صدى البلد:
2024-10-05@18:46:55 GMT

مي حمدي تكتب: كل الخير

تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT

من الناس من ينعم بطيب العيش، أو على الأقل الحد الأدنى منه، ومع ذلك يرتدي دائما عبوساً ثقيل على النفس، غير مستساغ. فإذا سألته عن أحواله أطرق برأسه وأطلق تنهيدة حارة قبل أن يجيبك بأسى. ولا أتحدث إطلاقا عن حالة عابرة، أو أمر طاريء، فكلنا قد يمر بهذه الفترات، ولكني أتحدث عن أناس – عافانا الله – شكائين بكائين، حتى وهم في أسعد أوقات حياتهم.

فإذا مر بهم حدث سعيد، أوجدوا فيه "القطط الفاطسة" كي لا يضيعوا على أنفسهم فرصة الاستمتاع بالشكوى وتجسيد دور الضحية.

ولا أقصد أبدا إطلاق الأحكام، فالله أعلم بحال الجميع، وما قد يعانونه،  ولكن ما أريد  تسليط الضوء عليه هو نوع آخر من الأشخاص، الذين تعرف عن حياتهم ما تنوء بحمله العصبة أولو القوة، ومع ذلك يستقبلونك بابتسامة مبهجة مجيبين عن سؤالك عنهم بأنهم في "زحام من النعم"، أو في "بحر من النعم"، وهو تعبير جميل ينم عن رضا وحمد محببين إلى الله وإلى النفس. وقد علمنا سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمر المؤمن كله خير، وذلك في قوله: ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) .

يتحدث هؤلاء، فيأتي صوتهم محملاً بأزهار وفراشات، ما أن تسمعه قادماً من بعيد حتى تبتهج . فهم يثيرون التفاؤول والطاقة الإيجابية في المكان، يمنحون الابتسامات ولو خفي في قلوبهم ما خفي من الهموم. يتحدثون برضا، ويمنحون الأمل. هؤلاء الاشخاص في حد ذاتهم هم نعمة من نعم الله علينا، وهم واحة نستظل فيها  من متاعب الحياة لنتمكن من مواصلة السعي.

ومن الناس من يحمل في صدره ودا وفي لسانه ورداً، يتمتع بسلامة الصدر، فلا يستنكف أن يقول عن الجميل أنه جميل، وأن يذكر للمجتهد أنه مجتهد، وللمتميز أنه متميز، يفرح بوصول الأقران، ويصفق لنجاح الآخرين. يرى ما بداخل الناس من جمال، ويمكنه أن يغض الطرف عن عيوبهم التي يمكن أن تمر أو تُحتمل.  هؤلاء الناس، تشي نظرتهم للآخرين وحديثهم عنهم بجمال روحهم.  وهم ينشغلون بحالهم، فلا يعطلهم مراقبة حال الآخرين، ويعملون على تطوير  وتحسين أنفسهم، فلا يعنيهم الفرح في عثرات غيرهم، أو البكاء على اللبن المسكوب، أوتهويل الأمور وتقليب الهموم.  

ويحدثنا عالم النفس ومؤسس العلاج المعرفي السلوكي "ألبرت أليس" عن مجموعة قناعات غير منطقية وأفكار غير عقلانية، لا تتماشى مع الواقع، وقد تعيق تحقيق الأهداف، وتؤدي إلى الاضطرابات النفسية ، ولها مؤشران رئيسيان وهما: "المبالغة" أو "الكارثية"  في استقبال الصدمات ، و"الوجوب" بما يعني أن الأمور يجب أن تسير كما يريد الشخص بشكل مطلق. تتضمن تلك الأفكار أن الحياة لابد وأن تكون سهلة طول الوقت بدون أي نوع من عدم الراحة، وجميع الناس لابد أن يتصرفوا كيفما يراه الشخص صحيحا وإلا فإنهم سيئون ويستحقون العقاب ، وأن تعاسة الشخص تتعلق بالظروف الخارجية، ولا يستطيع تغيير شخصيته أو رد فعله. وعلم النفس يقول أن الحدث يتسبب فقط في نسبة قليلة من التأثير، أما النسبة الأكبر فتعتمد على رد فعل الشخص نفسه وكيفية استقباله للأمر.

ولا أدعي  المثالية أو "الآلية"، فأنا أحزن، وأغضب، وأقوم، وأسقط، وأرمم نفسي وروحي من جديد، ولكني أحاول دائما، وأجتهد لرؤية الجزء الإيجابي لأي حدث، ولعدم الاستسلام لأي شعور سلبي لفترة طويلة.  وأنا من الشخصيات التي تنزعج للأسف من المفاجآت أو التغيرات المفاجأة، ولكن ما يسعدني هو إدراكي لهذا الأمر، والعمل على محاولة تغييره، إلى جانب التسامح مع نفسي بقبول بعض الضيق، أو منح نفسي بعض الوقت حتى أتأقلم مع حدث مفاجيء، أو حتى يمر أمر مزعج،  بيقين من أن الله سيجعل كل شيء على ما يرام.

باختصار، لا يوجد إنسان لا يعاني، أو ليس لديه مشكلات، أو يعيش حياة مثالية باستمرار، أو يرتاح مع جميع الأشخاص في محيطه، وإنما لكل منا تحدياته وعقباته وعثراته.  فإذا عرفنا أن الدنيا دار ابتلاء وسعي واختبار، وأن النعيم الدائم الكامل في الجنة – رزقنا الله إياها -  وليس في الدنيا، لتعاملنا مع المشكلات بشكل مقبول لا مبالغة فيه، مدركين أن الرضا والتسليم لأمر الله وحمده وشكره، هو الخير، و كل الخير.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

حسين خوجلي: الوخز بالكلمات

١/ بالرغم من التدمير والخراب والاغتصاب والقتل والسلب واللصوصية والاجرام الذي مارسته مجموعات الارتزاق وشتات الحدود والمطرودين من رحمة الله والشعوب، بالرغم من ذلك فإن الكثير من القيادات الحزبية التي لا حظ لها في الديمقراطية ذات المقاعد الصفرية ظلت تشكل بارادتها في المنافي ظهيراً للغزاة، مع أن المعلومات التي يتداولها الناس بأن منازلهم وأهاليهم ونسائهم لم يسلموا من النهب والاغتصاب والجرائم العابرة والممنهجة.
وبالرغم من هذا الاذلال فما زالوا اللسان والبيان الحاقد لصالح هذا المتمرد ضد شعبهم ومعتقدهم ودينهم، إن كان لهؤلاء معنقد ودين.
وقد ذكرني موقفهم البائس هذا بحكاية الرجل الصالح المنقطع للعبادة في أحد شعاب الجبال، وكان من حوله مجموعة من الحواريين والأتباع وقد خرج أحدهم بدعوة شيطانية يزعم فيها بأن شيخه هو الله تعالى- وتعالى الله عن هذا علواً كبيراً – وبيده مقاليد كل شئ، وقد تصدى له الرجل الصالح وحاول اقناعه بشتى السبل والبراهين واتبع ذلك بالتقريع والعقاب.
ولكن الرجل زاد في غيه، بل أنه راح يستقطب آخرين لدعواه الفاجرة وتبعه في هذا خلق كثير. فأصدر الرجل الصالح قرارا قاسيا فقد أمر اتباعه ان يشعلوا ناراً وأن يلقوا فيها هذا الشيطان وقد فعلوا. وتحلقوا حول ناره ومعهم شيخهم الحزين لما آل تلميذه، ومن وسط الاحتراق واللظى ظل يصرخ بأعلى صوته الآن الآن أيقنت أنك الله فلا معذب بالنار الا هو.
وهذا لعمري هي ذات المطابقة ما بين القحاطة وسيدهم الغائب ومهديهم المنتظر.
٢/ شاعت عبارة لا للحرب وسط المدافعين عن التمرد والمرتزقة وهي كلمةُ حقٍ أريد بها باطل وأشرف الردود عليها وأيسرها قائمة نعم الآتية:
1. نعم للوطن
2. نعم للشعب
3. نعم للجيش
4. نعم للمقاومة الشعبية المسلحة
5. نعم لهزيمة المرتزقة واللصوص والشتات
6. نعم لاستعادة الأعيان والمقار المدنية
7. نعم لاستعادة بيوت الناس
8. نعم لاجلاء الخونة واللصوص والمارقين عن المدن السليبة
9. نعم لإقصاء وعقاب الطابور الخامس
10. نعم للانتصار
11. وأخيراً جدا (لا للحرب) ولا للحرب هنا للأخيار وللأحرار ولا للحرب هناك للأغيار والأشرار والفرق كما يقول السادة المتصوفة فرق نوعٍ ومقدارْ.
٣/ وصلتني إفادة من أحد الاخوة بأن مجموعة من ابناء القوات المسلحة الأبرار كانوا قد دخلوا بيت الامام الصادق بالملازمين ومن بعده قبة الامام المهدي وبيت الخليفة، وأخيرًا منزل الواثق البرير وزوجته زينب الصادق المهدي، والتي سارت بسخريتها الركبان حين قالت: الحق للدعامة بأن يستولوا على بيوت الناس، وإن لم يفعلوا فأين يذهبون، وسكتت عن اكمال بقية الجملة. تُرى أين يذهب المواطنون اصحاب الحق الشرعي في بيوتهم وقد تفرقت بهم السبل والأصقاع والمنافي.
الغريب في الأمر أن دارها قد سُلبت تمام وأصبحت مقرًا دائماً للغزاة. وعلى يديها وأمثالها من القيادات التي استولت على الحزب واسمه وسمعته بسلطة (المأزون) لا بسلطة المضمون وبسلطة (القسيمة) لا بسلطة العزيمة تتم كل هذه الجرائم والفضائح السياسية.
التحية من قبل ومن بعد لابناء الأنصار الشرفاء بالداخل وهم يقاتلون كتفاً بكتف بجانب القوات المسلحة والمقاومة لإرساء حقوق الشعب والوطن والشرعية، بأرواحهم وأموالهم ودمائهم الطاهرة التي جملت بضيائها الحمراء شرفات الوطن الجريح. وفي هذا المقام خرجت هذه الأبيات على طريقة الدوبيت:
الحزب القبيل ارساهو فارس الحوبة
البرمة وبرير هدوهو عِدم الطوبة
ميراث الكيان أدوهو لي زنوبة
بيتك حرروا راجيك ملاح اللوبا
٤/ كنا انذاك تلاميذاً صغاراً بأمدرمان الأهلية الوسطى، ورغم اليفاعة إلا أن أمدرمان المثقفة تعلمك الإصغاء والثقافة والأدب. كنا يومها نتحلق حول راديوهات الترانسيستر لنستمع لمداولات الجمعية التأسيسية، وقد كان البرلمان انذاك يعج بالخطباء والمتحدثين من أهل اللباقة واللغة والسخرية القارصة.
وقد استوقفتني أبيات من الخطاب التاريخي للمحجوب رئيس الوزراء الذي تمت تنحيته لسحب الثقة، وتنصيب السيد الصادق المهدي ابن الثلاثين رئيسا للوزراء. وكان يومها الحزب منقسما بين جناح الصادق وجناح الامام الهادي. استدل المحجوب صاحب اللسان الذرب بهذه الأبيات:
إِنَّ الأُلى قَد كُنتُ أَرمي دونَهُم
غَلّوا يَدَيَّ وَحَطَّموا أَقواسي
وَاِستَبدَلوا سَيفي الجِرازَ بِأَسيُفٍ
خُشبٍ وَباعوا عَسجَدي بِنُحاسِ
وقد قالها تعريضاً لنواب حزب الأمة الذين صوتوا ضده من الجناح الآخر، ظلت هذه الأبيات عالقه في ذاكرتي وقد ظننت أنها لشاعر جاهلي لرصانتها وقوة سبكها، ولكني لم اعرف اسم الشاعر ولم يدلني عليه احد، وبعد سنوات طوال كنت ارتب مكتبتي الخاصة فاحببت أن اراجع قصيدة الطلاسم لإيليا أبوماضي بديوان الخمائل أو الجداول (قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منك) والتي ينهي عدة مقاطع منها بتسائله اللطيف لست أدري. ولدهشتي الكبرى فقد وجدت أبيات المحجوب ضمن قصيدة للشاعر إيليا أبو ماضي المهجري الخطير.
وأجد نفسي اليوم اثبتها لكم كتابة فإن في حفظها تأسياً وتعزيةً للنفس وللوطن المستباح والعائد بإذن الله مع نفحات الصبح اذا تنفس.
إِنَّ الأُلى قَد كُنتُ أَرمي دونَهُم
غَلّوا يَدَيَّ وَحَطَّموا أَقواسي
وَاِستَبدَلوا سَيفي الجِرازَ بِأَسيُفٍ
خُشبٍ وَباعوا عَسجَدي بِنُحاسِ
وَالطَلُّ غَيرِ الماسِ إِلّا أَنَّهُم
خُدِعوا بِرَقرَقَةَ النَدى عَن ماسي
وَإِذا حَسِبتَ الرَوضَ تُغَنّي صورَةٌ
عَنهُ فَذَلِكَ مُنتَهى الإِفلاسِ
أَسَدُ الرُخامِ وَإِن حَكى في شَكلِهِ
شَكلَ الغَضَنفَرِ لَيسَ بِالفَرّاسِ
قَد كانَ لي حُلُمٌ جَميلٌ مونِقٌ
فَأَضَعتُهُ لَمّا أَضَعتُ نُعاسي
فَكَّرتُ في ما نَحنُ فيهِ كَأُمَّةٍ
وَضَرَبتُ أَخماسي إِلى أَسداسي
فَرَجَعتُ أَخيَبَ ما يَكونُ مُؤَمِّلٌ
راجٍ وَأَخسَرَ ما يَكونُ الخاسي
نَرجو الخَلاصَ بِغاشِمٍ مِن غاشِمٍ
لا يُنقَذُ النَخّاسَ مِن نَخّاسِ
وَنَقيسُ ما بَينَ الثُرَيّا وَالثَرى
وَأُمورُنا تَجري بِغَيرِ قِياسِ
نَغشى بِلادَ الناسِ في طَلَبِ العُلى
وَبِلادَنا مَتروكَةٌ لِلناسِ
نَكادُ نَفتَرِشُ الثَرى وَبِأَرضِنا
لِلأَجنَبِيِّ مَوائِدٌ وَكَراسي
وَنَلومُ هاجِرَها عَلى نِسيانِهِ
وَاللائِمِ الناسينَ أَوَّلُ ناسي
وَنَبيتُ نَفخَر بِالصَوارِمِ وَالقَنا
وَرِقابُنا مَمدودَةٌ لِلفاسِ
كَم صَيحَةٍ لِلدَهرِ في آذانِنا
مَرَّت كَما مَرَّت عَلى أَرماسِ
تُفنيكَ أَوجُهُهُم وَحُسنُ خَلاقِهِم
عَن كُلِّ وَردٍ في الرِياضِ وَآسِ
أَنا بَينَهُم أَسَدٌ وَجَدتُ عَرينَتي
أَنا بَينَهُم ظَبيٌ وَجَدتُ كِناسي
وَطَني أَحَبُّ إِلَيَّ مِن كُلِّ الدُنى
وَأَعَزُّ ناسٍ في البَرِيَّةِ ناسي

حسين خوجلي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • قصة «شيف الغلابة» من الضيق لسعة الرزق.. «عز الدين» يتحدى الإعاقة بمطبخ الخير
  • طهران لواشنطن : مرحلة ضبط النفس انتهت
  • أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ
  • حكاية أغنية.. "بسم الله" أشهر أغاني النصر لحنها بليغ حمدي على سلم ماسبيرو وشارك في غنائها العاملين بمبنى الإذاعة
  • طهران لواشنطن: مرحلة ضبط النفس انتهت
  • طفلة فلسطينية تكتب وصيتها قبل استشهادها: لا تبكوا عليّ ولا تصرخوا على أخي!
  • رسالة من إيران إلى واشنطن:مرحلة ضبط النفس انتهت
  • إيران تنتقد بيان مجموعة السبع بشأن “الدفاع عن النفس” وتصفه بـ”المنحاز”
  • ماذا قال مصطفى محمود عن الحياة بعد الموت؟.. أسرار من العلم والإيمان
  • حسين خوجلي: الوخز بالكلمات