أولى ديننا الحنيف الجانب الإنسانى عناية خاصة، فكرَّم الإنسان على إطلاق إنسانيته بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو لغته، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ»، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: «يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ ربَّكم واحِدٌ، ألَا لا فَضْلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لأحمَرَ على أسْوَدَ، ولا لأسْوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى، إنَّ أكْرَمَكم عندَ اللهِ أتْقاكم»، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول فى شأن سيدنا سلمان الفارسى (رضى الله عنه): «سلمان منا آل البيت»، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول: «أبوبكر سيدنا وأعتق سيدنا»، يعنى بذلك بلالًا الحبشى (رضى الله عنه).
وعندما حرَّم الإسلام قتل النَّفس حرَّم قتل النَّفس كل نفس وأى نفس، وعصم كل الدماء فقال الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: «أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِى الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا».
ولم يقف البعد الإنسانى فى ديننا الحنيف عند هذا الحد من كف الأذى، إنما دعا إلى مراعاة جميع الأبعاد الإنسانية من الكلمة الطيبة، وإطعام الجائع، وكساء العارى، ومداواة المريض، وتفريج الكرب، وإفشاء السلام، إلى غير ذلك من الجوانب التى تدعم التواصل والتعايش الإنسانى.
ويعد جبر الخواطر من الأخلاق الإنسانية الرفيعة التى لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النقية، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: «وإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا»، جبرًا لخاطرهم وتطييبًا لنفوسهم، ويقول سبحانه جابرًا لخاطر نبينا (صلى الله عليه وسلم): «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى».
وكان من دعاء نبينا (صلى الله عليه وسلم) بينَ السَّجدتينِ فى صلاةِ اللَّيلِ: «ربِّ اغفِر لى وارحَمنى واجبُرنى وارزُقنى وارفَعنى»، يقول سفيان الثوري: «ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم»، وقديمًا قالوا: من سَارَ بينَ النَّاسِ جابرًا للخَواطرِ أدركَه لطف اللهُ فى جَوفِ المَخاطر.
وقد حثنا ديننا الحنيف على الوقوف بجانب الآخرين وجبر خواطرهم فقال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم): «مَن نَفَّسَ عن مُسلِمٍ كُرْبةً من كُرَبِ الدُّنيا، نَفَّسَ اللهُ عنه كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن يسَّرَ على مُعسِرٍ، يسَّرَ اللهُ عليه فى الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن سَتَرَ على مُسلِمٍ، سَتَرَ اللهُ عليه فى الدُّنيا والآخِرةِ، واللهُ فى عَونِ العَبدِ ما كان العَبدُ فى عَونِ أخيهِ».
ومن أعظم ألوان جبر الخاطر جبر خاطر المحتاجين والضعفاء، فقد جاء أعرابيٌّ إلى سيدنا رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ) فقال، دلَّنى على عملٍ يُدخلُنى الجنةَ قال: أطعمِ الجائعَ واسقِ الظمآنَ وأمرْ بالمعروفِ وانْهَ عنِ المنكرِ فإن لم تُطِقْ فكفْ لسانَكَ إلا من خيرٍ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِى عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا».
وزير الأوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أ د محمد مختار جمعة و ل ق د ك ر م ن ا ب ن ى آد م صلى الله عليه وسلم صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
ما حكم عمارة وتزيين المساجد؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم تزيين المساجد؟
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: إنه يجوز زخرفة المساجد ونقشها؛ فهو من تعظيمها وإعلاء شأنها؛ امتثالًا للأمر الشرعي برفعها وعمارتها وتشييدها.
واستشهدت بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾[التوبة: 18].
واوضحت ان تزيين المساجد أمرٌ جرى عليه عمل المسلمين منذ القرون الأولى، وتفننوا فيه، وذلك يتأكد في العصر الحاضر الذي صار النقش والتزيين فيه رمزًا للتقديس والتعظيم، وشيد الناس فيه بيوتهم ومنتدياتهم بكل غالٍ ونفيس، وإنما نُهي عن تزيين المساجد إذا كان بقصد الرياء والسمعة.
حقيقة النهي عن زخرفة المساجد
وكشفت عن ما تفيده الأحاديث التي جاء فيها النهي عن زخرفة المساجد، حيث قال النبي عليه السلام: «إِنَّ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا أَنْ تُزَخْرَفَ الْمَحَارِيبُ»
وقالت ان الأحاديث النبوية التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ زخرفةَ المساجد وتزيينها من أشراط الساعة لا تدل على كراهية الزخرفة أو تحريمها، وإنما هي محمولة على الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، وتعمير الظاهر مع تدمير الباطن؛ كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ بِالْمَسَاجِدِ وَلاَ يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا» رواه أبويعلى.
صدقة جارية
وروى البزار في مسنده من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ».
نظافة المساجد
ويجب أن تنظف المساجد، وتطيب، وتجنب الأقذار، والروائح الكريهة،روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ»وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ امرَأَةً سَودَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم، فَسَأَلَ عَنهَا؟ فَقَالُوا: مَاتَتْ، فَقَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا»، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ»[4]. وفي رواية: «كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ، وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ».