لندن- في الوقت الذي أظهر فيه حزب المحافظين -الذي يقود الحكومة البريطانية- صرامة في التعامل مع شكاوى "معاداة السامية" منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة عقب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تتزايد الشكوك بشأن جدية الحزب في التصدي بالصرامة ذاتها لخطاب كراهية ومعاداة المسلمين الذي تصاعد في الآونة الأخيرة ضد الأقلية المسلمة في البلاد.

وعلى وقع الاستقطاب الحاد الذي تعيشه الساحة السياسية البريطانية منذ أيام، بعد إطلاق أحد القيادات البارزة في الحزب تصريحات ضد عمدة لندن المسلم صادق خان، وُصفت بأنها تحرض على "الإسلاموفوبيا" (الرهاب من المسلمين) عاد الجدل بشأن تنامي الآراء العنصرية في صفوف الحزب الذي تُتهم قيادته السياسية بغض الطرف عن الآراء المعادية للمسلمين التي تغذي الكراهية ضدهم.

موقف المحافظين

بادر حزب المحافظين -من جهته- بتعليق عضوية النائب لي أندرسون، بعد إصراره على عدم الاعتذار، مبررا لهجة خطابه العنصرية ضد المسلمين بما قال إنه "تنامي الإحباط من سجل عمدة لندن المسلم، الذي سلم العاصمة لندن لرفاقه الإسلاميين" في إشارة لتدبيره للمظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية التي تشهدها شوارع لندن منذ بدء العدوان على هذا القطاع المحاصر.

لكن قيادة حزب المحافظين رغم محاولتها النأي بنفسها عن تصريحات أندرسون، تبدو أيضا حذرة في صياغة موقفها من الجدل الدائر، حيث اكتفى رئيس الوزراء زعيم الحزب ريشي سوناك بوصف تصريحات النائب -الذي يعد أحد أبرز الوجوه اليمينية داخل الحزب- بـ"الخاطئة" دون أن يضعها في خانة الخطابات المعادية للمسلمين أو تلك التي تنشر "الإسلاموفوبيا".

ويحرص سوناك على تجنب إغضاب الجناح اليميني في الحزب مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، أو المغامرة بخسارة خزان انتخابي مهم يعول عليه لتقليل خسائر حزبه الانتخابية المتوقعة.

كما يستمر حزب المحافظين بالتحفظ على تبني تعريف لـ "الإسلاموفوبيا" والذي سبق أن تبنته مجموعة برلمانية واسعة سنة 2019، بدعوى أنه "تعريف فضفاض ويتعارض مع مبادئ حرية الرأي والتعبير".

ويأتي ذلك في وقت أظهر فيه استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "تيل ماما" -إحدى أبرز المؤسسات البريطانية التي تعنى بقضايا كراهية المسلمين- أن الاعتداءات على الجاليات المسلمة في البلاد ارتفعت بمعدل 3 أضعاف خلال الأشهر الأربعة الماضية، تزامناً مع عدوان الجيش الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.

شماعة "الإسلاميين"

وفي حديث للجزيرة نت، قال محمد كوزبر أحد أمناء مجلس مسلمي بريطانيا إن "هذه التصريحات المعادية تعكس نظرة عنصرية متأصلة في صفوف حزب المحافظين للجالية المسلمة في بريطانيا، ولا يعمل الحزب بجدية للقطع معها" مشيرا إلى أن المنظمات الإسلامية وممثلي الأقلية المسلمة قدموا مرارا اعتراضات قانونية ضد هذه التجاوزات.

وأضاف كوزبر -الذي يشغل أيضا منصب رئيس مسجد فينسبري بارك، أحد أكبر مساجد بريطانيا- أن "رئيس الوزراء لم يتحل بالجرأة السياسية الكافية للإقرار بأن التصريحات التي أطلقتها قيادات محسوبة على حزبه محرضة على معاداة المسلمين".

كما يرى أن "الخطاب السياسي الذي تبنته هذه الأصوات اليمينية يحاول التخفي وراء شن هجوم على من يسمونهم الإسلاميين، للتستر على تنامي الإسلاموفوبيا في أوساطه، باعتبارها ممارسة عنصرية تمييزية ضد المسلمين بالأساس بسبب هويتهم الدينية والثقافية، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي الحاصل بسبب مواقف النخب السياسية من العدوان الإسرائيلي على غزة".

وشدد كوزبر على أن "السلوك الانتخابي للجالية المسلمة بالانتخابات المقبلة سيحدده بشكل أساسي موقف المرشحين السياسيين من وقف إطلاق النار في غزة، بصرف النظر عن انتمائهم لليسار أو اليمين" في محاولة لتشكيل كتلة انتخابية وازنة يمكن أن تؤثر على القرار السياسي في البلاد.

ورقة انتخابية

وبينما تتصدر "الإسلاموفوبيا" والموقف من العدوان الإسرائيلي على غزة سلم أولويات الناخبين المسلمين، فإن الهاجس الانتخابي يمكن أن يفسر إلى حد بعيد سلوك الطبقة السياسية في التعاطي مع ظاهرة الرهاب من المسلمين.

فرغم لهجة الاستنكار الحادة التي صدرت عن زعيم حزب العمال كير ستارمر، تعليقا على تصريحات أندرسون، واتهامه قيادة المحافظين بـ"الفشل في محاربة الإسلاموفوبيا في صفوفه" فإنه يبدو أيضا حريصا على استمالة أصوات اليمين، محذرا من إثارة غضب هذه الشريحة الانتخابية التي يغازلها الحزب الطامح لتصدر الانتخابات المقبلة.

وكان حزب العمال قد واجه بدوره تهما بالتقاعس في محاربة "معاداة السامية" بين كوادره خلال الأسابيع القليلة الماضية، مما أدى لسحب دعمه عن مرشحين انتخابيين بعد توجيههما انتقادات للسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.

وفي حديث للجزيرة نت، قال الأكاديمي الفلسطيني والعضو السابق بحزب العمال كامل حواش إن "ستارمر يحاول أن ينزع عن حزبه تهمة معاداة السامية، بعد أن ألصقت به إبان فترة زعامة جيرمي كوربن الذي كان يعبر عن مواقف متقدمة في دعم القضية الفلسطينية، لذلك يعمل على بناء مواقفه السياسية بحذر شديد بحيث لا تثير غضب اليمين".

وأشار حواش إلى أن "هذا اللبس الآن ينتقل أيضا إلى الاحتجاجات وحركات دعم الفلسطينيين، التي يحاول اليمين تصويرها على أنها داعمة حصرا لحماس وتؤيد كره اليهود ويقودها إسلاميون، ليعكس هذا الخطاب خلطا متعمدا بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل أو الصهيونية".

في المقابل، يرى حواش أن قيادات في حزب المحافظين تحاول باستخدامها تعبير "إسلاميين" الالتفاف على أي اتهام بمعاداة المسلمين، في الوقت الذي دأبت أصوات أخرى بصفوف الحزب على إطلاق تحذيرات متكررة من انتشار الخطاب المعادي للمسلمين، بينما كانت مواقف رئيس الوزراء السابق وزعيم الحزب آنذاك بوريس جونسون المعادية صراحة للمسلمين مثالا بارزا على انتشار هذا الخطاب في أوساطه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: معاداة السامیة حزب المحافظین

إقرأ أيضاً:

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرحب بوقف العدوان.. ويوجه رسائل في عدة اتجاهات

رحب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بوقف العدوان على غزة العزة، مثمناً صمودها ومقاومة أبطالها وتضحياتهم.

ودعا الاتحاد في بيان، "الجميع للمشاركة في إعادة إعمار غزة، وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لأهلها الصامدين.

كما طالب بملاحقة جميع مرتكبي جرائم الإبادة، وتغريمهم بتعويض كل ما أفسدوه.

وقال في بيانه إنه "تابع بكل ألم وأسى ما شهدته غزة من إبادة جماعية خلال 16 شهرا حيث استهدفت المدنيين والمرافق الحيوية، مما أسفر عن استشهاد وجرح عشرات الآلاف من المدنيين، وأكثرهم نساء وأطفال وشيوخ، وقد تسبب العدوان في تدمير المستشفيات، والمدارس، والمساجد، والكنائس، فضلاً عن المعاناة الإنسانية الشديدة التي لحقت بالسكان المحاصرين في المخيمات وأماكن النزوح".

وأضاف، "لقد تصدى أهل غزة، رغم قسوة الظروف، لهذا العدوان بكل شجاعة وصمود، وبذلوا تضحيات جساما في الدفاع عن أرضهم وحقوقهم. إن صمودهم في وجه هذا العدوان على مدار أكثر من عام يعد شاهداً على قوتهم وإرادتهم في مواجهة القهر والظلم".



ودعا الاتحاد "جميع الدول الإسلامية وغيرها، والأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية والإغاثية المحلية والدولية إلى تنظيم حملات لجمع التبرعات، والزكوات والإسهام الفعال في إعادة إعمار غزة العزة، وبخاصة لإعادة بناء المستشفيات، والمدارس، والمنازل، والبنية التحتية المدمرة، وكذلك لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة مثل توفير الغذاء، ومياه الشرب، والأدوية، والخدمات الصحية، والتعليمية".

كما طالب بصورة خاصة المسلمين جميعا إلى واجب البذل والإيثار، فهذا واجب الوقت اليوم لا يسبقه واجب مالي آخر، ولم يبق عذر فقال تعالى:(هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) (محمد:38)


كما حث الاتحاد وسائل الإعلام إلى بذل أقصى الجهود في تسليط الضوء على ما قام به الاحتلال الصهيوني من الجرائم ضد الإنسانية، ومعاناة المدنيين في غزة، وتحفيز المجتمع الدولي على المشاركة في جهود الإغاثة والإعمار.



ودعا الاتحاد المؤسسات القانونية والجنائية للتحقيق في الجرائم المرتكبة في غزة من قبل الكيان الصهيوني، بما في ذلك الهجمات العشوائية على المدنيين، وقتل الأسرى، وتدمير المنشآت المدنية، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً. يجب أن تتم ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن انتهاك القوانين الدولية لحقوق الإنسان.

وشدد الاتحاد على ضرورة أن يواصل المجتمع الدولي دعم غزة بشكل فعال، والضغط على دول الطوق بفتح جميع الممرات، ورفع الحصار الظالم على أهل غزة منذ سنوات من قبل الكيان الصهيوني المجرم.

وتوجه بالدعوة للعلماء والأئمة والمؤسسات العلمية لترسيخ حقيقة المؤاخاة بين الداخل والخارج:
يحث الاتحاد  العلماء والأئمة، والمؤسسات العلمية، على القيام بدورهم الفاعل في تعريف معاناة الشعب الفلسطيني في خطبهم ومحاضراتهم، وحث الأمة الإسلامية على تعزيز التآخي والتعاون، على غرار المؤاخاة التي تمت بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة، والوقوف إلى جانبهم في هذه المحنة.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: الفكر التكفيري من أخطر ما يواجه أوطان المسلمين
  • علي جمعة: القدس رمزًا ا للهوية الإسلامية ولوجود المسلمين في العالم
  • تسوية شكوى تمييز ضد المسلمين والفلسطينيين في جامعة أمريكية
  • مجلس حكماء المسلمين يرحب بإعلان وقف إطلاق النار في غزة
  • جولة رعب ثانية في كاليفورنيا.. الرياح القوية تؤجج حرائق جديدة
  • جولة رعب ثانية في كاليفورنيا .. رياح قوية تؤجج حريقين جديدين
  • رياح قوية تؤجج حرائق لوس أنجليس
  • رياح قوية تؤجج حريقين هائلين في لوس أنجلوس
  • الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرحب بوقف العدوان.. ويوجه رسائل في عدة اتجاهات
  • «التنمية المحلية» تطالب المحافظين باتخاذ اللازم في إعفاء لافتات الصيدليات من رسوم التراخيص