من المعروف أن جذور الصراع العربي الإسرائيلي مرتبطة بظهور الصهيونية ‌والقومية العربية قرب نهاية القرن التاسع عشر، وينظر الشعب الفلسطينى إلى الإقليم باعتباره وطنهم التاريخي الذي عاشوا فيه لآلاف السنين في المقابل يعتبر اليهود أنهم وعدوا بهذه الأرض، وقد نشأ الصراع الطائفي بين اليهود والعرب الفلسطينيين في أوائل القرن العشرين وبلغ ذروته في حرب واسعة النطاق في عام 1947 تخلله حملة تطهير عرقي وتهجير كبرى للفلسطينيين من قراهم ومدنهم، وتحول إلى الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في مايو 1948 عقب إعلان قيام دولة إسرائيل.

وقد انتهت معظم الأعمال العدائية الواسعة النطاق باتفاقات وقف إطلاق النار بعد حرب أكتوبر 1973. ووقعت اتفاقات سلام بين إسرائيل ‌ومصر في عام 1979، ما أدى إلى انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وإلغاء نظام الحكم العسكري في الضفة الغربية و‌قطاع غزة، لصالح الإدارة المدنية الإسرائيلية وما ترتب عليه من ضم من جانب واحد لمرتفعات الجولان و‌القدس الشرقية.

ولقد تحولت طبيعة الصراع على مر سنوات من الصراع العربي الإسرائيلي الإقليمي الواسع النطاق إلى صراع فلسطيني إسرائيلي محلي أكثر، بالغًا ذروته خلال حرب لبنان 1982. وقد أدت اتفاقيات أوسلو المؤقتة إلى إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994، في إطار عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.

وفي نفس العام، توصلت إسرائيل و‌الأردن إلى اتفاق سلام وتم الحفاظ على وقف إطلاق النار إلى حد كبير بين إسرائيل وسوريا، وكذلك في الآونة الأخيرة مع لبنان (منذ عام 2006). إلا أن التطورات التي حدثت في سياق الحرب الأهلية السورية بدلت بصورة فعالة الحالة بالقرب من الحدود الشمالية الإسرائيلية مما جر الجمهورية العربية السورية، و‌حزب الله و‌المعارضة السورية إلى خلاف مع بعضهم البعض وعلاقات معقدة مع إسرائيل،
ومن المعروف أيضاً أن البعض يطلق على هذا الصراع اسم نزاع الشرق الأوسط ليشير إلى تركزه في منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا المصطلح غامض قليلا بسبب وجود عدة صراعات في منطقة الشرق الأوسط لكن النزاع العربي الإسرائيلي يبقى الأساسي والمركزي بينها. هذا الصراع يرتبط عضويا بموضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقضيته المحورية وسببه الأساسي هو إقامة دولة قومية دينية لليهود على أرض فلسطين.

وفى واقع الأمر يعتبر الكثير من المحللين والسياسيين العرب سبب أزمة هذه المنطقة وتوترها بالرغم من أن هذا الصراع يحدث ضمن منطقة جغرافية صغيرة نسبيا إلا أنه يحظى باهتمام سياسي وإعلامي كبير نظرا لتورط العديد من الأطراف الدولية فيه وغالبا ما تكون الدول العظمى في العالم منخرطة فيه نظرا لتمركزه في منطقة حساسة من العالم وارتباطه بقضايا إشكالية تشكل ذروة أزمات للعالم المعاصر : مثل الصراع بين الشرق والغرب وعلاقة الأديان مع بعضها : اليهودية والمسيحية والإسلام وعلاقات العرب مع الغرب وأهمية النفط العربي للدول الغربية أهمية وحساسية القضية اليهودية في الحضارة الغربية خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية وقضايا معاداة السامية وقوى ضغط اللوبيات اليهودية في العالم الغربي.

وجاءت انتفاضة الأقصى لتبدأ حكومة الاحتلال الإسرائيلى منذ يوم 7 اكتوبر من العام الماضى وحتى الان فى اعتداءات وحشية وحرب ابادة شاملة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل مع توسيع القتال من جانب الجيش الإسرائيلي ليشمل شمال ووسط وجنوب قطاع غزة وسط تنامي التحذيرات الدولية والإقليمية من مغبة استمرار التصعيد وتبدو الأهداف الإسرائيلية المعلن عنها منذ 7 أكتوبر حتى اللحظة الراهنة بعيدة المنال
وفى واقع الأمر أقول وبكل صراحة ووضوح لقد فشلت العملية الإسرائيلية حتى اليوم في تحقيق أهدافها المعلنة مطلع أكتوبر وعبروا عن اعتقادهم بنهاية وشيكة للحرب في ضوء ازدياد الضغوط الدولية من جانب حلفاء تل أبيب وفي مقدمتهم واشنطن فضلا عن الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو، وتنامي حالة الانقسام السياسي داخل البلاد.

ولعل أكبر دليل على ذلك هو فشل الـ 4 أهداف لعدوان جيش الاحتلال الإسرائيلى بعد عمليَّة "طوفان الأقصى" وهي القضاء على قيادة حركة حماس وإنهاء حُكمها لقطاع غزة، وتدمير البنية التحتية للفصائل الفلسطينية، وتحرير الرهائن الإسرائيليين، وتهجير سكّان غزة إلى سيناء.

لكن النتائج حتى الآن بالنسبة إلى إسرائيل بعد بدء عدوانها الغاشم ضد القطاع تتمثل فى عدة نقاط فى مقدمتها انقسام الرَّأي العام الداخلي بعد إخفاق إسرائيل في تحقيق أهدافها إلى موقفين، أحدهما يُطالِب بتكثيف الضربات ضد القطاع برا وجوا وبحرا، والآخر يدعو لخيار التفاوض مع "حماس" لإطلاق سراح الرهائن.

وهنا أجد لزاماً على أن أتوجه بكل التحية والتقدير للرئيس عبد الفتاح السيسى لسببين رئيسيين الأول يتمثل فى جهوده الوطنية لدعم ومساندة الأشقاء الفلسطينيين والثانى لكشفه بكل قوة وحسم أمام العالم كله للمخطط الاسرائيلى الخبيث للتهجير القسرى للفلسطينيين لتصفية القضية الفلسطينية وضربها فى مقتل.
وأقول وبكل الصدق والأمانة إنه على الرغم من وقوع شهداء من الأبرياء من الأطفال والرجال والنساء والشيوخ اقترب عددهم من 30 ألف شهيد وأكثر من 70 ألفا و215 مصابا منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي إلا أن الشعب الفلسطيني كان ولايزال وسيظل صامداً ولديه القدرة على التمسك بأرضه ووطنه والحفاظ على حقوقه المشروعة وفى مقدمتها اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى، لكامل التراب الفلسطيني.

وأقول إن الشعب الفلسطينى البطل سيظل شوكة فى ظهر حكومة الاحتلال الإسرائيلى ولن يسمح لها بالسيطرة على قطاع غزة حتى لا تحقق أهدافها للسيطرة على ثروات وموارد طبيعية بمليارات الدولارات والتى ربما تكون هى السبب وراء تهافت قوى عظمى أولها الولايات المتحدة، على دعم إسرائيل في تدمير غزة وتهجير سكانها خاصة وأنه كما تؤكد بعد التقارير بأن احتياطيات النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية تقدر بنحو 1.5 مليار برميل من الخام و1.4 تريليون قدم مكعب من الوقود الأزرق فيما إسرائيل تحرم الفلسطينيين من استغلالها والانتفاع بعائداتها فى ظل استمرارها فى العدوان ضد الفلسطينيين.

ومن المعروف أن هناك علماء من الجيولوجيين والاقتصاديين في مجال الموارد الطبيعية أكدوا أن الأرض الفلسطينية المحتلة تقع فوق خزانات كبيرة من ثروة النفط والغاز الطبيعي، في المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة وساحل البحر المتوسط قبالة قطاع غزة وأن استغلال الموارد الطبيعية الفلسطينية، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي، من قبل السلطة القائمة بالاحتلال يفرض على الشعب الفلسطيني تكاليف باهظة تستمر في التصاعد مع استمرار الاحتلال. وهذا لا يتعارض مع القانون الدولي فحسب، بل ينتهك أيضا العدالة الطبيعية والقانون الأخلاقي.

حتى الآن تراكمت التكاليف الحقيقية وتكاليف الفرصة البديلة للاحتلال حصريا في مجال النفط والغاز الطبيعي إلى عشرت إن لم يكن مئات مليارات الدولارات.
ومن المعروف أيضاً أن حقل "غزة مارين"، الواقع على بعد نحو 30 كيلومترا من ساحل غزة بين حقلي الغاز العملاقين "لوثيان" و"ظهر"، من حقول الطاقة الهامة في منطقة شرق المتوسط.

ويحتوي الحقل على أكثر ما يزيد عن تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وفي الماضي أوكلت مهمة تنقيب الحقل لشركة "برتش غاز" لكن عمل الشركة توقف بسبب الخلافات السياسية والتدخلات الإسرائيلية، لا سيما أن تل أبيب تعمدت إحباط أي محاولة لتطويره، لتجعل فلسطين تابعة لها بالكامل في مجال الطاقة.
وظل حقل "غزة مارين" غير مطور، بينما تنتج إسرائيل الغاز الطبيعي في شرق المتوسط منذ سنوات. وتقوم إسرائيل بتصدير بعض الغاز إلى جيرانها، وتسعى لتوجيه المزيد من الشحنات نحو أوروبا، التي هي بأمس الحاجة للوقود الأزرق، الأمر الذي يكون سببا وراء الدعم الغربي الكبير لتل أبيب، كما أن التقارير أكدت أن هناك اكتشافات النفط والغاز الطبيعي في حوض الشام والبالغة 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، تقدر قيمتها بنحو 453 مليار دولار وحسب القوانين والاتفاقات الدولية يحق للفلسطينيين استغلال مواردهم الطبيعية والباطنية، لكن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة قد يحول هذه الآمال إلى سراب.

وفى النهاية لابد أن أؤكد على 3 حقائق فى غاية الأهمية الأولى تتمثل أن العالم كله بجميع دوله ومنظماته أصبح على وعى وإدراك كاملين أن مصر بقيادة الزعيم البطل الرئيس عبد الفتاح السيسى لن يهدأ لها بال حتى يتحقق حلم الأشقاء الفلسطينيين فى اقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية
والثانية تتمثل فى ضرورة ادارة المجتمع الدولي بأن حكومة جيش الاحتلال بداية من نتنياهو رئيسها ومروراً بجميع وزرائها هى حكومة متطرفة لا تعرف سوى لغة العدوان الغاشم وقتل الأبرياء ولابد للمجتمع الدولى أن يسارع فى محاكمة كل مجرمى الحرب داخل هذه الحكومة القاتلة والمتطرفة.

وأما الحقيقة الثالثة فإنها تتمثل فى أن الشعب الفلسطيني الذى صمد من أكثر من 75 عاماً فى وجه جميع الحكومات الصهيونية سيظل على موقفه مدافعاً بكل قوة عن وطنه وأرضه حتى يحقق حلمه الذى طال انتظاره فى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وانهاء الاحتلال البغيض من كافة الأراضى الفلسطينية المحتلة.. وللحديث بقية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: النفط والغاز الطبیعی الاحتلال الإسرائیلى الشعب الفلسطینی الغاز الطبیعی من المعروف فی منطقة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

محمود الجارحي يكتب: 7 مشاهد من معركة الإسماعيلية

في 25 يناير عام 1952 سطرت الشرطة المصرية واحدة من ملاحمها الخالدة في التاريخ المصري، هي معركة الإسماعيلية المجيدة، عندما تصدت قوات الشرطة المصرية بعدادها وعتادها المتواضع لجيش بريطانيا العظمى أكبر دولة في العالم.. ولم تخلُ من الدروس والشواهد على عظمة الشعب المصري والشرطة والمعجزات التي يصنعها اتحادهما معا، ومعهما القوات المسلحة وجيش مصر الأبي، لتأبى صفحات التاريخ أن تتعاقب إلا بتسجيل هذه الملحمة التي عكست نبل وتضحيات الشخصية المصرية على مر التاريخ.

وبالتزامن باحتفالات الشرطة بعيدها الـ73 تحدث اللواء عادل عبدالعظيم، مساعد وزير الداخلية السابق، عن تلك الملحمة بقوله إنّ معركة الإسماعيلية هي التي مهدت الطريق أمام ثورة يوليو 1952، وأنهت الحكم الملكي في مصر، لافتا إلى أنّ توثيق معركة الشرطة ضد الاحتلال في الإسماعيلية حق أصيل للأجيال.. لترسيخ التضحيات والانتماء والولاء للوطن، وإلقاء الضوء عليها، بالتوازي مع تضحيات القوات المسلحة والشرطة.. هنا نروي ما حدث في ذلك اليوم التاريخي، نستعرضه في المشاهد التالية:

المشهد الأول: نوفمبر وديسمبر عام 1951

حكومة الوفد قررت الاستجابة لمطلب الشعب بإلغاء معاهدة 1936‏،‏ وأعلن رئيس الوزراء مصطفى النحاس في مجلس النواب يوم 8 أكتوبر 1951، إلغاء المعاهدة التي فرضت على مصر الدفاع عن مصالح بريطانيا. تتصاعد الأمور، ويقرر 91 ألف عامل مصري مغادرة معسكرات البريطانيين للمساهمة في حركة الكفاح الوطني، التجار يمتنعون عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية.

تتوتر الأجواء بين الشعب المصري وقوات الاحتلال الإنجليزي، الأعمال الفدائية ضد قوات بريطانيا العظمى تصل إلى ذروتها، وتكبدت قوات الاحتلال خسائر فادحة، أعمال التخريب والأنشطة الفدائية تشتد وتتصاعد وتيرتها ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم في منطقة القناة من خلال الفدائيين، تكبدت قوات الاحتلال البريطاني خسائر لا تقدر بثمن، في نفس الوقت ينسحب العمال المصريون من العمل في معسكرات الإنجليز، ما أدى إلى وضع القوات البريطانية في منطقة القناة في حرج شديد.

وأزعجت تلك الأفعال حكومة لندن، فهددت باحتلال القاهرة إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين، غير أنّ الشباب لم يهتموا بهذه التهديدات ومضوا في خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربي البريطاني، واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة، أن يكبدوا الإنجليز خسائر فادحة.

المشهد الثاني: الجمعة 25 يناير عام 1952

يستدعي القائد البريطاني في منطقة القناة، «البريجادير إكسهام»، ضابط الاتصال المصري، وسلّمه إنذارا لتُسلِّم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن مبنى المحافظة ومنطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة.

وجاء هذا الإنذار بعد أن أدرك البريطانيون أنّ الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة‏، لذا خطط الاحتلال لتفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين وتجريدهم من أي غطاء أمني‏.

المشهد الثالث: الجمعة 25 يناير.. مكتب وزير الداخلية

يجلس وزير الداخلية فؤاد سراج الدين في مكتبه، يتلقى اتصالا من قائد قوات الشرطة في الإسماعيلية، اللواء أحمد رائف، كان نصها:

- ألو.. حولني على فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية.

- مين يا أفندم؟ أنا اللواء أحمد رائف، قائد بلوكات النظام في الإسماعيلية.

- حاضر يا أفندم..

- معالي الوزير صباح الخير يا أفندم..

- صباح النور.. يا أفندم قوات الاحتلال البريطاني وجهت لنا إنذار برحيل قوات البوليس عن مدينة الإسماعيلية، واحنا يا أفندم رافضين وقررنا المقاومة ومنتظرين تعليمات سعادتك..

- هتقدروا يا أحمد؟..

- يا أفندم مش هنسيب الإسماعيلية حتى لو ضحينا بآخر نفس فينا.

- ربنا معاكم.. استمروا في المقاومة.

المشهد الرابع: مكتب القائد البريطاني «البريجادير إكسهام»

يشتد غضب القائد البريطاني في القناة، بعد رفض رحيل قوات البوليس، ويأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية، تتحرك القوات، ويحاصر أكثر من 7 آلاف جندي بريطاني مبنى محافظة الإسماعيلية، والثكنات التي كان يدافع عنها 850 جنديا فقط، ما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة.

ويقابل قائد قوات الاحتلال (إكسهام) اليوزباشي مصطفى رفعت، قائد بلوكات النظام الموجودة بمبنى محافظة الإسماعيلية لإخلاء المبنى، وكان هذا نص المكالمة:

- إذا أنت لم تأخذ قواتك من حول المبنى.. سأبدأ أنا الضرب، لأن تلك أرضي، وأنت الذي يجب أن ترحل منها ليس أنا.. وإذا أردتم المبنى.. فلن تدخلوه إلا ونحن جثث.

ثم تركه ودخل إلى مبنى المحافظة.

وداخل مبنى المحافظة يتحدث اليوزباشي مصطفى رفعت إلى جنوده وزميله اليوزباشي عبدالمسيح، وقال لهم ما دار بينه وبين (إكسهام)، فما كان منهم إلا أن أيدوا قراره بعدم إخلاء المبنى، وقرروا مواجهة قوات الاحتلال، على الرغم من عدم التكافؤ الواضح في التسليح؛ حيث كانت قوات الاحتلال تحاصر المبنى بالدبابات وأسلحة متطورة شملت بنادق ورشاشات وقنابل، فيما لا يملك رجال الشرطة سوى بنادق قديمة نوعا ما.

المشهد الخامس: المعركة

القوات البريطانية تقوم بإطلاق قذيفة دبابة كنوع من التخويف لقوات الشرطة، أدت إلى تدمير غرفة الاتصال «السويتش» بالمبنى، وأسفرت عن استشهاد عامل الهاتف، بدأت بعدها المعركة بقوة، والتي شهدت في بدايتها إصابة العشرات من رجال الشرطة واستشهاد آخرين.

اليوزباشي مصطفى رفعت، قائد قوة بلوكات النظام الموجودة داخل مبنى المحافظة، يخرج إلى ضابط الاحتلال البريطاني في مشهد يعكس مدى جسارة وشجاعة رجل الشرطة المصري، فتوقفت الاشتباكات ظنا من قوات الاحتلال أنّ رجال الشرطة سيستسلمون، ولكنهم فوجئوا بأنّ اليوزباشي مصطفى رفعت يطلب الإتيان بسيارات الإسعاف لعلاج المصابين وإخلائهم قبل استكمال المعركة، وفقا لتقاليد الحرب الشريفة التي اعتاد عليها المصريون.

قوة الاحتلال رفضت واشترطت خروج الجميع أولا والاستسلام، وهو ما رفضه اليوزباشي مصطفى رفعت، وعاد إلى جنوده لاستكمال معركة الشرف والكرامة، والتي لم يغب عنها أيضا أهالي الإسماعيلية الشرفاء؛ حيث كانوا يتسللون إلى مبنى المحافظة؛ لتوفير الغذاء والذخيرة والسلاح لقوات الشرطة، رغم حصار دبابات الاحتلال للمبنى.

المشهد السادس: النصر أو الشهادة

تستمر الاشتباكات بشراسة، بدأت الذخيرة في النفاد من رجال الشرطة المصرية، ولكنهم رفضوا أيضا مجرد فكرة الاستسلام، فقرأوا جميعا فاتحة كتاب الله والشهادتين، بمن فيهم الضابط المسيحي اليوزباشي عبدالمسيح، وقرروا القتال حتى آخر طلقة، وقرر اليوزباشي مصطفى رفعت الخروج من المبنى لقتل قائد قوات الاحتلال (إكسهام)، أملا منه في أن يؤدى ذلك إلى فك الحصار وإنقاذ زملائه، وبالفعل عندما خرج، توقف الضرب كالعادة، ولكنه فوجئ بضابط آخر أعلى رتبة من (إكسهام)، وبمجرد أن رأى هذا الضابط اليوزباشي مصطفى رفعت، أدى له التحية العسكرية، فما كان من اليوزباشي رفعت إلا أن يبادله التحية وفقا للتقاليد العسكرية، وتبين بعد ذلك أن ذلك الضابط هو الجنرال (ماتيوس)، قائد قوات الاحتلال البريطاني في منطقة القناة بالكامل.

المشهد السابع: حوار الكرامة

يتحدث الجنرال (ماتيوس) إلى اليوزباشى مصطفى رفعت، وقال له إنهم فعلوا ما عليهم بل أكثر، وإنهم وقفوا ودافعوا عن مبنى المحافظة ببطولة لم تحدث من قبل، وإنهم أظهروا مهارة غير عادية باستخدامهم البنادق التي معهم ووقوفهم بها أمام دبابات وأسلحة الجيش البريطاني المتعددة، ولا مفر من وقف المعركة بشرف، فوافق اليوزباشي مصطفى رفعت على ذلك، مع الموافقة على شروطه، وهي أن يتم نقل المصابين وإسعافهم بشكل فوري، وأنّ الجنود الذين سيخرجون من المبنى لن يرفعوا أيديهم على رؤوسهم، بل سيخرجون بشكل عسكري يليق بهم، مع تركهم لأسلحتهم داخل المبنى، فوافق الجنرال (ماتيوس) على تلك الشروط، وتم خروج قوات الشرطة بشكل يليق بها وهم في طابور منظم.

مقالات مشابهة

  • الصحة الفلسطينية: 5500 شهيد ومفقود خلال الهجمة الإسرائيلية الأخيرة بغزة
  • الصحة الفلسطينية: 38495 طفلا يتيمًا في غزة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية
  • الصحة الفلسطينية: 38,495 يتيما في غزة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية
  • "الصحة الفلسطينية": 38,495 يتيمًا في غزة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية
  • إبراهيم النجار يكتب: إسرائيل.. ومرحلة تصفية الحسابات السياسية
  • كاتب صحفي: إسرائيل تسعى لإطالة الصراع لتحقيق مكاسب سياسية
  • محمود الجارحي يكتب: 7 مشاهد من معركة الإسماعيلية
  • رئيس الحكومة الفلسطينية يكشف خطوات التصعيد ضد إسرائيل
  • الصحة الفلسطينية: شهيدان ونحو 35 مصابا في العملية الإسرائيلية بجنين
  • هل قراءة القرآن بدون وضوء جائزة؟.. أمين الفتوى يجيب