبت تطلب قرنين فرجعت بلا أذنين!!
* * *
الاسم المرشح لرئاسة الوزراء لقيادة حكومة التكنوقراط هو محمد مصطفى، وهو خبير اقتصادي فلسطيني، غير أن الطريقة التي يتم فيها عرض ترشيحه تسيء إليه قبل أن تسيء إلى غيره؛ فالمعيار المتداول هو أنه مقبول إسرائيليا وأمريكيا وغربيا. وهو معيار مهين له، ومسيء للشعب الفلسطيني ولجهاده وبطولاته وللحقائق التي أفرزتها معركة طوفان الأقصى. إذ إن الأصل أن يقال أنه مقبول من القوى الفلسطينية الأساسية (فتح، حماس، الجهاد، الشعبية، الديموقراطية..) أو أنه يحظى بقبول شعبي. أما أن يتم تسويقه كشخصية مقبولة لإدارة غزة ومستعدة للامتثال لشروط اجتثاث حماس، وضرب تنظيمها وبناها التحتية والعسكرية، وإحلال عناصر من ذلك "الصنف" الذي تنتجه رام الله في قمع المقاومة والتنسيق الأمني مع الاحتلال.. فهذا مرفوض وطنيا وشعبيا وأخلاقيا، وما نرجوه من محمد مصطفى أَلَّا يقبل التكليف إلا في إطار توافق وطني شامل ومسبق.
ليست حكومات التكنوقراط شكلا جميلا مرغوبا دائما، ففي الحالة الفلسطينية حيث الاستقطاب الحاد، وحيث يكون التكنوقراط في كثير من الأحيان هم واجهة للقوى والجهات التي ترشحهم وتدعمهم؛ فإن تشكيل هكذا حكومات يجب أن يتم بناء على معايير دقيقة وواضحة متوافق عليها
ليست حكومات التكنوقراط شكلا جميلا مرغوبا دائما، ففي الحالة الفلسطينية حيث الاستقطاب الحاد، وحيث يكون التكنوقراط في كثير من الأحيان هم واجهة للقوى والجهات التي ترشحهم وتدعمهم؛ فإن تشكيل هكذا حكومات يجب أن يتم بناء على معايير دقيقة وواضحة متوافق عليها، وعلى أساس تنفيذ برنامج وطني يخدم أساسا تطلعات الشعب الفلسطيني وإرادته الحقيقية الحرة.
لقد كانت تجربة تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة سلام فياض سنة 2007 تجربة "بئيسة"، إذ إنها كانت الحكومة التي كانت أداة بيد عباس (بمباركة أمريكية إسرائيلية) لاجتثاث حماس وقوى المقاومة في الضفة الغربية، ولإنتاج "أبناء دايتون" من جماعة التنسيق الأمني مع الاحتلال؛ ولتعميق الانقسام الفلسطيني.
* * *
وأخيرا، فقد أفرزت معركة طوفان الأقصى حقائق واستحقاقات كبيرة أبرزها تعزيز إرادة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتقرير مصيره، وتعزيز الالتفاف العالمي حول ذلك. وبالتالي، فليس من المعقول ولا من المتصور أن تأتي سلطة رام الله لتقوم بتشكيل حكومة أكثر خضوعا لمتطلبات الأمريكان ومتطلبات الاحتلال وضمانات بقائه، بدل أن تستثمر في الأداء والإنجاز المقاوم وفي الصمود والتضحيات الشعبية. ليس مقبولا أن تخذل سلطة رام الله شعبها وتدير ظهرها لتضحياته، وأن تقف مع الجانب الخطأ، وتسير عكس حركة التاريخ.
twitter.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية توافق فتح فلسطين محمود عباس فتح توافق طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی حکومة تکنوقراط سلطة رام الله تشکیل حکومة أن یکون یجب أن
إقرأ أيضاً:
مجلس الدولة يستنكر مطالبة الخارجية المغربية التنسيق مع حكومة الدبيبة لعقد الجلسات الحوارية مع البرلمان
الوطن|متابعات
عبر مجلس الدولة عن استغرابه العميق من البيان الصادر عن وزارة الخارجية بالحكومة المنتهية بشأن جلسات الحوار التي تم عقدها بين المجلسين الأعلى للدولة والنواب في المملكة المغربية الشقيقة، بناءً على طلب من أعضاء المجلسين بعد اللقاء الأول الذي جمعهما بجمهورية تونس الشقيقة بتاريخ 28 فبراير 2024، واللقاء الثاني الذي عُقد في جمهورية مصر الشقيقة بتاريخ 18 يوليو 2024.
وأكد المجلس أن مطالبة وزارة الخارجية المغربية بالتنسيق المسبق مع وزارة الخارجية بالحكومة المنتهية قبل عقد أي جلسات حوار بين المجلسين، يعد تدخلا سافرا في شؤون المجلسين وينم عن قصور معرفي بحدود السلطة التنفيذية وجهل مركب بمبدأ الفصل بين السلطات يستوجب المساءلة، منوهاً أن المجلس هو جهة تشريعية مستقلة، ينشئ السلطة التنفيذية ولا يقع تحت سلطتها.
وأوضح المجلس أن دور وزارة الخارجية هو تهيئة الظروف وتقديم الخدمات الأعضاء السلطة التشريعية داخل البلاد وخارجها متى ما قرروا ذلك وفقا لأوامر تصدر عنهم، وليس من حق الوزارة الاعتراض على أعمالهم.
وتقدم المجلس بخالص الشكر والتقدير للملكة المغربية، ملكاً وحكومة وشعبا، على ما تبذله من مساعي حميدة لتقريب وجهات النظر بين الليبيين في سبيل حل الأزمة الليبية.
الوسوم#وزارة الخارجية الحكومة المنتهية المغرب مجلس الدولة