السفير الفلسطيني السابق بالقاهرة: مرافعة مصر أمام «العدل الدولية» رائعة وحفظت ماء وجه الأمة العربية
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
قال السفير بركات الفرا، السفير الفلسطينى السابق فى القاهرة، إن مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية أكثر من رائعة، وحفظت ماء وجه الأمة العربية أمام العالم.
وأضاف، فى حواره لـ«الوطن»، أن «الوضع فى غزة مأساوى وحجم الدمار والجرائم لم تشهده الحرب العالمية، والغزاويون يعانون من انعدام الغذاء والمياه والأدوية، ولا يوجد غزاوى حالياً يستطيع معرفة أين كان يسكن بسبب حجم الدمار وطمس المعالم».
ونوه «الفرا» بأن «تل أبيب» تحاول تصفية القضية بالعدوان والتهجير القسرى، وأن الاحتلال يرتكب جريمة إبادة جماعية للشعب، و«العدل الدولية» ليست حرة 100% ويمكن ممارسة ضغوط عليها من أمريكا وشركائها، كما أن إسرائيل مشروع أمريكى غربى لن يسمحوا له بالفشل.
«نتنياهو» يرغب فى استمرار الحرب حفاظاً على حكومته وخوفاً من تهديدات اليمين المتطرف وأمريكا منحازة لصالح إسرائيل واستخدام الفيتو ضد جرائمها فى قطاع غزة «عار» عليها«نتنياهو» يرغب فى استمرار الحرب حفاظاً على حكومته وخوفاً من تهديدات زعماء اليمين المتطرف. وأشار سفير فلسطين السابق إلى أن أحداث «7 أكتوبر» أظهرت إسرائيل «نمراً من ورق»، والغرب كان يراهن على أن الدولة العبرية قوة لا يمكن هزيمتها، لافتاً إلى أنه يتمنى تحقيق المصالحة الفلسطينية بين جميع الفصائل.
لا يوجد غزاوى حالياً يعرف مكان منزله بسبب طمس المعالم و«تل أبيب» تحاول تصفية القضية بالعدوان والتهجير القسرىكيف ترى تطورات الأوضاع فى فلسطين؟
- الوضع مأساوى للغاية، فى ظل الدمار الواقع وغياب الغذاء وانقطاع مياه الشرب وعدم وجود أدوية، إضافة إلى التهجير الداخلى لمليون و400 ألف نسمة يعيشون الآن فى رفح الفلسطينية بالخيام، العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وحجم الدمار والجرائم لم تشهد مثله الحرب العالمية الأولى أو الثانية إطلاقاً، فالمبانى السكنية والحكومية والبنية التحتية دمرتها إسرائيل بالكامل، وأتحدى أى غزاوى الآن أن يستطيع معرفة أين كان يسكن، بسبب حجم الدمار وطمس المعالم، فالناس فى غزة ينتظرون متى يموتون، ولم يعد هناك مكان آمن إطلاقاً، وإسرائيل تنفذ هذه المجازر أمام العالم بأكمله الذى يشاهد ويسمع ما يحدث، ورغم أن العالم إنسانياً يقول لا للحرب، إلا أنهم فى الواقع لا يتعدى موقفهم مجرد الكلام، دون مواقف على الأرض.
الشعب المصرى يعتبر فلسطين قضيته الأولى.. ومصر خاضت الكثير من الحروب من أجل القضية ويكفى أن مصر لم تستبح مطلقاً الدم الفلسطينى ولا أحد يستطيع أن يزايد على الدور المصرىتوجد تحركات دولية آخرها المرافعة الشفهية التى قدمتها مصر أمام محكمة العدل الدولية.. كيف ترى تلك التحركات؟
- بصراحة مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية شىء أكثر من رائع، وهى على الأقل بلد عربى، وأكبر دولة عربية داعمة لفلسطين، ولا تدّخر جهداً فى سبيل القضية، وبلا مبالغة أو مجاملة، وبدون أدنى شك، مصر بمرافعتها أمام العدل الدولية حفظت ماء وجه الأمة العربية، لأن وجه الأمة العربية يعانى الخزى بسبب ما يحدث فى فلسطين، فالدول العربية 22 دولة بعضها يمول إسرائيل بالبضائع وبعضها تربطه علاقات قوية بها، فبلا شك عمل مصر رائع ومشكور، والشعب الفلسطينى يشكر من أعماق قلبه كل الجهود التى تقوم بها مصر، ويشكرون القيادة السياسية والرئيس السيسى على موقفه من الأحداث بصفة عامة.
هل المرافعة تُعد تحويلاً لدفة التعامل الدولى مع هذه الحرب كجبهة جديدة للدعم والمساندة؟
- بالطبع.. فالقضية دولية، والموقف المصرى أكد على تدويل قضية فلسطين بالكامل وليس قطاع غزة أو الضفة فقط، ونحن أمام احتلال يقوم بجريمة إبادة للشعب الفلسطينى، ولا أحد فى العالم الآن يمكن أن يكون غير معنى بما يحدث فى فلسطين، لأن شعوب العالم بأكملها خرجت فيها مظاهرات رافضة لما يحدث، ويطالبون بوقف إطلاق النار.
هناك قرار سابق للأمم المتحدة عام 2022 يطلب من محكمة العدل إصدار فتوى بشأن الاحتلال الإسرائيلى للأرض الفلسطينية.. لماذا لم تصدر الفتوى؟
- لأن محكمة العدل الدولية تمارَس عليها ضغوط من الولايات المتحدة وشركائها، الذين لهم دور فيما يجرى، وأمريكا شريك لإسرائيل فى هذه الحرب بالسلاح والمال والرجال، وبالتالى محكمة العدل الدولية ليست حرة 100%، ويمكن ممارسة ضغوط عليها، وهى تتأثر بهذه الضغوط.
وكيف ترى حكمها فى الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا؟
- أثبتت المحكمة أنها عادلة فى مناقشتها للدعوى التى أقامتها جنوب أفريقيا، وطالبت إسرائيل بطلبات يجب استيفاؤها خلال شهر، وكنا نتمنى أن تأخذ قراراً بوقف إطلاق النار، لكن المجتهدين فى القانون قالوا إن وقف إطلاق النار يكون بين دولتين، وهم لا يعتبرون «حماس» دولة، فهى حركة مقاومة، وللأسف محكمة العدل الدولية قرارها غير ملزم، لأنها لا تملك جيشاً أو قوة تنفذ القرار، لكن قراراتها على الأقل أمام العالم بأكمله تمثل سلطة أخلاقية، وتضع الأمر أمام دول العالم، وأخطر شىء أن المحكمة لم ترفض أن إسرائيل ترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهذا مهم للغاية، فإسرائيل تتغنى بالهولوكست وهى تفعل أكثر من الهولوكست، وإدانة إسرائيل جعلت دول العالم الغربى تعلن، ولو على استحياء، تغيير موقفها، ووجدنا من يطالب بحل الدولتين، وفلسطين الآن عضو مراقب فى الأمم المتحدة، وهو قرار جعل العديد من دول العالم تعترف بالدولة الفلسطينية، لكن للأسف أمريكا لم تعترف بالدولة الفلسطينية، لأنه إذا أصبح هناك اعتراف رسمى وأصبحت فلسطين لها عضوية كاملة فى الأمم المتحدة، فهذا يجعلها تذهب لمجلس الأمن وتطالب بحل، وأمريكا تستخدم حق «الفيتو» ولاستصدار قرار من هذا القبيل لا بد أن تكون الدولة لها عضوية كاملة.
كيف تكون هناك دولة قديمة ويجرى الاعتراف بالدولة الجديدة ولا نعترف بالأصلية؟
- قرار التقسيم رقم 181 سنة 1947 كان يقضى بدولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية، ونتيجة الأحداث التى حدثت وحرب 1948 وما تلاها، رفض العرب قرار التقسيم، وإسرائيل تقبلت القرار، وترتب عليه أنهم أقاموا دولتهم، واعترفت بها أمريكا وروسيا فى البداية، ومن بعدهما الدول الأوروبية، لأن إسرائيل عبارة عن مشروع أوروبى، ومن يلاحظ الأحداث منذ 7 أكتوبر سيجد أن الإدارة الأمريكية بالكامل زارت إسرائيل ودعمتها، وأوروبا لا تبتعد عن الموقف الأمريكى، لأن إسرائيل هى مشروعهم ولن يسمحوا لهذا المشروع بأن يفشل، وأحداث 7 أكتوبر جعلت إسرائيل تبدو وكأنها نمر من ورق، فلا يوجد عقل يقول إن هذا الجيش الذى يدّعى أنه رابع قوة فى العالم، ولديه الأجهزة الأمنية الأقوى فى العالم، ونظام التجسس الذى تمتلكه من أقوى أجهزة التجسس، يفشل فى صد هجوم 7 أكتوبر، والغرب كان يعتقد إن إسرائيل قوة لا يمكن هزيمتها، فهى الدولة الأقوى والتى تحمى مصالحهم فى المنطقة، خاصة الأمريكية، وتبين أن هذا الكلام ليس فى محله وغير صحيح، وإسرائيل نفذت ما تنفذه من جرائم ودمار فى قطاع غزة بحجة أنها تدافع عن نفسها، فأى دفاع عن النفس هذا الذى يسمح لإسرائيل بأن تفعل ما فعلته؟ القانون الدولى شرعن المقاومة، وأى دولة تقع تحت الاحتلال لها الحق فى استخدام الوسائل المتاحة لإنهاء الاحتلال، وبالتالى المقاومة حق لنا.
البعض يرى أن إسرائيل كانت تعلم بعملية «طوفان الأقصى»، ولم تمنعها لتكون مبرراً لها فيما تفعله الآن؟
- أنا لست مع الرأى الذى يقول إنها كانت على علم بالهجوم، لأنه يجافى المنطق، فإسرائيل تمت إهانتها أمام العالم أجمع بسب ما حدث، فهل تدمير غزة سيمحو إهانتها أمام العالم؟ لا، سيظل إلى أبد الآبدين، وحتى لو استشهد كثير من الفلسطينيين لن يمحو ذلك أثر هجوم 7 أكتوبر.
كيف ترى موقف نتنياهو وحكومته من هذه الحرب؟
- موقف نتنياهو من الحرب فى غزة هو رفض وقف إطلاق النار، وهو يرغب فى استمرار الحرب، ومعه أقذر اثنين فى العالم وهما بتسلئيل سموتريش، وزير المالية الإسرائيلى، وإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى، وهما إرهابيان، ويهددان نتنياهو إذا قبل صفقة لا تتناسب مع طموحاتهما، أو وقف إطلاق النار أو تراجع فى الحرب، سيقلبان عليه الحكومة، وبالتالى هو يرضخ لسياستهما، ولك أن تتخيل أنه إلى جانب الدمار والحرب، يتحفظ الاحتلال على أموال الشعب الفلسطينى المتوقفة لديه، فهل غزة بالكامل «حماس» حتى يمنع كل هذه الأموال.
كيف ترى ما قامت به المقاومة فى 7 أكتوبر؟
- المشهد الذى حدث فى 7 أكتوبر يُثلج الصدور ولم يكن متوقعاً بالمرة، وكل الفرَق والمقاومة المسئولة عن قطاع غزة قامت بإنجاز، ولا أعلم كيف قامت به بهذه البراعة.
هل يُعد استخدام أمريكا حق الفيتو ورفض إدانة إسرائيل إعلاناً رسمياً بأن الدولة التى كانت تقود العالم أصبحت خطراً حقيقياً على النظام العالمى؟
- الولايات المتحدة التى من المفترض أنها تحافظ على السلم والأمن الدوليين، أصبحت فى قبضة إسرائيل وتنفذ ما تريده تل أبيب، وهذا عار على أمريكا، أن تكون الدولة التى تطالب بحقوق الإنسان والحرية والسلام وتظهر بهذا المظهر، فعلى الرغم من المأساة فى قطاع غزة والقتل غير المبرر وكل أشكال الدمار، نجد أمريكا تعترض أى قرار فى مجلس الأمن لصالح فلسطين، وتستخدم الفيتو.
كيف تنظرون إلى الدور الأمريكى فى حل القضية، خاصة أنه السبيل الوحيد للضغط على حكومة الاحتلال؟
- أرى أن أمريكا دولة منحازة وتعمل لصالح إسرائيل، وهى الآن استشعرت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحفاظ على إسرائيل ووجودها وأمنها يتطلب إقامة دولة فلسطينية جارة لإسرائيل، ودون ذلك سيظل الحال على ما هو عليه، ولن تستقيم الأمور أو يكون هناك أمن واستقرار دون إعطاء الشعب الفلسطينى الحد الأدنى من حقوقه، وهو إقامة دولته، ونطالب بحل عادل لمشكلة اللاجئين، وإقامة دولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهى بالمناسبة مساحة لا تمثل سوى 22% من مساحة فلسطين التاريخية، وبذلك نكون تنازلنا عن 78% لإسرائيل، ومع ذلك إسرائيل تقول لن نسمح بإقامة دولة فلسطينية، ونتنياهو أعلن هذا بشكل واضح.
هل يمكن أن تقام دولة فلسطينية على حدود 1967؟
- أكيد.. عاجلاً أو آجلاً ستقوم دولة فلسطينية، لأنه لا يمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه، والشعب يقدم ما يمكن تقديمه من تضحيات على أساس الحصول على الحد الأدنى من حقوقه وإقامة دولته، ويريد أن يشعر بالاستقلال مثل باقى شعوب العالم، فالشعب الوحيد المحتل حتى الآن فى العالم هو الشعب الفلسطينى، وبالتالى لا يمكن أن يستقيم الحال فى الشرق الأوسط ككل، ولا فى العالم، دون ذلك، حتى لو تأخر تحقيقه.
ألا ترى أن ما يجرى من إسرائيل تجاه غزة يُعد تصفية للقضية؟
- إسرائيل تحاول -بكل تأكيد- تصفية القضية الفلسطينية، وتعمل على التهجير القسرى لأهل غزة إلى سيناء، أو إلى أى دول أوروبية، وهذا ما يحلمون به ويتمنونه، لكن الرئيس السيسى أعلن صراحة، وأكثر من مرة، أنه لن يقبل بالتهجير القسرى، ولن يسمح بتصفية القضية الفلسطينية، وبالتالى الشعب الفلسطينى لن يخضع لسياسة التهجير القسرى، وسيظل على موقفه ويقدم التضحيات.
لكن هل يتسبب القصف والدمار وقلة الغذاء فى توليد تهجير طوعى لدول العالم؟
- غزة بها 2 مليون ونصف، فمن سيقبل هذا العدد من دول العالم، لو فرضنا الموافقة على التهجير الطوعى، فلا يوجد دولة تستطيع أن تقبل هذا العدد، والعالم أيضاً الآن يرفض هذا التهجير.
أطالب من يعلن تأييد حل الدولتين بأن يعترف بالدولة الفلسطينية أولاً.. وأمين الأمم المتحدة كبير الموظفين فى العالم ليس صاحب القرارومن يجبر إسرائيل على قبول حل الدولتين؟
- أمريكا.. وستفعل لأن مصلحة إسرائيل فى ذلك، وليس من أجل الفلسطينيين والعرب، لأنه أولاً وأخيراً مصلحة إسرائيل واندماجها فى المنطقة هو أهم شىء لأمريكا، ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من إقامة دولة فلسطينية، والحقيقى أن دول العالم الأوروبى التى تتحدث عن حل الدولتين، لا تتعدى تصريحاتها الحديث فقط، ولا يوجد شىء على أرض الواقع، لذلك أطالب من يعلن تأييد حل الدولتين بأن يعترف بالدولة الفلسطينية أولاً، بحيث تصبح عضواً كامل العضوية فى الأمم المتحدة، وبعد هذا الاعتراف يبدأ تمهيد الأمر فى مجلس الأمن، وبالفعل يكون لدينا موقف دولى صادق يمكن البناء عليه، والباقى يتم بالمفاوضات، وأطالب الشعب الفلسطينى بالصمود والاستمرار فى موقفه.
كيف ترى موقف الأمين العام للأمم المتحدة الداعم للشعب الفلسطينى؟
- موقفه جيد جداً، ويُشكر عليه، لأنه يرى حجم الظلم الذى يتعرّض له الشعب الفلسطينى، ويرى الإجرام الإسرائيلى.
لكنه لم يفعل شيئاً على الأرض.. أليس كذلك؟
- الأمين العام للأمم المتحدة ليس مسئولاً عن اتخاذ قرار، فهو موظف كبير أو كبير الموظفين فى العالم لا أكثر ولا أقل، والدول هى صاحبة القرار، وهى المسئولة، هو مثله مثل أمين عام الجامعة العربية الذى لا يتخذ قراراً أيضاً، وإنما الدول هى التى تتخذ القرارات.
تم فرض قرارات مجلس الأمن على العديد من الدول.. كيف ترى هذه الازدواجية فى المعايير وعدم صدور قرارات ضد إسرائيل؟
- هناك ازدواجية، فأى قرار من أجل تنفيذه لا بد أن يكون تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وأى قرارات ضد إسرائيل لا تكون تحت الفصل السابع، والقرارات دائماً ما تنفذ على الضعيف، فالعالم يحكمه قانون الغاب بلا شك، وإلا فلماذا لا يصدر قرار ضد إسرائيل، هناك ازدواجية فى المعايير، والباطل هو السائد فى الصراع مع إسرائيل، والحق مهدور.
الجامعة العربية قراراتها غير ملزمة فى التنفيذ والدولة التى لا تنفذ القرار لا تتعرّض لأى نوع من العقوبات.. ويجب تعديل الميثاقتحدثت عن الجامعة العربية.. كيف ترى دورها الآن فى القضية الفلسطينية؟
- لقد عايشت الجامعة العربية لمدة 6 سنوات، وكنت مندوب فلسطين الدائم فيها، وأستطيع القول إن الجامعة العربية تأخذ قرارات كما تشاء لكن بلا جدوى على الأرض، قرارات بلا تنفيذ، فالغالبية العظمى من القرارات لا تنفذ، لأن الذى ينفذ هى الدول، ولا يوجد ما يُلزم هذه الدول بالتنفيذ، فمشكلة الجامعة العربية أن قراراتها غير ملزمة التنفيذ، والدولة التى لا تنفذ القرار لا تتعرّض لأى نوع من العقوبات، وهذا ما يجب أن يتغير فى النظام الأساسى للجامعة، كانت هناك محاولات لتغيير الميثاق، لكن للأسف لم تتم، وظل الحال على حاله، والجامعة تعانى من مشكلة أخرى وهى أن التوظيف فيها يتم بنظام الكوتة بنسبة مساهمة كل دولة والتى يكون لها عدد موظفين فى الجامعة، وهو ما تسبّب فى ضغط مادى كبير، أفقدها إمكانية وجود موظفين على درجة عالية من الكفاءة يمكن أن تختارهم أو تستعين بخبراتهم، والجامعة بها كفاءات كبيرة، لكن الغالبية دون المستوى المطلوب، وبالتالى لا تجد أى دور للجامعة فى حل أى مشكلة، فلا بد من تعديل ذلك، إضافة إلى ضرورة تغيير الميثاق وأن تكون قراراتها ملزمة، والدولة التى لا تنفذ القرار تخضع لنوع من العقوبات المتدرجة تنتهى بتعليق العضوية، فاتخاذ قرارات بلا قيمة لا يؤثر، وعلينا خلع عباءة الدول التى نمثلها خارج غرفة الاجتماعات ونبحث عن مصلحة العرب والقواسم المشتركة، إن وضع الجامعة العربية حالياً لا تُحسد عليه.
موقف العرب من القضية عظيم نظرياً.. وأتمنى تحقيق المصالحة الفلسطينية.. والخضوع لإرادات خارجية ليس فى صالح القضيةوماذا عن موقف الدول العربية تجاه القضية؟
- موقفها نظرياً عظيم جداً، وفعلياً لا يوجد موقف قوى، فهم لا يسخّرون إمكانياتهم وقدراتهم لصالح القضية، والأكثر دعماً لنا منذ 1948 حتى الآن مصر التى تُعتبر منشغلة بالقضية منذ نشأتها، والشعب المصرى يعتبر فلسطين قضيته، ومصر خاضت الكثير من الحروب من أجل القضية بداية من حروب «48 و56 و67 و73» كلها بشكل أو بآخر لها علاقة بفلسطين، ويكفى أن مصر لم تستبح مطلقاً الدم الفلسطينى، ولا أحد يستطيع أن يزايد على الدور المصرى، حتى إن وزارة الخارجية المصرية العريقة تسخّر إمكانياتها لخدمة القضية طول الوقت.
هل يمكن أن نجد مصالحة لتوحيد الجهة التى تمثل الشعب الفلسطينى؟
- أتمنى ذلك، ولا بد أن يحدث، والسؤال هو متى وكيف؟، لا أعلم، وقد اجتمعنا أكثر من مرة، والقضية ليست قضية اجتماعات، إنما قضية قناعات، ما دام هذا الانقسام موجوداً فإن الخاسر الرئيسى هو الشعب الفلسطينى وقضيته، وبذلك لن نستطيع أن نجلب تعاطف أحد. وعلينا أن نتحدث بصراحة، أعضاء حركتى حماس والجهاد يقولون إن تحرير فلسطين يكون من البحر إلى النهر، وهم يعلمون أنه هدف كل فلسطينى، لكن على الأرض صعب تحقيقه، والسؤال هو: كيف سأحرر فلسطين من البحر إلى النهر وبأى قوة؟ ومن المؤكد جميعنا نتمنى ذلك، لكن على الأقل علينا أن نسعى لهذا على مراحل، ونحرك القضية للأمام من خلال أن نحرر ما نستطيع تحريره، ثم نُكمل وهكذا، كما أن الخضوع لإرادات خارجية ليس فى صالح القضية.
«اليوم التالى» للحربأتمنى أن يأتى اليوم التالى أولاً، فلا بد من وقف إطلاق النار والكف عن الجرائم حتى نبدأ فى علاج المأساة التى يعيشها الشعب الفلسطينى، وبعدها نفكر فى اليوم التالى، ويجب أن تكون السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير هى التى تتولى زمام الأمور، بخلاف ذلك لن تستقيم الأمور ولا يمكن أن يكون هناك حل بديل عن ذلك، فهى الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى، والعالم يعترف بذلك، وأرى دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية قريبة، ولن تستقيم الأمور ولن يكون هناك استقرار أو أمن أو سلام إلا بذلك.
حركة وطنية«حماس» حركة وطنية فلسطينية لا جدال فى ذلك، رغم اختلافى معها سياسياً، و«حماس» فى قطاع غزة الآن ليست مثلما كانت فى السابق، ولا يمكن أن تنفرد بقطاع غزة، فأقصى عدد لمن ينضمون لها فى غزة لا يتعدى 10% فقط من السكان، والمرتبطون بحماس هم من لهم مصالح، والمؤمنون بالفكرة قليلون، وهناك مشكلة أخرى أن حماس تتأثر بالموقف الدولى لجماعة الإخوان، وتتأثر بإيران وغيرها من الدول، والجميع يعلم ذلك، وكل ذلك التأثير عمّق جذور الانقسام فى المصالحة الفلسطينية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مصر فلسطين إسرائيل مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية محکمة العدل الدولیة بالدولة الفلسطینیة الجامعة العربیة الشعب الفلسطینى وقف إطلاق النار التهجیر القسرى دولة فلسطینیة الأمم المتحدة تصفیة القضیة الدولة التى حل الدولتین أمام العالم تنفذ القرار فى قطاع غزة دول العالم أن إسرائیل لا یمکن أن فى العالم على الأرض مصر أمام لا تنفذ لا یوجد کیف ترى ما یحدث أکثر من أن تکون فى غزة
إقرأ أيضاً:
من غزوة بدر إلى معركة الفتح الموعود:جذور الموقف اليمني وأسبابه في نصرة القضية الفلسطينية
تقرير/ صادق البهكلي
الموقف اليمني المساند لفلسطين ليس مجرد موقف سياسي عابر أو استجابة لظرف طارئ، بل هو امتداد طبيعي لنظرة قرآنية ومبدأ إيماني متجذر في عقيدة الشعب اليمني منذ صدر الإسلام.
لقد شكّلت تعاليم القرآن الكريم ورؤية النبي الأكرم (صلوات الله عليه وعلى آله) -التي زرعت في الأمة قيم العزة والكرامة- أسساً لمواقف ثابتة في مواجهة الظلم والطغيان، وكانت الغاية من الرسالة الإلهية كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36 وقال جل شأنه: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }النساء76
وعلى خطى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وأعلام الإسلام العظماء الذين جسدوا القدوة في التمسك بالمبادئ الإسلامية في الجهاد في سبيل الله ومقارعة الطواغيت، سار اليمنيون حاملين لواء العزة الإيمانية، فكما كان النبي مدرسة للثبات والجهاد، رفض اليمنيون الخضوع لقوى الاستكبار، مؤكدين أن ولاءهم سيبقى متجذراً في عقيدتهم الراسخة، وأن قضيتهم المركزية ستظل فلسطين؛ رمز الصراع بين الحق والباطل.
من معركة بدر إلى معركة الفتح الموعود، ومن ثبات الأوس والخزرج في نصرة الدعوة إلى نصرة الشعب الفلسطيني، يبقى الموقف اليمني شاهداً على أن الإيمان الحق لا يقبل التخاذل، وأن الانتصار للمظلومين جزء من جوهر الإسلام وعبادة مقدسة وعمل صالح يرضي الله.
هذا التلاحم بين المبادئ والقيم الإسلامية والمواقف العملية هو ما يميز الشعب اليمني ويجعل دعمه لفلسطين جزءاً من هويته الإيمانية وترجمة عملية لمشروعه القرآني.
الرسول الأسوة والقدوة
كانت حركة الرسول الأكرم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) مثالاً حياً للقوة والعزة في مواجهة الطغيان والاستكبار، فقد حمل السيف وارتدى الدرع، وسعى بكل طاقته لتأهيل المؤمنين من حوله ليكونوا على قدر عالٍ من الجاهزية العسكرية، ملتزماً بمبدأ القوة التي تحفظ للأمة عزتها وكرامتها. كانت حياته مدرسة عملية تسير وفق قيم العزة والكرامة، متحركا في مواجهة التحديات على أساس التعاليم الإلهية.
وقد أكد القرآن الكريم على هذا الدور القيادي للرسول في آيات متعددة، منها قوله تعالى في سورة التوبة، منتقداً المتخلفين عن دعمه: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} [التوبة: 120]. كما جاء في سورة الأحزاب قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، ليثبت أن الاقتداء برسول الله لا يقتصر على الأمور البسيطة، بل يشمل صبره وجهاده وتضحياته في مواجهة الطاغوت.
إن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يكن قدوة في عصره فحسب، بل هو قدوة دائمة للأمة في كل الأزمان؛ فالقرآن يذكرنا بقوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [الأنفال: 5]، مشيرا إلى دوره القيادي في تحمل المسؤولية والقيادة الحكيمة.
إن الاقتداء برسول الله يشمل تحمل المسؤوليات العامة والعمل على نصرة الحق ومواجهة الطغيان. ولكن المؤسف أن بعض المسلمين يحصرون الدين في حدود العبادات الفردية كالصلاة والصيام، متجاهلين الدور الأوسع للدين في إصلاح النفس والمجتمع وتحقيق العدل.
إن العبادات في الإسلام ليست طقوساً جامدة، بل وسائل تزكية وإصلاح تُبنى عليها حياة مليئة بالعطاء والمسؤولية. يقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45]، ما يوضح أن العبادات يجب أن تثمر أثرا ملموساً في حياة الإنسان وسلوكه ومواقفه.
لقد تحمل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أشد التحديات وصمد في وجه الطغيان العالمي والمحلي، من مشركي قريش إلى الإمبراطورية الرومانية. وقف صلباً، مجاهدا، مضحيا بكل ما يملك، ليؤسس الأمة الإسلامية على مبادئ العدالة والكرامة.
الموقف اليمني المساند لأبناء فلسطين ولبنان هو انعكاس للمبادئ التي جسدها رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله) من خلال حياته وجهاده، وهو موقف مستمر لا يتأثر بالتحديات والضغوط، فإذا كان هناك من يوالي رموز الطغيان والهيمنة مثل ترامب ونتنياهو وغيرهم من المجرمين، فإن اليمنيين يجدون في رسول الله وفي سيرته العطرة القدوة والأسوة والدروس الحية.
إن الولاء للصهاينة أو التبعية للطواغيت تتناقض جذرياً مع الانتماء الحقيقي للإسلام ورسوله، فالرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله كان في موقع القدوة، وتحرك وفق المبادئ والقيم التي أمر الله بها، لم يكن يوماً يوالي الظالمين، بل كان يتحرك لنصرة المستضعفين، وتحرير الناس من عبودية الطواغيت.
من معركة بدر إلى معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس
لا تختلف كثيرا معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس عن معركة بدر الكبرى؛ فهناك تشابه كبير في الظروف والمبادئ التي تجمعهما، فكلاهما يمثل صراعا بين الحق والباطل، وكلاهما يعتمد على الإيمان العميق بالله والثقة بنصره مهما كانت الظروف المحيطة والتحديات المفروضة.
في معركة بدر كان المسلمون قلة مستضعفة في مواجهة عدو متفوق عدداً وعدة، لكن قوة الإيمان ووحدة الصف والتوكل على الله كانت المفتاح لنصر عظيم. كذلك في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، نجد الشعب اليمني المستضعف يواجه قوى الطغيان والاستكبار، مسلحا بإيمانه بقضيته العادلة وسعيه لإقامة العدل والدفاع عن المستضعفين.
تشابه آخر يكمن في التحضير الروحي والمعنوي، وكما كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله يهيئ أصحابه في بدر بالصبر والدعاء والتوكل على الله، فإننا نرى ذات القيم اليوم تتكرر في معركة الفتح الموعود، حيث تبرز قيادة ربانية ممثلة بالسيد عبد الملك الحوثي يحفظه الله، يزكي المجاهدين ويعزز الأمل بنصر الله، ويحث الجيش والشعب على التمسك بالقيم الإلهية وفي مقدمتها أسباب النصر.
كما أن في بدر كان النصر رمزا لعزة الإسلام وكرامته، فإن الفتح الموعود تمثل نقطة تحول تاريخية لإعادة الهيبة وإعادة الأمل في نفوس المسلمين وكسر حاجز الخوف الذي رسمه العدو حول نفسه بأنه قوة لا تقهر ولا يمكن لأحد مواجهته أو التفكير في ضرب بوارجه وحاملات طائراته، ولكن الشعب اليمني فعل ذلك وأظهر للعدو بأن من الممكن مواجهته وهزيمته رغم ترسانته العسكرية الضخمة.
إن التشابه بين المعركتين ليس فقط في الظاهر، بل يمتد إلى جوهر الصراع ذاته، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في مسيرة طويلة من الجهاد والكفاح، تؤكد أن العاقبة دائماً للحق وأهله، مهما طال الظلم واستبد الطغاة.
الانتصار في بدر لم يكن مجرد حدث عسكري وحسب، بل كان تجسيدا لإرادة الله ومنهجه في نصر عباده وتمكينهم في الأرض. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]. هذا النصر أكد أهمية الصبر والتحمل، والاستعداد للتضحية في سبيل المبادئ، وهي القيم التي تحرك وفقها الرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله).
وهكذا نجد معركة بدر حاضرة اليوم في ملحمة الفتح الموعود والجهاد المقدس من حيث المبادئ والقيم، ومواجهة التحديات بعزيمة وإيمان وستبقى هذه المعركة درساً خالداً لكل مسلم بأن التحرك وفق المبادئ والقيم القرآنية هو السبيل لتحقيق النصر الحقيقي، وكسر شوكة الطغاة، ونصرة المستضعفين.
حتمية الصراع
يقول الله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 7-8]. هذه الآيات تبرز سنة إلهية راسخة، وهي أنَّ إحقاق الحق وإبطال الباطل لا يمكن أن يتحقق إلا بحركة واعية، وجهاد صادق، ومواجهة مستمرة مع قوى الظلم والطغيان التي تسعى لمنع الحق من أن يصبح حقيقة فاعلة في واقع الحياة، وهو ما يجسده الشعب اليمني اليوم في مواجهة قوى الشر في البحر والبر والجو، وبكل الوسائل الممكنة.
قوى الاستكبار العالمي -ممثلة اليوم بأمريكا وحلفائها- تسعى بكل الوسائل إلى استعباد الإنسان واستغلاله لخدمة مصالحها. سياساتها قائمة على الجشع والطغيان، دون أي اعتبار لمصلحة الشعوب أو كرامتها. هذه القوى لا تتحرك لتحقيق الخير للبشرية، بل لتنفيذ أجنداتها التي تهدف إلى السيطرة على موارد العالم وثرواته، وبالتالي، فإن أي أمة أو مجتمع يسعى للتحرر والعيش وفق مبادئ الحق سيواجه حتما تصعيدا من هذه القوى، التي لن تتردد في استخدام القوة والعنف لإخضاعه.
إن إحقاق الحق لا يتحقق إلا من خلال المواجهة مع قوى الباطل التي تسعى لفرض أجنداتها الظالمة على الشعوب؛ هذه المواجهة ليست خيارا يمكن تجنبه، بل هي حتمية فرضتها طبيعة الصراع بين الخير والشر.
الإسلام في جوهره يسعى لتحرير الإنسان من كل أشكال الاستعباد، سواء كانت مادية أو معنوية، ليعيش حياة كريمة، ترفع من شأنه وتضمن له العزة والكرامة.
فقد كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نموذجا عمليا في كيفية خوض هذا الصراع، لم تكن قوته تعتمد على التكافؤ المادي مع أعدائه، بل على الاعتماد الكامل على الله تعالى والاستعانة به، مع تحمل المسؤولية والعمل الجاد، يقول الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9-10].
كانت هذه القوة المعنوية والإيمانية هي العنصر الأهم في تحقيق النصر، فالرسول والمؤمنون معه لم يعتمدوا فقط على الدعاء، بل مزجوه بالعمل والحركة والتوكل على الله.
وهذا ما بات الشعب اليمني يدركه ويفهمه بفضل الله وبفضل المشروع القرآني وبفضل الانتماء الإيماني الذي يتمتع به الشعب اليمني، وارتباطه المشرف بالإسلام ورموزه تاريخيا وحديثا، وهو ما انعكس في أدائه العملي في نصرة الشعب الفلسطيني، وفي مواجهة طواغيت العصر. فهو يعي أنَّ المواجهة مع قوى الطغيان والاستكبار ضرورة لا يمكن لأي مجتمع أو أمة تسعى للعيش بكرامة أن تتجاوزها. هذه المواجهة ليست مجرد خيار، بل هي حتمية لتحقيق إرادة الله في إحقاق الحق وإبطال الباطل.
القضية الفلسطينية في وجدان الشعب اليمني
القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية عابرة في شريط الأخبار لدى الشعب اليمني، بل هي قضية متجذرة في وجدانه منذ عقود طويلة، حيث امتزجت بالتاريخ والوجدان الشعبي. فمنذ برزت القضية الفلسطينية كان لها الحضور الأبرز في المجتمع اليمني على مستوى الثقافة والفكر، وعلى المستوى الديني، في المدرسة والمسجد والجامعة، في الشارع وفي كل تفاصيل حياتهم. وقد شارك اليمنيون حتى بدمائهم مع المقاومة الفلسطينية ومع المقاومة اللبنانية، حيث قاتل العديد منهم في معركة تحرير بيروت من الاحتلال الصهيوني.
ومن أبرز الأمثلة على الرابط الوثيق بين الشعب اليمني والقضية الفلسطينية هو مبادرة قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، الذي عرض إطلاق أسرى سعوديين مقابل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين لدى النظام السعودي. ورغم رفض السعوديين لهذه المبادرة، فقد جسدت مكانة القضية الفلسطينية لدى الشعب اليمني و لاقت ترحيبا كبيرا من حركات المقاومة الفلسطينية التي أشادت بالموقف اليمني المشرف.
المشروع القرآني بوصلته نحو القدس
تزايد العداء الشعبي في اليمن تجاه الكيان الصهيوني، ولكن هذا العداء لم يقتصر على الغضب العاطفي أو التعبير الرمزي، فقد قاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- مشروعا فكرياً وجهادياً، حدد فيه العدوَ بوضوح ووجه البوصلة نحو فلسطين كونها قضية مركزية للأمة الإسلامية. دعا الشهيد القائد إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية، وأطلق شعار (الصرخة) الذي عزز حالة السخط في الوجدان اليمني ضد قوى الاستكبار وأصبح رمزا للتحرر من الهيمنة الأمريكية والصهيونية، كما طالب الأنظمة العربية بفتح مراكز للتدريب والتجنيد لدعم المقاومة الفلسطينية، وأحيا يوم القدس العالمي يوماً من أجل فلسطين ولإعلان الموقف المبدئي من قضية فلسطين.
وسلط الشهيد القائد (رضوان الله عليه) الضوء على طبيعة الصراع مع العدو الرئيس للأمة، مؤكداً أن السيطرة اليهودية على فلسطين ليست مجرد احتلال لأرض، بل جزء من مشروع خطير يستهدف الأمة الإسلامية برمتها، وأكد على ضعف الأنظمة العربية وتواطئها مع المشروع الصهيوني تحت مسمى “السلام”، الذي لم يحقق سوى مزيد من التنازلات لصالح الاحتلال. وحذر الشهيد القائد من اتفاقيات مثل أوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة، مشدداً على أنها لم تجلب سوى الذل والاستسلام، بل وأشار إلى النهاية المأساوية للرئيس ياسر عرفات كمثال صارخ على خيانة الاحتلال حتى لأولئك الذين حاولوا التفاوض معه.
والأهم من ذلك كله أن المشروع القرآني نجح في إحياء حالة العداء لـ”إسرائيل”، وأعَدَّ ذلك واجباً إسلامياً، وفريضة، ومسؤولية دينية، خصوصا في وجود من يسعون لفرض حالة الولاء لـ”إسرائيل”، وأن يمسحوا النظرة العدائية، ويغيروها تجاه الكيان؛ ولهذا يقول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في كلمة له بمناسبة يوم القدس العالمي 2017م: ((يجب أن نحيي حالة العداء لـ”إسرائيل”، وباعتبار ذلك ليس فقط خياراً سياسياً، أو ردة فعل. |لا|، واجباً إسلامياً، فريضة دينية، العداء لـ”إسرائيل” فريضة دينية، جزء من التزاماتك الدينية، كما هي أيضاً يفترض أن تكون مسؤولية إنسانية، وأخلاقية، وقومية، ووطنية، وغيرها. لكن هذا البعد مهم، هذا الاعتبار مهم، هذا الجانب أساسيٌ، لاعتبارات واضحة: شعب فلسطين جزءٌ من الأمة الإسلامية، وواجب علينا- دينياً- مناصرة هذا الشعب في مواجهة العدو الإسرائيلي، أرض فلسطين جزء من أرض الأمة، وواجب علينا -إسلامياً- السعي لتحرير كل هذه الأرض حتى لا يبقى منها ذرة رمل واحدة. كذلك المقدسات، وعلى رأسها الأقصى الشريف: مسرى النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه”؛ أولى القبلتين، ثالث الحرمين، وعلينا مسؤولية دينية في تخليص هذه المقدسات وتحريرها. ثم لنعي جيداً -في هذا العالم العربي والإسلامي- أن فلسطين هي المترس المتقدم، والخندق الأول، الذي كلما اهتمت به الأمة، وكلما ناصرته الأمة، وكلما وقفت معه الأمة؛ تقلصت الأخطار في بقية أقطارها)).
ومن هنا فقد كان للشهيد القائد ولمشروعه القرآني دور محوري في استنهاض الوعي الجمعي للشعب اليمني وإذكاء روح التحرر والرفض للهيمنة، والاستعداد العالي للتضحية من أجل هذا المبدأ. ولذلك ليس غريبا ما نراه اليوم من مواقف للشعب اليمني مع الشعب الفلسطيني، ومع كل أبناء الأمة تجاه جرائم اليهود والنصارى في فلسطين وفي غير فلسطين. إن هذا الموقف نابع من ثقافة قرآنية ومن تولٍّ صادق لله ولرسوله ولأعلام الإسلام العظماء كالإمام علي عليه السلام، وهذه ضمانات ضرورية لتحقيق النصر والمعونة الإلهية.
وعلى الرغم من استشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي في وقت مبكر من انطلاقته في استنهاض الأمة وفق مشروعه القرآني، لكن تلاميذه وأتباعه بقيادة السيد عبد الملك واصلوا مسيرته القرآنية وحملوا القضية الفلسطينية قضيةً محورية في الخطاب والحركة، وأصبحت القضية رمزاً للكرامة ومعياراً لصدق الانتماء لهذه الأمة. وقد وأكد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مراراً: أن العداء للكيان الصهيوني جزء لا يتجزأ من العقيدة اليمنية الثورية، مشددا على استعداد اليمنيين للانخراط في أي معركة مستقبلية مع الكيان الغاصب؛ وهو ما حدث بالفعل حيث تحول العداء لـ”إسرائيل” من القول إلى الفعل، وتحول -مع المسيرة القرآنية- من مجرد شعارات ومواقف لفظية إلى مواقف عملية تتجلى اليوم في معركة (الفتح الموعود والجهاد المقدس). فقد أصبحت القضية الفلسطينية محوراً للتحرك الشعبي والرسمي في اليمن، مع ترجمة هذا العداء لـ”إسرائيل” إلى خطوات ملموسة منها:
الدعم الشعبي والجماهيري: نظم الشعب اليمني آلاف المسيرات والوقفات في مختلف المحافظات للتنديد بالكيان الصهيوني ودعم المقاومة الفلسطينية، حيث خرج اليمنيون بأعداد ضخمة في يوم القدس العالمي، حاملين شعارات الحرية والكرامة، ومعلنين موقفهم الراسخ إلى جانب فلسطين، ويخرج أسبوعيا بالملايين منذ بداية عملية طوفان الأقصى.
الدعم الاقتصادي والسياسي: توجه الشعب اليمني نحو مقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية بشكل فعّال، وهو جزء من استراتيجية اقتصادية لمناهضة الهيمنة الصهيونية والأمريكية، كما دعت القيادة الثورية الدول العربية إلى اتخاذ خطوات مماثلة وتوجيه الموارد لدعم المقاومة بدلاً من الخضوع للنفوذ الغربي.
المشاركة العسكرية: أعلنت اليمن الحرب على الكيان الصهيوني وداعميه إلى جانب المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضمن وحدة الساحات للدفاع عن المقدسات وإسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته. وبرزت هذه المواقف في العمليات العسكرية النوعية التي تنفذها القوات اليمنية منذ أكثر من عام، مثل استهداف المصالح الصهيونية في البحر الأحمر، والتصدي للعدوان الأمريكي والبريطاني والصهيوني الذي يراد منه إرغام اليمن على وقف عملياتها المساندة للشعب الفلسطيني المظلوم حتى يستفرد به الصهاينة المجرمون، وقصف أهداف صهيونية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة. والأهم من ذلك الجرأة والشجاعة اليمنية والمبادرة، فلا يوجد خطوط حمراء أو سقوف محددة أو مخاوف أو مصالح، بل يواجه بكل ما يملك ووفق استراتيجية قرآنية.
كما أن الموقف اليمني الشعبي والعسكري المساند للشعب الفلسطيني ترجمة عملية لشعار (الصرخة) الذي أطلقه الشهيد القائد رمزاً للتحرر والرفض للهيمنة الصهيونية والأمريكية، بالتزامن مع الدعوة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية، كون المقاطعة جزءا من معركة التحرر من هيمنتهم والتصدي لمؤامراتهم. كما تحتل القضية الفلسطينية جزءا كبيرا من أدبيات المشروع القرآني، فهي تُعَدُّ قضية مركزية تعبّر عن الصراع المستمر بين الحق والباطل، وبين المستضعفين وقوى الطغيان، بين الإسلام وأعدائه التاريخيين. ويؤكد المشروع القرآني على أهمية دعم القضية الفلسطينية بكونها جزءاً من الالتزام الديني والإنساني والأخلاقي والشرعي الذي يعبر عن صدق الانتماء للإسلام وقيمه.
كما أن هذا المشروع يركز على ضرورة مواجهة المشروع الصهيوني بكونه أداة للاستكبار العالمي تهدف إلى تمزيق الأمة الإسلامية والسيطرة على مقدساتها وثرواتها، وينطلق في عدائه من منطلقات قرآنية وضمن التشخيص القرآني لأهل الكتاب ولليهود بشكل خاص، فالقرآن صنفهم بأنهم الأشد عداوة للذين آمنوا وللمسلمين والعرب بشكل عام.
وفي هذا السياق، يُبرِز المشروع القرآني أهمية الوعي بالقضية الفلسطينية في تعزيز وحدة الأمة، ويدعو إلى تحويلها إلى عامل جامع يقف في وجه كل محاولات التفريق بين أبناء الأمة.
لذلك، فإن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية أو جغرافية، بل هي قضية عقيدة ومبدأ، تتطلب من الجميع الوقوف صفاً واحداً لمواجهة أعداء الأمة بروح القرآن وأخلاقياته، سعيا لتحقيق وعد الله للمؤمنين بالنصر والتمكين.
بهذا الزخم الإيماني والجهادي، يتصدر الشعب اليمني مشهد التضامن مع فلسطين، مؤكدا أن تحرير القدس والأقصى ليس حلما بعيد المنال، بل وعد إلهي وهدف استراتيجي يحمله في قلبه ووجدانه، مواصلاً المسير بعزيمة لا تلين.