أثار قرار رسمي بنقل أراضي مدينة "رأس الحكمة" في الساحل الشمالي الغربي لمصر من حيازة القوات المسلحة المصرية إلى هيئة مدنية تمهيدا لتنفيذ صفقة بيعها واستثمارها بشراكة مصرية إماراتية، التساؤلات حول موقف الجيش من بيع الأراضي ذات المواقع الاستراتيجية.

وفي إطار الصفقة التي أعلن عنها رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، الجمعة الماضية، نشرت "الجريدة الرسمية" المصرية، قرار رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، تخصيص قطعة أرض من أملاك الدولة بمساحة 170.

8 مليون متر مربع ناحية محافظة مطروح، لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لاستخدامها بإقامة مدينة "رأس الحكمة" الجديدة، "نقلا من الأراضي المملوكة للقوات المسلحة".

ووفق مراقبين، فإن تنازل الجيش عن بعض ممتلكاته أو الأراضي التي جرى منحه إياها أمر نادر الحدوث، ملمحين إلى تعثر صفقات طرح الجيش لبعض شركاته خلال السنوات الأربع الماضية، رغم مطالبات صندوق النقد الدولي بها من بين شروطه لمنح مصر تمويلا اتفقت عليه نهاية 2022، والحديث عن زيادة قيمته مطلع 2024.

المثير هنا، واللافت للنظر، تصريح لرئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، قد يفسر قبول الجيش بالتنازل عن تلك المساحة الكبيرة من الأراضي بالمشروع الذي قد يمتد من مدينة العلمين غرب الإسكندرية إلى مدينة مرسى مطروح غرب رأس الحكمة، بحسب مراقبين.

غورغييفا، وفي معرض حديثها عن احتمالات زيادة تمويل الصندوق لمصر من 3 إلى 12 مليار دولار، قالت إن "استقرار مصر مهم للشرق الأوسط، وأن صفقة رأس الحكمة مع الإمارات علامة إيجابية للغاية".

 وهو التصريح الذي فسره البعض، بقولهم إن صفقة الإمارات التي انتُزعت أراضيها من يد الجيش المصري هي محاولة إقليمية وغربية لتثبيت حكم السيسي، ومنع سقوطه في المرحلة العصيبة التي يمر بها الإقليم ويواجهها اقتصاد مصر.

كما أنه من اللافت، وفي سياق تنازل الجيش غير المعهود عن بعض ممتلكاته تنفيذا لرغبة صندوق النقد الدولي، عقد رئيس الوزراء مدبولي، اجتماعا الاثنين الماضي، لبحث العروض المقدمة للاستحواذ على الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية)، التابعة للجيش، وسط تأكيدات حول الإعلان عن اسم صاحب الصفقة المؤجلة منذ 4 سنوات، قريبا.


"فرط في كل مصر"
وفي قراءته لدلالات تضحية الجيش المصري ببعض ممتلكاته وقبوله بنزع أراضي "رأس الحكمة" من حوزته ومنحها لدولة أجنبية، وما إذا كان مجبرا على هذا الإجراء، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل: "هناك بعض الجمل التي يجب أن يعاد صياغتها".

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري المعارض، أشار لنص قرار السيسي، بالجريدة الرسمية وجملة "نقلا من الأراضي المملوكة للقوات المسلحة"، مؤكدا في حديثه لـ"عربي21"، أنه "لا يمكن أن نستمر في الاقتناع أن للمؤسسة العسكرية ملكية أراضي".

وأوضح أنها "لا تمتلك شيئا؛ هي فقط لها حق استخدامها (الأراضي) في الدفاع عن مصر، طبقا للقانون والدستور"، مضيفا: "لكن يبدو أن الواقع فرض نفسه بضراوة حتى على عقولنا وألفاظنا وقناعاتنا".

وتابع: "فنحن نقول الجيش يمتلك، والجيش يبيع"، مؤكدا أن "الجيش لم يفرط في ممتلكاته لأنه لا يمتلك شيئا بالأساس هو كمؤسسة أصبحت فوق القانون، والشعب، والدستور، فرطت في كل مصر".

ووافق، عادل في رؤيته، الكاتب الصحفي جمال سلطان، بقوله عبر موقع "إكس": "اسمها أراضي مصر وأملاك الشعب المصري، الجيش مجرد حارس على هذه الأرض، الجيش لم يدفع دولارا واحدا ليتملك هذه الأرض، وأموال هذه الأرض بالكامل يجب أن تذهب للخزانة العامة للدولة وتدخل في ميزانيتها العامة، غير ذلك يكون سرقة ولصوصية وفجور وجريمة إهدار للمال العام".

"موائد الخيانة"
ويعتقد عادل، ضابط الجيش المصري السابق، أن "رأس الحكمة هي حلقة في مسلسل طويل بدأ من (تيران وصنافير) في أقصي الشرق، وزحف على كل حدود مصر، وسينفذ قريبا إلى قلبها في القاهرة والإسكندرية، وغيرها".

وقال إن "مصر أصبحت الآن معرضا مفتوحا لكل من يمتلك الدولار الأخضر، فصندوق النقد الدولي يدعم لأن النظام المصري يستطيع أن يبيع غزة وأهلها، ومحور الشر الخليجي يدعم لأن النظام يستطيع أن يبيع أمن مصر وكرامتها على موائد الخيانة".

وفي قراءته لدلالات تصريح مديرة صندوق النقد الدولي عن صفقة الإمارات في "رأس الحكمة"، وقولها إنها علامة إيجابية على استقرار مصر، أكد أن "استقرار مصر، في نظر الصندوق، ونظر محور الشر الخليجي، أن تكون ساكنة سكون الموت تحت قبضة العساكر"، مبينا أن "هذه مصر التي يريدونها ويدفعون المليارات للحفاظ عليها ساكنة هكذا".

وأكد عادل، مجددا أنه "لا الجيش يملك ولا له حق البيع، هي فقط مجموعات مسلحة استولت على مصر تحت تهديد السلاح، والوصف لما حدث ويحدث هو سطو مسلح على مصر وشعبها".

وحول مقولة البعض أن تلك التمويلات والأموال هي محاولة لتثبيت حكم السيسي يرى السياسي المصري، أن "الأمر ليس كذلك؛ فالحكم للعساكر، وليس السيسي فقط، وهم تحت السيطرة، وفي قمة الفساد، ولا خوف إلا من الشعب الذي يُسحق من الفقر والإذلال والخوف".

وتوقع في نهاية حديثه عدم توقف موجة التفريط الجارية في الأراضي الاستراتيجية وبينها "رأس جميلة" في شرم الشيخ، وما يثار عن رغبة سعودية في الحصول عليها.

وختم بالقول: "موجة البيع لن تتوقف، وربما تصل لبيع البشر أنفسهم في وقت ما، لأنه مهما تدفقت الأموال لمصر فإن غياب إرادة التطوير والفساد البنيوي سيبتلع أي أموال تدخل خزينة النظام".


"الجيش لا يملك"
من جانبه، وفي قراءته لدلالات قبول الجيش بنزع أراضي رأس الحكمة من بين أملاكه ومنحها لدولة أجنبية، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري: "بداية الجيوش ليس لها ممتلكات".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وإنما تخصص لها الأراضي التي تحقق أهدافها الاستراتيجية والتكتيكية، وتمكنها من تأدية دورها في حماية الدولة".

ولفت إلى أن "الأراضي المخصصة للجيوش تتنوع وفقا للأهداف، فمنها استراتيجي مستديم مثل الأراضي الحدودية، ولها قوانين خاصة بها ويمنع تملكها لأي أجنبي، وأحيانا يمنع تملكها للمواطنيين أنفسهم".

"ومن الأراضي ما يُستخدم لأهداف تكتيكية متغيرة أو مؤقتة، كالمناورات، والأراضي التي تساعد في التحركات اللوجيستية، وعلى هذا فمن يحدد احتياجات الجيوش للأراضي المخصصة من عدمها هي منظومة الجيش نفسها".

وحول احتمالات أن يكون الجيش قد أجبر على هذا التنازل عن مساحة كبيرة تتعدى 170 مليون كيلومتر، أوضح خضري، أنه لا يعرف يقينا "تفاصيل صفقة رأس الحكمة، وهل هي تنازل، أم بيع، أم مشاركة استثمارية، ولن نستطيع الحكم حتى تتضح الرؤية".

وفي تعليقه على قول غورغييفا، عن صفقة الإمارات في "رأس الحكمة"، إنها علامة إيجابية على استقرار مصر، قال الباحث المصري: "حقيقة، وبغض النظر عن نظرتنا لنظام الجنرال، والخطايا السياسية والاقتصادية التي صنعها فشلا أو عمدا، فإن المشروع، وحجم المبالغ المعلنة؛ يدل على أنها صفقة اقتصادية كبرى".

ويرى أنها "دليل فعلي على الاستقرار، وأقصد هنا استقرار مصر وليس استقرار اقتصادها، فمصر دولة كبرى بها من الموارد ما يجعلها بعيدة عن الإفلاس أو السقوط، لكن اقتصادها غير ذلك".

وأكد أنه "لو لم يتم استخدام الأموال التي دفعت بالصفقة لتنمية الاقتصاد الإنتاجي، ومن ثم تخفيف العبء عن المصريين وتوفير احتياجاتهم في حدود الدخول التي يحصلونها؛ فإن الصفقة ستنتهي لجيوب رأس النظام وأعوانه، كما الصفقات السابقة".

"سباق الدعم بمقابل"
ووافق خضري، الرأي القائل بأن هناك من يقف لدعم النظام ولكن هذه المرة الدعم بمقابل، موضحا أن "النظام الإماراتي تحديدا؛ كان من أكبر داعمي الجنرال، حتى من قبل استيلائه على الحكم".

وأضاف: "وما تمويل حركة (تمرد) ببعيد عن أذهاننا، وقد جنى ثمار هذا الدعم بعد أن منحه الجنرال قبل هذه الصفقة: موانئ مصرية، واستثمارات استراتيجية أخرى، كالمستشفيات وشركات البتروكيماويات، والشركات اللوجستية، والأسمدة... الخ".

وعن توقعاته لاحتمالات توقف موجة التفريط الجارية في الأراضي الاستراتيجية وبينها "رأس جميلة" في شرم الشيخ، يعتقد أنه "بعد الصفقة الإماراتية، ستسعى الدول الخليجية عموما، والنظام السعودي خصوصا، لتنفيذ صفقة أو صفقات مماثلة".

وأكد أن "الجميع يسعى للتأثير على القرار المصري بالأموال، خاصة الرياض التي دخلت مرحلة تكسير عظام مع أبوظبي، وكلاهما يسعى لكسب النظام المصري بصفه".

وعن موقف الجيش مع استمرار تلك الموجة، قال الباحث المصري: "لا أعلم يقينا فالموقف ملتبس، وكم المعلومات عن ما يجري في الغرف المغلقة شحيح، والتكهن بناء على المعلومات المتاحة؛ لن يعطينا تصور واضح وتقدير سليم للموقف الحالي".


"تمهيد سابق"
ويبدو أن نظام السيسي، أعد مبكرا لموجة التنازلات الجارية عن أراضي مصر للأجانب وبينها الأراضي التي حازها الجيش، حيث أقر البرلمان المصري بيع الأراضي الصحراوية للأجانب والعرب، وذلك في إطار حاجة النظام للحصول على العملات الصعبة لوقف حالة الانهيار الاقتصادي والمالي بالبلاد.

وفي 4 كانون الثاني/ يناير 2024، أقر مجلس النواب، على تعديلات قانون تنظيم ملكية الأراضي الصحراوية، التي تمنح الأجانب حق تملك الأراضي للمشروعات الاستثمارية، وتمنح المستثمرين العرب حق تملك الأراضي مساواة بالمصريين، وذلك برغم وجود أراضي صحراوية لها حساسية استراتيجية وسياسية.

حينها اعترض البعض على التعديل القانوني، معربين عن مخاوفهم من خطورة تملك الأجانب والعرب للأراضي الصحراوية كونه خطرا على أمن مصر، خاصة وأن معظم الأراضي الصحراوية والمناطق الاستراتيجية والحساسة وذات الأهمية الاقتصادية، تابعة للجيش.

وكان السيسي، قد أصدر في عام 2014، قانونا يُنظم الأراضي التي يرفع الجيش يده عنها، وفي هذا القانون جاء بند يُتيح للمؤسسات الفرعية التابعة للقوات المسلحة تكوين شركات منفردة أو بالشراكة مع القطاع العام أو الخاص، لتحويل الأراضي العسكرية لأغراض مدنية، تُشارك بها المؤسسة العسكرية بقيمة الأرض فقط في مشاريع استثمارية ربحية لصالح المؤسسة العسكرية.

"80 بالمئة"
ومنذ انقلاب السيسي، (قائد الجيش) منتصف العام 2013، على الرئيس الراحل محمد مرسي، ودأب على منح الجيش أراضي زراعية وصحراوية ومنحه المشروعات الكبرى، ما اعتبره البعض محاولة لإرضاء كبار الضباط والحصول على دعم الجيش، على حساب الدولة والشعب المصري.

الأمر الذي جعل الجيش يسيطر على الاقتصاد المصري، بنسب وصلت نحو 60 بالمئة، وذلك وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في آذار/ مارس 2014، وهو الرقم المرشح للزيادة بشكل كبير خاصة مع ما حصل عليه الجيش من أراضي ومشروعات وامتيازات من السيسي، بعد ذلك التاريخ.

ووفق مقال للكاتب أحمد جمال زيادة، في كانون الثاني/ يناير 2023، "أكد أن الجيش "بموجب القانون يمتلك أكثر من 80 بالمئة من أراضي الدولة، ويعتمد على المجندين كعمالة أساسية في كل المجالات الربحية التي سيطر عليها؛ مما يزوده بمكاسب يبدو أنها ضخمة".

وتتواصل رقعة أملاك القوات المسلحة المصرية من الأراضي المنزرعة والصحراوية في الاتساع بلا توقف، وذلك عبر التخصيص المتتابع من السيسي مئات الآلاف من الأفدنة ومساحات شاسعة من الأراضي حول أهم طرق ومحاور البلاد.

ففي كانون الثاني/ يناير 2023، منح السيسي، وبقرار جمهوري رقم (17 لسنة 2023)، نحو 15 ألف كيلومتر للجيش بما يعادل قرابة 1.5 بالمئة من إجمالي مساحة مصر، وذلك بتخصيص الأراضي الصحراوية الواقعة بعمق 2 كيلومتر على جانبي 31 طريقا رئيسيا بشمال وجنوب البلاد، لصالح القوات المسلحة، ما تبعه نزع مليكات لأفراد وشركات.

وفي عام 2016، وفي القرار الجمهوري رقم (233)، قرر السيسي، تخصيص الأراضي الصحراوية بعمق 2 كيلو متر على جانبي 21 طريقا لصالح وزارة الدفاع، فيما نص ذلك القرار على أن تعتبر تلك الأراضي "مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملكها".

وفي الأراضي الزراعية التي منحها السيسي للجيش، يظل حاضرا إعلانه عام 2014، عن مشروع زراعة 4.5 مليون فدان، ثم تقليصه المساحة إلى 1.5 مليون فدان في 8 محافظات بعمل أوكله للجيش في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2015.

وأعلن السيسي، في آذار/ مارس 2021، عن مشروع زراعي كبير أيضا بالتعاون مع الجيش، بمسمى "الدلتا الجديدة" وعلى مساحة مليون فدان، قرب منطقة محور الضبعة الشهير بالساحل الشمالي الغربي لمصر.

وفي 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، خصص السيسي، 3 قطع أراضي بمساحة إجمالية نحو 500 ألف فدان مملوكة للدولة ملكية خاصة بمنطقة توشكي، وذلك لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية أحد أهم الأذرع الاقتصادية للجيش المصري، لاستخدامها في مشروعات الاستصلاح والاستزراع.

قطعة الأرض الأولى في شرق منطقة الريف المصري، وبمساحة تبلغ حوالي 130 ألف فدان، والثانية بشرق آبار منطقة توشكى وتصل نحو 70 ألف فدان، والثالثة بجنوب منطقة الظاهرة بنحو 269 ألف فدان.

بل إن السيسي، دأب على نقل ملكية وتبعية بعض المنشآت الحيوية لإدارة الجيش مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ففي قرار رقم 57 لسنة 2016، خصص 16 ألفا و645 فدانا من الأراضي الواقعة جنوب طريق القاهرة السويس للجيش، لبناء العاصمة الجديدة.

وفي تموز/ يوليو 2019، نقل السيسي، تبعية ميناء العريش (شمال شرق) بعد تطويره إلى الجيش، مع نزع الأراضي المحيطة به من الأهالي ونقل جميع منشآت الميناء ومرافقه وإعادة تخصيص كافة الأراضي المحيطة بالميناء لصالح الجيش.

وفي كانون الثاني/ يناير 2022، وفي الذكرى الـ11 لثورة يناير 2011، أعلن السيسي، في قرار جمهوري رقم (18 لسنة 2022)، تخصيص 36 جزيرة بنهر النيل، وواحدة بحرية بساحل البحر المتوسط، لصالح القوات المسلحة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصرية الجيش السيسي التفريط مصر السيسي الجيش الاراضي تفريط المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد الدولی الأراضی الصحراویة القوات المسلحة صفقة الإمارات الأراضی التی کانون الثانی استقرار مصر من الأراضی رأس الحکمة ألف فدان

إقرأ أيضاً:

حملة لرفض بيع ثالث أكبر بنك حكومي مصري للإمارات.. وخبراء يقدمون البديل

بدأ بنك "الإمارات دبي الوطني" بإجراءات الفحص النافي للجهالة تمهيدا لشراء "بنك القاهرة، وبعد موافقة البنك المركزي المصري ، وسط توقعات بإتمام الصفقة خلال شهر ونصف الشهر، وبقيمة تزيد عن مليار دولار.

و"بنك القاهرة"، الذي جرى تأسيسه نهاية عهد الملك فاروق في 15 أيار/ مايو 1952، على يد عائلات ثرية على رأسها سلالة كاتاوي اليهودية المصرية، وعائلة ساسون المصرفية اليهودية الثرية من حلب، كبنك خاص؛ تم تأميمه وضمه لأملاك الحكومة المصرية في 21 تموز/ يوليو 1961.

"3 صفقات بيع في 17 عاما"
وفي عهد حسني مبارك، وفي حزيران/ يونيو 2008، وبعد بيع بنك الإسكندرية عام 2006، قررت حكومة أحمد نظيف بيع بنك القاهرة، لكن الصفقة تعثرت حينها، ليعيد رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، فكرة بيع البنك للمرة الثانية عام 2020، لكن جائحة "كورونا"، تسببت في تعثر الطرح.

وفي شباط/ فبراير من العام الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إدراج "المصرف المتحد"، و"العربي الأفريقي الدولي"، و"بنك القاهرة"، ضمن برنامج الطروحات الحكومية في البورصة أو للبيع لمستثمرين أجانب في خطوة هي الثالثة لبيع خامس أكبر بنك على مستوى أصول الجهاز المصرفي المصري.

لكن، سبق تلك الخطوة، قيد أسهم البنك في سوق الأوراق المالية عام 2017، ما تبعه ضم "صندوق مصر السيادي" لـ"بنك القاهرة"، بداية 2023، تمهيدا لبيع من 20 إلى 30 بالمئة من حصصه، ثم نقل ملكية البنك كاملة إلى "بنك مصر"، في صفقة بنحو 7 مليارات جنيه في نيسان/ أبريل 2023.

ولـ"بنك القاهرة"، شبكة فروع هي الأوسع انتشارا بعد "الأهلي" و"مصر"، بعدد 248 فرعا ونحو 1640 ماكينة صراف آلي بأغلب المدن والقرى المصرية، فيما يمتلك محفظة ودائع تتخطى 347 مليار جنيه،

ووفقا للبيانات المالية لبنك القاهرة، فقد سجل منذ مطلع 2024، وحتى أيلول/ سبتمبر الماضي، أداء إيجابيا، محققا صافي ربح بقيمة 8.6 مليار جنيه بزيادة 90 بالمئة عن الفترة المقارنة من عام 2023، مع ارتفاع إجمالي الأصول إلى 478 مليار جنيه، فيما سجلت ودائع العملاء 347 مليار جنيه، وإجمالي محفظة القروض 216 مليار جنيه.

وفي 10 آذار/مارس الجاري، أعلن موقع "الشرق مع بلومبيرغ"، حصول بنك "الإمارات دبي الوطني" على الضوء الأخضر من البنك المركزي المصري لبدء الفحص النافي للجهالة بغرض الاستحواذ على "بنك القاهرة"، في صفقة قد تزيد قيمتها عن مليار دولار.

ونقل الموقع الاقتصادي عن مصدر مطلع على الصفقة قوله إن مؤسسة كويتية كانت قد أبدت رغبتها في الاستحواذ على البنك، لكن حكومة القاهرة سمحت لبنك "الإمارات دبي الوطني" بالمضي قدما بالصفقة، ما أثار مخاوف واعتراضات مصريين.

"لهذا يرفض المصريون"
وأعرب سياسيون وخبراء اقتصاد مصريون رفضهم للصفقة، لأسباب منها أن البنك مملوك بنسبة 99 بالمئة لـ"بنك مصر"، ثاني أكبر البنوك الحكومية في البلاد بعد "البنك الأهلي"، وكلاهما من المصارف الرابحة، ولهما أصول محلية ضخمة.

ثاني الاعتراضات جاءت تقول إن الحكومة المصرية فضلت التعامل مع البنك الإماراتي، عن المؤسسة كويتية التي أبدت رغبتها في الاستحواذ على البنك، فيما وصفها الكاتب الاقتصادي مصطفى عبد السلام الصفقة بأنها "بيع بالأمر المباشر".

كذلك، أشار البعض إلى أن قيمة الصفقة مع البنك الإماراتي المقدرة بمليار دولار، أقل بكثير من عرض "البنك الأهلي اليوناني" لشراء "بنك القاهرة" عام 2008، قبل 17 عاما، والبالغ حينها 2.250 مليار دولار، في صفقة رفضتها حكومة القاهرة آن ذاك.

وفي السياق، لفت مصريون إلى المخاوف المتعلقة بالأمن القومي، خاصة وأن البنك يمتلك محفظة أصول كبيرة في شبه جزيرة سيناء، التي تمثل منطقة أمن قومي هامة لمصر، ويتخوف عليها المصريون من تنفيذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته بتهجير أهالي غزة إليها.



"صفقة مشبوهة"
وشن القيادي بحزب المحافظين مجدي حمدان موسى، حملة مع سياسيين آخرين ضد التفريط في البنك، مؤكدا أن القيمة المعروضة الآن لبيع البنك لا يتناسب مع قيمة أصول البنك التي تجاوزت 477 مليار جنيه (نحو 9 مليارات دولار) وأرباحه التي بلغت 120 مليار جنيه (2.4 مليار دولار) حتى نهاية 2024.

وحول الحلول البديلة عن البيع ووقف صفقة "بنك القاهرة" مع بنك إماراتي، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب المحافظين، لـ"عربي21": "عن طريق الاعتراض الجماعي بالكتابة على كل الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، داعيا لحملة تدوين واسعة لرفض الصفقة، وتبيان مخاطرها وخسائر مصر منها.

وكان موسى، قد وصف الصفقة بـ"المشبوهة"، مشيرا في تصريح لموقع "حزب المحافظين"، إلى أنها تمت بتسرع ودون دراسة كافية، وشبهها ببيع "تاجر أفلس ممتلكاته بأقل من قيمتها"، محذرا "من تداعياتها على استقرار القطاع المصرفي وثقة المستثمرين"، ومطالبا بمراجعة التفاصيل واعتماد حلول بديلة كتحسين أداء البنك بدلا من بيعه".



"دفن الدفاتر القديمة"
من جانبه، قال مؤسس "موسوعة المعرفة" المصري نائل الشافعي، إن "الدولة تحاول منذ عام 1995 بيع بنك القاهرة للتخلص من دفاتر جرائم نهب هي التي صنعت تقريبا كل رجال الأعمال الحاليين".

وبين أن "ديون البنك المعدمة تصل 12 مليار دولار، وراح ضحيتها النزيه محمد أبوالفتح عبدالعزيز رئيس البنك، الذي قال إن لديه تسجيلات بالأوامر الهاتفية لمنح كل تلك القروض، فعثروا على جثته عام 2004 في الزنزانة".



وعن ضعف أرقام صفقة بيع بنك القاهرة في عهد السيسي عنها بعهد حسني مبارك، كشف الباحث الاقتصادي مصطفى عادل، أن العروض المالية المقدمة حينها كانت من "الأهلي اليوناني" بقيمة 2.250 مليار دولار، ومن "المشرق الإماراتي" بنحو 1.3 مليار دولار، ومن "العربي الأردني" بحوالي 1.2 مليار دولار"، لافتا إلى أنه بعد 17 سنة يرصد له مليار دولار فقط.

 

"مع الاستثمار.. ولكن"
البرلماني المصري السابق طلعت خليل، لفت إلى أنها "صدمات لا تنتهي، وبنك القاهرة ليس الأخير في سلسلة الصدمات"، مشيرا لضرورة "تقديم الحل البديل كمعارضة وقوى مدنية وكبرلمانيين سابقين"، ملمحا إلى حلول عرضها البعض "مثل طرح البنك للاكتتاب العام، أو دخول رجال أعمال شرفاء للشراء، لإنقاذ أحد أهم الأصول المالية".

وقال لـ"عربي21": "للأسف الشديد الأمر يتم تحت زعم الاستثمار، وللتوضيح والتأكيد لست ضد الاستثمار الخارجي، ولكن أن يتحول الاستثمار الخارجي للدخول في مفاصل الاقتصاد، وتوجيهه بشكل معين، ووضعه تحت المقصلة لدولة أخرى، فهذا مقلق".

وأضاف: "بشكل عام الاستثمارات الإماراتية في مصر تُقلق كثيرا خاصة وأنها لم تتوقف على بنك القاهرة، وجرى  منحها استثمارات بمجالات الأغذية، والأدوية، والكيماويات، والموانئ، والمطارات، وغيرها من الأمور التي تمس الأمن القومي".

وتابع: "بل ومدينة كاملة بمحافظة حدودية وهي (رأس الحكمة) في مرسى مطروح، وكلها أمور مقلقة للغاية، ونخشى أن يكون لها تأثير سلبي على الأمن القومي المصري فيما هو قادم".

ولفت إلى أن "قيمة الصفقة لا تساوي ما يحتويه البنك من أصول واسم تجاري كبير، لذلك فهناك ريبة في الموضوع، وهنا على البرلمان المصري دور بمثل هذه الأمور فهو سلطة الشعب التي تراقب الحكومة، في ظل أحزاب سياسية خارج المشهد وأخرى تم تدجينها".

"تدخل مشبوه"
وفي رؤيته، قال كبير المستشارين في "الكونسورتيوم الأمريكي- واشنطن" الدكتور علاء الدين سعفان: "التدخل الإماراتي باقتصاد مصر تدخل سافر بشكل لا ينبغي السكوت عليه منذ 2013، وبشكل ممنهج بقطاعات استراتيجية تمس الأمن القومي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنهم "يرون لهم حقا بهذا التدخل لأنه كما يقول المصريون: بـ(فلوسهم)، دعموا النظام الحالي دعما لا محدودا، والآن يأخذون المقابل، ويعتقدون أنه ليس للمصريين أن يعترضوا على تاجر دفع الثمن مقدما ويتسلم البضاعة بالتدريج وعلى مدار السنين، وكلما اشترى شيئا اشتراه بسعر بخس، وأضر بالاقتصاد ومفاصله".

ولفت إلى أن "الفحص النافي للجهالة لا يكفيه 45 يوما ليتم بالنحو الفني المهني المتعارف عليه، وهذا يدل على أن المشتري سيشتري بأي ثمن وفي كل الأحوال، سواء الفحص لصالحه أم لا، هو يريد السيطرة على البنك لمجرد السيطرة".

وألمح إلى أن "هناك أسباب مصرفية كثيرة أبعد بكثير من أن بنك القاهرة يمتلك أصولا بشركات أخرى وبسيناء؛ وهناك أمور لا يعلمها إلا المصرفيون، وهناك أموال ضخمة ببنك القاهرة خارج التغطية الإعلامية، ودخول الإمارات معناه أنها ستسيطر على تلك الأموال، كما الـ45 يوما دالة على أن الدولة تتعجل استلام قيمة الصفقة".

"لهذا يعد فاشلا"
وعلى غير رؤية كثيرين، يرى الخبير المصري أن "البنك قد لا يستحق إلا السعر المتوقع للصفقة وهو مليار دولار  حاليا، بينما كان في 2008 أكثر من 2 مليار بعرض البنك الأهلي اليوناني، وسيقول البعض إن الأصول تتجاوز 7 مليارات جنيه لكن أمر المصارف يتم حسابه بطريقة أخرى".

وبين أن "هناك ودائع بالبنك يجري فقط توظيف نسبة النصف منها أو يزيد، وهو ما يعني فشل مصرفي بإدارة الودائع، إذا فهو قد لا يستحق إلا هذا المبلغ، وهذه نقطة فنية، والأمر لا يُقاس بالأصول ولكن بالعائد الداخل للمصرف من قدرته على توظيف أموال المودعين، وهذا ينم عن سوء إدارة مصرفية ومالية وانعدام الخبرة أو ضعفها، وعلى سوء السوق المحلية وأنه غير جيد بالكفاية أن يُضخ به 100 بالمئة من الودائع".

ولفت إلى تجربة بنك خليجي "وظف 117 بالمئة من حجم الودائع عام 2023، وعندما ظهرت نتائج 2024، تراجعت نسبة توظيف الودائع بالسوق إلى 112 بالمئة بنزول 5 بالمئة، وبرغم أن التوظيف هنا تجاوز 100 بالمئة من أموال المصرف والفوائض والاحتياطيات والمخصصات وأكثر من حجم الودائع، إلا أن النزول استدعى تحويل الإدارة التنفيذية للبنك إلى التحقيق".

وجرى سؤالهم: " لماذا نزلت النسبة 5 بالمئة؟ وهل ذهبت لمنافس آخر؟ وهل هناك مشكلة بخدمة العملاء وأسلوب التعامل؟ أو بفهم السوق ونوعية الخدمات المصرفية؟ أو أن خدمات مصارف أخرى تطورت ولم يجاريها المصرف؟ أو أن هناك أخطاء من الفريق التنفيذي جعل نسبة من العملاء تذهب لبنك آخر؟".

وأوضح أنه "في المقابل؛ بنك القاهرة يوظف فقط 50 بالمئة أو أكثر قليلا من حجم الودائع، ما يعني أنك تشتري بنك فاشل، ويحتاج لجهد كبير، والنقطة الثانية أن السوق لا يحتمل أن توظف فيه أكثر من ذلك لأن الحكومة هي العميل الرئيسي".

ولفت إلى أنه "في الواقع المقترض الرئيسي هي الحكومة، وإذا سيطرت الحكومة على ودائع العملاء فهذا يضر بالعملاء والاقتصاد، ولذا فاستمرار بنك القاهرة بحوزة الدولة يضر بالاقتصاد والقطاع الخاص، حيث تخرج أغلب ودائعه للدولة، وبدولة مستقرة نقول إنها بأمان".

وألمح إلى أنه "عندما تكون الدولة منتجة تكون قادرة على سداد الأقساط ولا تقترض لسداد قروض جديدة، كما هو وضع مصر الشائك، والاقتصاد غير المتطور والنهضة العمرانية التي لا يقابلها تطور اقتصادي على التوازي، كلها تجعل مسألة إقراض الدولة فقط يعيب وضع بنك القاهرة ويخفض قيمته".

ويعتقد الخبير المصري أن "الحكومة لن تقدر على عدم البيع، ولا حل لها إلا بيع الأصول، وبعدما دخلت بطريق اتجاه واحد لا عودة منه لابد من بيع آخر طوبة من مصر لسداد الأقساط القديمة من القروض القديمة".

"المستثمر الحقيقي وتجار الأزمة"
وقال: "بنظرة فيها شيء من المهنية وبمنطق أنه في كل الأحوال سيبيع الأصول فالأفضل بصفقة بنك القاهرة وغيره أن يكون المشتري أمريكي لا خليجي، لأن مصر بحاجة ماسة للدولار، ولا يمتلك الدولار إلا الأمريكان، فمبيعات النفط والغاز موجودة بالبنوك الأمريكية، وكل ما هو مقوم بالدولار ليس تحت يد مالكه والخليجيون لا يملكون هذه الأرصدة".



ويرى أن "دخول بنك أمريكي أو صندوق استثماري أمريكي على علاقة بوزارة الخزانة أو البنك الاحتياطي الفيدرالي والبيت الأبيض يعود على حجم الأموال بالدولار بالنفع، لأنها دولارات جاءت من المصدر الذي يطبع الدولار، وهذه مسألة لا يفهمها كثير من المتخصصين، لذلك أجزم بأن المستثمر الأمريكي الأفضل بمرحلة (بيع ياعواد) الحالية".

وخلص للقول إن "بيع الأصول للإمارات أمر سيء وتركها بيد الحكومة المصرية سيء، والبيع لمؤسسات أمريكية يجلب التكنولوجيا العالية، والخدمات المصرفية المتقدمة، ووصفات أدوية كنا نستوردها، لنوفر عملة صعبة، وعلاج بتقنيات أعلى وأحدث ومناخ عمل أفضل للعمالة، وتحرك جيد للسوق، وهي تقنيات تفتقد بعضها الدول الخليجية".

لكنه عبر عن أسفه من أن "الوضع في مصر لا يسمح بدخول الاستثمارات الغربية، كون المناخ غير مناسب لها، وأشياء كثيرة غير متوفرة، الوضع القانوني والدستوري والتحكيم التجاري وتحويل الأرباح بين مشاكل كثيرة لا تتوافق مع المعايير العالمية، ما يمنع المستثمر الحقيقي ولا يدخل سوى تجار الأزمة".

مقالات مشابهة

  • الأردن.. شروط الاستفادة من أراضي التطوير الحضري في 3 محافظات
  • رسميا: صنعاء تكشف عن الخسائر التي خلفتها الغارات الأمريكية اليوم
  • الداخلية تكشف قضية غسل أموال بقيمة 35 مليون جنيه
  • حملة لرفض بيع ثالث أكبر بنك حكومي مصري للإمارات.. وخبراء يقدمون البديل
  • أشرف عبدالغني: رسائل الرئيس السيسي خلال زيارة الأكاديمية العسكرية طمأنت الشعب المصري
  • السيسي يتابع مع القوات المسلحة مهام دعم ركائز الأمن القومي المصري
  • القارة القطبية الجنوبية تفقد 16 مليون كيلومتر مربع من الجليد
  • سليمان من قصر بعبدا: المعادلة التي تُفيد البلد هي معادلة الجيش والشعب
  • نقيب السياحيين: الرئيس السيسي يتابع بنفسه تفاصيل افتتاح المتحف المصري الكبير
  • بقيمة 131 مليون دولار.. الرئيس السيسي يوافق على قرض من بنك التنمية الأفريقي