موقع النيلين:
2024-11-26@21:42:16 GMT

انهيارُ إسرائيل

تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT


في سنة 2001 م ألَّف الدكتور “عبد الوهاب المسيري” كتاب: “انهيار إسرائيل من الداخل”، والذي تحدَّث فيه عن الصهيونية باعتبارها ظاهرةً مركَّبةً ومتعددةَ الأبعاد، تعاملت في تحقيق الخيال الإيديولوجي المتلبِّس زُورًا بالنصوص التوراتية المحرَّفة، والاختباء وراء تأويل الديانة اليهودية في قيام إسرائيل بالاعتماد على الاستعمار الغربي في نقل الصهيونية من الفكرة إلى الدولة، وعلى أوروبا الشرقية بهجرة اليهود إلى فلسطين، وعلى يهود العالم في دعم هذا الاستيطان الصهيوني، وعلى الإبادة والتهجير القسري والتطهير العِرقي للشعب الفلسطيني، الذي يمثِّل السُّكان الأصليين للأرض.

وقد تحدث المسيري في الفصل السابع من هذا الكتاب عن انهيار إسرائيل من الداخل، وهي القضية الشائكة التي تُبرِز أبعاد التآكل الذي أصاب المشروع الصهيوني من الداخل، فتحدث عن:

1- الفرار من الخدمة العسكرية، مع أنَّ إسرائيل لها خصوصية تقوم على عقيدة القوة العسكرية في تهجير السكان الأصليين، وتوفير الأمن للمغتصِبين، حتى وصف “بن غوريون” الجيش الإسرائيلي بأنه خيرُ مفسِّرٍ للتوراة، وهو القادرُ وحده على تعريف حدود إسرائيل، وبالتالي اتخذت الخدمة العسكرية طابع القداسة الخاصة، إلاَّ أنَّ الوضع تغيَّر، وهو ما أكَّده “إسحاق موردخاي” وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق في الفترة 1996م– 2001 م بالانخفاض الحادِّ في الرغبة القتالية في صفوف الشباب الإسرائيلي، بل اختفت نظرية التقديس التي كان يُكِنُّها المجتمع الإسرائيلي للجيش، وتشكَّلت منظماتٌ تشجِّع على التهرُّب من الخدمة العسكرية، وهو ما يدلِّل على تآكل الإيديولوجية الصهيونية.

2- سقوط نظرية الأمن الإسرائيلية: فبالرغم من التفوُّق العسكري المذهل، والدعم الغربي المطلق، وغرور القوة اللامتناهي، وذروة الانتصارات الكبيرة، إلا أنَّ إسرائيل لم تتمتّع بالسلام الدائم والنصر النهائي، مما جعل الداخل الإسرائيلي يتحدث عن “عُقم الانتصارات”، وسقوط عقيدة “الدفاع عن النفس”، والحديث بأنَّ إسرائيل دولةٌ عدوانية، وأنَّ ارتكاب المجازر المروِّعة بقتل المدنيين يصعُبُ تفسيرُه وتبريره، وقد حذَّر وزيرُ الدفاع الأمريكي الحالي “لويد أوستن” من أنَّ الهجمات الإسرائيلية على المدنيين يحوّل نصرها التكتيكي إلى هزيمةٍ إستراتيجية، فبعد أكثر من 145 يومًا من الحرب المجنونة على قطاع غزة (قرابة خمسة أشهر) لم تحقق إسرائيل أيًّا من أهدافها، وهو دليلٌ مرعبٌ على تحطُّم أساطير عقيدتها الأمنية.

ومن أكبر الدلالات الصارخة على انهيار إسرائيل:

– العجز عن امتلاك القوة الذاتية:

إذ تقوم إسرائيل على عقيدة التفوُّق العِرقي للجنس اليهودي عبر خرافة “شعب الله المختار”، وأنَّ الأغيار (غير اليهود) هم أدنى منهم مكانةً في القوة والإنسانية، وبالرغم من الجهد الصهيوني الخارق في تطبيع الشخصية اليهودية، والشفاء من عقلية الاستجداء العسكري والسياسي والاقتصادي من الغير، إلا أنه وبعد 75 سنة من قيام إسرائيل، لا تزال تبعيتها مزمنةً للدول الغربية في قوتها وانتصاراتها وبقائها، وهو ما تؤكده الحقيقة القرآنية في قوله: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا، إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ” (آل عمران:112)، وهو ما يعني أنَّ الإسرائيلي فاقدٌ للسيادة، لاعتماده الدائم على القوة الخارجية، وقد فضح الرئيسُ الأمريكي الصهيوني “جو بايدن” هذا المعنى، عندما قال: “لا بد أنكم سمعتموني أقول عدة مرات إنه لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراعُ واحدة، وأنا أعني هذا الكلام”، وهي إهانةٌ لإسرائيل نفسِها، وأنها مجرَّد صناعةٍ غربية، لا تملك أدنى مقوِّمات قيامها الذاتية.

وقد أثبتت معركة “طوفان الأقصى” أنه لولا هذا الدعم الغربي والتدخُّل الأمريكي المباشر لانهارت إسرائيل، وهو ما يؤكده كذلك السفير الأميركي السابق في إسرائيل “مارتن إنديك” حينما قال: “إنَّ استمرار وجود إسرائيل يعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها”، وهو ما يعني أنَّ هذا الكيان اللقيط ما هو إلا تجسيدٌ لارتباط الإسرائيليين بالمشروع الاستعماري الاستيطاني الغربي، وليس بالارتباط الأزلي بين اليهود و”أرض الميعاد” كما يدَّعون دينيًّا.

– إسرائيل تخسر العالم:

يقول الرئيس الأمريكي الصهيوني “بايدن” لقناةٍ أمريكيةٍ الاثنين الماضي: “إسرائيل تخاطر بخسارة الدعم حول العالم إذا استمرَّ عددُ القتلى الفلسطينيين”، وهو ما تَغْرَق فيه إسرائيل يوميًّا بسبب تجذُّر ثقافة التوحُّش، إذْ بالرغم من تفوُّقها العسكري النوعي، إلا أنها عجزت عن تحقيق أهدافها العسكرية، بل تورَّطت كعادتها فيما يُدينها عالميًّا، وهو ارتكاب المزيد من المجازر وحرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية بالانتقام من المدنيين، مما يزيد في انهيار صورة إسرائيل وسقوط سردياتها التاريخية، فقد استَخدمت الصهيونية خرافة “الهولوكوست” (الإبادة الجماعية لليهود على يد النازيين) كإحدى أكبر الذرائع الإيديولوجية لإنشاء دولة إسرائيل، حتى قال أحد الحاخامات اليهود: “إنَّ إنشاء دولة إسرائيل هو الرَّدُّ الإلهي على الهولوكوست”، وهو ما أكسبها هذا التعاطف العالمي والدعم الغربي المطلق طيلة العقود الماضية.

إلا أنَّ “عُقم الانتصارات” العسكرية، وفظاعة الانتهاكات الوحشية المستمرَّة، وتحدِّي المجتمع الدولي، جعل العالم ينقلب على إسرائيل، وينقلها من موقع ضحيةِ الإبادة الجماعية إلى موقع الجلاد فيها، وقد نشرت مجلة “ذي نايشن” الأمريكية مقالاً طويلاً مؤخَّرًا، تحت عنوان “إسرائيل تخسر الحرب”، جاء فيه: “في هذه الأثناء، تبتعد الدولُ العربية بقوة عن التطبيع، ويتحالف جنوب الكوكب بقوة مع القضية الفلسطينية، وتنفُرُ أوروبا بسبب تجاوزات الجيش الإسرائيلي، وينطلق جدلٌ أمريكي حول إسرائيل، محطّمًا بذلك الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الحزبين في الولايات المتحدة منذ مطلع السبعينيات”، فقد تردَّدت أصداءٌ متصاعدة للتضامن مع فلسطين بالملايين -ولأول مرة في تاريخ القضية- في كلِّ شوارع العالم، واحتلَّت فلسطين مكانةً متزايدةً على المستوى الرسمي والشعبي، حتى داخل المنظومة الغربية نفسِها، ووقع تمرُّدٌ على نظام النفاق الغربي الداعم لإسرائيل، ودخلت الآليات القانونية والقضائية على خط ملاحقة إسرائيل لأوَّل مرة في تاريخها في أروقة محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، وخسرت الأغلبيةَ المطلقة في المؤسسات الدولية ديبلوماسيًّا وسياسيًّا، مثل: التصويت ضدَّ إسرائيل على القرار الجزائري بوقف الحرب بمجلس الأمن (13 من أصل 15 ضد إسرائيل، وامتناع بريطانيا)، والتصويت بالأمم المتحدة (153 دولة ضدَّ إسرائيل، مقابل 10 دول فقط معها)، وقطع بعض الدول علاقاتِها مع إسرائيل، ورصد ذلك الذُعر في الغرب من ازدواجية المعايير بين الواجب الأخلاقي في انتقاد انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وتحدِّي وحشيتها، وبين الضجر من استغلال شعار “معاداة السامية” في الملاحقات الخطيرة لمنتقدي السياسات الإسرائيلية، بل والربط المروِّع بين “معاداة الصهيونية” و”معاداة السامية”، وهو ما جعلها تخسر جزءًا جديدًا من الغرب.

إسرائيل تهدِّد العلاقة التاريخية مع أمريكا:

بدأت فُقَّاعة أوْهَام أمريكا في تأبيد هيمنتها على العالم تتبدَّد بشكلٍ دراماتيكي، فقد وقف العالم على سقوط مركزيتها الأخلاقية عبر ازدواجية المعايير لديها، بالتناقض الصارخ -مثلاً- في تدخلها ضدَّ انتهاكات روسيا في أوكرانيا وبين مشاركاتها الفجَّة في فظائع الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين، مما أنتج إجماعًا دوليًّا على نفاق السياسة الخارجية الأمريكية، وفُقدت الثقةُ بها، وهي اللاهثة وراء حلفاء ضدَّ منافسيها الشرسين: روسيا والصين، مع تنامي كراهية الشعوب لها، وتعقيد علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي.

نشرت مجلة “ذي نايشن” الأمريكية مقالاً طويلاً مؤخَّرًا، تحت عنوان “إسرائيل تخسر الحرب”، جاء فيه: “في هذه الأثناء، تبتعد الدولُ العربية بقوة عن التطبيع، ويتحالف جنوب الكوكب بقوة مع القضية الفلسطينية، وتنفُرُ أوروبا بسبب تجاوزات الجيش الإسرائيلي، وينطلق جدلٌ أمريكي حول إسرائيل، محطّمًا بذلك الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الحزبين في الولايات المتحدة منذ مطلع السبعينيات”.

وكان من الأسباب الرئيسية في ذلك، هو: الانحياز الأعمى للنازية الصهيونية، وهو ما أصبح يشكِّل ضغطًا متناميًّا على الإدارة الأمريكية، وأنَّ جنون إسرائيل في ردود أفعالها غير الإنسانية وغير الأخلاقية وغير القانونية في الحروب أصبح يمثِّل عِبئًا على الغرب عمومًا وعلى أمريكا خصوصًا، ويهدِّد المستقبل السياسي لداعميها، بل ويرتقي إلى تهديد العلاقات التاريخية بين إسرائيل وأمريكا.

إسرائيل تخسر ذاتها:

لا نبالغ إذا قلنا إنَّ مصطلح “الحرب الأهلية” هو الأكثر شيوعًا في الخطاب الصُّهيوني، على خلفية اختلال التوازن الفظيع بين الطبيعة اليهودية والطبيعة الديمقراطية للكيان الصهيوني، بسبب سيطرة التيار الديني اليميني المتطرِّف على الحكم، والتراجع عن الطابع الديمقراطي والعلماني للدولة، وهو ما يمثِّل أزمةً عميقةَ في الهوية، وبالتالي فهي تتَّجه نحو التدمير الذاتي، الذي دفع برموز هذا الكيان إلى دقِّ ناقوس الخطر الوجودي، فهذا الرئيس الصُّهيوني “هرتسوغ” يقول: “ما يحدث كارثةٌ حقيقيةٌ، وبلادُنا تنهار أمام عينيّ”، ويضيف: “الوضع يتَّجه إلى نقطة اللاعودة، وإسرائيل تمرُّ بأزمة تاريخية تهدِّد بتدميرها من الداخل”. وقد جاءت معركة “طوفان الأقصى” لتعمِّق هذا التدمير الداخلي، وإدخال الشكِّ في مستقبل إسرائيل، وتفجير هاجس الشَّك بنهاية هذا الكيان المهتزّ، وهو الشعور الذي يضرب بجذوره في عمق الوجدان الصُّهيوني، فهو هاجسٌ مركزيٌّ متأصِّل يهوديًّا منذ البدايات الأولى له، فهذا “بن غوريون” نفسُه يقول: “ستسقط إسرائيل بعد أول هزيمةٍ تتلقَّاها”، وهي الخسارة التي بدأت معالمها تتضح أكثر فأكثر في معركة “طوفان الأقصى”، وأنَّ إيقاف هذه الحرب على هذه النتائج تعني الهزيمة الإستراتيجية لإسرائيل، ودخولها في أزمةٍ داخلية، لا أوَّل لها ولا آخِر، وقد اعترف الرئيس السَّابق لجهاز الموساد بهذا الخطر الداخلي بقوله: “بينما كَثُر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق إسرائيل، فإنَّ التهديد الأكبر يتمثَّل بنا نحن الإسرائيليين، بظهور آليةِ تدميرِ الذَّات التي جرَى إتقانُها في السنوات الأخيرة، مما يستدعي منَّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة.. لأنَّ إسرائيل تنهار ذاتيًّا”، وهذا الكاتب الصحفي “آري شافيت”، الذي استعرض في كتابه “البيت الثالث”-إشارة إلى دولة إسرائيل الحالية- كيف أصبح الإسرائيليون: “العدو الأكبر لأنفسهم في العقد الثامن من استقلال الدولة العبرية”، قائلًا: “يمكن مواجهة التحدِّيات الأمنية، لكن تفكُّكَ الهوية لا يمكن التغلُّبُ عليه”، ثم يجزم فيقول: “لن يكون هناك بيتٌ رابع.. إسرائيل هي الفرصة الأخيرة للشَّعب اليهودي”.

تردَّدت أصداءٌ متصاعدة للتضامن مع فلسطين بالملايين -ولأول مرة في تاريخ القضية- في كلِّ شوارع العالم، واحتلَّت فلسطين مكانةً متزايدةً على المستوى الرسمي والشعبي، حتى داخل المنظومة الغربية نفسِها، ووقع تمرُّدٌ على نظام النفاق الغربي الداعم لإسرائيل، ودخلت الآليات القانونية والقضائية على خط ملاحقة إسرائيل لأوَّل مرة في تاريخها في أروقة محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، وخسرت الأغلبيةَ المطلقة في المؤسسات الدولية ديبلوماسيًّا وسياسيًّا.

لقد عاشت إسرائيل وَهْم الانتصارات طيلة نصف قرن من قيامها، إلا أنها بدأت تذوق مرارة الهزائم، ابتداءً من الانسحاب المُذلِّ من جنوب لبنان سنة 2000م، والخروج بلا قيد ولا شرط من غزة في أوت 2005م، والهزيمة المدوِّية في حرب لبنان سنة 2006م، وهزائمه المتكررة في حروب غزة سنوات 2009م و2012م و2014م، و2021م، والتي تخرج منها المقاومة أكثر قوة وتطوُّرًا، مما شكَّل مرحلة جديدةً وبأبعادٍ جدِّيةٍ في هذا الصراع الوجودي، وهو ما أشَّر على صورة الانهيار الصهيوني.

هذا “بن غوريون” نفسُه يقول: “ستسقط إسرائيل بعد أول هزيمةٍ تتلقَّاها”، وهي الخسارة التي بدأت معالمها تتضح أكثر فأكثر في معركة “طوفان الأقصى”، وأنَّ إيقاف هذه الحرب على هذه النتائج تعني الهزيمة الإستراتيجية لإسرائيل، ودخولها في أزمةٍ داخلية، لا أوَّل لها ولا آخِر.

ومثَّلت معركة “طوفان الأقصى” صدمةً استراتيجية جديدةً وخطيرةً هدَّدت مستقبل إسرائيل؛ فقد أظهرت بوضوح انهيارها المتسارع، فهي تخوض معركة البقاء الثانية لها منذ 1948م، وتخوض أطول الحروب في تاريخها (قرابة 5 أشهر)، وهي عاجزةٌ عن تحقيق أهدافها المعلنة رغم الدعم الغربي المطلق، ولم تتلقَ مثل هذه الخسائر في تاريخها على كافة المستويات وفي مختلف المجالات، فإلى غاية 11 فيفري 2024م، خسرت حسب اعترافاتها: 1200 قتيل تمَّ التعرُّفُ عليهم في مستوطنات غِلاف غزة، ونحو 633 من الضباط والجنود يوم 07 أكتوبر 2023م، وأكثر من 236 قتيل و3052 جريح في المعركة البرية في قطاع غزة، و12500 من الجيش سيُعتَرف بهم معاقين، مع توقُّع تقدُّم 20 ألفًا بطلبات أخرى، وأكثر من 7262 جريح، و137 أسير، وتدمير كتائب القسام لوحدها نحو 1154 آلية عسكرية (قيمة دبابة ميركافا تصل إلى 07 مليون دولار)، وهجرة أكثر من نصف مليون خارج إسرائيل، ونزوح نصف مليون إسرائيلي داخلها، و1200 إخطار بتضرُّر المباني تحت قصف صواريخ المقاومة، وتكبُّد 58 مليار دولار كلفةً للحرب، بمعدل 255 مليون دولار نفقاتٍ عسكرية يوميًّا، و25 مليار دولار خسارةً في البورصة، و 4.25 مليار دولار كلفة للتعويضات، و17.5 مليار دولار خسائر بسبب الشلل الاقتصادي، و8.4 مليار دولار خسارة التغيُّب عن الوظائف، وضخّ 45 مليار دولار في البنك المركزي لدعم العملة.

ومهما تكن من نتائج هذه الحرب المجنونة على الشعب الفلسطيني، فلن تكون إسرائيل بعد الحرب كما كانت قبلها.

ناصر حمدادوش – الشروق الجزائرية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: طوفان الأقصى الدعم الغربی إسرائیل تخسر ملیار دولار إسرائیل من فی تاریخها من الداخل ل مرة فی أکثر من إلا أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

معركة الأمة والأقصى.. أم معركة غزة والضاحية؟

التعريف هو مبدأ العلم وأساسه وهو بالطبع ذو صلة بالمعرفة، والمعرفة في حقيقتها هي العلم ذاته، وكما يُعرف الإنسان باسمه وسيرته وخصائصه التي يتميز بها، كذلك يعرف أي شيء في الدنيا، ليس فقط لتطبيق قول الجرجاني (ت: 1416م) رحمه الله من أن التعريف هو: ذكر شيء تستلزم معرفته معرفة شيء آخر، ولكن أيضا لأنه من خلاله يستطيع الإنسان بوضوح ودقة تكوين صورة، يستطيع أن يتصور بها موضوع ما، حتى لو لم يكن لديه اتصال مباشر بهذا الموضوع..

لذلك سيتوجب علينا جميعا أن نُعرّف هذه المعركة التي تدور الآن في الشام وفلسطين، وأحد طرفيها أبناء أمتنا (كما كان تعريف حالنا مما يقرب من 100 سنة مضت!) والطرف الآخر هو الغرب الأوروبي وأمريكا.

تنقل لنا الصورة أبناءنا وأخوتنا وهم يستعدون ويقاتلون، ولا يخلو مقطع مما نراه من القرآن وآياته، سواء كانوا في لبنان أو في غزة.

هم يقاتلون إذن تحت "راية القرآن"، ولن أتحدث هنا عن العمق الفكري والنفسي الذي بدأوا منه وبه، وقامت عليه مقاومتهم، وقوامهم كمقاتلين، يقاتلون من أجل قضية إنسانية وعادلة، بغض النظر عن موقفك من منطلقاتهم الفكرية، التي ابتعثت فيهم هذه الهمة وهذا العزم من أجل تلك القضية العادلة.

* * *

هذا ما نراه ويراه العالم كله، وهم رغم المسخ والتشويه والتشويش الذي مارسته ولا تزال أجهزة الغرب على فكرة الإصلاح الإسلامي (فكريا وحركيا) على مدى نصف قرن مضى، إلا أن كل محاولتهم لإلحاق المشهد الحالي للمعركة بهذه الصورة المشوهة (داعش وأخواتها) قد فشلت، إلى حد أنهم باتوا يكررونها في سأم وسخف، وأصبحت صورة نتنياهو وهو يتحدث عن الحضارة والبربرية من أكثر صور الطرافة والتندر، خاصة بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضي..

تنقل لنا الصورة أيضا من الغرب "مشاهد عجيبة"، لم نرها من قبل في تاريخ الصراع الحالي، والذي تدور دوائره من بعد الحرب العالمية الثانية (1945م)، وهو الصراع الذي يتمركز حول نقطة محددة وواضحة وأصبحت معروفة ومفهومة تماما لتلاميذ السياسة والتاريخ في أي مدرسة أو جامعة، وهي ضرورة أن يكون للغرب الاستعماري قاعدة متقدمة (دولة إسرائيل) لرعاية مصالحه (الفكرية والاستراتيجية) في هذه البقعة من جغرافيا العالم..

* * *

هذه المشاهد العجيبة والتي نتابعها على مدار العام الماضي هي مظاهرات الشوارع والميادين التي تندد وترفض تلك الحرب الخبيثة في الشرق الأوسط على لبنان وغزة، والتي هي بشكل أو بآخر طرف فيها، دعك من الجامعات، فهي في النهاية طليعة معرفية وعلمية.

والشيء بالشيء يذكر، فالذي يرى الاحتجاجات في جامعة كولومبيا ومخيم التضامن (50 خيمة) الذي أقامه الطلاب في 17 نيسان/ أبريل الماضي، مطالبين الجامعة بسحب علاقاتها مع إسرائيل.. سيفهم ما هذا الذي يحدث في العالم الآن، حين يعرف أنه في نفس الجامعة سنة 2000م قامت مظاهرة مؤيدة لإسرائيل، وضد أحد أهم أساتذتها، إن لم يكن أهمهم جميعا (د. إدوارد سعيد/ ت: 2003م) بعد زيارته لجنوب لبنان (3 تموز/ يوليو 2000م) وإلقائه حجرا عند "بوابة فاطمة" من خلف السور الفاصل بين إسرائيل وحدود جنوب لبنان بمناسبة الاحتفال بالنصر وانسحاب إسرائيل. (وتلك القصة أخذت أبعادها في الصحافة العالمية وقتها بطبيعة الحال).

وخرج رئيس الجامعة وقتها (د. جورج إيريك) وقال للمتظاهرين إنه لم يكن في برنامجه الاجتماع بهم لأمر سخيف كالذي حاولوا التعبير عنه، لكنه أراد أن يذكرهم بأن الامتيازات التي يتمتعون بها بعد تخرجهم من جامعة كولومبيا، تعود في أصلها إلى وجود ما ادعوا تسميته زورا وبهتانا بـ"أستاذ الإرهاب" (إدوارد سعيد أستاذ جامعة كولومبيا وأمثاله).. كما حكى لنا أ. محمد شاهين في تقديمه للكتاب الرائع الذي أصدره تلميذ إدوارد سعيد النجيب، د. تيموثى برنان، "إدوارد سعيد.. أماكن الفكر"، عالم المعرفة العدد 492.

* * *

وقد أوردتُ هذه الحادثة لا للتدليل على ما أحدثه الطوفان في الوعي العالمي بحقيقة هذا الذي يحدث في الشرق الأوسط الآن، ولا لأني أحد قراء ومحبي "أستاذ الإرهاب"، العلامة الجميل الأنيق ذي الإشراقة الوسيمة الصادقة، د. إدوارد سعيد رحمه الله.. إنما ذكرته لأن الراحل الكبير كان أحد أوائل من صرخوا صرختهم المدوية ضد اتفاق أوسلو (1993م).

هذه الحرب التي تدور رحاها الآن في الشرق الأوسط هي "حرب الأمة" وفي القلب منها القدس والقبلة الأولى، هم في الغرب يحاولون منع تكون سطر واحد من الوعي بهذا التعريف وهذا العنوان، ويأخذون العالم إلى عناوين صغيرة مثل: اليوم التالي في غزة، حكم حماس، حل الدولتين، القرار الأممي 1701، ما وراء الليطاني
ولا أنسى جملة الأستاذ هيكل (ت: 2016م) رحمه الله وهو يقول في الجامعة الأمريكية في القاهرة سنة 1994م، أنه طوال الأسبوع الماضي يتلقى مكالمات تلفونية من د. إدوارد سعيد وهو يبكي معرفة وشرحا، ومن محمود درويش (ت: 2008م) وهو يبكي شعرا ونثرا، عن هذا الذي فعله السيد ياسر عرفات (ت: 2004م)، وفعلته منظمة التحرير بقضية الأمة (فلسطين).. رحمهم الله جميعا.

* * *

جيل كيبيل (69 سنة)، الأستاذ بمعهد باريس للدراسات السياسية، وهو بالنسبة للدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط أشهر من أن يُعرّف، قال في تعليقه على "طوفان الأقصى" فور حدوثه: عواقب 7 أكتوبر ستهز النظام الدولي كله كما تم تصميمه في أعقاب الحرب العالمية الثانية..

هذه "جملة مفتاح" كما يقولون، وهي لا تكتسب كمال معناها إلا إذا عرفنا جوهر الصراع الذي كان يدور في العالم وقتها، ويتصل أحد أهم روافده بعالم الإسلام، هذا إذا أرجعنا الأمور لجذورها وعرفنا أن الحرب العالمية الثانية قد بدأت يوم نهاية الحرب العالمية الأولى (1918م)، والتي كان أحد أهم أسباب قيامها إنهاء الرابطة الجامعة لعالم الإسلام (الخلافة) والتعامل مع العالم الإسلامي ليس كوحدة واحدة تجمعها "أمة واحدة"، ولكن كوحدات مقسمة، بينها حدود فاصلة، يتم توزيعها وفق خريطة جديدة تماما..

* * *

هذه الحرب التي تدور رحاها الآن في الشرق الأوسط هي "حرب الأمة" وفي القلب منها القدس والقبلة الأولى، هم في الغرب يحاولون منع تكون سطر واحد من الوعي بهذا التعريف وهذا العنوان، ويأخذون العالم إلى عناوين صغيرة مثل: اليوم التالي في غزة، حكم حماس، حل الدولتين، القرار الأممي 1701، ما وراء الليطاني.. الخ.

لكن تأبى الحقيقة إلا الإعلان عن نفسها، وقد أوشكت، هي فقط مسألة متى؟.. لا مسألة كيف؟

x.com/helhamamy

مقالات مشابهة

  • كم بلغت خسائر الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟
  • ما تكلفة الحرب بين إسرائيل وحزب الله قبل وقف إطلاق النار؟.. خسائر مادية وبشرية
  • روسيا تُقصف بالصواريخ الأميركية وبوتين يهدّد بالنووي... هل يسير العالم فعلاً إلى الحرب العالمية الثالثة؟
  • أستاذ علوم سياسية: قرار إنهاء الحرب في غزة ولبنان بيد إسرائيل وأمريكا
  • صراعات العالم على مائدة «السبعة الكبار»
  • معركة الأمة والأقصى.. أم معركة غزة والضاحية؟
  • مخاوف من انهيار جديد للجنيه السوداني أمام الدولار
  • المليشيا المتمردة تعاني من انهيار كلي ومتسارع
  • بالارقام والتفاصيل : هذه هي خسائر الحرب
  • إيرادات فيلم Venom: The Last Dance بالسينمات في آخر أسبوع عرض