Reviewed work: Sudan Defence Force: Origin and Role, 1925 – 1955, Institute of African and Asian Studies Occasional Paper No. 13) Ahmad al-'Awad Muhammad
Martin Daly مارتن دالي
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة لاستعراض المؤرخ مارتن دالي (1950 - ) لكتاب أحمد العوض محمد (سيكنجة) عن قوة دفاع السودان، نُشِرَ عام 1982م في المجلد الثالث والستين لمجلة "السودان في رسائل ومدونات SNR"، صفحات 159 – 161".


ويُعد مارتن دالي واحداً من أهم المؤرخين الأجانب للسودان ومصر (خاصة فيما يتعلق بتاريخ عهد الحكم الثنائي)، وله العديد من المؤلفات مثل "امبراطورية على النيل" و"أحزان دارفور"، و "صور الإمبراطورية". وله أيضا كتاب "تاريخ السودان منذ مجيء الإسلام ..." بالاشتراك مع ريتشارد هيل، وكتاب عن "الحرب الأهلية في السودان" بالاشتراك مع أحمد العوض سيكنجة (1). ولدالي أيضا عدة مقالات عن السودان منها مقال مشهور نشر عام 1983م عن "رسائل وينجت". درس بروفيسور دالي في جامعة مكغيل ‏الكندية، وحصل على درجة الدكتوراه عام 1977م من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، ثم عمل في التدريس والبحث بعدد من الجامعات الأميركية وجامعة درم البريطانية.
المترجم
************* ************* ************
لا تزال الكثير من مجالات التاريخ السوداني الحديث غير مستكشفة، حتى أنه ليس بإمكان المرء الآن الرجوع إلى ملخص تاريخي منشور عن قوة دفاع السودان، ذلك الذراع العسكري للحكم الإنجليزي - المصري منذ عام 1925م حتى الاستقلال في عام 1956م. والعمل الذي نستعرضه هنا (وهو في الأصل أطروحة كُتِبَتْ للحصول على درجة الماجستير في جامعة الخرطوم) هو محاولة ناجحة إلى حد كبير لسد هذه الفجوة.
لقد ظلت مسؤولية الأمن الخارجي والشرطة المحلية / الداخلية للسودان حتى عام 1925م ملقاة على عاتق الجيش المصري الذي غزا البلاد خلال حملات أعوام 1896- 1898م ضد الدولة المهدية. ووقع تمرد لتلك القوات المصرية في أم درمان عام 1900م (2) نتيجة لانعدام حساسية كتشنر ومعاملاته غير اللائقة مع مرؤوسيه المصريين، وعمل ذلك التمرد المصري على تأكيد شكوك المسؤولين البريطانيين في أن الجيش المصري في السودان كان يمثل تهديداً، بقدر ما كان يمثل ضمانة (لحكمهم)؛ وبالتالي فقد انتهج المسؤولون البريطانيون سياسة أمنية شملت تمركز حامية بريطانية في السودان، والقيام بحملة مُتَقَطِّعة ومحبطة (ولكنها غير فعالة إلى حد كبير) لتقليل تأثير الضباط والجنود المصريين على زملائهم ومرؤوسيهم السودانيين. وأتخذ مسؤولون بريطانيون رفيعو المستوى في الخرطوم من المشاركة البارزة للضباط السودانيين والضباط السابقين والطلاب العسكريين في الاضطرابات السياسية التي حدثت عام 1924م، واغتيال السير لي ستاك، حاكم عام (سردارد) السودان القاهرة، ذريعةً طال انتظارها (وإلى حد ما، دون عائق) لفك ارتباط مصر عسكرياً مع السودان. وقاوم بعض الضباط والجنود السودانيين ذلك التحرك البريطاني الأحادي الذي يتعارض بشكل واضح مع قسم الولاء لملك مصر، وتم قمعهم بعنف في الخرطوم فيما سُمِّيَ بأسماء متنوعة مثل "الفوضى" أو "الثورة" أو "الاضطرابات" في 27-28 نوفمبر من عام 1924م.
وأفضى إخراج كتائب وضباط المصريين من السودان إلى تمهيد الطريق لإنشاء قوة دفاع السودان، على نطاق أصغر بكثير. وكانت تلك القوة تدين بالولاء المباشر (والحصري) لحاكم العام السودان البريطاني الجنسية، وكانت أقرب إلى أن تكون قوات شبه عسكرية أو قوات درك / جًنْدَرْمة gendarmerie . وكانت قوة دفاع السودان نفسها موضع شك عميق عند السلطات البريطانية، مما جعلهم يبقون على حامية بريطانية (بالخرطوم) لضمان استقرار الأمن الداخلي.
وكما قال الجنرال هدليستون Huddleston، أول قائد لقوة دفاع السودان في عام 1931، فقد كانت مهمة الحامية البريطانية هي "هزيمة قوة دفاع السودان" (صفحة 61 من الكتاب). وبالإضافة لأداء مهام الشرطة المحلية، التي كان بعضها (يُسَمَّى بشكل ملطف "دوريات" في جنوب السودان) في الحقيقة حملات عسكرية مكتملة الأركان. وكان أهم انتصار لقوة دفاع السودان هو هزيمتها للإيطاليين في الحرب العالمية الثانية.
تتكون دراسة أحمد العوض من خمسة فصول، يتناول الأول منها وصفاً للجيش المصري، ولإنشاء قوة دفاع السودان، بينما يتناول الفصل الثاني هيكلية تلك القوات وتنظيمها. أما في الفصل الثالث، فقد قام الكاتب فيه بمناقشة دور قوة دفاع السودان في حفظ الأمن الداخلي، خاصة فيما يتعلق بأربع حملات محددة، نصفها في جبال النوبة عام 1926م، والنصف الآخر ضد النوير في عامي 1927 و1928م. وتناول الفصل الرابع "الدور الأجنبي" لتلك القوة، تناول فيه بصورة أساسية دورها في الحرب العالمية الثانية. أما في الفصل الأخير فقد تناول الكاتب دور قوة دفاع السودان في الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية.
إن قوة هذا الكتاب الحقيقية تكمن في أن نهجه كان نهجاً واقعيا وعمليا matter - of - fact approach: فهذا الكتاب هو عمل وصفي، وليس تحليلي. ولم يكن المؤلف غافلاً عن الآثار المترتبة على الظهور المتكرر في جميع أنحاء الشؤون العسكرية المشتركة لضباط سودانيين قُدر لهم تحقيق أشياء أكبر بعد الاستقلال. كيف كانت علاقة هؤلاء الضباط بالمجتمع السوداني؟
يقول المؤلف في ص 60 من الكتاب:
"إن انخراط الجنود في تنظيم حديث وعقلاني (rational) بتقنيات وتدريبات حديثة وقيم جديدة من "النظام" و"الطاعة" كان يجذبهم في اتجاه واحد، بينما كانت خلفيتهم الاجتماعية وظروف معيشتهم تجذبهم إلى مجتمعهم التقليدي .... وعندما وصلوا إلى السلطة، ظلوا منشغلين بالمراسيم (decrees) عوضاً عن المناقشات والمناظرات (debates)، وبنصوص القانون عوضاً عن (نيل) التأييد الشعبي".
ومع ذلك، يذكر ذات المؤلف في جزء الخلاصة، الذي جاء مقتضباً للغاية، التالي في صفحة 111:
"وعوضاً عن أن تصبح قوة دفاع السودان هي محور ونواة الحركات الوطنية، غدت تلك القوة واحدةً من أكبر دعائم النظام الكلولونيالي، الذي اعتمد عليها في تعامله مع المقاومة المحلية". وهكذا يتم هنا تقديم الجنود كما كان البريطانيون يرونهم بالفعل؛ ومن الصعب تجنب استنتاج مفاده أن إزالة الحامية الإنجليزية - المصرية عشية الاستقلال كانت أكثر أهمية في تطور السياسة السودانية من الاستقلال السياسي نفسه.
يمكن اعتبار كتاب "قوة دفاع السودان" "مقدمة" لتاريخ تلك القوة وليس تاريخا "شاملاً" لها. وفي واقع الأمر، أخفقت محاولة جعل الكتاب في بعض أجزائه يبدو مكتملاً، كما هو الحال في القسم الفرعي الخاص بالمعدات العسكرية الذي جاء من جملتين فقط (صفحة 43)، وفي الأقسام الخاصة بالمناطق العسكرية المختلفة (صفحات 54-57)، حيث كانت المعلومات المقدمة قليلة جدا. وتُعد الجداول العديدة في الكتاب توضيحية بشكل مفيد: كان أفضلها يوضح انخفاض أعداد القوة العسكرية لقوات دفاع السودان بعد عام 1924 (صفحة 36)، على الرغم من أن قيمة جدول آخر يوضح جدول الأجور (صفحة 58) كانت أقل بسبب عدم إيراد أي تَوارِيخ به. أما فيما يتعلق بالمصادر، فقد اعتمد المؤلف بأكثر مما ينبغي على المقابلات التي أجراها مع العسكريين السودانيين الذين تقاعدوا عن العمل في قوة دفاع السودان، وذلك للحصول على مصادر معلومات، بينما كانت تلك المعلومات متوفرة أصلاً في وثائق معاصرة، هي الأفضل. ولكن، من جانب آخر، كانت الأوراق الخاصة بدكتور عثمان أبو عكر (23) مصدراً مهماً من مصادر الكتاب، خاصة فيما يتعلق بعملية السودنة.
ورغماً عن الأخطاء التحريرية التي شابت الكتاب (خاصة تلك المتعلقة بهفوات عديدة في التهجئة، وفي دقة أو اكتمال التفاصيل الببليوغرافية، ووضع خريطة في غير موضعها الصحيح بالكتاب، وعدم توضيحها للأماكن التي ذُكِرَتْ في النص)، وبعض الأخطاء المتعلقة بحقائق مثبتة (factual errors)، فإن هذا الكتاب قد أُخْرِجَ إخراجاً جيداً، وقاوم إغراء القول بأنه "مجرد أطروحة ماجستير". من الواضح أنه تم إجراء مراجعة كبيرة للأطروحة، وذلك من باب التقدير للجودة الأساسية في هذا العمل البحثي الأول لمؤرخ سوداني واعِد، ولفريق الإنتاج المشارك في نشره.
******** ***** ******* *******
إحالات مرجعية
1/ https://history.osu.edu/people/sikainga.1
2/ للمزيد عن تمرد القوات المصرية بالسودان عام 1900م يمكن النظر في مقال لكاتب هذا الاستعراض، تجد ترجمة له في هذا الرابط: https://shorturl.at/szEQR
3/ يمكن معرفة المزيد عن دكتور عثمان أبو عكر في هذا الرابط: https://shorturl.at/kGWX6

alibadreldin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السودان فی فیما یتعلق تلک القوة

إقرأ أيضاً:

وزير خارجية السودان: العلاقات مع مصر “الأهم لنا خارجيا”

أكد وزير خارجية السودان على يوسف الشريف أن علاقات السودان مع مصر، هى الأهم لبلاده مع الخارج، مشيرا إلى أن هناك تنسيقا مستمرا بين القاهرة والخرطوم لحل الأزمة السودانية، وقال الوزير علي يوسف الشريف، في تصريحات صحفية عقب لقائه مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط اليوم الأربعاء، إنه سيلتقي اليوم مع وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، والذي عقد على هامش فعاليات المنتدى الحضري العالمي.
وذكر أن ما يجري في السودان من حرب سينتهي بانتصار القوات المسلحة السودانية خلال الشهرين او الثلاثة المقبلة، مشيرا الى أن القوات المسلحة السودانية تلقى الدعم الشعبي الداخلي ومن الدول الصديقة .



وأضاف أن الجامعة العربية تقوم بدورها المسؤول في تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لإعادة الاستقرار والأمن في السودان ودعم الشرعية الممثلة في القوات المسلحة السودانية.

وتابع أنه ناقش مع الأمين العام لجامعة الدول العربية عددا من القضايا الهامة الحيوية والحياتية بالنسبة للسودان، خاصة المرتبطة بمسار معركة الكرامة في السودان ودعم الجامعه العربيه للدولة السودانية في شتى المجالات .

واستطرد قائلا: "نحن مقبلون على قمه عربية إسلامية في المملكة العربية السعودية واجتماعات مكثفة أخرى.. ووجهنا الدعوة للأمين العام لزيارة السودان خلال الأسابيع القليلة القادمة، قبل نهاية هذا العام، وستكون هذه الزيارة هامة جدا، وسيكون لها مردود إيجابي كبير في العلاقات بين السودان وجامعة الدول العربية".

واستنكر الشريف الادعاءات التي يروجها المتمردون ومن يساندهم بوجود مجاعة في السودان.. وقال إن السودان يعيش في أزمة غذائية وليس في مجاعة، مشيرا الى أن هذه الازمة سببها قوات الميليشيا التي تهاجم المزارعين وتقتل الناس وتقضي على الأخضر واليابس، مشددا على انه تم الاتفاق على عدم السماح باستخدام ملف الإغاثة كذريعة للتدخل الأجنبي في السودان.

وحث الوزير السوداني الدول العربية والصديقة على تقديم المساعدات لمساعدة الشعب السوداني في مواجهة الأزمة الغذائية الحقيقية والتي لا ترقى إلى حد المجاعة.

وأشار الى أن الجامعة العربية تلعب دورا كبيرا لحل الأزمة السودانية، وهي تقوم بهذا الدور بدون طلب من أحد استنادا إلى مسؤولياتها التي ينص عليها الميثاق.

ولفت الى ان الجامعة العربية أبدت استعدادها للتجاوب مع كل المطالب التي تقدمها الحكومة السودانية ومساعدة السودان للخروج من هذه الأزمة.
وهنأ الوزير السوداني الرئيس دونالد ترامب الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. وقال: "نؤكد احترامنا لخيار الشعب الامريكي لاختيار رئيسه.. ونتمنى أن تكون العلاقات مع الولايات المتحدة جيدة ومتكافئة.. وأن تقف أمريكا مع الحق وسيادة الدول ومواجهة الحركات الميليشياوية المسلحة".

أ ش أ  

مقالات مشابهة

  • الفصائل الفلسطينية تستنكر قانون “الكنيست” الجديد الذي يقضي بترحيل عائلات المقاومين
  • ماكونل: انتخابات الثلاثاء كانت “استفتاء حول إدارة بايدن”
  • ما بعد “قازان”: ما الذي يحتاجه “بريكس” ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟
  • وزير خارجية السودان: العلاقات مع مصر “الأهم لنا خارجيا”
  • بعد فوز ترامب وقبل مغادرة بايدن، ما الذي تعنيه مرحلة “البطة العرجاء”؟
  • حتى يكون لنا مايسمى “وطني السودان أحب مكان وأعز مكان”
  • تأجيل فيلم “الديب”.. هذه الأسباب وراء قرار أحمد السقا
  • مجلس الوزراء السعودي: “منبر جدة” الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة في السودان
  • “الإصلاح اليمني”: التكتل الوطني مفتاح رئيسي للحل الذي طال البحث عنه
  • الجيش الذي “لا يقهر” يستنجد بالمرتزقة