( العولمة )
يمثل الغرب اليوم الثقافة الغالبة، بما وصل إليه من مستوى حضاري وتقني ومن سيطرة على الشركات الكبرى التي تعمل على التحكم بالموجهات العامة للمجتمع الإنساني، فالعالم من حولنا أضحى قرية صغيرة تتحكم بموجهاته الأجهزة الاستخبارية العالمية وبما يخدم مصالحها في الكرة الأرضية، على اعتبار أن النظام العالمي الرأسمالي- الذي تفرد بحكم العالم بعد انهيار المنظومة الشرقية عام 1990م- هو من يرسم الخطوط العريضة للموجهات العامة، وهو اليوم يعيد صوغ نظم جديدة تتسق مع زمن ما بعد الحداثة وهذه النظم أصبحت فاعلة ومتفاعلة في واقعنا العربي ولنا أن نشاهد ما تقوم به هيئة الترفيه في السعودية وأثر ذلك على المجتمعات العربية، باعتبار السعودية مركزية دينية مؤثرة .
وزمن ما بعد الحداثة في المفهوم الغربي ” هو حركة فكرية واسعة نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين كردة فعل على ادعاءات المعرفة القديمة المنتهية والمرتبطة بحداثة عصر النهضة، ولإنهاء الافتراضات المزعوم وجودها في الأفكار الفلسفية الحداثية المتعلقة بالأفكار، والثقافة، والهوية، والتاريخ، وتحطيم السرديات الكبرى، وأحادية الوجود واليقين المعرفي، وتبحث في أهمية علاقات القوة، والشخصنة، أو إضفاء الطابع الشخصي، والخطاب داخل بُنية الحقيقة والرؤى الشمولية، وينطلق العديد من مفكري ما بعد الحداثة من إنكار وجود واقع موضوعي، ومن إنكار وجود قيم أخلاقية موضوعية، والتشكك في السرديات الكبرى، والبحث عن خيارات جديدة، وتشمل الأهداف المشتركة لنقد ما بعد الحداثة الأفكار العالمية للواقع الموضوعي، والأخلاق، والحقيقة، والطبيعة البشرية، والعقل، والعلم، واللغة، والتقدم الاجتماعي.
ووفقًا لذلك، يتميز الفكر ما بعد الحداثي على نطاق واسع بالميل إلى الوعي الذاتي، والإحالة الذاتية، والنسبية المعرفية والأخلاقية، والتعددية، وعدم الاحترام.” .
ونحن اليوم نتعامل مع هذا التوجه الفلسفي والفكري ولا بد لنا من الوعي به، ومعرفة أبعاده وأنساقه حتى نتمكن من السيطرة على قيم المجتمع العربي المسلم من الانهيار والتفسخ القيمي، وعلينا أن ندرك أن التقدم المستمر للعلوم والتقنيات، وثورة التكنولوجيا – التي نصحو كل يوم على جديد في عالمها – قد أدخل إلى الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية عوامل جديدة للتغير والتبدل من طور إلى طور ما ساهم في انهيار المعايير والقيم الثقافية والأخلاقية للمجتمعات، فنحن نعيش عصر العولمة وذوبان الثقافات والهويات في بوتقة واحدة وهذا الانهيار يخدم في نهاية المطاف مصالح النظام الرأسمالي، حيث تحدد الحرية الفردية القدرة ونمط المصالح المتبادلة، وفي ظل هذه الصيرورة الاجتماعية بمختلف اتجاهاتها تحدد السياق العام لمفهوم الحداثة بوصفه ممارسة اجتماعية ونمطا من الحياة يقوم على أساسي التغيير والابتكار.»
ومن الملاحظ أن الحداثة في التجربة العربية لا تحيد عن طابع التقليد والمحاكاة الجوفاء لمظاهر التمدن الغربي ونماذجه الثقافية والحضارية، فالعرب أتباع كل ناعق لا يبتكرون واقعا حضاريا يشير إلى وجودهم وهويتهم ولكنهم يصرون على تمثل التجارب الغربية، وفي الغالب فالثقافة الغالبة أو ثقافة الأقوياء تفرض وجودها على وعي المجتمعات، وهذا أمر من المسلمات التي لا جدال فيها فهي متواترة في النسق الاجتماعي والثقافي التاريخي .
“وغالبا ما يظهر أن هذه النماذج الحضارية تتعارض مع النسق الحضاري العربي في أصوله وتجلياته الذاتية. وهذا يعني أن استجلاب مظاهر الحداثة من الغرب قد يؤدي إلى مزيد من الضياع والاحتضار. وقد يعني ذلك – وهذه هي الحالة على الأغلب في عالمنا العربي- تعايش منظومتين اجتماعيتين متنافرتين في آن واحد هما: مجتمع تقليدي يمارس حياته وفق معايير وقيم تقليدية، ومجتمع حداثي يعيش وفق أحدث المعايير العصرية دون أن يتمثل روح هذه المعايير ويتشرب من تدفقاتها الذاتية. ووفقا لهذا التصور فإن التحديث العربي في التاريخ المعاصر يأخذ صورة متناقضة مع الحداثة الحقيقة».
وهذا يعني أننا نعيش قشور المدنية وأن الروح الحقيقية للمجتمع المدني لم تستطع أن تأخذ مكانها في بنية الحياة الاجتماعية والروحية في المجتمع العربي.
فنحن نعيش على قشور المدنية وتتأصل فينا البداوة الشرسة التي تغيب معها القيم الإنسانية الأصيلة التي تضع الإنسان في صدارة غاياتها، رغم أن الغاية الكبرى للإسلام هي القيم والبنية الأخلاقية التي تعمل على ترتيب نسق الحياة وبما يتسق مع مضامين الرسالة المحمدية وغايتها المثلى .
مشكلتنا اليوم أننا وقعنا في عمق الأزمات المعقدة، ولم نستطع حل قضايا حقيقية ومعقدة ومتكاملة ومرتبطة ببعضها مثل الحداثة وفكرة الحرية وفكرة الاستقلال، وفكرة تطوير المجتمع، وتحديث قانون حركة التغيير في الطبيعة والمجتمع.
فلا يمكن اختزال حركة الثقافة في المجتمعات إلى “نمطية مماثلة” كونها ليست جامدة أو ميكانيكية، وبالتالي فالتيار النظري والمنهجي الذي يعتمد مقاربة ثقافية دينامية، ينظر إلى الفرد بوصفه فاعلًا اجتماعيًا، يؤثر ويتأثر، وينفعل ويتفاعل، في بيئة اجتماعية وثقافية محددة، لتصبح التشكيلات الاجتماعية، كخيارات الولاء والانتماء، معطًى يشارك الأفراد في تكوينه.
ومع هذا التصور الدينامي للثقافة، تكون الهوية بحد ذاتها كجدل إنساني واجتماعي، وتكون في ضوء هذه المقاربة صيرورةً تكوّن نسقًا ذا معنى عند الفرد الذي يتفاعل مع آخرين، بالوقت نفسه الذي يتفاعل فيه مع النسق الرمزي بشقيه الموروث والسائد، حيث يتطورون معًا.
ومثل ذلك من القضايا التي يجب الوقوف أمامها وإعادة تعريفها وبما يحفظ مضمون الرسالة القيمي والأخلاقي في زمن ما بعد الحداثة الذي ينذرنا بانهيار قيمي وانحطاط اجتماعي ومؤشرات الواقع في توجهات النظام الدولي معلنة اليوم وهي جزء من حربه معنا وإن لم نستنفر طاقاتنا الفكرية والفلسفية والثقافية وبما يخدم مشروعنا الإسلامي فإننا سوف نصبح لعبة في يد مصالحه .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الكشف عن الأهداف التي طالها القصف الأمريكي في صنعاء اليوم
مقاتلات أمريكية (وكالات)
في تطور ميداني يعكس تصعيدًا عسكريًا لافتًا، شنت مقاتلات أمريكية، فجر اليوم الخميس، تسع غارات جوية استهدفت مناطق شرقي العاصمة اليمنية صنعاء، في إطار ما وصفه مراقبون بأنه حلقة جديدة من التصعيد المزدوج الذي تتعرض له البلاد من قبل القوات الأمريكية والإسرائيلية، في ظل تزايد الدعم اليمني للقضية الفلسطينية وقطاع غزة.
وبحسب مصادر محلية، فقد استهدفت ست غارات جوية منطقة "براش" الواقعة شرقي جبل نقم، وهي منطقة تشهد بين الحين والآخر نشاطًا عسكريًا محدودًا لجماعة الحوثيين. كما طالت ثلاث غارات عنيفة جبل نقم نفسه، وسط سماع دوي انفجارات ضخمة في أرجاء العاصمة، ما أثار حالة من الهلع في أوساط السكان المدنيين.
اقرأ أيضاً تصعيد أمريكي غير مسبوق: أكثر من 20 غارة على 5 محافظات يمنية خلال ساعات 24 أبريل، 2025 انهيار قياسي جديد للريال اليمني.. الدولار يلامس سقفًا غير مسبوق في عدن اليوم 24 أبريل، 2025هذه الضربات الجوية تأتي بعد أقل من 24 ساعة على غارات إسرائيلية شنتها طائرات حربية على محافظة صعدة شمال البلاد، والتي شهدت تسع ضربات جوية استهدفت مواقع متفرقة، وفق ما أفادت به مصادر إعلامية.
وتأتي هذه الهجمات في سياق متواصل من الضغوط العسكرية التي تمارسها واشنطن وتل أبيب على قوات صنعاء، في محاولة – كما ترى أوساط سياسية – لثنيها عن موقفها المناصر لفلسطين، لا سيما بعد تصاعد الهجمات التي تنفذها جماعة الحوثيين ضد المصالح الإسرائيلية والغربية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وتعتبر صنعاء أن دعمها لغزة هو "جزء من واجبها القومي والديني"، وقد تبنّت منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع سلسلة من المواقف والخطوات التصعيدية، شملت تهديد الملاحة الإسرائيلية وشن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ بعيدة المدى.
الضربات الجوية الأخيرة أثارت موجة استنكار واسعة في الأوساط الشعبية والرسمية داخل اليمن، حيث اعتُبرت الهجمات انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية، واستمرارًا لما تصفه صنعاء بـ"العدوان الأمريكي-الإسرائيلي المشترك" على الشعب اليمني.
منظمات حقوقية نددت أيضًا بما أسمته "الاستهداف المتعمد للأحياء السكنية"، مشيرة إلى أن العديد من هذه الضربات تخلف أضرارًا كبيرة في الممتلكات، وتؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، ما يفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلًا في البلاد.