د. قاسم نسيم
موصلة لما أسلفنا نقول: انتقل المؤلف إلى الفصل الثالث: الذي حمل عنوان دور الحكومات الوطنية المتعاقبة في العلاقات بين قبيلتي دينكا ملوال والرزيقات: فقال: إن الحكومات الوطنية ركزت على تعريب وأسلمة السودانيين الجنوبيين، وتحقيق الوحدة الوطنية من خلال العروبة والإسلام- خلافا لما قام به المستعمر- فناشدت السلاطين بتغيير أسمائهم واعتناق الإسلام وإلزام تدريس اللغة العربية في المدارس، وطرحت الجلابية والتوب كزيِّ وطني للذكور والإناث على التوالي، إضافة إلى منع المسيحيين من الزواج بالمسلمات وإجبار غير المختونين على الختان، ليقول بعد قليل: إن هذه المعاملة السيئة عملت على تصعيد التمرد، وهجرة الجنوبيين إلى شرق إفريقيا ودول أخرى في السعي للحصول على سلاح، وأقول إن هذا الأعمال التي قامت بها الحكومات السودانية الوطنية تكشف عن جهل بالإسلام قبيح، فالإسلام لا يلزم معتنقه تغيير اسمه، ولم يغير الرسول (ص) أسماء من دخلوا الإسلام من العجم، إذن فالقضية كانت تعريب أكثر منه دعوة، أما قضية الزواج بين الأديان فشأنٌ ديني وكل صاحب عقيدة يلتزم بأحكام عقيدته دون تدخل الدولة، لكن نجد مندوحة في المذاهب الحداثية الإسلامية في هذا الشأن، إلا أنني لا أجد هذه المساحة مناسبة لتناول آراء تلك المذاهب وتخريجاتها.


يذكر المؤلف أن السياسة التي تبنتها حكومة الأزهري (1953) ركزت على سودنة المؤسسات في البلاد، ويقول إن استبدال الإداريين الشماليين نظرائهم المستعمرين بما في ذلك استبدال اللغة الإنجليزية باللغة العربية، ومطالبة الإرساليات بالمغادرة، فاعتبر الجنوبيون السودنة استعمارًا جديدًا، ونتيجة لذلك اندلع تمرد توريت 1955 نتيجة لتطبيق سياسات السودنة وانتشار الشائعات حول نقل القوة العسكرية الموجودة في الاستوائية إلى الشمال، فنشأت مطالبة الجنوب بالحكم الفدرالي، الشيء المهم الذي نكتشفه ونحن نقرأ حديث د. ضيو هو أننا يمكن أن نقرأ مطالبات الأحزاب اليمينية منذ الاستقلال بالشريعة الإسلامية في سياق سعيها السياسي لحل قضية الجنوب أكثر منه دعاوى حقيقية لإقامة الدين، فالشريعة قصد منها التعريب في سياق لا يفرق بين الدين والثقافة، أو يفعل ذلك قصدًا.
يمضي المؤلف ليقول : سقطت حكومة الأزهري نتيجة لمؤامرات بين حزبه الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة، وقام نظام عبود العسكري وقد مضى في سياسة تعريب وأسلمة الجنوب وطرد الإرساليات، وهنا نرى أنه ما كان لتقلب الحكومات بين عسكرية ومدنية فرق في اتجاه قضية الجنوب، فالسياسات واحدة. وفي كلامه عن حكومة ثورة أكتوبر يقول: اتخذت الحكومة الانتقالية التي سيطرت على البلاد بعد ثورة أكتوبر- وكانت يسارية- سياسات أثرت سلبًا على مجتمع دينكا ملوال والرزيقات بطريقة غير مباشرة، فقد اتخذت الحكومة إجراءات ضد الإدارة الأهلية معتبرة إياها مؤسسات استعمارية، وأعلنت الحرب ضدها وحلت كل الإدارات الأهلية، وهذا فعل يكشف سطحية الحكومات المتعاقبة على البلاد في تناولاتها لقضايا البلاد.
وعن حكومة الديمقراطية الثانية ذكر أنها تسببت في مزيد من سفك الدماء في الجنوب، حيث منحت قوات الأمن حرية التصرف، وسعيًا وراء هذا الهدف نفذت المذابح في جوبا وواو ومدن كثيرة أخرى وهرب كثير من الطلاب والمثقفين من البلاد وانضموا إلى التمرد، وهذه العمليات تؤكد قولنا السابق في ثبات منهجية حكومات المركز تجاه قضية الجنوب مهما تقلبت بين مدنية وعسكرية أو ديمقراية ودكتاتورية، أما فيما يتعلق بموضوع الإدارة الأهلية فيقول المؤلف إن حكومة الصادق المهدي (1966) لم تستحسن قرار تجميد الإدارة الأهلية، وذلك لأن رجالات الإدارة الأهلية كانوا من قياداتها المحلية، لا لسبب وطني آخر.
وعن حقبة مايو يذكر المؤلف أن قرار تجميد الإدارة الأهلية سنة 1970 انعكس سلبا على دورها مما زاد من وتيرة الصراعات على الموارد إذ إن خبرات من تولوا الشأن مكان رجالات الإدارة الأهلية كانت ضعيفة جدًا، وتطرق لدور نميري في الصراع بين دينكا ملوال والرزيقات فذكر أن النميري بدأ بتوفير السلاح للرزيقات لاحتلال مناطق دينكا ملوال، فوفرت قوات الأنيانيا في حامية ميثانق الأسلحة لأبناء شعبهم.
يقول الكاتب إنه بعد الإطاحة بجعفر النميري ، وتولي الفريق سوار الذهب مقاليد السلطة الانتقالية، كان من ضمن أعضاء المجلس الانتقالي اللواء فضل الله برمة ناصر، الذي استخدم منصبه لتسليح الرزيقات والمسيرية في نية واضحة لاحتلال أراضي الدينكا، فصارت سياسة امداد الرزيقات والمسيرية بالسلاح سياسة ذات صبغة مؤسسية، واستطرد أنه لسوء الحظ تم تعيين اللواء فضل الله برمة ناصر مرة أخرى وزير دولة بوزارة الدفاع في عهد الصادق المهدي، في الديمقراطية الثالثة، واعتبر أن هذا التعيين كان استمرارا للخطة المبدئية في خلق تشريد ونزوح جماعي هائل وإبادة للدينكا ـ وأكد أن تعيين برمة صاعد الصراع إلى حرب اتخذت أبعادًا مختلفة من مجرد التنافس التقليدي على الموارد بأسلحة تقليدية إلى حرب منظمة بمشاركة الجيش الوطني من الجانبين ، وأقول إن ما يؤكد مقولات المؤلف، مآلات الحاضر من تمدد لقوات الدعم السريع الناشئة من ذات الحاضة، وعقِّها لجيشها ومحاولاتها هضمه، بعد أن رضعت منه واستقوت بدعمه لها.
وينتقل ليصل بنا إلى حكومة الإنقاذ فيصف المؤلف أولًا الموقف العسكري للجيش السوداني في جنوب السودان قبل انقلاب عمر البشير بالضعف حيث ذكر أن الحركة الشعبية كانت مسيطرة سيطرة شبه كاملة على الجنوب وبعض مناطق الشمال، وذكر أن حكومة البشير طرحت مبادرة السلام من الداخل، وركزت على تقوية الجيش، وتحويل الحرب إلى حرب جهادية وإجازت قانون الدفاع الشعبي والخدمة الإلزامية وسلحت المليشيات القبيلة، وذكر أن المهمة التي كلفت بها مليشيات المسيرية والرزيقات هي دحر وسحق الحركة الشعبية في شمال بحر الغزال، وتلقت لذلك دعما وتسهيلات  وتعويضات على خسائرها، لكن المؤلف يقول إن الرزيقات والمسيرية لم يحفزهم الجهاد هذا، إنما كانوا يسعون وراء السلب والنهب والاختطاف، مما يؤكد أن الصراع ليس دينيا، وساق استشهاداته على زعمه. وهذا يؤكد لنا قوله فيما مضى أن الحرب لم تكن دينية وأن الإسلام السوداني كان يتجنب الخوض في قضايا السياسة. وأورد أن كثيراً من دوائر حقوق الإنسان اعتبرت استخدام القطار من قبل المراحيل تورطًا مباشرًا من الحكومة في اختطاف النساء والأطفال، وذكر أن الأطفال الذين تم اختطافهم  في أعمار مبكرة  أصبحوا جزءً من قوات المراحيل، وتحدث عن عمليات خطف واسعة للنساء والأطفال أخذوا إلى مدينة الضعين عبر الجيش وقوات المراحيل، وقال إن الدعم والتسهيلات التي وجدها المراحيل من الحكومة تبرر الاتهامات بأن الحكومة كانت وراء أنشطة هذه المليشيات، ولما كثرت اتهامات وكالات حقوق الإنسان  على الحكومة بارتكابها اتهاكات حقوق انسان ألقت الحكومة باللائمة على المراحيل.سرد المؤلف تطور قضية الاختطاف/ الرق حتى تدخل الاتحاد الأوربي وتوصل مع الحكومة إلى الاتفاق على الإجراءات التي يجب اتخاذها للقضاء على الممارسة ، بداية بتكوين لجنة القضاء على خطف الأطفال والنساء سنة 1999، وتطرق الدكتور لبرنامج إعادة لم شمل الأطفال المختطفين  مع عائلاتهم رغم المشاكل التي لازمته  مثل عدم قدرة الأطفال على معرفة عائلاتهم.

gasim1969@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإدارة الأهلیة

إقرأ أيضاً:

هالة أبوعلم عن التلفزيون المصري: أزمة ماسبيرو في الإدارة التي تتجاهل الكوادر


القاهرة - مصراوي:

قالت الإعلامية القديرة هالة أبوعلم في تصريحات إعلامية، عما وصفته بتراجع التليفزيون المصري "ماسبيرو":"أزمته في الإدارة مش في الكوادر الموجودة.. الإدارة لا تستفيد من الكوادر الموجودة.. فالإدارة الجيدة من المفترض أن تُعظم الاستفادة من الكوادر ولا تتجاهلها".

وأضافت أبوعلم:"ماسبيرو صرح تاريخي وأثر من آثار مصر العريقة التي علمت المنطقة العربية والشرق الأوسط وتخرجت منه عظماء العالم العربي سواء كانوا مذيعين أو مخرجين أو مؤلفين أو معدين ومن يعملون بكتابة السيناريو.. يبقى مفتاح الحل كله في الإدارة".

وأشارت إلى أن ماسبيرو قدم مسلسلات وبرامج تركت أثرا كبيرًا في الشعب المصري إلى جانب أن قطاع الأخبار فيه كان مصدرا للعالم فكان الناقل عنه يقول"وذكر التليفزيون المصري".
وتعد هالة أبوعلم من أشهر مذيعات التليفزيون المصري وواحدة من أشهر من قدموا النشرات الإخبارية، ورائدة في الإعلام بالعالم العربي فشغلت سابقًا منصب مدير عام المذيعين بالتليفزيون المصري ونائب رئيس قناة النيل الدولية ورئيس الإدارة المركزية للأنباء والتحليل السياسي، وعملت بالإذاعة المصرية وبعض البرامج التعليمية والرياضية.

ماسبيرو الكوادر هالة أبو علم

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة أول تعليق من رئيس "ماسبيرو" على احتفال مصور التلفزيون بفوز الأهلي أخبار أخبار مصر المفتي يستقبل وفدَ برنامج الأغذية العالمي لبحث تعزيز التعاون المشترك منذ 23 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر ما خطة الحكومة لمواجهة الاحتياجات الإضافية للطاقة الصيف القادم؟.. منذ 41 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر مدبولي: مصر بالتصنيف "أ" في تصنيع تطبيقات الذكاء الاصطناعي والدخول منذ 43 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر هل مصر لديها التزامات كبيرة لأقساط ومستحقات دولارية؟.. رئيس الوزراء منذ 45 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر تنتج 4 جيجا طاقة الشمسية.. مدبولي: تطوير منطقة صناعية متكاملة في شرق منذ 47 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر مدبولي: نستهدف تشغيل 275 ألف سيارة للعمل بالغاز وسنتحمل جزءا من تكلفة منذ 51 دقيقة قراءة المزيد

إعلان

إعلان

أخبار

هالة أبوعلم عن التلفزيون المصري: أزمة ماسبيرو في الإدارة التي تتجاهل الكوادر

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك الحكومة تغلظ عقوبة سرقة الكهرباء.. حبس سنة وغرامة تصل لمليون جنيه مأساة في الروضة.. معلمة تضرب طفلة بوحشية داخل حضانة بالغربية- فيديو وصور طلب إحاطة لحجب التيك توك عن مصر بعد منعه بـ 19 دولة أسعار جدية حجز برامج الحج السياحي 2025 تبدأ من 30 ألف جنيه تبدأ من 30 ألف جنيه السفير محمد الشناوي متحدثًا رسميًا لرئاسة الجمهورية 28

القاهرة - مصر

28 19 الرطوبة: 37% الرياح: شمال المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • تقديم كتاب: سليم أغا: ملحمة أحد ضحايا الاسترقاق، تأليف جيمس مكارثي، ترجمة ياسر عَـبِـيدِى بَرْدَويل، 2024
  • جوزيف عون: الجيش منتشر في جنوب لبنان ولن يتركه
  • والي غرب دارفور يعفي 42 من قادة الإدارة الأهلية لموالاتهم الدعم السريع
  • هالة أبوعلم عن التلفزيون المصري: أزمة ماسبيرو في الإدارة التي تتجاهل الكوادر
  • تقديم كتاب الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه
  • أزمة الجوع تتفاقم بدولة الجنوب مع استمرار تدفق الفارين من الحرب في السودان
  • مكتبة الإسكندرية تحتفل بإطلاق كتاب "قاضٍ في صعيد مصر" للمستشار محمد النجار
  • كتاب مفتوح من نادي القضاة إلى الحكومة بشأن الجرائم االسرائيلية
  • مكتبة الإسكندرية تحتفل بإطلاق كتاب «قاضٍ في صعيد مصر» للمستشار محمد النجار
  • هكذا علقت حكومة السودان على الفيتو الروسي في مجلس الأمن