* يحتاج المرء صبرا جليلا حتى يحتمل إنشائيات المثقفين العرب وهم يبجّلون الديمقراطية في عز المجزرة الغزاوية؛ المجزرة التي تديرها وتمولها وتسلحها أهم وأعرق ديمقراطيات هذا العالم. يحتاج المرء صبرا جميلا حتى يحتمل الأفكار التي تخشّبت مع العقود وتحولت أصناما معبودة، ولم يعد الساجدون في محرابها يسألون أنفسهم لمن يسجدون حقا ولأي سبب.
* ليس المديح بذاته مهما ولا الهجاء، فكلاهما صار تقليدا إنشائيا راسخا، ويصعب أن تجد مثقفا عربيا معاصرا لم يدبّج نصوصا تعبيرية في هذه الثنائية؛ تبجيلا في الديمقراطية وذمّا لنقيضها. لكنّ المهمّ الفعلي لا يتعلق هنا بما قيل أو كُتب، وإنما بالمسكوت عنه والغائب الذي لا يقال: الديمقراطية التي سمحت لجنوب أفريقيا أن تفعل ما فعلته هي الديمقراطية التي سمحت للولايات المتحدة وأغلب أوروبا الغربية ومعها إسرائيل؛ أن يفعلوا ما فعلوه أيضا.
الديمقراطية التي سمحت لجنوب أفريقيا أن تفعل ما فعلته هي الديمقراطية التي سمحت للولايات المتحدة وأغلب أوروبا الغربية ومعها إسرائيل؛ أن يفعلوا ما فعلوه أيضا
ففي مقابل الصولة المشرفة لجنوب أفريقيا في محكمة العدل، فإن جمهرة من أهم ديمقراطيات العالم لا تزال -منذ مائة وأربعين يوما- تدير مجزرة فريدة في طبيعتها وهندسة إجرامها. هذه الدول، الوالغة في الدم وسحق العوائل تحت الأسقف والجدران، تدير اليوم آلة القتل والتجويع عبر نظام سياسي يحب أنصاره أن ينعتوه "أقل الأنظمة سوءا"؛ أيُّ ورعٍ بارد! ورغم أنها ليست المرة الأولى لكنها حتما الأوضحُ والأوقح: ها هو "أقل الأنظمة سوءا" يبرهن قدرته أن يكون أكثر الأنظمة التحاما بشريعة الحيوان.
* ضمن الاجتياح الغربي لخيالنا وإدراكنا، تبلورت الديمقراطية مسلَّمةً يبدأ التفكير من بعدها دوما لا من قبلها. الجدال يجري غالبا حول آلياتها، وأسباب غيابها، وأشكالها الأنسب، والإبداع الممكن في مواءمتها مع الخصوصية المحلية. هذه الاعتبارات والإشكالات لا تغير جوهر الأمر، فمِن خلفِها تجثو الصخرة الديمقراطية -بفكرتها ومفهومها- في قلب الخيال السياسي العربي، لا يزحزحها شيء. فكم عملا فكريا كُتب عربيا في رفض هذا النظام السياسي؟ في بيان توحشه الممكن تجاه الواقعين خارج مظلة "المواطنة" التي يقوم عليها؟
لا أتحدث عن أدبيات تكفير الديمقراطية ومهاجمتها لاعتبارات دينية؛ أتحدث عن رفضٍ للفكرة من منطلق نقدي "دنيوي" بحت. أليس هذا الغياب العربي مثيرا للريبة؟ ألا يُفترض بنظرية سياسية (لا فيزيائية) كائنة ما كانت أن تجد رافضين لها ومتمترسين ضدها فكريا ونظريا؟ حتى أنصار الأنظمة العربية يتحدثون عن عدم نضج الشعوب للديمقراطية، ويقدّمون الديمقراطية بذلك طموحا نهائيا في المدى البعيد (سواء صدَقوا أم كذبوا في ادعائهم، وهم كاذبون بغير شك).
* بوسع المرء طبعا أن يحشد أمثلة مضادة، ويسرد دولا ديمقراطية أبدت سلوكا مغايرا لديمقراطيات العالم الغربي (كجنوب أفريقيا مجددا). وبوسع المرء أيضا أن يشير لحركات الاحتجاج الواسعة التي اجتاحت العواصم الأوروبية ضد المذبحة. لكنّ هذا لا يزيد الأمر إلا وضوحا: أن الديمقراطية ليست ضمانة لشيء، وأنها قادرة على توليد الموقف ونقيضه، الديمقراطية ليست ضمانة لشيء، وأنها قادرة على توليد الموقف ونقيضه، وأن النافذة التي تفتحها للاحتجاج الشعبي لا تعيق مؤسساتها وقواها النافذة عن فعل ما تشاء وإبادة من تشاء، وأن هذا التعقيد المؤسسي والمشهدية المركبة للتشريعات والقوانين وفصل السلطات وآليات الرقابة وسلطة القانون و"القيم الديمقراطية"، كلها وجميعها، لا تردع هذه الدول عما نراها منغمسة فيه اليوم: محاصرة مليونيّ إنسان في قفص ثم التفنن العسكري بكسرهم وإفنائهموأن النافذة التي تفتحها للاحتجاج الشعبي لا تعيق مؤسساتها وقواها النافذة عن فعل ما تشاء وإبادة من تشاء، وأن هذا التعقيد المؤسسي والمشهدية المركبة للتشريعات والقوانين وفصل السلطات وآليات الرقابة وسلطة القانون و"القيم الديمقراطية"، كلها وجميعها، لا تردع هذه الدول عما نراها منغمسة فيه اليوم: محاصرة مليونيّ إنسان في قفص ثم التفنن العسكري بكسرهم وإفنائهم.
* عندما وصل دونالد ترامب للبيت الأبيض، انفجرت ينابيع بغير عدّ في العالم العربي للتنظير في مسألة الشعبوية. وكالعادة، كان الأمر في جُلّه محاكاةً للاهتمام الغربي الصاعد بهذا المفهوم والذي ولّدَه حدث غربي بحتٌ هو الآخر: وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض. وقُدّمت الشعبوية بوصفها خطرا يتهدد الأنظمة الديمقراطية، وانفتح النقاش الكبير حول سبل مواجهتها والتغلب عليها. أين هذا الجهد الفكري اليوم ونحن نرى فعل الديمقراطيات الغربية وسط أرضنا وعلى أشلاء شعبنا؟ لا قيمة للتنظير السابق في المسألة الشعبوية هنا، فالرئيس الأمريكي، جو بايدن، أبعد ما يكون عن هذه السمة، ولا يختلف عنه -بهذا المعنى- شركاؤه الأوروبيون في المجزرة الحالية. ألا تستوجب المجزرة الغزاوية مراجعة نقدية لمجمل الفكرة الديمقراطية؟ أم هل يتحتم على تيار فكري غربي أن يتحرك قبلنا بهذا الاتجاه حتى نبدأ نحن؟
* في صنعاء، تدير حكومة لا يكاد يعترف بشرعيتها أحد في العالم، ولا تمتّ للديمقراطية الغربية بصلة، سواء برؤيتها لنفسها أو رؤية أنصارها أو رؤية خصومها طبعا، ورغم ذلك قدّمت في سياق الحرب الحالية خطابا وسلوكا استثنائيا في إقدامه وجرأته، ومارست مخاطرة عسكرية كبرى تجاه نفسها وفرص استقرارها الاقتصادي والسياسي تثبيتا لمبدأ تضامن مع أبناء القطاع ومقاومته. ولا زال اليمن في كل أسبوع يشهد أكبر مظاهرات العالم بأسره إسنادا للقطاع، فماذا يبقى من ادعاء "غياب الديمقراطية"ليست المسألة ترويجا لنظام دون آخر، ولا دفعا لخيار على حساب سواه، بل محاولة لقول البديهي المحرّم: أن هناك أكثر من خيار، وأن فضاء السياسة لا يختزل بثنائية الديمقراطية والاستبداد، فهذه فريةٌ ديمقراطية وجزء من استبدادها بالخيال سببا لخذلان الدول العربية وسكون شوارعها وهزالة مظاهراتها؟ من الواضح أن الشرط الديمقراطي هنا مجرد كلام إنشائي، فها نحن أمام بنية سياسية غير ديمقراطية قادرة على فعل تضامني وإسنادي مؤثر كهذا.
* يقود هذا كله لسؤال سيبدو خروجا عن الموضوع لكنه في قلبه: ماذا كُتب عربيا عن هذه البنية السياسية في صنعاء خارج إطار الدعاية والتنابز بالألقاب؟ كم كتابا عربيا متخصصا قَدّم دراسة لهذه الظاهرة السياسية التي يمثلها أنصار الله والتي هي اليوم محط انتباه العالم بأسره؟ ومتى سيجد العرب الغارقون في الكتابة عن أدورنو والترجمة لماكس فيبر والتعريف بفيتغنشتاين؛ وقتا ليَنظروا في ما يجري في جوارهم وفي قلب قضاياهم وأهم ظواهرهم السياسية؟
* مسألة اليمن ضرورية في سياق حديثنا لأن الفراغ المعرفي والبحثي الذي تكشفه يعود ويؤكد مطلع الحديث كلِّه؛ هذا الارتهان الفكري المذلّ لمسلّمات وأولويات آتية من كل حدب إلا مِن حدبنا، ومن كل صوب إلا من صوبنا. ليست المسألة ترويجا لنظام دون آخر، ولا دفعا لخيار على حساب سواه، بل محاولة لقول البديهي المحرّم: أن هناك أكثر من خيار، وأن فضاء السياسة لا يختزل بثنائية الديمقراطية والاستبداد، فهذه فريةٌ ديمقراطية وجزء من استبدادها بالخيال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الديمقراطية إسرائيل إسرائيل غزة الديمقراطية مجازر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لجنوب أفریقیا فعل ما
إقرأ أيضاً:
شهادات الخذلان العربي لفلسطين والمقاومة
ما قد يثير الاستغراب ليس خذلان الأنظمة العربية لفلسطين والمقاومة فقط؛ وإنما أن تبادر لتقديم ما لديها من خبرات و"مواعظ" للأمريكان والصهاينة في كيفية التعامل مع حماس وقوى المقاومة، وفي لعب دور المحرِّض عليها!!
هل تنقص الصهاينة والأمريكان الخبرة الوحشية والدموية اللازمة في اغتصاب الحقوق وقمع إرادة الشعوب؟ ولماذا إظهار "الفهلوة والشطارة" مع أعتى "شياطين الإنس"؟! أم أنها المصلحة المشتركة في محاربة "الإسلام السياسي" وتيارات المقاومة؟!
كتاب بوب وودوارد (Bob Woodward) الذي صدر مؤخرا بعنوان "الحرب" عن دار سايمون أند شوستر في نيويورك، يركز في أحد جوانبه الرئيسية على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ويتحدث عن خفايا السياسة الأمريكية وحديث المسؤولين الأمريكيين مع عدد من الزعماء العرب، ويكشف جانبا مما كان يدور في الكواليس، حول حقيقة موقف هؤلاء الزعماء من قضية فلسطين ومن حماس، ومن معركة طوفان الأقصى، ومن العدوان الإسرائيلي على القطاع.
بعض زعماء دول الاعتدال أكد على وجوب القضاء على حماس، وإعطاء الفرصة للاحتلال الإسرائيلي لتدميرها (انظر الصفحات 255-260). أما رئيس المخابرات في دولة عربية كبرى فقدم خلاصة خبرته في التوغل في غزة، وحول قوة حماس وإمكاناتها وأنفاقها، ونصح ألا يدخل الإسرائيليون القطاع مرة واحدة؛ وإنما نصح المحتلين الصهاينة بقوله "انتظروهم حتى يظهروا، ثم اقطعوا رؤوسهم"!! (صفحة 263). إحدى الدول الخليجية الكبرى قال زعيمها إنه لا يريد التطبيع فقط مع "إسرائيل"، ولكنه يريده بشكل عاجل!! غير أنه يريد للمشاكل التي أوجدتها عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر أن تختفي أولا (ص 297).
لم يكن بوب وودوارد هو الشخص الأول الذي يكشف بعض هذه الخفايا، فقد سبق لدينيس روس (Dennis Ross) (وهو مسؤول أمريكي كان له دور أساس في مسار التسوية السلمية) أن تحدّث مع عدد من الزعماء العرب بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ممن تربطه بهم علاقة منذ فترة طويلة؛ وذكر أنهم أخبروه أنه لا بد من تدمير حماس في قطاع غزة، وأنها لا يجب أن تنتصر لأن ذلك سيضفي شرعية على الأيديولوجيا (الإسلام السياسي) التي تتبناها
التأكيد على أن حماس هم الإخوان المسلمون، وأن الإخوان لهم دورهم في إثارة "عدم الاستقرار" في المنطقة، كان عنصرا مشتركا لما استمعه بلينكن من عدد من الزعماء العرب.
لم يكن بوب وودوارد هو الشخص الأول الذي يكشف بعض هذه الخفايا، فقد سبق لدينيس روس (Dennis Ross) (وهو مسؤول أمريكي كان له دور أساس في مسار التسوية السلمية) أن تحدّث مع عدد من الزعماء العرب بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ممن تربطه بهم علاقة منذ فترة طويلة؛ وذكر أنهم أخبروه أنه لا بد من تدمير حماس في قطاع غزة، وأنها لا يجب أن تنتصر لأن ذلك سيضفي شرعية على الأيديولوجيا (الإسلام السياسي) التي تتبناها. كما سبق للقائد البارز في حماس موسى أبو مرزوق أن ذكر أن الكثير من الأجانب أخبروه أن أعضاء في السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية يطالبون الغرب سرا بالقضاء على حماس.
ثمة أسئلة تدور في أذهان أبناء البلاد العربية، وكل من يتابع القضية الفلسطينية:
1- على أي أساس يُعرّف الزعماء العرب أنفسهم من ناحية الدين والهوية والانتماء القومي؟! وكيف يرون المسؤوليات المترتبة على ذلك، خصوصا إذا كان شعب فلسطين شريكا لهم في الدين والهوية والقومية والتراث والتاريخ المشترك؛ كما أنّ قيامه بالدفاع عن نفسه ضد الاحتلال هو حق طبيعي تكفله القوانين والشرائع الدولية؟! وإذا كانت نصرة العرب لشعب فلسطين واجب؛ فلماذا يضعون أيديهم في أيدي الاحتلال وعدو الأمة ضد أهلهم وإخوانهم؟!
2- لماذا هذا العداء لحماس، مع أنها لم تتدخل في شؤون الأنظمة الداخلية، ولم تطلق رصاصة واحدة في تلك البلدان، وتركز عملها ضد العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة فقط، بينما تتحمل حماس اعتقالات هذه الأنظمة وحصارها الظالم وحملات التشويه الإعلامي دون أن ترد الإساءة بمثلها، حتى لا تدخل في أي نزاع مع بلد عربي؟ هل يدرك عدد من القادة أن شعبية حماس وسط شعوبهم هي أكثر من شعبية القادة والزعماء أنفسهم؟!
3- يا زعماء "الاعتدال"، إذا كانت مشكلتكم مع حماس فما مشكلتكم مع الشعب الفلسطيني؟! ألم تحرك المجازر التي ترتكب يوميا على مدى 390 يوما الماضية فيكم ساكنا؟! أكثر من 43 ألف شهيد و102 ألف جريح، والدمار الوحشي للمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس وكل البنى التحتية، وأشكال الإبادة الجماعية.. لم تُغيّر سياستكم.
قطعا تستطيع البلاد العربية إن أرادت حقا أن تكسر الحصار، وأن توقف المجازر ولديها إمكانات هائلة لفعل ذلك.. ولكن هذه البلاد تواصل حصار الشعب الفلسطيني، وتواصل علاقاتها بالعدو، وتواصل تزويد العدو باحتياجاته.. وتمنع الحملات الشعبية لجمع التبرعات، كما تمنع المظاهرات والاعتصامات، وتغلق وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بكل ما يتعلق بالتضامن مع شعب فلسطين ومعاناته ومقاومته؛ بل إن بعض الدول تعاقب سكانها على مجرد "تغريدة" أو إشارة "إعجاب".. وتكتفي بإرسال بعض المساعدات ذرا للرماد في العيون، بينما لا يصل مجموع تبرعاتها وحملات دعمها قيمة استئجار قدم لاعب أجنبي لكرة القدم!!
هذه الدول مشغولة فقط بتهيئة البيئة العربية لهزيمة حماس والمقاومة والطعن والتحريض ضدها، كما تفعل العديد من وسائل الإعلام الخليجي؛ وتحميل المقاومة مسؤولية مجازر الاحتلال بدلا من تحميلها للاحتلال نفسه.
4- لماذا يرفض هؤلاء الزعماء العرب التعبير عن إرادة شعوبهم وعن حقيقة مواقفها تجاه قضية فلسطين؟ فوفق استطلاعات الرأي فإن نحو 90 في المئة هم ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، وضد الاحتلال الإسرائيلي، ومع حق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة.
آن للأنظمة العربية أن تدرك أن المراهن على الاحتلال الإسرائيلي خسران، خصوصا بعد أن أسقطت المقاومة النظرية الأمنية الإسرائيلية، وأسقطت فكرة الملاذ الآمن لليهود الصهاينة، وأسقطت فكرة شرطي المنطقة والعصا الغليظة للغرب، وبعد أن أثبتت المقاومة بأدائها المتميز إمكانية هزيمة المشروع الصهيوني، وأصبحت المقاومة حالة إلهام للشعوب العربية والإسلامية بل ولشعوب العالم
5- هناك دول عالمية عديدة قطعت علاقاتها بالكيان الإسرائيلي أو علقتها وسحبت سفراءها، كما فعلت بوليفيا وكولومبيا وتشيلي والبرازيل وجنوب إفريقيا ونيكاراجوا وغيرها.. ولكن ما زالت دول عربية تحتفظ بعلاقاتها الديبلوماسية والاقتصادية مع الاحتلال.. فلماذا؟! وحتى الدول الغربية المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، لا تمنع المظاهرات وحملات الدعم الشعبي بكافة أشكالها للفلسطينيين، فلماذا تلاحق أنظمة عربية أبناء شعوبها على أنفاسهم، وتمنعهم حتى مجرد إبداء مشاعرهم.. ألا تدرك هذه الأنظمة أن الشعوب المقهورة تُراكم الوعي، ولا تنسى ما تراه من خذلان واسترضاء للاحتلال؛ وأنها ستغيّر هذا الواقع عاجلا أم آجلا؟
6- هل تدرك الأنظمة أن المقاومة في فلسطين هي خط الدفاع الأول عن البلدان العربية، وأنها حائط الصد ضد العدو الصهيوني لحماية الأمة العربية والإسلامية؟! لقد صرح نتنياهو منذ أيام أنه سيعيد ترتيب النظام الأمني في المنطقة، بمعنى أن طغيانه وسطوته لن تتوقف عند حدود فلسطين، وأنه سيُدخل هذه البلدان في "بيت الطاعة" وفق شروطه ومعاييره.
وعلى الرغم من معرفتنا أن هذه الأنظمة هي أصلا واقعة تحت الهيمنة الأمريكية الغربية.. ولكن يبدو أن شروط الولاء والإذلال ستتزايد، إذا ما فرغ نتنياهو وحلفاؤه (لا سمح الله) من الملف الفلسطيني؛ وهو ما سيوجد بيئة متفجرة في المنطقة، لأن أحد أبرز الاستحقاقات هي وقوع هذه الأنظمة في أزمات أعمق في مواجهة شعوبها.
لقد آن للأنظمة العربية أن تدرك أن المراهن على الاحتلال الإسرائيلي خسران، خصوصا بعد أن أسقطت المقاومة النظرية الأمنية الإسرائيلية، وأسقطت فكرة الملاذ الآمن لليهود الصهاينة، وأسقطت فكرة شرطي المنطقة والعصا الغليظة للغرب، وبعد أن أثبتت المقاومة بأدائها المتميز إمكانية هزيمة المشروع الصهيوني، وأصبحت المقاومة حالة إلهام للشعوب العربية والإسلامية بل ولشعوب العالم، كما أثبتت أنه لا يمكن تطويع الشعب الفلسطيني ولا يمكن تجاوز قضية فلسطين، وأن الأنظمة العربية لا تستطيع إدارة ظهرها لشعب فلسطين ومقاومته ومعاناته، وأن هذه القضية ستفرض أجندتها على الجميع.
x.com/mohsenmsaleh1