غزة– أجمع مراقبون على أن إسرائيل تستخدم سياسة تجويع شمالي قطاع غزة، بغرض دفع السكان إلى النزوح جنوبا، والتنكيل بهم ضمن سياسة "العقاب الجماعي".

وقال مدير التنسيق في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية راميش راجاسينجهام، أمام مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء إن ما لا يقل عن 576 ألف شخص في القطاع، أصبحوا على بُعد خطوة واحدة من المجاعة.

ويرى رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، أن الاحتلال يستخدم التجويع لفرض المزيد من التهجير القسري للمدنيين من شمال غزة وبغرض "إهلاك السكان فعليا".

وذكر عبده للجزيرة نت، أن مركزه وثّق إفادات من سكان في مدينة غزة وشمالها بشأن تلقيهم اتصالات هاتفية من جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، يطالبهم فيها بشكل واضح وصريح بالنزوح إلى وسط وجنوب قطاع غزة من أجل الحصول على الغذاء والماء وتفادي الموت جوعًا.

ويشير عبده إلى أن الاحتلال يتعمّد تقليل أعداد شاحنات المساعدات الإنسانية المتوجهة لشمال غزة، وتقويض آليات حمايتها وسُبل توزيعها.

جثث شهداء مجزرة شارع الرشيد في غزة والتي نفذها الاحتلال بقصف غزيين حاولوا الوصول للمساعدات (الجزيرة) تنكيل بالجائعين

ويضيف في هذا الصدد "إسرائيل استهدفت بشكل شبه منتظم عناصر الشرطة المدنية المكلفين بتأمين قوافل المساعدات، وبالتالي تغييبهم عن المشهد وترك الفوضى سيدة الموقف عند دخول المساعدات، مما أدى إلى تقويض عملية توزيعها".

وتدّعي إسرائيل أنها تسمح بإدخال قوافل مساعدات لشمالي القطاع عبر منافذ أقامتها بين وسط وشمالي القطاع، لكن شهود عيان أكدوا للجزيرة نت أن غياب أفراد الشرطة لحمايتها وجهات رسمية لتوزيعها، يحرم الغالبية العظمى من السكان من الحصول على حاجتهم منها، خاصة أنها "قليلة للغاية".

وذكر عبده أن الاحتلال تعمّد استثناء منطقة الشمال من عمليات الإنزال الجوي الأخيرة للمساعدات، وهو ما يؤكد وجود قرار إسرائيلي بتجويع السكان، لإجبارهم على النزوح القسري باتجاه الجنوب.

وقال بيان لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، إن "تعاونا جرى بين إسرائيل والمجتمع الدولي والأردن وفرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر والولايات المتحدة لتنفيذ عملية إنزال جوي حملت مساعدات". وتركزت هذه المساعدات في وسط القطاع واستثنت منطقة الشمال التي تعاني من المجاعة.

ووفق عبده، وشهود عيان، يعمد جيش الاحتلال، بشكل شبه يومي، إلى استهداف السكان عند تجمعهم قرب نقاط دخول وتوزيع الإمدادات الإنسانية في مدينة غزة، سواء بإطلاق النار أو القصف المدفعي، ما أسفر عن مئات الشهداء والجرحى.

وكان آخر هذه المجازر ما حدث اليوم الخميس، على شارع الرشيد الساحلي، حيث قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من 70 شهيدا وأصيب أكثر من 250 من المواطنين.

أسباب تفاوضية

ويشير الخبير في الشؤون الإسرائيلية، خلدون البرغوثي، إلى جملة من الأهداف التي يعتقد أن إسرائيل تسعى إليها من خلال سياسة "التجويع".

وقال للجزيرة نت إن سياسة تجويع سكان شمال القطاع:

تأتي "أولا"، في سياق "التنكيل بالكل الفلسطيني"، مشيرا إلى أن قادة إسرائيل أقروا بهذا في العديد من التصريحات. أما الهدف الثاني، فيرى البرغوثي أنه يتمثل في الضغط على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خلال المفاوضات الجارية حاليا لإبرام صفقة إنسانية. وأضاف أن إسرائيل تعتقد أن تجويع سكان القطاع، قد يدفع حماس إلى خفض سقف شروطها لإبرام الصفقة.

وتجري حاليا مفاوضات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة بغية التوصل إلى تهدئة بقطاع غزة. ويتفق البرغوثي مع عبده في أن التجويع يأتي بغرض دفع السكان للنزوح إلى جنوبي القطاع.

ومن ضمن الأهداف بحسب البرغوثي، تأليب الشارع الفلسطيني ضد المقاومة، مضيفا أن "إسرائيل تسعى إلى إحداث ثورة جياع في غزة، بغرض تحريض السكان على المقاومة، وهذا عبر عنه كُتاب في الصحافة الإسرائيلية ومسؤولون أيضا بشكل صريح".

ومن منطقة شمالي قطاع غزة، يصف الإعلامي الفلسطيني محمد قريقع، سياسة التجويع التي تنفذها إسرائيل بـ"المخيفة وغير المسبوقة".

وقال قريقع في اتصال هاتفي من داخل مدينة غزة، مع الجزيرة نت "هناك أعداد كبيرة من الأطفال تصل المستشفيات بعد أن أُصيبت بالجفاف وسوء التغذية، ويموت بعضهم شهداء".

الصحفي محمد قريقع كان شاهدا على وصول عشرات الشهداء من ضحايا مجزرة شارع الرشيد إلى مستشفى الشفاء (الجزيرة) خطة ونموذج

كما تطرق إلى المجزرة التي نفذتها قوات الاحتلال فجر اليوم الخميس ضد الحشود في شارع الرشيد، خلال انتظارهم قوافل المساعدات. وقال قريقع إنه كان شاهدا على وصول عشرات الشهداء، الساعة الخامسة والنصف من صباح اليوم لمستشفى الشفاء الطبي بعد أن قتلتهم قوات الاحتلال على شارع الرشيد.

وأضاف أن "هؤلاء توجهوا أمس، وباتوا في الشارع انتظارا لوصول قوافل المساعدات القادمة من جنوبي القطاع، لكن في تمام الساعة الرابعة فجرا ارتكبت إسرائيل المجزرة عبر إطلاق قذائف الدبابات، والرصاص الحي من الطائرات المسيّرة بكثافة ما أدى إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات".

ويؤكد قريقع أن سياسة التجويع طالت جميع السكان في شمالي القطاع. ويضيف "كلنا جميعا ضحايا هذه السياسة، الناس هنا تُصبح وتُمسي ولا تجد ما تأكله لا هي ولا صغارها".

ولا يستبعد مدير "مركز يبوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية" سليمان بشارات، أن يكون هدف التجويع هو إنجاح خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الساعية لخلق نموذج "إدارة مدنية" تديره إسرائيل لمنطقة شمال غزة، بحيث يحاول الاحتلال أن يُجبر السكان على تقبل هذه الخطوة والتعامل معها تحت دافع الجوع والحاجة.

وأضاف للجزيرة نت أن "إسرائيل تريد أن تحوّل الشمال إلى نموذج يمكن أن يتم تعميمه على باقي قطاع غزة في حال نجاحه، وبالتالي هي تراهن على عامل الزمن".

كما يرى بشارات أن لسياسة التجويع أهدافا سياسية تتمثل في ربط إدخال الغذاء لسكان الشمال بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شارع الرشید للجزیرة نت قطاع غزة شمال غزة

إقرأ أيضاً:

11 شهيدا وعشرات الجرحى في غارات الاحتلال على غزة ورفح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

استشهد 11 مواطنا وأصيب آخرون، مساء اليوم الجمعة، في قصف من طائرات الاحتلال الإسرائيلي ومدفعيته على شمال وجنوب قطاع غزة.

وأفاد مراسل "وفا" باستشهاد 4 مواطنين وإصابة آخرين في قصف الاحتلال حي الكرامة شمال مدينة غزة، وباستشهاد مواطنين اثنين وإصابة آخرين في قصف الاحتلال منزلا في حي الزيتون جنوب شرق المدينة.

وأضاف أن قوات الاحتلال أعدمت شابا بالرصاص أثناء محاولته النزوح من شمال غزة إلى وسط القطاع، حيث أطلق الرصاص صوبه ومنعت طواقم الإسعاف الاقتراب منه وتركته ينزف إلى أن ارتقى، قبل أن يسمحوا بانتشال جثمانه، حيث نقل إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح.

وفي جنوب القطاع، انتشل مواطنون وطواقم الإسعاف والإنقاذ، جثامين أربعة شهداء ارتقوا في غارات الاحتلال على مناطق متفرقة شرق مدينة رفح.

وأفادت مصادر طبية بارتفاع عدد الشهداء في القطاع منذ فجر اليوم إلى 37 شهيدا على الأقل.

وقصفت طائرات الاحتلال ومدفعيته بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، وأحياء الكرامة والصبرة وتل الهوا والرمال والزيتون في مدينة غزة، وحي الشابورة وسط رفح جنوب القطاع.

وأقدمت قوات الاحتلال على نسف عدد من المباني السكنية غرب مخيم جباليا شمال القطاع.

وتواصل قوات الاحتلال عدوانها على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 43،764 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 103،490 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

مقالات مشابهة

  • غزة - 11 شهيدا في غارات إسرائيليةعلى القطاع
  • 11 شهيدا وعشرات الجرحى في غارات الاحتلال على غزة ورفح
  • 42 يومًا من الإبادة الجماعية والتجويع شمالي القطاع
  • خطة إسرائيل لتهجير الفلسطينيين
  • مرصد حقوقي: سياسة التطهير العرقي تتصاعد في غزة
  • واشنطن تبرئ إسرائيل من تجويع الغزيين.. كيف علّق المغردون؟
  • الامم المتحدة تتهم اسرائيل بـاستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وفرض عقاب جماعي على الفلسطينيين
  • «مجازر العائلات» في غزة.. ناجون من جحيم إسرائيل يروون التفاصيل لـ«الأسبوع»
  • مسؤولة أممية: استخدام "إسرائيل" التجويع محظور بموجب القانون الإنساني
  • صحف عالمية: إسرائيل تستخدم التجويع لإخلاء شمال غزة وإدارة بايدن لن تعاقبها