بين الضغط الأوروبي والتخبط الداخلي.. ما تحديات خطة لبنان لإعادة اللاجئين السوريين لبلادهم؟
تاريخ النشر: 22nd, July 2023 GMT
بيروت- يتفاقم تخبّط لبنان في إدارة ملف عودة اللاجئين السوريين لبلدهم بعد تنحي وزير الخارجية والمغتربين بحكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، عن رئاسة وفد وزاري كان مقررا أن يزور دمشق للبحث بخطة الحكومة التي تحمل عنوان "الترحيل الآمن".
وعلى مدار عام من مساعي حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، لعقد لجان ووضع خطط اصطدمت بالخلافات السياسية والحكومية، يستعر السجال الآن بين جبهتين:
واحدة، يصر أصحابها على ضرورة ترحيل السوريين كأحد مسارات خروج لبنان من أزماته، وللحفاظ على توازنه الديمغرافي والاجتماعي، وتدعو لعدم الانصياع لضغوط القوى الغربية الرافضة لعودتهم.وأخرى، يعتبر أصحابها أن شروط العودة الآمنة غير محققة بسوريا، وأن لبنان الذي يعاني من الشغور الرئاسي والشلل المؤسساتي غير قادر على إدارة ملف بهذا الحجم من دون موافقة ورعاية أممية.
وتضاعف تعقيد الوضع مع موجة الردود المستنكرة لقرار البرلمان الأوروبي الصادر في 16 بندا بشأن الوضع اللبناني وجهت اللوم للطبقة السياسية. ورغم عدم إلزامية القرار للبنان، ورد في البند 13 ما اعتبرته قوى لبنانية دعما لبقاء اللاجئين، وينص على أن شروط العودة الآمنة غير محققة، داعيا لبنان إلى الانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة للاجئين 1951.
ويوم الأربعاء، وجّه وزير الخارجية اللبناني رسالة لنائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل، شجب فيها القرار الأوروبي، وقال إن اللجوء السوري "يهدد استمرار وجود لبنان ككيان".
الدولة اللبنانية تقول إن خطة إعادة السوريين إلى بلدهم تهدف لتخفيف الأزمة الاقتصادية عن كاهلها (الجزيرة) مطبات "الترحيل الآمن"قبل نحو شهر، كلف ميقاتي، وزير الخارجية برئاسة وفد رسمي يتألف من 6 وزراء ومندوبين عن مديرية الأمن العام ومجلس الدفاع الأعلى، بالتواصل مع دمشق لتحديد موعد زيارة رسمية للبحث بخطة إعادة اللاجئين، واستبدل عنوان "العودة الطوعية" بـ"الترحيل الآمن".
وربط محللون التطور بمساعي لبنانية لتطبيع العلاقة السياسية مع دمشق من بوابة اللاجئين، تماشيا مع الانفتاح العربي على رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وبعد نحو أسبوعين، زار وزير المهجرين عصام شرف الدين دمشق تحضيرا لزيارة الوفد اللبناني، وقال إن سوريا وافقت على عودة 180 ألف لاجئ بكل دفعة، و"جرى تجهيز أكثر من 480 مركز إيواء لتنفيذ الخطة".
وتركزت مباحثاته بدمشق على:
ملف مكتومي القيد السوريين وحديثي الولادة بلبنان. ملف المطلوبين للخدمة العسكرية. ملف المساجين السوريين وسبل نقلهم لاستكمال محكوميتهم ببلادهم. سبل تشكيل لجنة ثلاثية تتابع الخطة تضم الحكومتين إلى جانب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين السوريين.وهنا، يعقب شرف الدين للجزيرة نت "بعد شهر ونصف من مساعي تنفيذ الخطة، فاجأنا وزير الخارجية بالتنحي، مما يعني الرجوع للوراء. والاثنين المقبل سنطالب ميقاتي باجتماع الحكومة لتعيين رئيس جديد للوفد الرسمي".
يصرّ شرف الدين على أن الأمن مستتب بسوريا، وأن الأمن الاقتصادي للسوريين ببلدهم مسؤولية الجهات الدولية. ويضيف "نواجه تحديات غربية لإفشال خطتنا وتهديدات بالعقوبات"، مردفا بأن "القرار الأوروبي جائر بحق لبنان، ويتعاطى معه كمستعمرة انتدابية"، محملا القوى الغربية مسؤولية عدم تسهيل تشكيل لجنة ثلاثية مع المفوضية.
من جانبه، يرى خبير السياسات العامة زياد الصائغ، في تعليقه على تنحي وزير الخارجية عن مهمته، أن "الدبلوماسية اللبنانية غائبة عن أداء دورها الواجب تجاه تداعيات أزمة النزوح السوري، وتعتمد الارتجال والديماغوجيا".
ويعتبر الصائغ، في حديث للجزيرة نت، أن الرأي العام لم يفهم حتى الساعة مضمون خطة الحكومة كاملا، ويصف إدارتها للملف بغير الواضحة، مما "يعرقل عودة اللاجئين".
ويرى الصائغ ألا جديد بموقف البرلمان الأوروبي لربط العودة بتوفر الشروط الطوعية والآمنة، "لكن عدم معالجة الأزمة بالضغط على معرقلي العودة من قوى الأمر الواقع بسوريا ستكون نتائجه كارثية على لبنان وأوروبا".
ويجد الخبير أن مفوضية اللاجئين مقصرة بتعاطيها مع سياسة العودة، مقابل عدم حماس النظام السوري لعودتهم، و"يترجمها بتفريغ مناطق سورية عديدة من سكانها".
ويدعو الصائغ لضرورة وضع قضية النازحين في صلب المسار الدبلوماسي السياسي الدولي (بجنيف)، وإدراج الملف على جدول أعمال لجنة الاتصال العربي الخماسية، و"فهم طبيعة التبدل الجيوديمغرافي القائم بسوريا لطموحات مشبوهة".
مخاوف وعقبات
يرى مراقبون أن ثمة استحالة في تنفيذ لبنان لخطة متعلقة بعودة اللاجئين بمباحثات ثنائية بلا رعاية أممية لوجستيا وماديا، ولأن المفوضية ليست جزءا منها، وفي ظل العقوبات على سوريا، وقبل الشروع بإعادة الإعمار.
وهنا، يعبّر الناشط السوري بلبنان خضر حسين عن مخاوف تجعل السوريين غير متجاوبين مع طروحات عودتهم. ويقول للجزيرة نت، إن التحدي الأبرز يتجسد بعقبات تجديد الإقامات، فـ"السوريون الذين دخلوا لبنان بطريقة شرعية حين يذهبون لتجديد إقامتهم يصدر قرار بترحيل شريحة واسعة منهم، ليس قسرا، بل بتبليغهم بضرورة مغادرة لبنان بغضون أيام، مما يجعل بقاءهم غير شرعي ويقيّد حركتهم، لأن بلديات عدة لا تسمح بعمل السوريين بلا إقامات قانونية".
ومن خلال معاينته الميدانية، يلخص حسين مخاوف العودة بالآتي:
استحالة العيش والوصول لأبسط الخدمات بسوريا، ولأن معظم اللاجئين بلبنان ينحدرون من مناطق مدمرة. عدم إبداء النظام نية لإلغاء الخدمة العسكرية للعائدين. القلق من آلية التسويات القانونية والأمنية وعدم توفير ضمانات كافية حول سلامة العائدين. مصاعب استرجاع العائدين لمنازلهم بفعل تدميرها أو الاستيلاء عليها أو وجود مشاكل قانونية حول ملكيتها. لبنان يستضيف -حسب تقديرات الحكومة- 1.5 مليون لاجئ سوري، وتقول مفوضية الأمم المتحدة إن الأزمة الاقتصادية ضاعفت معاناتهم (الأناضول) موقف المفوضيةيدخل آلاف السوريين لبنان عبر عشرات المعابر غير النظامية على طول الحدود ومن خلال قرى متداخلة جغرافيا. وقدّر الأمن العام اللبناني عدد السوريين بمليونين و80 ألفا، معظمهم لا يملك أوراقا نظامية، ويقيمون في نحو 3100 مخيم عشوائي.
وبحسب تقديرات الحكومة، يستضيف لبنان 1.5 مليون لاجئ سوري، بينهم 795 ألفا و322 مسجلين لدى المفوضية.
وتقول المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين بلبنان دلال حرب، إن الأزمة الاقتصادية التي أفقدت الليرة اللبنانية نحو 95% من قيمتها، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات بنحو 700%، ضاعفت معاناة اللاجئين، وأصبح 90% منهم بحاجة لمساعدات إنسانية.
وحول خطة العودة التي تطرحها لبنان، توضح حرب أن المفوضية تحترم حق اللاجئين بالعودة بحرية وطوعية، و"يعبر غالبية اللاجئين للأمم المتحدة عن نيّتهم العودة ولكن السؤال هو متى؟".
وتضيف "نية اللاجئين بالعودة مرتبطة بالوضع داخل سوريا، وهم قلقون بشأن عوامل عدة تؤثر على قرارهم كالسلامة والأمن والسكن والمعيشة".
وتقول حرب إن المفوضية تواصل العمل مع الجهات الفاعلة لإيجاد حلول طويلة الأجل، "كإعادة توطين اللاجئين ببلدان ثالثة والعودة الطوعية لسوريا". كما أن "الحفاظ على مكان مناسب للجوء والحماية بالبلدان المضيفة أمر حيوي".
وتؤكد أن المفوضية تعمل مع شركائها، بما فيها الحكومة السورية والدول المضيفة، لمعالجة مخاوف اللاجئين لعودتهم بأعداد كبيرة، و"تناشد المجتمع الدولي لعدم تقليص الدعم المقدم للبنان".
ويتساءل مراقبون عما إذا كانت الحكومة اللبنانية تصر على مطلب الحصول على قاعدة بيانات اللاجئين من المفوضية لاستخدامها لاحقا بعمليات الترحيل. وعن مصير معلومات اللاجئين، تقول حرب إن المفوضية والسلطات اللبنانية تجريان مناقشات بناءة، وتشمل مسألة تبادل قاعدة البيانات بما يتماشى والمبادئ الدولية التي تحكم مشاركة البيانات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: وزیر الخارجیة
إقرأ أيضاً:
بعد فوز ترامب... ماذا ينتظر لبنان وفلسطين وإيران؟
ذكر موقع "سكاي نيوز" أنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تنتظره العديد من الملفات التي تستوجب حلاً في المنطقة، لا سيما في ظل الصراع المتصاعد في كل من غزة ولبنان.
ويُعتبر ترامب بشكل عام داعما قويا لإسرائيل، وخلال فترة رئاسته السابقة، نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو ما أثار غضب الفلسطينيين، لكنه انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصراحة وقال إن إسرائيل عليها "إنهاء مهمة" الحرب بسرعة.
ورغم أن ترامب في كل أحاديثه يُحاول إظهار قدر حبه الكبير لإسرائيل، فإنه أيضا يدلي بتصريحات تنتقد اليهود إلى درجة أن البعض اتهمه بمعاداة السامية.
وتعهّد ترامب مرارا بالعمل من كثب مع القيادة الإسرائيلية إذا ما فاز بالانتخابات الرئاسية. وخلال زيارته للكونغرس الأميركي في نهاية تموز، وجّه نتنياهو تحية حارة جدا إلى ترامب، وشكره على "كلّ ما فعله من أجل إسرائيل".
أما فيما يخص لبنان، فقد صرح ترامب قبل 3 أيام فقط من الانتخابات الرئاسية أن الوقت حان لإنهاء الصراع اللبناني - الإسرائيلي.
وأضاف ترامب "أعرف الكثيرين من لبنان وعلينا إنهاء هذا الأمر برمته".
وقبلها بأيام، قال ترامب في تغريدة على منصة "إكس": "خلال فترة إدارتي كان هناك سلام في الشرق الأوسط، وسوف ننعم بالسلام مرة أخرى قريبا جدا! سأصلح المشاكل التي تسبب فيها كامالا هاريس وجو بايدن، وأوقف المعاناة والدمار في لبنان".
وأضاف: "أريد أن أرى الشرق الأوسط يعود إلى السلام الحقيقي. السلام الدائم. وسننجز ذلك بشكل صحيح حتى لا يتكرر كل 5 أو 10 سنوات. سأحافظ على الشراكة المتساوية بين كافة المجتمعات اللبنانية".
وفي ما يتعلق بإيران، أوضح ترامب أنه سيعود إلى سياسة الضغط الأقصى على إيران، ربما للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران أو لتقييد إيران أكثر.
وقد قاد إدارته عندما كان رئيسا إلى الإنسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة أيضا باسم الاتفاق النووي الإيراني.
وأكد ترامب أن هذا النهج وضع ضغوطا اقتصادية على إيران وقلل من قدرتها على تمويل الفصائل المسلحة التي تعمل بالوكالة عنها.
وأشار مستشاروه أيضا إلى أنهم سيمددون حملة الضغط القصوى ويوفرون الدعم الكامل للمعارضة الإيرانية والنشطاء.
ومع ذلك، من دون أهداف واضحة أو استعداد للتفاوض مع طهران لاحتواء المزيد من التطورات النووية، قد تكون النتيجة جولة جديدة من عدم الاستقرار. (سكاي نيوز)