في عز الحرب يهتف المغفلون: يا احزاب كفاية خراب!
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
رشا عوض
هذا السودان شهد اربعا وخمسين سنة من الحكم العسكري، ثلاثون منها ما يسمى بالانقاذ، وهي عبارة عن تزاوج الفاشية العسكرية مع الفاشية الكيزانية ، طيلة هذه السنوات كان هناك عملا منهجيا لغسيل ادمغة السودانيين لتوطين كراهية الديمقراطية والتسبيح بحمد العسكر والاستبداد الذي يستظل ببنادقهم! وهذا ما يفسر ان هناك من يردد ببغائية ونحن في طاحونة هذه الحرب : يا احزاب كفاية خراب!!!
الدانات والرصاص وقذائف المدفعية والطيران التي تحصد ارواح السودانيين الابرياء وتحيل اجسادهم الى اشلاء وبيوتهم الى انقاض سببها الصراع على السلطة بالسلاح بين اطراف مسلحة هي الجيش الذي بعض قياداته طامعة في الحكم العسكري القابض ، والكيزان الذين لديهم مركز ثقل عسكري داخل الجيش والامن والشرطة فضلا عن كتائبهم المسلحة وبهذه الترسانة الضخمة يريدون الاستيطان في السلطة الى الابد( زمان قالوا لن نسلم السلطة الا لعيسى في اشارة الى اخر الزمان وعلامات الساعة التي من بينها نزول المسيح عيسى عليه السلام ، ولكن لسان حالهم الآن يقول انهم تراجعوا عن فكرة التسليم لعيسى وما بعيد يطلعوهو قحاتي) ، والطرف الثالث هو الدعم السريع الذي انشأه وسلحه ودربه الكيزان وعناصرهم المتنفذة داخل الجيش ليكون عصاهم التي يضربون بها الحركات المسلحة المتمردة عليهم، ولكن انقلب السحر على الساحر ، واصبح الدعم السريع طرفا اصيلا في صراع السلطة، ونتيجة هذا الصراع على السلطة بين اطراف مسلحة اندلعت هذه الحرب المدمرة التي خربت السودان تخريبا من العيار الثقيل على الصعيد المادي والمعنوي فضلا عن الخراب السياسي والاقتصادي المتراكم خلال اكثر من نصف قرن من الحكم العسكري والكيزاني، وهي حرب تنذرنا بتغيير جغرافية السودان التي سبق ان تغيرت بانفصال الجنوب .
في عز دوي الانفجارات والحرائق المشتعلة والجثث المتحللة والمباني المنهارة على رؤوس الابرياء ، فان الهتاف الذي يمكن ان يردده كل سوداني موجوع على وطنه من الخراب والدمار الذي حاق به هو:
يا كيزان كفاية خراب
ويا جيش كفاية خراب
ويا دعم سريع كفاية خراب
ويا جيش ويا دعم سريع ويا كيزان ما عايزين حكم عسكري في السودان!
هذا هو المنطق المسنود بحقائق موضوعية ومعلومات صلبة وواقع محسوس وملموس ! السودان على مدى ٥٤ عاما من سنوات استقلاله ال ٦٨ محكوم عسكريا وكيزانيا بمعنى ان مركز ثقل السلطة الفعلية كان في قلب المؤسسة العسكرية وهذه المؤسسة على مدى ثلاثين عاما احتل مفاصلها القيادية الكيزان.
حتى بعد ثورة ديسمبر المجيدة كانت المؤسسة العسكرية الضخمة غير خاضعة للسلطة المدنية بل مستعلية عليها بالسلاح وبحكم سيطرتها على جل الموارد الاقتصادية ، وهذا امر واقع انتجته عقود طويلة من الهيمنة العسكرية على الحكم ثم الهيمنة الكيزانية، وعندما حاولت قوى الثورة تغيير هذا الواقع بصورة اصلاحية متدرجة عبر الاصلاح الامني والعسكري وتفكيك التمكين كانت النتيجة انقلاب ٢٥ اكتوبر ثم حرب ١٥ ابريل.
في ظرفنا الراهن كل من يرفع عقيرته: يا احزاب كفاية خراب فهو متورط بوعي او بدون وعي في عملية الغسيل المجاني او مدفوع القيمة للكيزان والعسكر بكل تشكيلاتهم، مستخدما في هذا الغسيل وسيلة ال blame shifting، اي تحويل اللوم من المجرم الاصلي الى اخرين !
هذه الالاعيب مكشوفة لكل صاحب فطرة وطنية سليمة مهما اسرف المثقفون النافعون في الحذلقة والالتواء والاكروبات السياسية.
لا يمكن ان يتجرأ شخص طبيعي ويقول الكيزان والعسكر لم يخربوا السودان! الوسيلة الوحيدة لتبرئتهم هي تفريق دم اجرامهم بين الاحزاب بطرق ماكرة وخبيثة وضلالية توحي بان هذه الاحزاب المفترى عليها هي صاحبة الدور الاكبر في تخريب البلاد وهي المسؤولة بشكل شبه كامل حتى عن هذه الحرب اللعينة! وهذا درك من الكذب الفاجر والتضليل الارعن لا يمكن ان يتورط فيه من يمتلك الحد الادنى من النزاهة واحترام الذات قبل احترام عقول الاخرين.
هذا لا يعني على الاطلاق ان الاحزاب السياسية السودانية لم ترتكب اخطاء استراتيجية في مسيرة السودان الوطنية منذ الاستقلال، فالنقد الجذري للاحزاب واجب في سياق تقويم تجربتنا الديمقراطية لا في سياق التواطؤ مع الاستبداد العسكري او الكيزاني، فكل شعار لا بد من فحصه على ضوء السياق الكلي للصراع السياسي والمعطيات الموضوعية للواقع.
لدي ورقة منشورة في كتاب صغير ضمن سلسلة منشورات الفكر الديمقراطي بعنوان "ديمقراطيات بلا ديمقراطيين الاحزاب وثورة اكتوبر"، هذه الورقة حملت حزبي الامة والوطن الاتحادي كامل المسؤولية عن انهيار التجربة الديمقراطية بعد ثورة اكتوبر لسبب موضوعي هو وجودهما على رأس السلطة في ذلك الوقت، وهذا التوضيح مهم جدا لفيالق الحمقى التي ستتكالب على هذا المقال وتختزله في انه تطبيل مغرض للاحزاب او تملق لها لمصالح خاصة، وهذا في سياق التهرب من النقاش الموضوعي لانخراط مجموعات بعينها تمارس اقصى درجات المزايدة الثورية وانطلاقا من هذه المزايدة تسرف في تعلية نبرة هتاف يا احزاب كفاية خراب الى اعلى مستوى، والغريب المريب انها فعلت ذلك اثناء مناهضة انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ واثناء حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣ !
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الغريب.. والأغرب
بدد الروس فرصة كانت مواتية فى مجلس الأمن لوقف الحرب فى السودان، واستخدم المندوب الروسى فى المجلس سلاح الڤيتو فقتل مشروع قرار وقف الحرب فى المهد.
مشروع القرار كان مقدمًا فى مجلس الأمن من جانب بريطانيا وسيراليون، وكان أمل الذين قدموه أن تتوقف نار هذه الحرب التى دخلت عامها الثانى فى الخامس عشر من أبريل من هذه السنة، وكان من بين نتائجها حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة أن ٢٥ مليون سودانى صاروا فى عداد الذين ينتظرون المساعدات الإنسانية!
الغريب أن جميع أعضاء المجلس صوتوا لصالح تمرير مشروع القرار، إلا روسيا التى شرعت سلاح الڤيتو فى وجه المصوتين لتواصل الحرب طريقها فى تدمير السودان.. وكان وزير الخارجية البريطانى قد وصف الڤيتو الروسى بأنه «وضيع»، وأضاف أنه من العار على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن يواصل الحرب على أوكرانيا، وأن يقف حجر عثرة فى طريق وقف الحرب فى السودان.
ولم يوضح المندوب الروسى الأسباب التى دعت بلاده إلى اتخاذ هذا الموقف الغريب والعجيب، وكان كل ما فعله أنه ألمح إلى «استعمار بريطانى جديد» يقف وراء مشروع القرار.. وهذا كلام غامض كما ترى لأنه لا يشرح كيف ولا لماذا؟
وليس أغرب من الموقف الروسى إلا موقف الحكومة السودانية التى رحبت بما فعلته موسكو فى المجلس، وبغير أن تقول لنا هى الأخرى كيف ولماذا؟.. كيف ترحب بتعطيل مشروع قرار يوقف الحرب وينقذ السودان؟ ولماذا تتخذ هذا الموقف وهى أدرى الناس بما ألحقته الحرب بالبلاد من خراب، ومن تدمير، ومن تبديد للثروات العامة والخاصة؟
وقد اكتملت المأساة عندما نقلت وسائل الإعلام خبرًا عن قيادى فى قوات الدعم السريع بالتوازى مع ما جرى فى المجلس يقول فيه، إنهم فى قوات الدعم السريع التى تقاتل الجيش يفكرون فى الإعلان عن تشكيل حكومة فى المناطق التى يتواجدون فيها!
وحين يحصل هذا فسوف يكون وبالًا على كل سودانى، لأن معناه أن يلحق السودان بليبيا التى تعرف حكومتين إحداهما فى الشرق والأخرى فى الغرب.. وهكذا يتكاثر على السودانيين ما تكاثر من قبل على الليبيين، ويدفع الشعبان فى البلدين ثمن صراع على السلطة مرة وعلى الثروة مرةً ثانية!