أوكرانيون يرون أن الحرب انطلقت قبل عقد من ساحة ميدان بكييف
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
دروجكيفكا (أوكرانيا) "أ ف ب": يحتفظ أولكسندر بصوّر غير واضحة على هاتفه لأشهر سادت فيها الفوضى أوكرانيا قبل 10 سنوات، عندما كان لا يزال فنانا يؤمن بالقيم السلمية.
يظهر بالصور في ساحة ميدان في كييف محاطا بإطارات مشتعلة ودخان أسود بينما تدور مواجهات بين شرطة مكافحة الشغب والمحتجين المطالبين بتعميق التكامل مع أوروبا.
غيّرت تلك المسيرات بلاده وحياته على حد سواء. فبعد عقد، يواجه الحرب في شرق أوكرانيا التي تشهد النزاع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
بالنسبة لكثر على خط الجبهة حاليا، على غرار المسعف في مواقع القتال البالغ 45 عاما، فإن المعركة من أجل بقاء أوكرانيا بدأت عام 2013 عندما تخلى رئيسها حينذاك فيكتور يانوكوفيتش عن اتفاقيات مرتبطة بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى خروج احتجاجات.
وقال أولكسندر الذي انضم لاحقا إلى الجيش "بدأ الأمر عندما ضربت شرطة مكافحة الشغب الطلبة. بدأ عندما لم يتم التوقيع على الاتفاق".
وأفاد فرانس برس وهو ينظر إلى السهول المؤدية للمواقع الروسية في شرق أوكرانيا وبحوزته بندقية هجومية "هناك، تحت الرصاص، بدأ كل شي".
"الخير والشر"
انضم آلاف الأوكرانيين إلى الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية التي انطلقت شتاء العام 2013 بعدما ألغى يانوكوفيتش اتفاقا للتكامل الأوروبي من أجل تعزيز علاقاته مع الكرملين.
أدت الاحتجاجات للإطاحة به واستغل الانفصاليون الفوضى للسيطرة على بلدات في شرق البلاد الصناعي بمساعدة روسيا. كما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم بينما بدا رد الفعل الغربي خافتا.
وفي الذكرى العاشرة لقتل 100 من متظاهري ساحة ميدان هذا الشهر، ربط الرئيس فولوديمير زيلينسكي مباشرة بين الاحتجاجات والغزو الروسي.
وقال "عشر سنوات مرّت، وما زالت مساعي تدميرنا وتدمير استقلالنا متواصلة. استهدف الرصاص المئة العزّل (حينها) .. الآن باتت صواريخ ومسيّرات وجيوش" تضرب الأوكرانيين.
تغيّر الكثير خلال تلك السنوات.
سُجن القومي إيغور غيركين الذي حشد الانفصاليين الموالين للكرملين في شرق أوكرانيا في موسكو بسبب انتقاده الشديد لاستراتيجيات الغزو الروسي.
وباتت أوكرانيا الآن على مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وتحوّل قتال العام 2014 الذي اعتُبر في الماضي مجرد نزاع محلي إلى معركة بين "الخير والشر"، بحسب زيلينسكي. وأما بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنها حرب بين روسيا والغرب.
لكن بالنسبة للجنود الأوكرانيين العاديين على الجبهة على مدى العقد الماضي، والذين كان بعضهم أيضا في ميدان، فإن الأهداف والمخاطر العالية ما زالت كما هي.
"صواريخ في كل مكان"
يشير الضابط الرفيع في الجيش أوليغ لوكاشنكو (49 عاما) الذي يخدم منذ عقد إلى أن الفرق الرئيسي الآن هو أن الحرب باتت تؤثر على المزيد من الأوكرانيين.
وقال "تحلّق الصواريخ في كل مكان وفهم الجميع بأن هذه حرب وبأنها ستصل إلى الجميع وبأنك ما لم تدافع عن بلادك، فيمكن أن تصل (الحرب) إلى كل زاوية من أوكرانيا".
ووصف مسعف آخر في مواقع القتال هو أولكسندر (37 عاما) الذي يقاتل في شرق أوكرانيا منذ 10 سنوات اليوم الأول للحرب واسع النطاق في فبراير 2022 بأنه كان "يوما عاديا تقريبا".
وقال لفرانس برس "لا يمكنني القول إن الحرب بدأت في 2022. أدفن أصدقائي منذ العام 2014".
وتملأ شرق أوكرانيا علامات تذكر بالقتال الذي اندلع غداة مسيرات ميدان التي أودت بحياة أصدقائه.
وعند المنعطفات وعلى التلال تحمل النصب المقامة من الحجر أسماء وأعمار ورتب الجنود الأوكرانيين الذين قتلوا بأيدي المتمرّدين والقوات الروسية عام 2014.
خسرت أوكرانيا قرابة 4400 جندي قبل الغزو الشامل في 2022 في معارك أودت بحياة أكثر من 14 ألف شخص بالمجموع، بحسب الأمم المتحدة.
شكّل القتال ضغطا هائلا على المدنيين العالقين وسط إطلاق النار.
"لا أحد" يعيش طويلا
تعمل أولغا يوداكوفا، وهي معالجة نفسية تبلغ 61 عاما في كراماتوسك، إحدى البلدات التي سيطر عليها الانفصاليون لمدة وجيزة، مع الأطفال للتخفيف من حدة الضغط النفسي الناجم عن الحرب.
وروت كيف سيطر القلق على السكان مدة طويلة وكيف كان الأهالي يحاولون تهدئة الأطفال الخائفين من الانفجارات عبر القول لهم إن أصوات الانفجارات قادمة من مصانع قريبة للمعادن.
وقالت "للأسف، عانى الأطفال كثيرا. بعد العام 2014، كان الأمر ملحوظا جدا. كان هناك عدد كبير من الأطفال الخائفين".
تحدّث جميع الجنود الذين قابلتهم فرانس برس عن أوكرانيا كبلد شهد تحوّلات وبات أكثر وحدة نتيجة عقد من الفوضى والنزاعات.
وتأمل البعض في التغيرات التي طرأت عليهم أيضا وأعربوا عن شكوك حيال إمكانية بقائهم أحياء ليشهدوا 10 سنوات أخرى.
كان المسعف في مواقع القتال أولكسندر البالغ 45 عاما في السابق يعمل في الرسم الزخرفي ويعارض العنف. إلا أن أحداث ميدان ومن ثم الحرب، غيّرته.
ولدى سؤاله أين يتوقع بأن يكون بعد عقد، يرد قائلا "لا أحد يعيش 20 عاما في الحرب. هناك نوعان من المقاتلين: الشجعان وكبار السن".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی شرق أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
مع قرب انتهاء حرب أوكرانيا وسقوط الأسد.. هل يؤثر ذلك على الوجود الروسي في ليبيا؟
طرحت الأنباء الواردة بخصوص قرب توقيع هدنة بين روسيا وأوكرانيا لوقف الحرب، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تساؤلات حول تأثير ذلك على الدور الروسي في المنطقة العربية خاصة ليبيا، وما إذا كانت موسكو ستجد في ليبيا الملاذ الآمن، ما يحول الأخيرة إلى بؤرة صراع دولي جديدة.
وذكرت شبكة "بلومبرج" الأمريكية نقلا عن مسؤولين أوكرانيين، أن "كييف تتجه نحو تسوية مريرة، قد تتنازل فيها عن مساحات شاسعة لموسكو مقابل ضمانات أمنية ووقف الحرب هناك، وأن هذه التسوية ستكون برعاية وموافقة أمريكية، وكذلك حلف شمال الأطلسي "الناتو".
سقوط بشار الأسد
كما مثل السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا ضغطا جديدا على روسيا وقواعدها العسكرية هناك، وسط توقعات بقيام موسكو بنقل قواعدها وترسانتها التسليحية إلى شواطئ ليبيا، لعلاقتها الاستراتيجية مع قوات "حفتر" في شرق البلاد.
وبالفعل، رصدت تقارير استخباراتية وغربية عن بدء نقل بعض هذا العتاد الروسي المخزن في سوريا إلى شرق ليبيا، وكشفت التقارير، نقلا عن مصادر عسكرية غربية وليبية، عن مغادرة طائرة شحن روسية من قاعدة حميميم الجوية السورية إلى شرق ليبيا، ليس هذا فقط، بل تم بالفعل بناء جسر جوي لتسيير طائرات شحن عسكرية؛ بقصد نقل أصول دفاعية إلى هناك.
في حين كشف موقع “إيتاميل رادار” الإيطالي المتخصص بالملاحة الجوية، الذي التقطت أجهزته الرصدية صورا فضائية لميناء طرطوس، تظهر أرصفة فارغة وسفنا روسية متمركزة في عرض البحر على بُعد 10 كيلومترات من الساحل، مشيرا إلى أنه لم يتضح حتى الآن هل يعدّ هذا الانسحاب مؤقتا أو دائمًا، وأوصى الموقع الإيطالي بضرورة مراقبة الموانئ الروسية "الصديقة"، لتحديد وجهة الأسطول الروسي، خصوصا ميناء طبرق في ليبيا، الذي عدّه في مقدمة الموانئ التي من الممكن أن ينسحب إليها الأسطول الروسي.
إظهار أخبار متعلقة
فما تأثير وقف روسيا للحرب في أوكرانيا وقبله سقوط الأسد على الوجود والدور الروسي في ليبيا وفي أفريقيا عامة؟
صفقات مركبة
من جهته، قال عضو اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، محمد الهادي؛ إن "هناك صفقة مركبة تمت في سوريا، وحتى الآن لم تتضح حدودها وأطرافها الأساسيون، ولعل جزءا من هذه الصفقة، هو سيطرة روسيا على بعض الأقاليم من أوكرانيا مقابل الخروج من سوريا".
وأشار في تصريحات لـ"عربي21" إلى أن "ليبيا هي نقطة تحول، وقد يكون خروج روسيا منها هو جزء آخر من الصفقة التي ذكرناها، لذا أستبعد وجود صراع بين الأطراف الدولية داخل ليبيا، ولعل إبقاء الوضع كما كان، هو السيناريو القادم"، وفق قوله.
نقل المعارك إلى ليبيا
في حين رأى مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية "شريف عبدالله"، أنه "بخصوص مستقبل الصراع الروسي الأوكراني، وكذلك الوجود الروسي في ليبيا أو أفريقيا عامة، كلها ملفات تنتظر تحركات وخطى الإدارة الأمريكية الجديدة، والتسويات والصفقات التي سيقوم بها "ترامب"، المتوقع أن يرفع يده عن دعم أوكرانيا، ومن ثم ستقدم الأخيرة تنازلات لموسكو".
وقال في تصريحه لـ"عربي21": "سيكون لذلك ارتدادات على ليبيا، فمن المحتمل أن تنتقل المعركة والصراع الدولي إلى الأراضي الليبية، كون الوجود الروسي في ليبيا هو وجود خدمي أكثر من كونه وجوديّا، فروسيا تتعامل مع ليبيا كممر ومنفذ للمياه الدافئة، وأنها تشكل ضغطا على الجناح الجنوبي لحلف الناتو وجنوب أوروبا، وكذلك هي منفذ وخط إمداد رئيسي على الصراع الموجود في أفريقيا".
وأوضح أن "الصراع سيكون على المستوى الاقتصادي والسياسي، ولدينا رؤية بالمركز الليبي للدراسات الأمنية، أن جزءا من التفاهمات وتقاطع المصالح بين روسيا وأمريكا في وجود روسيا في ليبيا، هو جزء من السماح لوجودهم للضغط على أوروبا وجنوب أوروبا خاصة، في قضايا الهجرة غير الشرعية والتهريب؛ وذلك لإبقاء أوروبا بحاجة إلى الحماية الأمريكية"، كما رأى.
إظهار أخبار متعلقة
تنازلات وانسحاب من ليبيا
الباحث الليبي وخبير العلاقات الدولية، أسامة كعبار قال من جانبه؛ إن "القاسم المشترك بين المثلث السوري والليبي والأوكراني هي روسيا، وعليه فإن الترتيبات على أي ساحة منهم متعلقة بالتفاهمات في الساحات الأخرى، وروسيا منهكة جدا في أوكرانيا وتريد أن تنهي هذه الحرب بانتصار، على الأقل معنويا أمام دول العالم".
وبين أنه "من الواضح أن روسيا قدمت تنازلات في سوريا؛ أملا في الحصول على تنازلات أمريكية في أوكرانيا، وإنهاء الحرب وفق الرغبات والمطالب الروسية. أما الساحة الليبية، فلازالت غير واضحة المعالم، ليبيا مهمة جدا لروسيا من حيث كونها بوابة لأفريقيا، وحققت روسيا الكثير من المكاسب في منطقة الساحل والصحراء منذ دخولها إلى ليبيا"، وفق تقديره.
وتابع في تصريحات لـ"عربي21": "أمريكا ترى أن هذه فرصة ذهبية لإخراج روسيا من ليبيا، مقابل تفاهمات لصالح روسيا في أوكرانيا ووقف الحرب، وانتهاء الحرب في أوكرانيا مرتبط بالوجود الروسي في ليبيا، والفرصة مواتية لأمريكا لحل هذه المعضلة بالشكل المناسب، وإجبار روسيا على الانسحاب من ليبيا"، كما يعتقد.