د.حماد عبدالله يكتب: نعم.. يا حبيبى.. نعم !!
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
"أنا بين شفايفك نغم –أيامى قبلك ندم –وأيامى بعدك عدم.. عدم.. ياحبيبى" !!
كل هذه الأحاسيس والمشاعر الجميلة –والتشبيهات المستحيلة الحدوث إلا فى الأحلام الرومانسية –والتى لا أعتقد أنها تعيش بيننا الأن –إلا فى أساطير إذاعة الأغانى المصرية –من خلال أغانى زمان..
ولعل وجه الإستغراب فى أن تكون مثل هذه المعانى لا تستخدم فى عصرنا الحالى السريع الحركة –والمتقلب الأوضاع –والمتغير فى "الأمزجة" –هو تعبير أكيد عن إختفاء الصدق فى العلاقات الإنسانية –ويظهر ذلك من خلال مبالغات شديدة فى الإحتفاء بعقد قران –نراه على صفحات مجلات متخصصة للصور المسجلة فى حفلات الزواج –وأعياد الميلاد وغيره من مناسبات –وكثير من هذه الإحتفالات يعقبها بزمن بسيط أخبار على صفحات النميمة –عن طلاق –ومن كثرة هذه الحالات –إبتدع المصريون المحدثون بمناسبة الطلاق –حفلات –فيقال أننا مدعوون على حفلة طلاق (فقوس من فقوسه) !!
وأعتقد أن المجلات المتخصصة سوف تسجل لقطات السعادة التى تصاحب هذه الظاهرة المجتمعية فى مصر –ونرى بعض السعادة وبعض الشماته –ولكن الشيىء الوحيد الذى قد تأكد إختفائه هو مشاعر الحب الصادق –التى تغنى بها عبد الحليم حافظ –وأم كلثوم –وعبد الوهاب –ونجاة –وغيرهم من تراثنا الفنى الرائع.
وقد إنعكست الحالة المزاجية المجتمعية على أداء فنانين وفنانات هذا العصر –فنرى أن عيون بيروت –أصبحت هى المتوجه على عرس الفن المسمى "بالطرب" أو المسمى "بالكليبات" أو المسمى "بالشبابيات" –أو أى شيىء لا علاقه له بأى إحساس أو مشاعر إنسانية –وكأن المؤدى أو المؤدية ـأخذت (شمة هيروين) أو (كورس بانجو) –وكذلك المتلقين لهذا النوع من الأداء-فالحالة متكاملة بين (مؤدى ومتلقى ) !!
ولعل ذلك يذكرنى –بهجوم قد حدث على سيدة الغناء العربى فى نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات حينما قام أحد الصحفيين ممن يفتقدوا الإحساس بغناء أم كلثوم (وهذا حق وليس فرض) إلا أن هذا الصحفى الكبير (الله يرحمه ) إتهم غناء أم كلثوم على أنه مشجع (للحشاشين) حيث كان حفل أم كلثوم فى أول خميس من كل شهر فى موسم الشتاء-ومن الساعة العاشرة مساءًا يصدح صوتها على الهواء مباشرة من أحد دور المسرح الأزبكية أو قصر النيل –إلى العالم العربى –الذى يختلف فيه المتلقون (والسميعة) كل بطريقته..
وكانت أهم طريقة للإنصات والإستماع والإستمتاع بأم كلثوم –أن يجتمع الأصدقاء(بعض الأصدقاء بجانب الراديو –وفى حوزتهم (الجوزة ) (والكراسى) (والمعسل )وتقريص(الحشيش) المحترم..
وبين الدخان الأزرق –وكلمات أحمد رامى وموسيقى رياض السنباطى وشدو أم كلثوم –
"غلبت أصالح فى روحى.. عشان ما ترضى عليك "
إلى أن تصل بشدوها إلى..
"وإزاى أقولك.. كنا زمان.. والماضى كان فى الغيب بكره
واللى إحنا فيه دلوقت كمان.. هيفوت علينا.. ولا ندرى "
وإتهمت أم كلثوم بأنها تسبب حالة من الغيبوبة حيث قال الكاتب (ولأمر ما تلتقى فى بلادنا العربية ظاهرتان.. الإعجاب المدهش الغريب بأم كلثوم –والإقبال على الحشيش –مع ملاحظة التأثير الواحد الذى تحدثه أم كلثوم والمخدرات... الغيبوبة )
وهب كل محبى أم كلثوم وعلى رأسهم المرحوم الرئيس (جمال عبد الناصر) للدفاع عن القيمة –وعن التراث المستقبلى (فى ذلك الوقت) عملًا لحساب اليوم.. فحتى الأن –أسعدتنا على إختلاف الأعمار والأجيال –والمهن والظروف –كانت سعد أيامنا وأفراح ليالينا..
حينما تشدو أم كلثوم فى أجواء مكان مغلق على شخص –فإنك إن عشت حبًا أو ألمًا أو فراقًا أو إنتميت لوطنك –فإننى أراهن على مدى يقظتك من غيبوبة –دون حشيش!!
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
الحِرَف التراثية مشروعٌ قومي
فى زيارة لجزيرة «جِربة» التونسية سعدت بمهرجان «الفخّار» بمنطقة «قلّالة» التى تعد مركز تصنيع الفخار وعلمت من زملائى التوانسة أن أكثر من خمسة ملايين شاب تونسى يعملون فى الحرف التقليدية، وتذكرت ما رأيته بقرية «جراجوس» بقوص التى تفردت بدرجة عالية فى صناعة الخزف وأتقنته لدرجة مدهشة؛ وما شاهدته فى القُرنة والحبيل بالأقصر من تماثيل منحوتة من الأحجار يصنعها هواة فى إتقان لا يفرق بينه والأصلى سوى خبير متمكن، وما رأيته فى مدينة نقادة حيث أطلعنى الأستاذ حسام خليل الجعفرى على شغف الناس بالنّول وما ينتجونه من ملاءات وأثواب تُصَدر لدول أوروبية وإفريقية مختلفة،، فهم يصنعون «الفِركة» وهى ملاءة من خيوط الحرير تلتف بها النساء الإفريقيات وقد اشتهرت نقادة بصنعها وتصديرها إلى العالم، ولا توضع نقادة فى الخارطة السياحية فى الوقت الذى يزور مدينة براغ عاصمة دولة التشيك 25 مليونا من السائحين ينبهرون بالكريستال البوهيمى الذى يصنعه التشيكيون، وعندما زارنى وفد ألمانى ببيتى استقبلهم اللواء مجدى أيوب محافظ قنا الأسبق وأهداهم شِيلان أبهرتهم وقال لهم: هذه منسوجات يدوية من نَقَادة، وكم فرحت عندما قرروا بعدها زيارة نقادة وشراء كميات كبيرة أخذوها معهم، وقد أسعدنى اللواء عبدالحميد الهجان محافظ قنا السابق عندما خصص خمسين فدانا للحِرف التقليدية بنقادة والمحافظة، وأودّ أن أرى هذا المشروع وقد تحوّل إلى مدينة متكاملة حتى نحافظ على تراثنا ونعمل على جذب السياح وتشغيل شبابنا وربطهم بماضينا
ومن أهم الحرف صناعة الأثاث من الجريد كما فى قرى الصعيد والنوبة، والكليم اليدوى الذى تشتهر به إخميم بسوهاج، وقرية الحرانية التى تشتهر عالميا بصناعة السجاد يدويا، وقد أطلعنى الأستاذ محمد رفاعى مدير قصر الإبداع بالسادس من أكتوبر عندما توليت رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة على المنتوجات اليدوية من الزجاج والخشبيات والخطوط والنحاس والخيّامية وعرائس الأطفال وغيرها ما أبهرنى وجعلنى أومن بقدرة هذا الشعب على الإبداع والتميز المدهش، وهذا ما رأيته أيضا فى قصر الشُّرفا لذا أود أن يوضع القصران فى جدول زيارات الرؤساء والملوك الأجانب والسياح حتى نعمل على تسويق هذه المنتجات العظيمة الراكدة، والتى يتشوق لها العالم، وأتذكر عندما أَهديتُ أحد الأصدقاء الألمان إطارا خشبيا من الأرابيسك اليدوى كيف احتفى به وزوجته التى أصرت أن تضع صورة زفافهما فى هذا الإطار. ومن أجمل المنتوجات اليدوية الفخار فى قرية المحروسة والقلل القناوى، وصناعة الحصير من الحَلف فى بعض قرى الصعيد والدلتا؛ وقد شاركتُ الفنان الكبير مصطفى بكير ابن سيناء البار معرض التراث السيناوى ولا سيما المرأة السيناوية وكان معرضا متميزا وددتُ لو أنه يلف محافظات مصر جميعها حتى يروا كم حافظ السينائيون رغم كل الصعاب على تراثهم وهويتهم.
مختتم الكلام
قال الشاعر
إذا لم يكن نَدْهى عليك فلا على
وإن لم يكن شوقى إليك فلا إلى
[email protected]