قال الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إن النظام الاقتصادي في الإسلام يقدم للإنسانية نموذجًا فريدًا، يميزه عن غيره من الأنظمة، فبينما تسعى الرأسمالية إلى خلق نظام متحيز يعزز تكديس الثروات في يد مجموعة محدودة من الأفراد دون سواهم، فإن الإسلام يسعى إلى تحقيق العدالة في التوزيع بين العمال وأصحاب المال.

وأضاف، أن الرأسمالية تعتمد على مبدأ المنافسة الحرة الشرسة، التي لا تنظر إلا إلى قيمة الربح، دون قيمة الاستثمار ونوعه وما يقدمه للإنسانية، بينما على الجانب الآخر الاستثمار في الإسلام هادف، ويقوم على أساس من التكافل والعدل والمسؤولية.

جاء ذلك خلال مشاركة الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، في فعاليات ندوة منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي في نسختها الرابعة والأربعين، التي تعقد تحت عنوان: «مقاصد الشريعة: الإطار الناظم للاقتصاد الإسلامي»، في يومي 28 و29 فبراير الجاري، برعاية أمير المدينة المنورة، الأمير سلمان بن سلطان.

وتابع عياد: أن العصر الذي نعيش فيه الآن، والمنطقة الجغرافية التي ننتمي إليها، وسطوة العولمة الرأسمالية الطاحنة، التي تريد بسط هيمنتها على العالم، كل ذلك كان سببًا في خلق العديد من العقبات أمام نهضة الكثير من المجتمعات المسلمة، بدءا من ارتفاع معدل البطالة، وزيادة نسب الفقر، مرورا بالاعتماد على الواردات وضعف الإنتاج، وصولا لغياب الشفافية والعدالة.

وأشار إلى أنه انطلاقا من مسؤولية العلماء والمصلحين، تم إعلان الكثير من المؤسسات والهيئات الاقتصادية الإسلامية، التي تؤكد على ضرورة العمل المشترك، لتعزيز اقتصاد إقليمي وعالمي، بأخلاقيات وضوابط إسلامية، تركز على قيم العمل والعدالة والمسؤولية، حيث يأتي على رأس هذه المؤسسات منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، ومن ثمراته كانت هذه الندوة المهمة التي تأتي بعنوان (مقاصد الشريعة الإسلامية: الإطار الناظم للاقتصاد الإسلامي).

وأوضح أن عالمنا الحديث بكل أطيافه وألوانه في حاجة إلى إحياء النظام الاقتصادي ذي الضوابط والأخلاقيات الإسلامية، لأنه يجمع بين العدالة والرحمة، ويقوم على مبادئ الأخلاق والصدق والنزاهة، ويسعى إلى تحقيق التوازن بين المصالح العامة والخاصة.

وأشار الأمين العام إلى أن هناك تأثيرا متبادلا بين (النماء الاقتصادي)، (وتحقيق مقاصد الشريعة) والعكس، فالشريعة الإسلامية مثلا تحرم الربا والغش والاحتكار، وتؤكد على أخلاقيات الصدق والأمانة والتعاون، فتخلق بذلك بيئة آمنة ومستقرة للاستثمار، وتعزز الثقة في السوق وتحفز فرص الإنتاج، وكل ذلك أمر ضروري للنماء الاقتصادي، ومن ناحية أخرى فإن النماء الاقتصادي يساهم في توفير الظروف الملائمة، لتطبيق مقاصد الشريعة، فوفرة المال تعين على تطبيق مقصد حفظ الدين عن طريق بناء المساجد، وتوفير نفقات الحج والبر والإحسان، وتعين كذلك على تطبيق مقصد حفظ النفس، عن طريق: توفير الطعام والشراب والدواء والملبس والمسكن، وتعين أيضا على تطبيق مقصد حفظ العقل، عن طريق توفير فرص التعليم، ونشر الثقافة والمعرفة، ودعم البحث العلمي.

وأكد أن هذا التكامل الإسلامي بين الشريعة والاقتصاد، يستمد أصوله الأولى من قيمة التوحيد الإلهي، ومن تجليات اسم الله تعالى (الغني)! الذي يفرق بين الغنى المطلق، والإنسان الفقير إلى ربه مهما كثر ماله! فالله غني عنا وعن الزكاة والصدقات والوقف والقرض وغيرها.

وبيّن عياد أن موضوع ندوة اليوم يمس جراح الكثير من المجتمعات المسلمة الحديثة، التي وقعت فريسة للفتاوى الشاذة، التي أغفلت الواقع وتمسكت بحرفية النصوص فكانت سببا في اتهام الشريعة نفسها بـ"النقص والعجز والجمود"، مؤكدا أن واجب الوقت على علماء المسلمين هو بحث تلك القضايا، بحثا موضوعيا يراعي مستجدات الواقع، دون إخلال بروح الشريعة ومقاصدها، للخروج بمواقف واضحة داعمة أو رافضة أو موجدة للبدائل المناسبة، التي تحقق المصلحة العامة. وقال إن الشريعة الإسلامية لديها كل المقومات التي تمكنها من إحياء نظام اقتصادي مثالي، يتناسب مع تطلعات الأفراد ومصالح المجتمع فنصوصها مرنة طيعة تمنحها قابلية للتطبيق مع تغيرات الزمان والمكان، وفي مختلف الظروف والأحوال كما أنها تقدم مبادئ عامة وأهدافا أساسية دون تقيدات تفصيلية، لتعطي مساحة مناسبة للاجتهادات البشرية لمعالجة تحديات واقعة.

وتابع الأمين العام أنه إذا كان علماء الشريعة يقسمون مقاصدها إلى ضروريات وحاجيات وتحسينات، فكل قسم منها يمكن أن يمثل ركنا أصيلا من الإطار الحاكم للنظام الاقتصادي الإسلامي المنشود فالضروريات التي تشمل مقاصد حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، تمثل حاكمية عادلة لكل ما يتعلق بمبدأ الحرية المسؤولة في الإنفاق وتصريف رؤوس الأموال، وتوفير إطار أخلاقي يحرم الإسراف والتبذير والغش والاستغلال، ويجرم المعاملات الاقتصادية الفاسدة التي تضر الأنفس، كتحريم السخرة واستغلال العمالة والاتجار بالبشر، وتحد من الاستثمارات غير الهادفة التي تغيب العقل وتفسد الوعي، مثل صناعة المخدرات والألعاب الإلكترونية عديمة القيمة والمعنى، وكذلك تجرم الاستثمارات المشبوهة غير الأخلاقية التي تهدم الأسرة، وتساعد على انتشار ظواهر الزنا والعلاقات غير المشروعة.

وأشار إلى أن مقاصد الحاجيات والتحسينات فيمكن أن تمثل إطارا حاكما لمعالجة كافة المستجدات الاقتصادية المعاصرة، التي تسعى إلى تحقيق رفاهية الإنسان، وذلك بتوفير الاجتهادات الأنسب لدعم الاستثمارات الهادفة، التي تسعى للحفاظ على كوكبنا الذي نعيش فيه، مثل الاستثمار في الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر، وإعادة التدوير للمخلفات البشرية، وذلك بهدف الحفاظ على المناخ والحد من استهلاك موارد الطبيعة بشكل مفرط لحفظ حق الأجيال القادمة فيها.

وأشار إلى أهمية توفير الاجتهادات الأنسب للاستثمارات الهادفة في مجال الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، موضحا أن المؤسسات الإسلامية اتخذت خطوات مباركة لإحياء منظومة اقتصادية قادرة على مواجهة تحديات الواقع العاصفة لكن الحاجة صارت ضرورية لتكثيف الجهود فاكتمال هذه المنظومة بحاكمية روح الشريعة ومقاصدها يتطلب منا العمل في مجالات عديدة، مثل اقتراح قوانين متوافقة مع مقاصد الشريعة ووضع تصورات كاملة للمصارف وشركات التأمين وصناديق الاستثمار الإسلامية، وكذلك تطوير أدوات مالية متوافقة مع الشريعة مثل الصكوك الإسلامية والتأمين التكافلي.

وختم عياد كلمته بجملة من التوصيات والمقترحات، منها العمل على إعداد برامج تعليمية في الاقتصاد الإسلامي، تتضمن تعريفا بأهم الأنظمة الاقتصادية المعاصرة، وما يصدر عنها من معاملات وما تتضمنه من قيم وأفكار وأخلاقيات، والمنهجية المعمول بها في معالجتها في ضوء حاكمية مقاصد الشريعة، والعمل على إحياء منظومات رقابية مالية إسلامية ترصد معدلات الشفافية وتكشف مظاهر الفساد في الانفاق والاستثمار، وتقدم الدعم والنصيحة للدول والمؤسسات المعنية.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الإسلام نظير عياد البحوث الإسلامية النظام الاقتصادي للاقتصاد الإسلامی مقاصد الشریعة الأمین العام

إقرأ أيضاً:

"العز الإسلامي" ينظم ندوة حول "تحديات الصيرفة الإسلامية في عمان"

 

 

مسقط- الرؤية

شارك فضيلة الشيخ أ. د. عصام خلف العنزي، رئيس هيئة الرقابة الشرعية ببنك العز الإسلامي، مُؤخرًا في ندوة علمية بعنوان "تحديات الصيرفة الإسلامية في سلطنة عمان بعد مرور عقد على تأسيسها" ، والتي عُقدت في كلية العلوم الشرعية تحت رعاية سماحة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، مساعد المُفتي العام لسلطنة عُمان، وذلك ضمن "مبادرة منار العز".

وتعد مبادرة "منار العز" صوت البنك للثقافة التوعوية حول الصيرفة الإسلامية والتي تم إطلاقها من أجل تعزيز استراتيجية البنك لاستدامة المعرفة، إذ يرغب البنك من خلال هذه الاستراتيجية في خدمة مختلف شرائح المجتمع من الطلاب والمؤسسات التعليمية وغيرها من الجهات والمجتمع داخل السلطنة وخارجها. وتهدف مبادرة "منار العز" على نشر الوعي عن الصيرفة الإسلامية ودورها التنموي، والتعريف بدور البنوك الإسلامية في الاقتصاد المستدام.

وفي معرض حديثه عن مشاركة رئيس هيئة الرقابة الشرعية في الندوة قال عيسى بن سالم الريامي، رئيس إدارة الالتزام والتدقيق الشرعي ببنك العز الإسلامي: "سلط فضيلة الشيخ أ. د. عصام العنزي الضوء على أن أنشطة الصيرفة الإسلامية من الإضافات المهمة للقطاع المصرفي والقطاع المالي في سلطنة عمان حيث ترصد الدراسات دورا مهما لهذه النوعية من الأنشطة في إتاحة خيارات متنوعة للتمويل والائتمان للحكومات والمؤسسات والأفراد، ويعد نظام الصيرفة الإسلامية مستقرا وقادرا على تعزيز النمو وخلق فرص عمل طويلة الأجل، وغالبا ما يعني توسع الصيرفة الإسلامية أن المزيد من النشاطات في القطاعات الاقتصادية تجد منافذ للتمويل، كما تسهم الصيرفة الإسلامية بأدوار مهمة وأساسية، ولكل دور من هذه الأدوار تأثير مباشر أو غير مباشر على النمو الاقتصادي، وتشمل هذه الأدوار تسهيل التمويل وتحفيز الادخار وتعزيز الاستقرار المالي وتمويل المشروعات."

يُشار إلى أنَّ فضيلة الشيخ أ. د. عصام خلف العنزي هو عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، ويحمل شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن من جامعة الأردن، ودرجة الماجستير في الفقه وأصول الفقه من جامعة الكويت وكذلك درجة البكالوريوس في تخصص الفقه وأصوله من جامعة الكويت وهو عضو في عدة هيئات شرعية منها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وبنك البحرين الإسلامي وبنك لندن والشرق الأوسط - لندن. وقد شارك في مؤتمرات وورش عمل عديدة في موضوعات التمويل الإسلامي ونشر عدداً من البحوث في هذا الصدد.

مقالات مشابهة

  • البحوث الإسلامية يطلق قافلة توعوية للواحات البحرية
  • أمين عام البحوث الإسلامية: النبي قدّم نموذجا واقعيا لتطوير الذات
  • "ظفار الإسلامي" يساهم في رسم ملامح مستقبل الخدمات المصرفية الإسلامية بعُمان
  • أمين البحوث الإسلامية يناقش رسالة ماجستير بكلية الدعوة.. صور
  • "العز الإسلامي" يشارك في ندوة حول "تحديات الصيرفة الإسلامية في عمان"
  • أمين عام رابطة المؤتمر الإسلامي يدعو للحوار بين الثقافات لمكافحة الكراهية والحروب
  • "العز الإسلامي" ينظم ندوة حول "تحديات الصيرفة الإسلامية في عمان"
  • أمين البحوث الإسلامية يشارك في المؤتمر السنوي لكلية الدراسات العليا بأكاديمية الشرطة
  • جدل الشريعة الإسلامية يتجدد في برلمان الأردن.. وتحريض واسع ضد الإخوان
  • لاكروا: التنديد بالإسلاموفوبيا يعرض لتهمة التشدد الإسلامي أو الانتماء للإخوان