اليوم 24:
2025-02-11@17:22:31 GMT

آراء حول مسألة التجهيزات الجماعية بالمدن المغربية

تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT

مقدمة :

لقد استضافتني القناة التلفزية الثانية مؤخراً، للحديث عن إشكالية نقص التجهيزات الجماعية بمشاريع السكن الاجتماعي، وهي مشكورة على تناولها لهذا الموضوع البالغ الأهمية. لقد كانت أجوبتي على أسئلة السيدة المذيعة مقتضبة جدّا بحكم عامل الوقت. لكنني بحكم هاجس المسؤولية المهنية نحو وطني، لم أكتف بتلك المساهمة المتواضعة واستمر التساؤل عن حل جذري لهذه الإشكالية يسكنني، ويضغط علي بالإلحاح.

وهذا ما دعاني لكتابة هذا المقال.

حقيقة الإشكالية المطروحة :

إنه من المعلوم أن النمو الحضري يفترض فيه أن يكون متوازنا، فهناك السكن، وهناك الفضاءات الطبيعية والمساحات الخضراء المهيئة وهناك فضاءات الإنتاج وممارسة المهن والخدمات، وهناك البنية التحتية، وهناك التجهيزات الجماعية، وهناك الحركية والسير والنقل، وهناك التراث المبني والتراث المادي واللامادي بصفة عامة ، وهناك فضاءات التطوير والابداع العمراني واستشراف المستقبل … إلى غير ذلك من المكونات المجالية التي تجعل من المدن، هيكلا متكاملاً من مكونات متناغمة ، يبدع في إنشائها وتوظيفها المهنيون وغير المهنيين والمهندسون المعماريون والمهندسون المختصون، ورجال الثقافة والفن والأدب وغيرهم من الفاعلين سواء منهم من يعمل ضمن المؤسسات المعينة أو المؤسسات المنتخبة أو المجتمع المدني.
وتدخل مسألة التجهيزات الجماعية ضمن هذه المنظومة المتكاملة. فكل نقص أو سوء توزيع أو تأخير إنجاز لهذه التجهيزات إنما يحدث شرخأَ عميقاَ ومستداماً في هذه المنظومة. لذا فإن هذه المسألة يجب معالجتها بكيفية جذرية ومستدامة، على نحو يجعل مسلسل إنشائها وتوظيفها أمراً ملازماً للتدبير الحضري والتطور المجالي.
إن المنظومة الحالية لإنتاج التجهيزات الجماعية تعتمد بصفة شبه كلية على مجهودات الدولة ومؤسساتها، سواء عن طريق البناء المباشر أو عن طريق تسليم رخص إحداث التجزئات أو المجموعات السكنية أو رخص البناء. لذا فإن مسؤولية الدولة تظل قائمة على وجه الإجمال لتوفير التجهيزات الجماعية للمواطن بكل الطرق والوسائل. وهنا مربط الفرس، وهنا بيت الداء: هل استوفت الدولة بكل مؤسساتها جميع الطرق والوسائل لتمكين المواطن من التجهيزات الجماعية؟ وبطبيعة الحال فإن الأمر هنا لا يتعلق باستصغار ما تقوم به الدولة في هذا المجال من مجهودات مشهودة لا يختلف عليها اثنان. إلاّ أنه لا مناص من التذكير بأن الحاجيات تتطور بوثيرة أسرع بكثير من وثيرة الإنتاج، كما أن رخص إحداث التجزئات والمجموعات السكنية تشوبها في كثير من الأحيان ما يشوبها من نقائص أصبحت معلومة لدى الخاص والعام. وما يهمنا الآن في هذا المضمار هو الإنتاج المباشر للتجهيزات الجماعية من طرف الدولة ومؤسساتها. ذلك لأن مسلسل الانتاج هنا يعاني من العسر ومن تكاثر الحواجز والعوائق، مما يؤثر سلبا على الفعالية وبالتالي يؤدي إلى نتائج هزيلة لا ترقى إلى ما هو مطلوب ( ) .
ومهما كان حجم المجهودات المبذولة، فإنه لا مناص من تنويع الوسائل ورصد البدائل، للوصول إلى إنتاجية أفضل وإلى وثيرة معتبرة، تتلاءم ووثيرة التطور العمراني، الذي يحتاج إلى استدراك العجز الحاصل، والاستجابة – كما وكيفا – لمتطلبات المستقبل.
ذلك لأن المنظومة الحالية للإنتاج المباشر للتجهيزات الجماعية، تتطلب مساطر وصعوبات وميزانيات وآجال، لاسيما عند اللجوء إلى نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة البناء، وتتطلب هذه العملية، عدداً من المراحل، تبدأ بعروض الأثمان قصد اختيار المهندس المساح الطبوغرافي للقيام بالعمليات الطبوغرافية، ثم الاستشارة المعمارية، قصد اختيار المهندس المعماري، مع ما يتبع ذلك من مراحل إعداد المشروع المعماري، بدءاً بالرسوم الأولية للمشروع ثم المشروع الأولي المقتضب، ثم المشروع الأولي التفصيلي ثم ملف طلب رخصة البناء، مع ما يصاحب ذلك من ” الملاحظات ” الجزافية وآراء ” الرفض ”، وأساليب أخرى، ثم تأتي بعد ذلك عروض الأثمان لاختيار مكتب الدراسات الذي يتوفر على مهندسين مختصين، ثم عروض الأثمان لاختيار مكتب المراقبة، ثم عروض الأثمان لاختيار المختبر، وبعد ذلك تنطلق الدراسة التقنية التفصيلية وبعدها يتم وضع التصاميم التنفيذية وكناش التحملات، وبعد ذلك يتم إطلاق عروض الأثمان المتعلقة باختيار المقاولة التي ستكلف بالبناء، وفي كثير من الأحيان يتم اللجوء إلى عدة عروض لاختيار مقاولات متعددة حسب الاختصاص.
ثم تبدأ مرحلة الورش، مع ما يصاحبها من متابعة تقنية ومالية شبه يومية، ثم تنتهي العملية بتسليم الأشغال وانطلاق آجال الضمانة العشرية ثم بداية استغلال المشروع، وتشغيله وصيانته. وقد يتم القيام بالافتحاص المالي للمشروع، وبذلك تمم العملية برمتها.
ولا شك أن القارئ قد لاحظ كثرة المراحل والإجراءات، التي تحتاج إلى آجال طويلة تجعل عملية الإنتاج مكلفة جداً، وربما ينتابها كثير من المعيقات. وعلى كل حال فإن كل ذلك يؤثر سلبا على المردودية والإنتاجية.

معالم الحلول والبدائل الممكنة:

إن السؤال الأول الذي يمكن طرحه هنا، هو الآتي : هل من الضروري أن تكون الدولة هي صاحبة الملكية العقارية للتجهيزات الجماعية ؟ الجواب طبعاً: لا، بدليل وجود العديد من الإدارات والتجهيزات اليوم مقتناة من الدولة على سبيل الكراء.
وهنا يلوح مسلك جديد يكمن للدولة اعتماده – ولو على سبيل التجربة النموذجية – في حالة بعض التجهيزات دون غيرها كمرحلة أولى، ثم تعمم إذا نجحت.
وذلك بأن تعمد الدولة بمختلف مؤسساتها، وحسب المسؤوليات المناطة بها، إلى فتح باب المنافسة بين القطاع الخاص من أجل ” التعبير عن الاهتمام ”، لبناء تجهيز معين، ضمن كناش تحملات مفصل، ثم تختار من بين المهتمين من يقوم باقتناء الأرض وبناء التجهيز المطلوب، ثم تتسلمه الجهة المسؤولة على سبيل الكراء.
ولنا أن نتصور الربح الهائل الذي ستجنيه الدولة من هذه العملية سواء على مستوى ربح الوقت وضبط الآجال، أو على مستوى عدد المرافق التي سيتم بناؤها بميزانيات ومجهودات إدارية أقل بكثير من تلك التي تبدلها اليوم من أجل البناء المباشر للتجهيزات الجماعية. فبعملية حسابية بسيطة، وإذا سلمنا أن ثمن الكراء سيصل إلى 5 % من ميزانية البناء (بما في ذلك تكلفة الوعاء العقاري) فإن الدولة ستتمكن بنفس الميزانية من الحصول على عشرين تجهيزاً في السنة الواحدة، بدل تجهيز واحد، مع ما ستربحه على مستوى الآجال. وبذلك ستتضاعف الإنتاجية عشرين مرّة، علاوة على التأطير الإداري المكلف والذي قلما تكون مردوديته عالية. ومن جهة أخرى فإن الصناديق السيادية، يمكنها أن تجد مجالاً آمنا للاستثمار الداخلي، بحيث ستتمكن من توظيف الأموال وتطوير البلاد، وخدمة المواطن. وربما يهتم بعض المنعشين العقاريين المتمرسين بهذه السوق الجديدة فيقبلون عليها، ويطورون بالمناسبة وسائل إنتاجهم وتدبيرهم للمشاريع.
وبطبيعة الحال، فإن هذا التوجه الجديد، يجب أن تصاحبهُ، أو تتقدمه عدد من الإصلاحات على مستوى الأدوات والإجراءات، لكنها تظل بسيطة قياساً بالمنفعة الكبرى التي سيجنيها المواطن جراء هذا الإتجاه الجديد.
وهناك، بدائل أخرى يمكن استكشافها ثم اعتمادها، الشيء الأهم هنا هو أن تدخل ضمن ثقافة المسيّرين فلسفة الوصول إلى الأهداف، مع كامل الاستعداد لتقويم الوسائل وتنويعها والبحث عن البدائل على مستوى الأدوات وتطبيقها.

 

 

 

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: على مستوى

إقرأ أيضاً:

إزالة أعمال بناء مخالفة ومصادرة الأدوات والمعدات بالبحيرة

قاد أحمد زكريا فرغلى رئيس مركز ومدينة دمنهور، حملة مكبرة لإزالة أعمال البناء المخالف تم خلالها إيقاف وإزالة عدد من حالات البناء المخالف بمدينة دمنهور، وذلك في إطار المتابعة المستمرة و التصدى بكل حزم لمحاولات مخالفة أحكام قانون البناء يرافقه أحمد بركات نائب رئيس المدينة ، ولجنة الإزالة الفورية ، بالتنسيق مع كافة الإدارات المختصة بالتصدى لمحاولات الشروع في البناء.

وأسفرت الحملة عن إزالة شدة خشبية لدور خامس علوى أمام بوابة 9 ، وتم إزالة جدران لمبنى مخالف بالدور السادس علوى خلف مدرسة الكرمه مساحة 500م تقريبا ، وإزالة وإيقاف أعمال بناء مخالف لدور سادس علوى خلف مستشفى الصدر

هذا وشدد رئيس المدينة علي ضرورة المتابعة اليومية من خلال جميع المختصين لرصد كافة محاولات البناء المخالف وازالتها في المهد تنفيذا لأحكام القانون .

وتابع رئيس المدينة موقف الإجراءات الخاصة بإنهاء طلبات التصالح، موجها باتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال سرعة إنهاء كافة طلبات التصالح و التعامل بكل حزم مع حالات البناء المخالف و الذي لم يتقدم أصحابها بطلبات للتصالح

وأكد رئيس المدينة على إستمرار حملات الإزالة لإعادة الإنضباط والمحافظة على الرقعة الزراعية، وعدم السماح بوجود أى تعديات أو مخالفات وإزالة فورية لأى مخالفة، مؤكداً علي استمرار الحملات لإعادة الإنضباط ، ولن نسمح بأى تراخ أو إستثناءات فى إزالة كافة أشكال التعديات الكائنة، لافتا إلى أن المواطنين والأجهزة التنفيذية شركاء فى المسئولية.

فيما قامت الوحدة المحلية لمركز ومدينة رشيد برئاسة ياسر مهنا الدميني، بشن حملة مكبرة أسفرت عن ازالة حالتين تعدي على مساحة ٧٥م٢ تقريبا، وتم إزالة حالتين تابع هندسة الري برشيد على مساحة ٧٥م بحضور مسؤلي الري والصرف والزراعة.

وشدد رئيس المدينة على ضرورة تكثيف أعمال الرصد والمتابعة الميدانية لأحكام السيطرة ، ومنع التعديات داخل الحيز العمرانى وعلى الأراضى الزراعية، ومواجهة المخالفات حيث لا تهاون مع التعديات والتصدى لها بكل حزم وإزالتها فى المهد مع إتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد المخالفين.

وشددت الدكتورة جاكلين عازر محافظ البحيرة على مواجهة تعديات البناء المخالف علي الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المهد والتصدي لأي محاولة للبناء بدون ترخيص وتطبيق القانون على المخالفين واسترداد حق الدوله ،وذلك ضمن الموجه ٢٥ لإزالة كافة التعديات علي الأراضي الزراعية وأملاك الدولة.

كما شددت محافظ البحيرة على ضرورة التنسيق بين كافة الأجهزة للحفاظ على حقوق الدولة واسترداد حق الشعب خاصة أيام الإجازات والعطلات الرسمية، وإتخاذ كافة الإجراءات القانونية تجاه كل من تسول له نفسه التلاعب بممتلكات الدولة .

وأكدت محافظ البحيرة بضرورة الإزالة الفورية لمختلف صور التعدى على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة وإتخاذ ‏الإجراءات القانونية اللازمة حيال المخالفين ، وذلك للحفاظ على الرقعة الزراعية من التآكل‏ والتبوير‎ ، والمتابعة الميدانية المستمرة ورصد أى مخالفات والتصدى لها فوراً‎. 
 
 

مقالات مشابهة

  • بعد ضجة “بلبن” المصري.. فدرالية “الفرونشيز” المغربية تطلب الدعم لفتح فروع بالخارج
  • هذه هي الملاعب المغربية التي ستحتضن المنافسات الأفريقية والعالمية المقبلة
  • محافظ القاهرة يصدر تعليمات جديدة بشأن طلبات التصالح | تفاصيل
  • محافظ القاهرة يوجه برصد مخالفات البناء وإزالتها والتعامل معها بكل حزم ومعاقبة المخالفين
  • محافظ القاهرة: الدولة تقدم كل تيسيرات تقنين أوضاع البناء للمواطنين الجادين
  • تحذير وطلب من محافظ القاهرة بشأن مخالفات البناء وطلبات التصالح
  • محافظ القاهرة يوجه بإزالة التعديات والتعامل مع كافة أشكال البناء المخالف
  • إبراهيم الشاذلي يكتب: مصر بين الأفخاخ والتحديات.. رؤية استراتيجية لصمود الدولة
  • هيئة المجتمعات العمرانية توضح موعد إجراء قرعة شقق سكن مصر بالمدن الجديدة
  • إزالة أعمال بناء مخالفة ومصادرة الأدوات والمعدات بالبحيرة