شبكة اخبار العراق:
2024-09-19@05:53:00 GMT

أن تكونَ كاتباً مؤثِّراً

تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT

أن تكونَ كاتباً مؤثِّراً

آخر تحديث: 29 فبراير 2024 - 12:36 مباقر صاحب يضمُّ عنوان مقالتنا أعلاه قطبين رئيسين بارزين هما: الكتابة والتأثير، ولكنَّ هناك قطباً ثالثاً يخفيه العنوان يتمثَّل في القراءة، فمن دونها  فاعلةً وحيويَّة، تنعدم أهمية الكتابة لجهة التأثير في المتلقّي لما هو مكتوب. الذي حفزنا على الكتابة عن موضوعة الـتأثير، كونها مازالت متجدَّدة الطرح، مثلما زالت تتردَّد مقولة الكاتب الأميركي الراحل إرنست همنغواي:» إن إدارة الإرادة للنصر لا تكون بتحريك المخزون النووي، ولكن بتحريك مخزون الأقلام».

هذا يقودنا إلى القول بأنَّ الكتابة المؤثِّرة، وفق كتّابٍ ومبدعين، وتنظيراتهم وتجاربهم، هي التي تحدث تغييراً ما في دواخل متلقّيها، عقلاً وعاطفةً، تغييراً يبدو جليَّاً في طرق تفكيرهم ووجهات نظرهم تجاه الذات والآخر، تّجاه طرق العيش، ومن ثمَّ المنظومات السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة. وهنا نعرّج إلى أنَّ التأثير الحادث فعليّاً، رُبَّما يكون إيجابيّاً أو سلبيّاً. الإيجابي يكمن في تغيير قناعات المتلقّي، وتوجيه بوصلتها نحو الإيمان الحقيقي بقيم الخير والجمال والعدالة والإحساس بالآخر والعمل على انتشاله من سلبيَّته أو حياديَّته، باتّجاه أن يكون فرداً فاعلاً في بيئته الاجتماعيَّة.  كيف يكون الـتأثير السلبي إذاً؟ هذا السؤال يقودنا إلى الإجابة، بأنَّ مُخرجات المعرفة، ليست ايجابيَّة دائماً، بل هناك النقيض ماثلٌ في الكتابات التي تروِّج  إلى كراهية الآخر المختلف عنّا عرقيّاً أو دينيّاً، بل والتحريض على إلغاء وجوده، كما التحريض على الانتقاص من الجنس الآخر -المرأة، والحطِّ من دورها في الحياة السياسية والاجتماعية. وهنا نلاحظ مع التقدُّم العلمي والتقني، والانتشار المعرفي – مسموعاً ومرئيّاً ومقروءاً، بأنَّ هناك خللاً قيميّاً آخذاً في الاتّساع، وتزايد الاستقطابات الدينيَّة والعنصريَّة والطائفيَّة، بأيِّ حقٍّ مثلاً، يبيد الكيان الصهيوني الغاصب أهل غزَّة، في مسعىً عنصريٍّ محمومٍ لتهجير الفلسطينيين في أرجاء العالم، ليصبح العرب المسلمون من أهالي فلسطين شتاتاً، بعد أن كان اليهود هم الشتات؟ وأين هي ثوابت أميركا الدولة الأولى في العالم، بلد الديمقراطيَّة العريقة، ثوابتها في حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام حقوق الإنسان، ونشر قيم العدالة، من كلِّ ما يحصل على أرض فلسطين؟ كانت كتب الأديان السماويَّة، الأسس الراسخة للمعرفة الإنسانية، لكنَّ  تطوَّر العلم دقَّ إسفيناً في تصنيف المعرفة، بين خيِّرةٍ أو شرِّيرة، بوساطة ما يقوله الفيلسوف ميشيل فوكو عن العلاقة ما بين المعرفة والسلطة:” تقوم السلطة على المعرفة وتستفيد من المعرفة؛ من ناحيةٍ أخرى، تعيد السلطة إنتاج المعرفة من خلال تشكيلها وفقاً لنواياها المجهولة”.  وفي هذا الصدد، يذكر الكاتب الأردني الفلسطيني رامي أبو شهاب، في مقالةٍ له بعنوان” الكتابة.. معضلة التأثير” منشورةٍ في “القدس العربي” اللندنية بتأريخ  5 -2 –  2024 عن التوظيف السلبي للمعرفة، فيقول” اختراع الطباعة، وظهور الكتاب، بالتوازي مع نشوء القيم الصناعية، التي أنتجت مجتمعة معرفة هائلة غير أنها قادت إلى حروب دموية يمكن وصفها بأنها الأكثر بشاعة في التاريخ، ولكن هل يمكن أن نلقي اللوم على الكتاب أو المعرفة، أم على الطريقة التي وُظِّفت فيها الكتابة؛ بمعنى أنها أمست جزءاً من مخطط الإنسان للهيمنة والسيطرة والإقصاء”. ومن ثمَّ يستطرد أبو شهاب بضرورة مساءلة وظيفة المعرفة،  في كونها لا يمكن توصيفها  بأنَّها خيرٌ مُطلق، بل تحتوي الشرَّ المُضمر أيضاً. ومن هنا، تلك المساءلة تشمل وظيفة الكتابة وتأثيرها، ومن ثُمَّ المُنتج لها، أي الكاتب، ومن ثمَّ الوسيط المباشر إلى إعلان نتاجه على الملأ، أي دار النشر.  على المستوى العربي، نلاحظ التزايد المضطرد لدور النشر، تتبع ذلك ظاهرةٌ ملفتةٌ للنظر، هي الانتشار اللافت لمعارض الكتب في الحواضر العربية، تتبنّاها مختلف المؤسسات الثقافية والإعلامية. وهي عموماً ظاهرةٌ حضاريَّةٌ تسهم في نشر الكتاب والترويج لقراءته، ومحاولة استقطاب أكبر عددٍ من الناس، ممن هم على مستوياتٍ ثقافيَّةٍ مختلفة، وتجعلهم على إطّلاعٍ  على ما تنشره دور النشر العريقة والجديدة، كذلك لأجل الفرجة وقضاء وقتٍ ممتعٍ مع البرامج الأدبيَّة والفنيَّة الموازية. ويمكن الاستدراك  بأنَّ نوعيَّة الكتب المُقتناة من قبل نسبةٍ كبيرةٍ من الجمهور العام، تنحصر في الكتب التجاريَّة الرخيصة الثمن، ذات النفس العاطفي والتوجِّه التعليمي، أمّا الكتب الرفيعة المحتوى، فهي ذات أسعارٍ باهظة الثمن، ويقتنيها القلّة من ذوي الاختصاص في معارف الأديان والفلسفات والفكر النقدي، فضلاً عن الكتب الإبداعيَّة الجادة. إذا الكتّاب والمبدعون المؤثِّرون، قرّاؤهم من النُّخبة، فضلاً عن مطبوعاتهم الغالية الثمن، لأنَّ دور النشر تضع في حسبانها ندرة الكتّاب والمبدعين المؤثِّرين،  بما معناهُ أنَّها تزن حساباتها جيَّداً لكل نوعٍ من الكتب الثمينة أو التجاريَّة.  كيف يتمُّ إحداث التأثير، إذا كانت سوق الكتاب الرائجة تنحصر غالباً على الروايات العاطفية وكتب الطبخ والكتب التعليميَّة، وفي هذا الصدد، قال الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه “لابُدَّ من وجود كاتبٍ رديءٍ باستمرار، وذلك لأنه يشبع ذوق الأجيال الشابَّة التي لم تتطوَّرْ بعد”. إذاً، ينحسر دور الكاتب المؤثِّر، بفعل الأميَّة الثقافيَّة لدى الجمهور العام، وشراهة نسبةٍ كبيرةٍ من  دور النشر في التكسُّب المادّي عبر الترويج لطبعات الكتب الرديئة، ناهيك عن ترويج بعضها للكتب ذات الأفكار السّامَّة التي تروّج لكراهية الآخر المختلف والتحريض على العنف. عدم امتلاك عشرات الملايين من العرب نسبةً لا بأسَ بها من الثقافة  الرفيعة  المؤثِّرة المحفِّزة لهم على حيازة القدرة على التغيير الإيجابي لأوضاعهم، وأوضاع بلدانهم  رُبَّما يُعَدُّ أحد أسباب  التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدى عديد الدول العربيَّة.  

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: دور النشر

إقرأ أيضاً:

لماذا يجب علينا قراءة الكتب الطويلة؟!

يلفت الكثير من الكتاب الكبار والنقاد حول العالم عن ضرورة امتلاك الصبر والنفس الطويل لقراءة الكتب الطويلة، من بينهم مؤخرا الكاتب والمترجم محمد الضبع في نشرته الأسبوعية "رسالة السبت" الذي اعترف أنه لم يقرأ رواية دوستويفسكي "الأخوة كارامزوف" وحاول لسنوات طويلة العودة إليها لقراءة مجلداتها الأربعة لكنه لم يستطع. وظل يتساءل ما الفائدة الخفية والكامنة التي لا تتحقق سوى بقراءة كل تلك المجلدات؟! وراح بعدها يسرد الفوائد الكامنة خلف قراءة مثل هذه الكتب، منها أنها تمدنا ببصيرة نفسيّة عميقة لا يمكن الحصول عليها من قراءة المقالات أو تصفح العناوين، وأن قراءتها تشبه إخراجنا لأفلام في مخيلتنا ولأنها تغيّرنا على مستويات عميقة، وتكشف لنا تعقيد الطبيعة البشرية.

سألنا مجموعة من القراء عن وجهة نظرهم في الأمر، وسألناهم لماذا علينا قراءة الكتب الطويلة/ الضخمة/السمينة/ ذات المجلدات؟

***********************************

نادي قراء الأعمال الضخمة

واحدة من الفوائد الظريفة التي جاء بها الكاتب العماني أحمد بن ناصر من قراءة الأعمال الضحمة هي أنها تمنح قارءها عضوية فخرية ضمنية في "نادي قراء الأعمال الضخمة" التخلي، واصفا ما وراء قراءة الكتب الطويلة بالفائدة السحرية التي لا تتجلى ظاهريًا ولكنها تضفي على الإنسان القارئ للأعمال الضخمة شيئًا من الفرادة في حالات معينة، وقال: "في مبحثك هذا سأفترض أن توصلك إلى قراء لهم تجارب في قراءة الأعمال الضخمة كان أصعب من محاولة توصلك إلى قراء ليس لديهم التجارب ذاتها، أو دعيني أضع الفكرة في سؤال: كم عدد الذين تعرفينهم تجرأوا مثلًا على قراءة سباعية "بحثًا عن الزمن المفقود"؟ عندما قررت خوض تجربة قراءة "بحثًا عن الزمن المفقود" -ولا زلت في خضم التجربة- كانت واحدة من الأسباب قد نبعت من فكرة إبداء الإحترام لجهد مارسيل بروست أن أحاول قراءة عمله هذا وكذلك احترامًا لجهد المترجم إلياس بديوي. أقول في أهمية "قراءة الكتب الطويلة/ الضخمة/السمينة/ ذات المجلدات" التالي: ١- تنمي لدى الإنسان ملكة الصبر في القراءة ٢- تمنح الإنسان المتمم لقراءة عمل ضخم شعورًا بالرضى الذاتي وتزيد تدريجيًا من جرأته الإيجابية في قراءة أعمال أضخم وأكثر تعقيدًا (مثلًا من تجربتي، بدأت بـــــ: ذهب مع الريح / ثلاثية القاهرة / خماسية مدن الملح / شرقي عدن إلى محاولة قراءة سباعية "بحثًا عن الزمن المفقود")، ٣) أنها كتب مؤسسة بغض النظر عن فترة قراءتها سواء في بدايات مشوار الإنسان في القراءة أو بعد سنين من خوضه مشوار القراءة، ذلك أن فكرة أنها كتب مؤسسة إنما تنبع في كثير أحيان أنه يشار إليها في أعمال أدبية أخرى أو يمكن القول إن أعمالًا أدبية انبثقت من فكرة/أفكار هذه الأعمال الضخمة (مثال: ألف ليلة وليلة، حيث يراهن البعض أن الكثير من الروايات والقصص العالمية إنما أُخذت من قصص ألف ليلة وليلة ويصل أحيانًا إلى حد الانتحال كما هو الجدل في رواية "الخيميائي" لـ باولو كويلو التي هي في أصلها قصة من قصص ألف ليلة وليلة). كما أن كثيرا من البحوث والدراسات الأكاديمية والدراسات النقدية تناولت هذه الأعمال الضخمة، وبالتالي لن يكون من العملي قراءتها للمهتم دون قراءة هذه الأعمال في المقام الأول. ٤- تمنح قارءها عضوية فخرية ضمنية في "نادي قراء الأعمال الضخمة" وهو نادٍ تخيلي عابر للقارات وليس من شروط في الانضمام إليه سوى قراءة هذه الأعمال الضخمة. ٥- تكمن أهميتها في أن بعضها يعدّ وثيقة تاريخية بقالب أدبي كما هو الحال مع خماسية "مدن الملح" وبعضها يعدّ وثيقة معمارية كما هو الحال في "عوليس" وأخرى كوثيقة أخلاقية/إجتماعية ك "ذهب مع الريح". ٦- أخيرًا، تكمن أهميتها في محاولة التقرب من معجزة العقل الإنساني الذي أبدع في إنجاز هكذا أعمال ضخمة".

البقاء في عالمها فترة أطول!

تقول شيماء الوكيل من مصر: إن قراءة الكتب الطويلة تنتزعها من عالمها لتلقي بها في عالم الكاتب وعلى مدار الصفحات تشعر بعقلها وفكرها وهو ينضج وينفتح على آراء جديدة وتخرج في النهاية بعد اكتشاف جوانب جديدة بداخلها لم تضع عليها يدها من قبل.

وتضيف: "بصراحة لا أحب القراءة من أجل التسلية فقط، ولكن لفضول المعرفة واكتشاف عقليات وشخصيات جديدة، من أجل ذلك أحب قراءة الروايات والكتب التي أعرف مسبقا أني سأستفيد منها سواءا بمعلومات تاريخية أو نفسية أوفلسفية، وربما هذا هو سبب حبي للكتب الطويلة وخاصة ذات المجلدات لأن طولها هذا يسمح لي بالبقاء في نفس العالم مدة أطول".

حياة بالغة الإثارة

يقول الكاتب والقاص ناصر صالح: "المولعون بعالم الأدب يجدون في هذه المجلدات الضخمة حياة بالغة الإثارة، والمتعة، وغالباً ما يتشوقون لإعادة قراءة تلك المجلدات الضخمة للمرة الثانية والثالثة!

أتذكر عندما قرأت ألف ليلة وليلة لأول مرة، وكنت حينها في المرحلة الثانوية، اكتشفت أن آخر 100 صفحة من المجلد الرابع مفقودة. يومها جن جنوني ولم يهدأ لي بال حتى حصلت على نسخة جديدة، فواصلت بلهفة قراءة الصفحات المفقودة، بل وأعدت قراءة المجلدات الأربعة للمرة الثانية، وقبل سنوات أعدت قراءة مجلدات ألف ليلة وليلة للمرة الثالثة".

وأضاف: "هذه المتعة في الأسفار الضخمة وجدتها في رواية "البؤساء" لفكتور هوغو بطبعتها القديمة ذات الخمسة مجلدات، والتي أعدت قبل سنوات قراءتها للمرة الثانية. كذلك رواية "الأخوة كارامازوف" لدستويفسكي بمجلداتها الأربعة الضخمة التي قرأتها محبةً ثلاث مرات، وأتمنى أن أقرأها للمرة الرابعة. أما رواية "الحرب والسلام" بمجلداتها الأربعة الضخمة فأتمنى أن تتاح لي الفرصة لإعادة قراءتها للمرة الثانية، فجمال الأعمال الأدبية العظيمة لا ينفد! كثيراً ما يساء فهم الكتب الأدبية بالسؤال عن جدوى قراءتها؛ وذلك نتيجة عدم التمييز بين المعرفة العلمية ذات المنفعة العملية المباشرة، والمعرفة الأدبية ذات الطبيعة الوجدانية التي لا يمكن تحديد منفعتها العملية المباشرة، ولكن يمكن استبصار جدواها النفسية، والفكرية من خلال الأثر الجمالي، والشعوري الذي تركه الكتاب الأدبي في داخلنا، ومقدرا ما أحدثه فينا من تغيير في الفكر والبصيرة".

استعادة لفلسفة البطء

تقول العمانية عائشة سليمان: "بِصفتي قارئة مُحبة لقراءة الكتب الضخمة والمجلدات، فإن رأيي يتمثّلُ *في الغاية الفردية القرائية للقارئ.* فالقرّاء وإن كانوا يمارسون فعل القراءة إلا أن الفعل ذاته يختلفُ من قارئ إلى آخر. فأنا إذ أقرأ الأخوة كارامازوف مثلا، أو الجريمة والعقاب، أو البحث عن الزمن المفقود لبروست، وغيرها من كتب الأدب خاصة، أعودُ إلى الجذر التشكيلي للأدب، فأتتبّعُ ذاكرة سردية بشريّة، تحكي مصائر الجنس البشري، ولن تتحقق غاية فهم القارئ لتاريخ مصائر الجنس البشري دون العودة إلى قراءة المجلدات، التي قد يسأم قارؤها لضخامة حجم الكتاب في زمن الحاجة إلى السرعة، والقبض على الفكرة والمعلومة في دقائق معدودة. كما وأنني أرى أن العودة إلى قراءة الكتب الضخمة ما هو إلا استعادة لفلسفةِ البطء في الزمن المتسارع؛ كأن تنفرد مع كتاب ضخمٍ في غرفتك، فتتورط مع شخوصهِ، عائدا بالزمن إلى حيث التفاصيل، منفصلا عن واقعك. فالكتب الضخمة وأخص الكلاسيكيات وما تقادم عليه الزمن -إذ قلّما لكاتبٍ عصري أن يكتب مجلدات ضخمة- تُساعدنا على فهمِ ذواتنا وتشكّلاتنا الزمنية، في سردٍ إبداعي. وإن كان فعل القراءة في أصلهِ، محض فعل ترويحي للنفس، ورفاهية روتينية، إلا أنني أعدّه ممارسة إبداعية لاستخلاص غاية ما، ودراسة التاريخ البشري".

لا خوف من الضخامة

قالت إسراء ادلبي: إن البشر كائنات فضولية جدا وإن فئة كبيرة من الناس تحب التفاصيل من باب الفضول وأحيانا من باب الحصول على الصورة الكاملة. وأضافت: "كوننا قراء يعني أننا نعتمد على خيالنا في تصور المشاهد، فحين نرى رواية طويلة فهذا يعني أنها مليئة بالتفاصيل التي ستوضح لعقلنا المشهد كاملا ليتكون داخله كالفيلم وأيضا الفضول لمعرفة كل القصة، لكن في الوقت نفسه ليس شرطا أن تكون الرواية الكبيرة محشوة بالتفاصيل فقط، فأحيانا تكون محشوة بأحداث أكثر، وأرى بحسب قراءتي لبعض الروايات الطويلة، لاحظت أن كتّاب الروايات الطويلة لديهم خيال أوسع وإبداع أكثر يتيح لهم تأليف أحداث كثيرة والإبداع بطريقة خلق الأحداث وإنشاء حبكة قوية تشد القارئ بشكل لا إرادي. في رواية عداء الطائرة الورقية مثلا اعتقدت للوهلة الأولى أنها مليئة بتفاصيل لا معنى لها إلى أن خضت المغامرة داخلها ووجدتني قد أنهيتها بوقت قصير، فالذي يكتب رواية كبيرة مدرك لصعوبة المهمة وهو غالبا مؤهل لهذه الصعوبة على عكس كتّاب الروايات الصغيرة والقصص القصيرة...من وجهة نظري، بالإضافة إلى ذلك أرى أن الكتب الطويلة تحتوي على معلومات أكثر قد تفيد وتمتع القارئ لذا فالروايات الطويلة مهمة ومفيدة لكل قارئ ولا يجب الخوف من ضخامتها".

خالدة في الذاكرة

تقول مياسة الحارثية التي ترى أن لا قوانين تحدد ما علينا قراءته: "عندما يبدأ الإنسان يقرأ منذ طفولته ثم في مرحلة لاحقة في فترة المراهقة ثم أثناء الدراسة الجامعية، يكون في مراحل وعي مختلفة، وغالبا يقرأ ما تقع عليه يداه، دون عملية اختيار دقيقة، ثم تتشكل ذائقته القرائية فيلاحق الكتب التي تعجبه ويجد فيها نفسه. بالنسبة لي لم أقرأ الإخوة كارامازوف، قرأت لدوستويفيسكي في مرحلة متقدمة من عمري الأبله والإنسان الصرصار. لكني كبرت ونشأت في المقابل على كتب ماركيز وهمنجواي ومؤلفات نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرها من الكتب التي تمأسست عليها وكونت من خلالها خطّا لما تابعت قراءته بعد ذلك".

وأضافت: "اقتنيت منذ سنوات، البحث عن الزمن المفقود وأصدقك القول بأني لم أستطع قراءتها، وفي مكان صغير داخلي حيث نترك النوايا والخطط والأحلام، وضعت خطة قراءة مستقبلية لها. هل تعود علينا قراءة هذه المجلدات الضخمة بفائدة محددة؟ وهل عدم قراءتها يعني أن هناك نقصا ما علينا ملؤه أو تداركه! وهل قراءتها أساسا، يعدّ ركيزة أساسية لأي قارئ أو كاتب! في رأيي لا توجد أي قوانين تحدد للإنسان إن كان عليه قراءة مائة عام من العزلة أو الجريمة والعقاب أو الحب في زمن الكوليرا، أو الشيخ والبحر، لكن لا شكّ أن أعمالا عظيمة كهذه ستظلّ تلاحقك سواء قراءتها أم لا؛ إن كنت قد قرأتها فعلا فستعيش معك للأبد وستخلد في ذاكرتك وستتذكر تلك المتعة واللذة في تتبع أحداث منسوجة بلغة أصيلة لا تتكرر كثيرا، وإن لم تقرأها سيرافقك هاجس قراءتها. لن يحكم عليك أحد لأنك لم تقرأ الإخوة كارامازوف، ولن يؤثر ذلك سلبا على مجرى حياتك، لكن قراءة الكتب الأصيلة وليس شرطا "السمينة"، ستضيف الأصالة بدورها للغتك ومخيّلتك ونظرتك للأدب عموما".

مقالات مشابهة

  • التعريف بأهمية الفعاليات الثقافية ضمن برنامج "حوار المعرفة"
  • حياته كلها مع الكتب
  • مركز أبوظبي للغة العربية يصدر «تاريخ الكتابة»
  • السعد: نأمل أن تكون الدماء التي سقطت اليوم مدخلا لتمتين الوحدة الوطنية
  • لماذا يجب علينا قراءة الكتب الطويلة؟!
  • "أبوظبي للغة العربية" يصدر "تاريخ الكتابة"
  • لا يشبه ذوقان عبيدات أحدًا في الكتابة
  • محمد الشرقي: القراءة تنمي العقول وتوسع آفاق المعرفة
  • بعد القرارات الجديدة لـ «التربية والتعليم».. أصحاب ‏المكتبات: الإقبال ضعيف على الكتب الخارجية والخاسر دور ‏النشر
  • أهل مصر .. أسس الكتابة والأداء المسرحي بورش ملتقى أطفال المحافظات الحدودية