سودانايل:
2025-02-02@12:32:04 GMT

في عز الحرب يهتف المغفلون: يا احزاب كفاية خراب!

تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT

رشا عوض
هذا السودان شهد اربعا وخمسين سنة من الحكم العسكري، ثلاثون منها ما يسمى بالانقاذ، وهي عبارة عن تزاوج الفاشية العسكرية مع الفاشية الكيزانية ، طيلة هذه السنوات كان هناك عملا منهجيا لغسيل ادمغة السودانيين لتوطين كراهية الديمقراطية والتسبيح بحمد العسكر والاستبداد الذي يستظل ببنادقهم! وهذا ما يفسر ان هناك من يردد ببغائية ونحن في طاحونة هذه الحرب : يا احزاب كفاية خراب!!!
الدانات والرصاص وقذائف المدفعية والطيران التي تحصد ارواح السودانيين الابرياء وتحيل اجسادهم الى اشلاء وبيوتهم الى انقاض سببها الصراع على السلطة بالسلاح بين اطراف مسلحة هي الجيش الذي بعض قياداته طامعة في الحكم العسكري القابض ، والكيزان الذين لديهم مركز ثقل عسكري داخل الجيش والامن والشرطة فضلا عن كتائبهم المسلحة وبهذه الترسانة الضخمة يريدون الاستيطان في السلطة الى الابد( زمان قالوا لن نسلم السلطة الا لعيسى في اشارة الى اخر الزمان وعلامات الساعة التي من بينها نزول المسيح عيسى عليه السلام ، ولكن لسان حالهم الآن يقول انهم تراجعوا عن فكرة التسليم لعيسى وما بعيد يطلعوهو قحاتي) ، والطرف الثالث هو الدعم السريع الذي انشأه وسلحه ودربه الكيزان وعناصرهم المتنفذة داخل الجيش ليكون عصاهم التي يضربون بها الحركات المسلحة المتمردة عليهم، ولكن انقلب السحر على الساحر ، واصبح الدعم السريع طرفا اصيلا في صراع السلطة، ونتيجة هذا الصراع على السلطة بين اطراف مسلحة اندلعت هذه الحرب المدمرة التي خربت السودان تخريبا من العيار الثقيل على الصعيد المادي والمعنوي فضلا عن الخراب السياسي والاقتصادي المتراكم خلال اكثر من نصف قرن من الحكم العسكري والكيزاني، وهي حرب تنذرنا بتغيير جغرافية السودان التي سبق ان تغيرت بانفصال الجنوب .


في عز دوي الانفجارات والحرائق المشتعلة والجثث المتحللة والمباني المنهارة على رؤوس الابرياء ، فان الهتاف الذي يمكن ان يردده كل سوداني موجوع على وطنه من الخراب والدمار الذي حاق به هو:
يا كيزان كفاية خراب
ويا جيش كفاية خراب
ويا دعم سريع كفاية خراب
ويا جيش ويا دعم سريع ويا كيزان ما عايزين حكم عسكري في السودان!
هذا هو المنطق المسنود بحقائق موضوعية ومعلومات صلبة وواقع محسوس وملموس ! السودان على مدى ٥٤ عاما من سنوات استقلاله ال ٦٨ محكوم عسكريا وكيزانيا بمعنى ان مركز ثقل السلطة الفعلية كان في قلب المؤسسة العسكرية وهذه المؤسسة على مدى ثلاثين عاما احتل مفاصلها القيادية الكيزان.
حتى بعد ثورة ديسمبر المجيدة كانت المؤسسة العسكرية الضخمة غير خاضعة للسلطة المدنية بل مستعلية عليها بالسلاح وبحكم سيطرتها على جل الموارد الاقتصادية ، وهذا امر واقع انتجته عقود طويلة من الهيمنة العسكرية على الحكم ثم الهيمنة الكيزانية، وعندما حاولت قوى الثورة تغيير هذا الواقع بصورة اصلاحية متدرجة عبر الاصلاح الامني والعسكري وتفكيك التمكين كانت النتيجة انقلاب ٢٥ اكتوبر ثم حرب ١٥ ابريل.
في ظرفنا الراهن كل من يرفع عقيرته: يا احزاب كفاية خراب فهو متورط بوعي او بدون وعي في عملية الغسيل المجاني او مدفوع القيمة للكيزان والعسكر بكل تشكيلاتهم، مستخدما في هذا الغسيل وسيلة ال blame shifting، اي تحويل اللوم من المجرم الاصلي الى اخرين !
هذه الالاعيب مكشوفة لكل صاحب فطرة وطنية سليمة مهما اسرف المثقفون النافعون في الحذلقة والالتواء والاكروبات السياسية.
لا يمكن ان يتجرأ شخص طبيعي ويقول الكيزان والعسكر لم يخربوا السودان! الوسيلة الوحيدة لتبرئتهم هي تفريق دم اجرامهم بين الاحزاب بطرق ماكرة وخبيثة وضلالية توحي بان هذه الاحزاب المفترى عليها هي صاحبة الدور الاكبر في تخريب البلاد وهي المسؤولة بشكل شبه كامل حتى عن هذه الحرب اللعينة! وهذا درك من الكذب الفاجر والتضليل الارعن لا يمكن ان يتورط فيه من يمتلك الحد الادنى من النزاهة واحترام الذات قبل احترام عقول الاخرين.
هذا لا يعني على الاطلاق ان الاحزاب السياسية السودانية لم ترتكب اخطاء استراتيجية في مسيرة السودان الوطنية منذ الاستقلال، فالنقد الجذري للاحزاب واجب في سياق تقويم تجربتنا الديمقراطية لا في سياق التواطؤ مع الاستبداد العسكري او الكيزاني، فكل شعار لا بد من فحصه على ضوء السياق الكلي للصراع السياسي والمعطيات الموضوعية للواقع.
لدي ورقة منشورة في كتاب صغير ضمن سلسلة منشورات الفكر الديمقراطي بعنوان "ديمقراطيات بلا ديمقراطيين الاحزاب وثورة اكتوبر"، هذه الورقة حملت حزبي الامة والوطن الاتحادي كامل المسؤولية عن انهيار التجربة الديمقراطية بعد ثورة اكتوبر لسبب موضوعي هو وجودهما على رأس السلطة في ذلك الوقت، وهذا التوضيح مهم جدا لفيالق الحمقى التي ستتكالب على هذا المقال وتختزله في انه تطبيل مغرض للاحزاب او تملق لها لمصالح خاصة، وهذا في سياق التهرب من النقاش الموضوعي لانخراط مجموعات بعينها تمارس اقصى درجات المزايدة الثورية وانطلاقا من هذه المزايدة تسرف في تعلية نبرة هتاف يا احزاب كفاية خراب الى اعلى مستوى، والغريب المريب انها فعلت ذلك اثناء مناهضة انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ واثناء حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣ !  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

هل انقلبت موازين القوى في حرب السودان؟

هل انقلبت موازين القوى في حرب السودان؟

فيصل محمد صالح

شهدت الساحة السودانية تطورات كبيرة خلال الأسبوعين الماضيين، بخاصة على المستوى العسكري؛ إذ حققت قوات الجيش انتصارات كبيرة على «قوات الدعم السريع» في ولايتَي الجزيرة والخرطوم، تغيرت بسببها موازين القوى العسكرية.

بدأت قوات الجيش والمجموعات المتحالفة معها، ومنها قوات «درع السودان» بقيادة أبو عاقلة كيكل، و«كتائب البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبعض كتائب القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة، هجومها الواسع لاستعادة مدينة ود مدني الاستراتيجية، عاصمة ولاية الجزيرة من محاور عدة، واستطاعت دخولها بسهولة تشبه احتلال «قوات الدعم السريع» لها قبل نحو عام.

كان المظهر المتكرر لكل المناطق التي استعاد الجيش السيطرة عليها، بما فيها مدينة ود مدني، هو تراجع «قوات الدعم السريع» وانسحابها قبل وصول قوات الجيش، بحيث لم تدر معارك كبيرة إلا في المحاور الخارجية عند تقدم قوات الجيش نحو المدينة، لكن عند وصوله للمدينة دخلها بشكل سريع وبلا مقاومة. هذا الانسحاب المتكرر لا يقلل من أهمية انتصار قوات الجيش، ولا يقلل من الهزيمة التي تلقتها «قوات الدعم السريع»؛ فالانسحاب لم يكن عملية طوعية، لكنه تم تحت وطأة هجوم قوات الجيش من محاور متعددة، والتأكد من الهزيمة المتوقعة.

تكرر السيناريو ذاته في بعض مناطق ولاية الخرطوم، حيث حقق الجيش انتصارات كبيرة في منطقة وسط الخرطوم بحري؛ إذ التقت القوات القادمة من شمال المدينة مع قوات «سلاح الإشارة» المتخندقة منذ بدء الحرب في ثكناتها على ضفاف النيل الأزرق، ثم انطلقت نحو القيادة العامة للقوات المسلحة ومنطقة وسط الخرطوم. ويمكن القول الآن إن كل منطقة وسط الخرطوم بحري صارت في قبضة القوات المسلحة، وكذلك أجزاء من منطقة وسط الخرطوم، وتبقت مناطق ومواقع محددة لن تصمد طويلاً في يد «قوات الدعم السريع». لكن ما سر الانهيار السريع لـ«قوات الدعم السريع»؟

السبب الأساسي له علاقة بالانتشار الواسع الذي تورطت فيه «قوات الدعم السريع»، بحيث لم تستطع تأمين المناطق التي تحتلها، وكان رهانها الأساسي، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023، هو افتقاد الجيش قوات مشاة قادرة على الحركة السريعة وحرب المدن بسيارات سريعة وخفيفة تلتف على المدرعات والدبابات البطيئة الحركة. نتيجة لهذا التفوق سيطرت «قوات الدعم السريع» خلال أيام على كل ولاية الخرطوم باستثناء مواقع عسكرية محدودة، ثم امتدت للسيطرة على ولاية الجزيرة، مثلما سيطرت على كل إقليم دارفور، عدا مدينة الفاشر، وأجزاء من ولاية كردفان.

في خلال هذه الفترة استوعبت قوات الجيش آلاف المقاتلين، كما حصلت على كميات كبيرة من الآليات والأسلحة، وسجلت تفوقاً كبيراً باستخدام سلاح الطيران بعد حصولها على طائرات حديثة من دول صديقة. ويبدو أن تفوق سلاح الطيران لعب الدور الأساسي في تحطيم قدرات «قوات الدعم السريع»، وفتح الطريق أمام قوات المشاة لتتقدم على جبهات عديدة.

الموقف الآن يقول إن قوات الجيش استعادت السيطرة على معظم محليات أم درمان، عدا الجزء الجنوبي حتى جبل أولياء، وكذلك الأمر في منطقة بحري، حيث لم تتبقَّ إلا منطقة شرق النيل، وتحتاج قوات الجيش لأيام قليلة لتبسط سيطرتها على منطقة وسط الخرطوم، وتتبقى الأحياء الجنوبية في يد «قوات الدعم السريع».

واقع الحال يقول إن بقاء «قوات الدعم السريع» في بعض مناطق ولايتَي الخرطوم والجزيرة لم يعد ممكناً، إلا إذا دفعت بمجموعات جديدة، وهذا لا يبدو ممكناً في الوقت الحالي. وبالتالي، فإن التركيز سيبقى على إقليم دارفور وبعض مناطق ولايات كردفان، وهو ما يبدو مطابقاً لتوقعات سابقة بأن تتركز قوات كل طرف في مناطق معينة ويبقى واقع تقسيم السودان ماثلاً، سواء تكونت حكومة موالية لـ«قوات الدعم السريع» أو لا.

هذه الانتصارات العسكرية على الأرض لا تتجاهل إمكانية الوصول لتسوية سياسية لإنهاء الحرب، بخاصة مع وصول دونالد ترمب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وإعلانه أنه سيعمل لوقف كل الحروب، وبدأ بحرب غزة. تتوقع كل الأطراف ضغوطاً أميركية كبيرة خلال المرحلة القادمة لإنهاء الحرب، تشمل أطراف الحرب والدول الداعمة والممولة للحرب. لهذا تبدو هذه التحركات والانتصارات العسكرية مهمة لتعديل موازين القوى وتحسين المواقف التفاوضية، وقد نشهد خلال فترة قصيرة بدء جولات تفاوضية في منبر جدة أو منابر جديدة؛ فما بدأته الحرب ستكمله السياسة.

* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

الوسومأم درمان الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان بحري فيصل محمد صالح

مقالات مشابهة

  • دروس من تجربة الحرب الراهنة
  • هل انقلبت موازين القوى في حرب السودان؟
  • زي النهارده.. توقيع معاهدة سلام تورون التي أنهت الحرب البولندية الليتوانية التوتونية
  • عادل الباز يكتب: سياسة ترمب تجاه السودان
  • جامعة الخرطوم تستأنف مسيرة العطاء
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • مقال الرزيقي
  • تداعيات الحرب السودانية تفاقم معاناة جبال النوبة
  • شبكة أطباء السودان: نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تشير إلى قيام الحكومة التشادية بترحيل لاجئين سودانيين
  • ثورة الكرامة.. ثورة مائة الف شهيد