استفهامات حول مشروع الخلاص الوطني
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
قبل الدخول في صلب موضوع "مشروع الخلاص الوطني التحديات الراهنة و المستقبلية" لابد أن يطرح سؤال من قبل أي مهتم بالشأن السياسي أو أكاديمي أو بحاث في الفكر السياسي... هل الأفضل للحزب إقامة ورشة حوارية حول قضية ما و على ضوئها يريد أن يحدد موقفه و رؤيته المستقبلية؛ أن تكون الورشة قبل اتخاذ قراره أم بعد أتخاذ قراره؟.
أن حزب الأمة القومي يعتبر الحزب القائد في تحالف " قحت المركزي" بحكم ثقله الجماهيري كما ورد في نص مشروع الخلاص مقارنة بالقوى المتحالفة معه، و أيضا الحزب من مؤسسي تحالف " تقدم" و ساهم في صياغة وثيقة برنامج " تقدم" و بموجب ذلك شارك في كل ناشطها من خلال رئيسه فضل الله برمة ناصر و الأمين العام للحزب الواثق البرير و أخر نشاط كان على هامش اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي و حتى الآن حزب الأمة فاعلا في هذا المشروع السياسي، كيف طرح رؤية مخالفة و هو مايزال فاعل في مشروع " تقدم"
يقول حزب الأمة في " المشروع الذي قدمه بعنوان " مشروع الخلاص الوطني التحديات الراهنة و المستقبلية" يقول ( أن حزب الأمة القومي،وبحكم مسئوليته الوطنية والتاريخية، وثقله الجماهيري، وانتشاره في كل ولايات السودان. وبحكم توجهه القومي، وإعتدال طرحه الوسطي،وتمتعه بقبول شعبي عريض ومصداقية وموثوقية، وعلاقات دولية واقليمية متوازنة. هو الأقدر على تقديم مشروع سياسي متكامل يتضمن رؤية شاملة لوقف الحرب و معالجة تداعياتها المتصاعدة، ومقاربة موضوعية نحو مشروع بناء المستقبل الوطني للسودان( هل معنى ذلك أن حزب الأمة القومى أسقط عضويته من تحالف " تقدم" و نفض يده من مشروعها.. و أصبح "مشروع الخلاص" هو المعتمد عند قيادة حزب الأمة؟ أم أن الحزب يريد أن يلعب في ملعبين بتصورين مختلفين؟ و يقول المثل " ركيب سرجين وقيع" أم حزب الأمة يعاني من حالة عدم الاتزان التي تؤكد أن داخله صراعا يفرز هذه المتناقضات.
يتحدث حزب الأمة في ورقة " مشروع الخلاص" عن المبادرات لوقف الحرب و عن منابر التفاوض ثم يتحدث عن المبادرات الوطنية و غير الوطنية و خاصة عن "تقدم" حيث يقول عنها (أعلنت عدد من تجمعات القوى المدنية مبادرات تدعو طرفي القتال إلى وقف الحرب، منها؛ مبادرة "الجبهة المدنية إلي إقاف الحرب واستعادة الديمقراطية ". و مبادرة "الألية الوطنية لدعم التحول المدني والديمقراطي في السودان". و أصدرت مجموعة مدنية وثيقة " إعلان مبادئ للقوى الثورية المدنية من أجل وقف الحرب والعمل الوطني المشترك" معظم هذه المبادرات الوطنية تم جمعها بعد تكوين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" برئاسة د. عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السابق. حيث أصدرت" تقدم" وثيقة باسم " خارطة طريق إنهاء الحرب وتحقيق السالم وتأسيس انتقال مدني ديمقراطي مستدام) تعتقد قيادة حزب الأمة من خلال الورقة المقدمة " مشروع الخلاص الوطني" أن كل هذه المبادرات لم تنجح في مسعاها لوقف الحرب و إيجاد حل مقبول.. و يقول في الورقة ( لم تحقق أي من المبادرات الوطنية أوالخارجية تقدما ملحوظا لوقف الحرب، أو حتى وقف اطلاق نار يسمح بتوصيل مساعدات إغاثية سواء في الخرطوم أو بقية المدن والمناطق المتأثرة بالحرب. كما أن تعدد منابر المبادرات الخارجية أدى إلى تعقيد المشهد بصورة أكبر، و ربما يفتح منافذ لتدخلات أجنبية غير حميدة.) هذا الحديث يؤكد أن حزب الأمة ينعي " تقدم" رغم أن رئيسه و أمينه العام مايزالان يشاركان في نشاط.. معنى ذلك أن حزب الأمة لديه خطابين الآن واحد يقدم في حواره مع القوى السياسية البعيدة عن " تقدم" و أخر إلي " تقدم" كيف يفهم هذا التناقض؟
ينتقل حزب الأمة في الورقة إلي خطوة أخرى و يحدد فيها إستراتيجيتين.. الأولي إحتواء و وقف و إنهاء الحرب.. الثانية العملية السياسية النظام السياسي الجديد.. الإستراتيجية الأولى تنجز مهامها من خلال تشكيل قوى اجتماعية عريضة سمها " الهيئة القومية للسلام" و يريد من خلال هذه الهيئة يرجعنا مرة أخرى للرباعية و الثلاثية.. و لكن يريد أن تصبح الرباعية خماسية بأن تضاف إليها مصر.. هل هذه رشوة لمصر باعتبار أن الورشة مقامة في أرضها، أم هي تنازلات أملتها الضرورة؟ في "الاتفاق الإطاري" عندما كانت قيادات حزب الأمة متمسكة بشعار " لا نريد الإغراق السياسي" بهدف المحاصصات رفضت قيادة الحزب أي مبادرة من مصر .. القضية الثانية هل الرباعية نفسها محاولة تستر على الذي فعلته دولة الأمارات الداعم الرئيس للميليشيا في توريد السلاح.. و هل الشعب السوداني الذي ذاق مر الحرب و ويلاتها سوف يقبل الأمارات أن تكون في أي عمل يخص السودان؟ أم هي مصلحة لا ترغبون في تعريفها؟
أن السودان يحتاج للخارج في التعمير و المشاركة في إعادة البناء وفقا لمصالح الوطن و المصالح المتبادلة التي تحكمها الندية. أن تدخل الخارج في الشأن السياسي السوداني يجب أن يتوقف، و أن يتحمل السودانيون مسؤولية بناء بلدهم و حل مشاكلهم.. فالخارج لا يتدخل إلا وفقا لأجندته الخاصة، و أتضح ذلك بجلاء في الفترة من 11 إبريل 2019م حتى 15 إبريل 2023م كانت النتيجة الحرب. لماذا إصرار حزب الأمة أن يجعل القوى السياسية تحت وصاية الأجندة الأجنبية.
ينتقل " مشروع الخلاص الوطني" إلي معادلة كسبية تعيد المكون العسكري بفرعيه السابقين مرة أخرى إلي فعل العمل السياسي بالقول (إن الحزب يتقدم بهذه الرؤية الجديدة التي تدعم مسار المبادرات والوساطات الخارجية والوطنية. ساعية إلى إشراك طرفي النزاع عبر استراتيجية تواصل مستمر إلي إجاد حلول توفيقية كسبية نابعة من تصوراتهما ومدعمة بحكمة وخبرة قدرات سودانية، سياسية ومجتمعية أهلية ومدنية. ومساندة الأسرة الدولية والإقليمية في مجالات المساعدات الإنسانية والإعمارية والتنموية.) أن المعادلة الكسبية لا يعتقد إنها ساعية إلي إعادة الميليشيا مرة أخرى و هذا يشير إلي ترحيل الحرب في المستقبل. أن إعادة الميليشيا في المعادلة الكسبية و أيضا إعادة الأمارات في الرباعية هي بالفعل العودة إلي "الإتفاق الإطاري" مرة أخرى.. نسأل الله حسن البصيرة...
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لوقف الحرب وقف الحرب مرة أخرى من خلال
إقرأ أيضاً:
السودان وفيتو الحرب الروسي
السودان وفيتو الحرب الروسي
ناصر السيد النور
ما جرى في تصويت مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الثامن عشر من الشهر الجاري الأسبوع الماضي بشأن مشروع القرار الذي تقدمت المملكة المتحدة وسيراليون لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية الذي أبطله تصويت روسيا بحق باستخدام حق النقض “الفيتو” شكل صدمة على الصعيد الدولي الدبلوماسي. ويعد من السوابق أن تشهد أروقة المجلس استخداماً لحق النقض (الفيتو) في شأن يخص السودان. فما الذي جعل روسيا إحدى الدول دائمة العضوية أن تستخدم حق النقض في قضية تتعلق بالأمن والسلم الدوليين وهي من صميم دور مجلس الأمن كما في مواثيق الغرض من إنشائه؟ ذلك الموقف الذي صوتت فيه الصين التي لديها عمقا اقتصاديا في السودان والقارة الأفريقية يفوق روسيا ولو أن كلا البلدين لا تعنيهما قضايا الشعوب بحسب معايير الديمقراطيات الغربية.
إن آلية تصويت حق النقض “الفيتو” التي تحتكرها الدول الخمس دائمة العضوية ضد مشروعات القرارات بشأن دول تتقاطع فيه مصالحها الاستراتيجية أو الايدولوجية؛ وتعد الولايات المتحدة من أكثر الدول استخداماً له خاصة فيما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية كما حدث مؤخراً في وجه مشروع وقف إطلاق النار للمرة الرابع منذ اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحماس في السابع أكتوبر/تشرين من العام الماضي. وهذه الأداة المحتكرة من قبل منظومة الدول المهيمنة على النظام العالمي يعكس الظروف الدولية في فترة الحرب الباردة التي انتهت ولم تنته آلياتها في المنظمة الدولية. فحق الفيتو المستخدم من جانب الأعضاء الدائمين يضمن لهم بأن المجلس لن يعمل بشكل يتعارض ومصالحهم الوطنية، والأمر الآخر في اعتماده على المانحين الأساسين وهو ما يعني عملياً الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في الأموال والقوات والمساعدات الفنية مما يجعل من قراراته محسوبة لا تحفظ السلم الدولي الذي يجب فرضه على ما ترى نظريات اصلاح بنيته الهيكلية.
هذا الاعتراض الروسي على مشروع القرار أربك مسار الأزمة السودانية بطبيعتها الإنسانية الفادحة على صعيد المعالجات الدولية، وسيزيد من معاناة ضحاياها أي يكن التفسير الذي دفع به مندوب روسيا. فالحكومة السودانية لا يمكن أن تكون وهي طرفاً في صراع دامٍ أن تترك لحالها لمعالجة الموقف المتأزم على أكثر من صعيد وخاصة الجانب الإنساني منها. ولو أن الأمر تعلق بالسيادة الوطنية التي لم تعد تبرر انتهاكات الحكومات بحق شعوبها وفقاً للقانون الدولي الإنساني. ثم ماذا بعد أن فشل مشروع القرار الخاص بوقف إطلاق النار وحماية المدنية وما اشتمل عليه من آليات تشمل أطرافاً عدة ويضمن ما توصل إليه طرفا الصراع في مفاوضات جدة المنبر الوحيد الذي اكتسب شرعية دولية وحظي بقبول كل الأطراف؟ وهل تكون مسارات حلول الازمة السودانية على المستوى التداول الدبلوماسي الدولي قد تراجعت مما يعني عمليا استمرار الوضع في الداخل على ما هو عليه وربما قوى من موقف الحكومة بقيادة الفريق البرهان سعيا للحل العسكري وهو ما حملته تصريحات عقب نتيجة التصويت على القرار وإلا رجوع للتفاوض ولا وقف لإطلاق النار.
ومن جانب الدعم السريع الذي كان مشروع القرار يدين استمرار اعتداءات قواتها في الفاشر ويطالبها بالوقف الفوري لجميع هجماتها ضد المدنيين في دارفور وولايتي الجزيرة وسنار وأماكن أخرى كما نص مشروع القرار.، ولكن كما يبدو ان الاعتراض الروسي على مشروع القرار الذي وصمته بالملغوم قد جنب الطرفين ادانات صريحة. وذهبت قوات الدعم السريع إلى الدفع بتصريحات مثيرة من إقامة حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها كما جاء على لسان رئيس وفد مفاوضاتها العميد عمر حمدان وهو ما يفهم منه فرض واقع يعصب التعامل معه حتى عسكريا قياسا على نتائج الحرب المستمرة منذ عام ونصف فقد سيطرت قوات الدعم على مساحات واسعة تمتد من اقصى الغرب إلى الوسط بما فيها عاصمة البلاد الخرطوم. وليس من المؤكد أن ينفذ أي من الطرفين خططه في ظل التداعي الذي تشهده البلاد على أكثر من صعيد عسكري وإنساني.
ويعكس هذا الموقف الروسي كما ذهب كثيرون الحالة الروسية وطبيعية السياسة الخارجية التي تنتهجها روسيا في موازاة الموقف الدولي الغربي من حربها ضد أوكرانيا التي تورطت فيها منذ أكثر من عامين. وما واجهته من عقوبات وحصار دولي وصدور مذكرة اعتقال بحق زعيمها فلاديمير بوتين جراء ذلك. ومع تطور المواجهات بين الغرب وروسيا مؤخراً في اعقاب التعزيزات الغربية لأوكرانيا قد تجعل روسيا تضرب في كل الاتجاهات لمناوئة النفوذ الأوربي الأميركي بداء من موائد الدبلوماسية في حق الفيتو العامل الوحيد الذي تبقى لها في الساحة الدولية الشرعية إلى تغيير عقيدتها النووية مما يزيد من احتمالات المواجهة النووية على الصعيد الدولي.
إن تصويت روسيا ضد مشروع القرار لم يكن حفاظا على سيادة السودان في ظل أزمته الإنسانية وعدم التدخل في شؤونه كما تبرر التصريحات الروسية. فالبلد النووي لديه طموحاته الاستراتيجية التي تتعدى حدوده، وقد يسمح هذا الموقف لروسيا في المقابل بالحصول على قاعدة عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر خاصة وأن الحكومة السودانية كما جاء في تصريح وزير خارجيتها لا تمانع في منحها هذا الامتياز الاستراتيجي وحقق بالتالي حلمها التقليدي في الوصول إلى البحار الدافئة. وقد قرب الصراع في سوريا مؤخرا روسيا من المنطقة وشواطئها واصحبت بالتالي لاعباً رئيسياً في المجال الحيوي للمنطقة بما يخدم تواجدها الاستراتيجي وفق تصوراتها وهي الدولة التي ورثت قوة الاتحاد السوفيتي العسكرية والنووية إلا أنها لا زالت تحتفظ بعقيدتها التوسعية ولعب دور مفقود في مواجهة حلف الناتو الغربي والإبقاء على علاقاتها التاريخية مع ما تبقى من منظومة دول العالم العربي بنسختها الاشتراكية التاريخية.
وانعكاسات فشل مشروع القرار في الداخل السوداني فمن الطبيعي أن تكون تداعياته تصب في مصلحة الحكومة القائمة بما فسرته من أن الموقف الروسي جنبها فحوى ادانات مشروع القرار بما يعني تدخل قوات أممية تبقى على الموقف القائمة بل ذهب أخرون إلى أن مشروع القرار كان يسعى إلى تقسيم السودان إلى دويلات. ومهما تكن وجاهة التبريرات التي تسوقها الأطراف السياسية وخاصة تلك المحسوبة على الحكومة السودانية في تحالفاتها الجديدة مع مليشيات وجماعة عسكرية دعماً لموقفها في الحرب، فإن حجم الكارثة الإنسانية لا يعني أن المجتمع الدولي قد تغاضى كلية عن الحل في إطار آلية دولية. ويعاني طرفا الصراع من محدودية علاقات على المستوى الدولي ومنظماته الأممية إلا حدود الداعمين لهما على المستوى الإقليمي بما يضمن تدفق الدعم اللوجستي لمواصلة الحرب دون أن يتمكن المجتمع الدولي من فرض نافذ لقرارات تواجه الأزمة في أبعادها الإقليمية.
إن تطور الأزمة السودانية بنتائجها المأساوية المستمرة على خلفية فشل مشروع القرار وما نتج عنها من مواقف متصلبة عبرت عنها تصريحات طرفا الصراع قد يعقد من خياراتها في الحلول. ولكن الثمن المنتظر للموقف الروسي ستكون له تعقيداته بما يعني تمددا للأزمة نحو صراع محاور دولية وإقليمية ويكون السودان من الناحية الجيوبوليتيكية قد أصبح جزء من صراع مناورات الاستراتيجيات. وبدلا من أن تكون الأزمة السودانية بأوضاعها المزرية ذات ضرورة قصوى للحل الدولي أصبحت أزمة صراع دولي وإقليمي له أبعاده القارية بما يضع السودان وأزماته أمام أوضاع غير مسبوقة يصعب التنبؤ بمآلاتها في ظل أوضاع عالمية تحتد وتيرة المواجهة بين أطرافها.
الوسومالفيتو روسيا مجلس الأمن ناصر السيد النور