مراقبون: تجويع شمال غزة عقاب جماعي ومحاولة لتهجير السكان
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
غزة– أجمع مراقبون على أن إسرائيل تستخدم سياسة تجويع شمالي قطاع غزة، بغرض دفع السكان إلى النزوح جنوبا، والتنكيل بهم ضمن سياسة "العقاب الجماعي".
وقال مدير التنسيق في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية راميش راجاسينجهام، أمام مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء إن ما لا يقل عن 576 ألف شخص في القطاع، أصبحوا على بُعد خطوة واحدة من المجاعة.
ويرى رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، أن الاحتلال يستخدم التجويع لفرض المزيد من التهجير القسري للمدنيين من شمال غزة وبغرض "إهلاك السكان فعليا".
وذكر عبده للجزيرة نت، أن مركزه وثّق إفادات من سكان في مدينة غزة وشمالها بشأن تلقيهم اتصالات هاتفية من جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، يطالبهم فيها بشكل واضح وصريح بالنزوح إلى وسط وجنوب قطاع غزة من أجل الحصول على الغذاء والماء وتفادي الموت جوعًا.
ويشير عبده إلى أن الاحتلال يتعمّد تقليل أعداد شاحنات المساعدات الإنسانية المتوجهة لشمال غزة، وتقويض آليات حمايتها وسُبل توزيعها.
جثث شهداء مجزرة شارع الرشيد في غزة والتي نفذها الاحتلال بقصف غزيين حاولوا الوصول للمساعدات (الجزيرة) تنكيل بالجائعينويضيف في هذا الصدد "إسرائيل استهدفت بشكل شبه منتظم عناصر الشرطة المدنية المكلفين بتأمين قوافل المساعدات، وبالتالي تغييبهم عن المشهد وترك الفوضى سيدة الموقف عند دخول المساعدات، مما أدى إلى تقويض عملية توزيعها".
وتدّعي إسرائيل أنها تسمح بإدخال قوافل مساعدات لشمالي القطاع عبر منافذ أقامتها بين وسط وشمالي القطاع، لكن شهود عيان أكدوا للجزيرة نت أن غياب أفراد الشرطة لحمايتها وجهات رسمية لتوزيعها، يحرم الغالبية العظمى من السكان من الحصول على حاجتهم منها، خاصة أنها "قليلة للغاية".
وذكر عبده أن الاحتلال تعمّد استثناء منطقة الشمال من عمليات الإنزال الجوي الأخيرة للمساعدات، وهو ما يؤكد وجود قرار إسرائيلي بتجويع السكان، لإجبارهم على النزوح القسري باتجاه الجنوب.
وقال بيان لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، إن "تعاونا جرى بين إسرائيل والمجتمع الدولي والأردن وفرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر والولايات المتحدة لتنفيذ عملية إنزال جوي حملت مساعدات". وتركزت هذه المساعدات في وسط القطاع واستثنت منطقة الشمال التي تعاني من المجاعة.
ووفق عبده، وشهود عيان، يعمد جيش الاحتلال، بشكل شبه يومي، إلى استهداف السكان عند تجمعهم قرب نقاط دخول وتوزيع الإمدادات الإنسانية في مدينة غزة، سواء بإطلاق النار أو القصف المدفعي، ما أسفر عن مئات الشهداء والجرحى.
وكان آخر هذه المجازر ما حدث اليوم الخميس، على شارع الرشيد الساحلي، حيث قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من 70 شهيدا وأصيب أكثر من 250 من المواطنين.
أسباب تفاوضية
ويشير الخبير في الشؤون الإسرائيلية، خلدون البرغوثي، إلى جملة من الأهداف التي يعتقد أن إسرائيل تسعى إليها من خلال سياسة "التجويع".
وقال للجزيرة نت إن سياسة تجويع سكان شمال القطاع:
تأتي "أولا"، في سياق "التنكيل بالكل الفلسطيني"، مشيرا إلى أن قادة إسرائيل أقروا بهذا في العديد من التصريحات. أما الهدف الثاني، فيرى البرغوثي أنه يتمثل في الضغط على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خلال المفاوضات الجارية حاليا لإبرام صفقة إنسانية. وأضاف أن إسرائيل تعتقد أن تجويع سكان القطاع، قد يدفع حماس إلى خفض سقف شروطها لإبرام الصفقة.وتجري حاليا مفاوضات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة بغية التوصل إلى تهدئة بقطاع غزة. ويتفق البرغوثي مع عبده في أن التجويع يأتي بغرض دفع السكان للنزوح إلى جنوبي القطاع.
ومن ضمن الأهداف بحسب البرغوثي، تأليب الشارع الفلسطيني ضد المقاومة، مضيفا أن "إسرائيل تسعى إلى إحداث ثورة جياع في غزة، بغرض تحريض السكان على المقاومة، وهذا عبر عنه كُتاب في الصحافة الإسرائيلية ومسؤولون أيضا بشكل صريح".ومن منطقة شمالي قطاع غزة، يصف الإعلامي الفلسطيني محمد قريقع، سياسة التجويع التي تنفذها إسرائيل بـ"المخيفة وغير المسبوقة".
وقال قريقع في اتصال هاتفي من داخل مدينة غزة، مع الجزيرة نت "هناك أعداد كبيرة من الأطفال تصل المستشفيات بعد أن أُصيبت بالجفاف وسوء التغذية، ويموت بعضهم شهداء".
الصحفي محمد قريقع كان شاهدا على وصول عشرات الشهداء من ضحايا مجزرة شارع الرشيد إلى مستشفى الشفاء (الجزيرة) خطة ونموذجكما تطرق إلى المجزرة التي نفذتها قوات الاحتلال فجر اليوم الخميس ضد الحشود في شارع الرشيد، خلال انتظارهم قوافل المساعدات. وقال قريقع إنه كان شاهدا على وصول عشرات الشهداء، الساعة الخامسة والنصف من صباح اليوم لمستشفى الشفاء الطبي بعد أن قتلتهم قوات الاحتلال على شارع الرشيد.
وأضاف أن "هؤلاء توجهوا أمس، وباتوا في الشارع انتظارا لوصول قوافل المساعدات القادمة من جنوبي القطاع، لكن في تمام الساعة الرابعة فجرا ارتكبت إسرائيل المجزرة عبر إطلاق قذائف الدبابات، والرصاص الحي من الطائرات المسيّرة بكثافة ما أدى إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات".
ويؤكد قريقع أن سياسة التجويع طالت جميع السكان في شمالي القطاع. ويضيف "كلنا جميعا ضحايا هذه السياسة، الناس هنا تُصبح وتُمسي ولا تجد ما تأكله لا هي ولا صغارها".
ولا يستبعد مدير "مركز يبوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية" سليمان بشارات، أن يكون هدف التجويع هو إنجاح خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الساعية لخلق نموذج "إدارة مدنية" تديره إسرائيل لمنطقة شمال غزة، بحيث يحاول الاحتلال أن يُجبر السكان على تقبل هذه الخطوة والتعامل معها تحت دافع الجوع والحاجة.
وأضاف للجزيرة نت أن "إسرائيل تريد أن تحوّل الشمال إلى نموذج يمكن أن يتم تعميمه على باقي قطاع غزة في حال نجاحه، وبالتالي هي تراهن على عامل الزمن".
كما يرى بشارات أن لسياسة التجويع أهدافا سياسية تتمثل في ربط إدخال الغذاء لسكان الشمال بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شارع الرشید للجزیرة نت قطاع غزة شمال غزة
إقرأ أيضاً:
تجويع المدنيين جريمة حرب
منذ عصور قديمة كانت هناك رغبة بدافع ديني أو فلسفي لجعل الحرب أكثر إنسانية، وقد وردت أفكار لحكماء وفلاسفة صينيين قدماء (القرن الرابع والقرن الخامس قبل الميلاد) ، تحث علي احترام أعراف معينة في الحروب لمن لا يشاركون في الحرب والسعي نحو حرب نبيلة المقاصد والأخلاق، وقد كان أهم دافع لهؤلاء الفلاسفة هو حماية حياة الإنسان ، فمنذ ذاك الزمان والعالم يبحث عن سبل تخفيف معاناة الحرب على المدنيين وحماية وجودهم في الحياة ، ورغم قسوة تلك المجتمعات الا أنه كانت هناك أعراف صارمة متبعة في الحرب.
مع تطور الحياة الإنسانية وتطور الافكار والعلوم وظهور الاديان السماوية أصبح الحق في الحياة حقا انسانيا مكفولا في كل الشرائع السماوية وله ضمانات في القوانين الوضعية ، وهو أول حق في منظومة حقوق الإنسان العالمية، وحق الحياة محل التزام لكل الدول في مختلف الأحوال سلما وحربا خاصة للمدنيين.
وليكون حق الحياة موجودا علي أرض الواقع لابد من توافر عناصر مهمة منها توفير الأشياء الأساسية لحياة الإنسان وأهمها الغذاء ، وهذا يتطلب ثلاث نقاط جوهرية هي الوفرة ، وإمكانية توصيله للأشخاص المعنيين من السكان المدنيين ، وكذلك الكفاية بمعني أن يكفي حاجتهم للعيش .
تتعدد أساليب تجويع المدنيين في الحرب أما بتدمير مخازن الأغذية أو حرق أو إتلاف المحاصيل الزراعية في الأسواق والمطاحن والمخابز، أو عبر التحكم بفتح أو إغلاق سدود المياه أو شبكات الري أو بفرض حصار على المدن ومنع وصول المواد الغذائية أو الاغاثات والمساعدات الغذائية للمدنيين.
تجويع المدنيين كتكتيك حربي يستخدم منذ القدم فالتاريخ الإنساني حافل بالعديد من صور الحصار والتجويع للمدنيين وموتهم نتيجة الجوع بأعداد كبيرة، لذلك دعا المجتمع الدولي عقب الحرب العالمية الثانية إلى ضرورة إجلاء المدنيين ، أو علي الأقل يسمح لهم بمغادرة أماكن الاشتباك حماية لهم .
أما في العصر الحديث فهو محظور دوليا لأن القانون الدولي الإنساني يشمل جميع المدنيين بالحماية من الجرائم التي ترتكب بحقهم في الحروب دون أن يكونوا مشاركين فيها لكنهم يفقدون حياتهم بسببها، لذلك حظر العديد من الجرائم التي قد تقع عليهم ومنها تجويع المدنيين بحرمانهم من دخول المواد الغذائية ومنع وصول المساعدات الإنسانية حيث يعتبر دليلا كافيا علي قصد التجويع للمدنيين وبالتالي وقوع جريمة حرب.
و بما أن القانون الدولي الإنساني يجرم تجويع المدنيين و هذه القاعدة القانونية تستمد شرعيتها من مبدأ التمييز المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني عبر المادة 14 في البرتوكولين الاضافيين لعام 1977م وكذلك مادة 24 فقرة (2) التي تقر بحماية المدنيين وحظر تجويعهم .
وكذلك تنص المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية علي أن إخضاع مجموعة بشرية عمدا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئياً، ينطبق عليه مفهوم الإبادة الجماعية، هذه وجهة نظر قانونية أخرى إضافية بمعنى أن تجويع المدنيين قد يصنف جريمة إبادة جماعية أو قد يصنف جريمة حرب ، في الحالتين هي جريمة دولية يعاقب عليها القانون الدولي الانساني ويعتبر من يرتكبها أو يشارك فيها أو يحرض عليها مجرم حرب .
في 6 ديسمبر 2019م تم تعديل نظام روما الأساسي ليشمل التجويع المتعمد للمدنيين باعتباره جريمة حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية، والقاعدة 156 من القانون الدولي الإنساني العرفي والتي تعتبر تجويع المدنيين وحرمانهم من الغذاء للبقاء علي قيد الحياة، جريمة حرب.
كما اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 24 مايو 2018م قرارا يدين استخدام تجويع المدنيين كأسلوب للحرب ، وكذلك منع وصول المواد الغذائية أو الاغاثات والاعانات التي لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة، ودعا جميع الدول الأعضاء إلى تجريم التجويع واعتباره جريمة حرب.
في كل الأحوال يلتزم القانون الدولي الإنساني بتوفير الحماية للمدنيين الذين يغادرون منطقة محاصرة أو الذين يجري إجلاؤهم منها طوعا لحمايتهم .
علي ضوء ما سبق نجد أنه مع استمرار المعاناة الناتجة عن الحرب في السودان، اتهم خبراء تابعون للأمم المتحدة مليشيا الدعم السريع الإرهابية باستخدام أساليب التجويع بحق المدنيين كأسلوب حرب مما يضاعف معاناة المدنيين ويقتل الأطفال وكبار السن .
إضافة إلى تجويع المحتجزين قسريا في سجون المليشيا، والأمثلة كثيرة، ذكرت منها بعض الحالات في صحيفة تايمز البريطانية حيث نشرت تقريراً مطولاً يسلط الضوء على الافراج عن العديد من الأسرى والمحتجزين قسريا في سجون المليشيا بعد انتصارات القوات المسلحة في ود مدني ، وكيف خرج الالاف من الأسرى في حالة صحية متردية وسوء تغذية وأنهم تعرضوا للضرب والتعذيب الوحشي والمعاملة القاسية ونتيجة لذلك مات منهم عدد كبير ، وأن الأسرى المفرج عنهم يحتاجون للرعاية الصحية والتغذية الصحيحة لتجاوز مرحلة سوء التغذية ، جميعهم يروون قصصاً يشيب لها الولدان من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والتجويع المتعمد مع إعطائهم (كوب صغير من العدس) فقط في اليوم، ومثله من الماء .
من جهة أخرى نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما حدث في مارس 2024 م حين احتجزت المليشيا شاحنات المساعدات الإنسانية المقدمة من (اليونسيف) وكانت في طريقها للفاشر للمساهمة في تخفيف الأزمة الغذائية والصحية في معسكرات النازحين خاصة بعد انتشار سوء التغذية بين الأطفال ، فقامت المليشيا بقطع الطريق على قوافل المساعدات الإنسانية و حشدت مرتزقتها عبر طريق مليط – الفاشر واستولت على المساعدات الإنسانية، ونددت اليونسيف بالواقعة واعتبرتها مخالفة للقانون الدولي الإنساني، العجيب في الأمر أن المليشيا نفسها هي مَن نشر الخبر عبر الوسائط الإعلامية !!
في يناير 2025م ونقلا عن وكالة الأنباء السودانية دشنت مفوضية العون الإنساني دخول شحنات مساعدات إنسانية من جمهورية الصين الشعبية تتمثل في (1200) طن من الأرز وجهت لعدد من الولايات التي تأثرت بالحرب ، وذكرت الأستاذة سلوى آدم بنية مفوضية العون الانساني في تصريح صحفي مشترك مع السفير الصيني تشاينغ شيانغ أن الشحنات تستهدف السكان المدنيين في عدد من الولايات إلا أنها وجهت اتهامات للمليشيا بتعمدها منع وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين واستخدام ذلك كسلاح في الحرب ضد المدنيين ، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة ضد المليشيا الإرهابية، والأمثلة كثيرة.
لكنها صورة أخرى من الصور القاتمة والمؤلمة وجريمة أخرى ضمن سلسلة جرائم الحرب التي ترتكبها المليشيا وهي تبحث كذبا عن (الديمقراطية) بين دماء الأبرياء وأرواح الأطفال .
د.إيناس محمد أحمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب