تسلط الأنقاض وقضبان المعدن الملتوية في مخبز كامل عجور المدمَّر بقطاع غزة الضوء على أحد الأسباب التي تدفع الناس الذين يتضورون جوعا في شمال القطاع إلى أكل أوراق الصبار السميكة بعد ما يقرب من 5 أشهر من الحملة العسكرية الإسرائيلية.

وسيكون الخبز عنصرا حيويا في أي جهد لتخفيف حدة الجوع، إذ يعاني واحد من بين كل 6 أطفال في شمال غزة من سوء التغذية، لكن معظم المخابز تحولت إلى أنقاض وحطام بسبب القصف الإسرائيلي، فيما أصبحت مساعدات الطحين (الدقيق) شديدة الندرة.

وقال عجور: "عندنا 5 مخابز. المخبز هذا انقصف بس في مخابز تانية اتضررت. وفي عندنا 3 مخابز ممكن نشغلهم ويصير فيهم شغل"، وذلك في مقطع فيديو حصلت رويترز عليه في مخيم جباليا للاجئين في مدينة غزة شمال القطاع.

وأخرجت رافعة معدات من تحت الأنقاض كان عجور يأمل في إنقاذها. وفي الداخل، تكدست الصواني المعدنية والأفران في حالة سيئة وسط الحطام.

ومن شأن اقتراح الهدنة الإسرائيلي الذي تدرسه حركة حماس الآن أن يسمح باستيراد معدات المخابز والوقود لتشغيل الأفران.

وقال باسل خير الدين في مدينة غزة: "أهم حاجة يتم وقف إطلاق النار وإعادة تشغيل المخابز تحديدا حتى لأن نلاقي لنا لقمة ناكلها إحنا وولادنا وأحبابنا وأهلنا".

ومع دمار المخابز أو عدم قدرتها على العمل بسبب نقص الوقود، يضطر الناس إلى صنع الخبز بأنفسهم على النيران التي يشعلونها بالخشب المستخرج من المباني المدمرة.

وغالبا ما يكون من المستحيل العثور على الدقيق، ولو على النزر اليسير منه، أو يكون باهظ الثمن عند توفره. ويصنع الناس الخبز من علف الحيوانات والحبوب التي تستخدم لتغذية الطيور. ويقول معظمهم إنهم لا يستطيعون تناول الطعام إلا مرة واحدة في اليوم على الأكثر.

وتجلس عائلة العوضية بجوار منزل لا يزال سليما في جباليا، وقد اعتادت على تناول أوراق صبار التين الشوكي لسد رمقها.

ومع أن ثمار صبار التين الشوكي تؤكل بشكل شائع في جميع أنحاء منطقة البحر المتوسط، فإن الأوراق السميكة المتعرجة لا تأكلها إلا الحيوانات فقط مهروسة في أعلافها.

وجلس مروان العوضية على كرسي متحرك وهو ينزع الأشواك ويقطّع قطع الصبار لنفسه ولطفلين صغيرين في مقطع فيديو حصلت عليه رويترز.

وقال: "نحن نعيش في مجاعة. استنفدنا كل شيء. لم يتبق شيء لنأكله"، مضيفا أنه فقد 30 كيلوغراما من وزنه بسبب الجوع خلال الصراع.

إمدادات المساعدات

مع تدفق المساعدات إلى الأجزاء الجنوبية من القطاع، على الرغم من تدفقها ببطء شديد لا يمكن معه تجنب أزمة الجوع هناك، فإنها لا تكاد تصل إلى المناطق الشمالية البعيدة عن المعبر الحدودي الرئيسي ولا يمكن توصيلها إلا عبر جبهات القتال الأكثر نشاطا. قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن ربع سكان غزة على بعد خطوة واحدة من المجاعة، محذرا من أن مثل هذه الكارثة ستكون "شبه حتمية" إذا لم يحدث تحرك. أبلغ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مجلس الأمن أن وكالات الإغاثة تواجه "عقبات هائلة"، بما في ذلك القيود المفروضة على الحركة وإغلاق المعابر ومنع الدخول وإجراءات التدقيق المرهقة. قالت إسرائيل إن الفشل في إدخال مساعدات كافية إلى غزة لتلبية الاحتياجات الإنسانية يرجع إلى فشل الأمم المتحدة في التوزيع. اتسمت العمليات النادرة لتسليم المساعدات إلى شمال غزة بالفوضى، إذ تتجمهر حشود من الأشخاص البائسين حول قوافل الشاحنات لدى وصولها في معظم الأحيان.

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات القصف الإسرائيلي مخيم جباليا الهدنة الإسرائيلي التين الشوكي منطقة البحر المتوسط قطاع غزة قصف قطاع غزة أزمة قطاع غزة سكان قطاع غزة حصار قطاع غزة الجوع القصف الإسرائيلي مخيم جباليا الهدنة الإسرائيلي التين الشوكي منطقة البحر المتوسط أخبار فلسطين

إقرأ أيضاً:

الحرب في السودان: سياسات توطين الجوع وتوريث الفقر

بروفيسور حسن بشير محمد نور
في الاسبوع الاخير من شهر ديسمبر 2024، أصدرت منظمة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) تقريرًا يشير (إلى انتشار المجاعة في خمس مناطق على الأقل في السودان، مع توقع توسعها إلى خمس مناطق أخرى بين ديسمبر 2024 ومايو 2025. أفاد التقرير بأن حوالي 24.6 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، مما يعكس تعمقًا غير مسبوق لأزمة الغذاء والتغذية في البلاد). هذا العدد من السكان يقع ضمن تصنيفات متعددة لمستويات سؤ التغذية والجوع وصولا الي المجاعة التامة، حسب المعايير الدولية للاحتياجات الغذائية التي تبقي الانسان علي قيد الحياة، او التي تمكنه من تناول كميات الغذاء الضروري لممارسة حياته الطبيعية ونشاطه الاقتصادي.
وللعلم ومزيد من التوضيح لما هو واضح، فان منظمة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي هي (IPC (Integrated Food Security Phase Classification) هي الية او أداة أو نظام عالمي يُستخدم لتصنيف وتحليل مستوى انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في مناطق معينة، تم وضعه من قبل منظمات دولية متخصصة في الامن الغذائي وبالتحديد منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الغذاء العالمي (WFP) وعدة جهات أخرى، بهدف توفير تقييم موحّد ومشترك لحالة الأمن الغذائي. يهدف ذلك النظام الي توحيد المعايير والتصنيف لانعدام الامن الغذائي وسؤ التغذية، مساعدة الحكومات والمنظمات الإنسانية في اتخاذ قرارات موثوقة حول الاستجابات للأزمات الغذائية ودعم التخطيط طويل الأمد لتحسين الأمن الغذائي وتقليل مخاطر الكوارث.
اذن ما هي مصلحة هذا النظام العالمي المتخصص الذي لم يتم تصميمه للسودان في التجني علي هذه الدولة او تلك؟ فهو نظام عالمي ممول دوليا ويحق للشعب السوداني الاستفادة منه بحكم عضوية بلده في الامم المتحدة وبالتالي الاستفادة من التخصيص الدولي في تلك المجالات موضوع الاختصاص؟ في هذه الحالة فان انسحاب حكومة الامر الواقع من ذلك النظام ورفض تصنيفه المتخصص المتقن ينطبق عليه المثل السوداني القائل: ((جو (جاءوا) اساعدوه في دفن ابوه دس المحافير)، الا انه من الواضح ان المواطن ليس أب ولا أم لهؤلأ الناس وليس اخا او اختا او ابنة او ابنا لهم، وانما مجرد متاع للاستخدام وموضوع للجباية والحصول علي الامتيازات والحوافز. المجاعة في السودان تري بالعين المجردة، في اكل الناس للحشرات واوراق الاشجار وفي الهزال والموت، فالجوع (الكافر)، لا يحتاج حتي لتقارير دولية او مسوحات فهو ينتشر الان بشكل فاضح.
مع ذلك فان تاريخ الجوع والمجاعات في السودان ليس جديدا، وانما الجديد هو ما اضافته الحرب من كوارث. فبالرغم من الموارد الزراعية الهائلة التي يمتلكها السودان، بما في ذلك الأراضي الخصبة والمياه الوفيرة من النيل والانهار والأمطار الموسمية والمياه الجوفية، التي توفر وسائل ري متعددة طول العام، إلا أن البلاد تعاني من تاريخ طويل من الجوع والمجاعات. هذه بالطبع مفارقة تعكس الاخقاقات الهيكلية في السياسات الاقتصادية والزراعية التي لم تُوجَّه لدعم التنمية الريفية أو محاربة الفقر.
شهد السودان مجاعات متكررة منذ عهد الثورة المهدية، خاصة تحت حكم الخليفة عبد الله التعايشي وهو ما عرف بمجاعة سنة ستة، في نهاية القرن التاسع عشر قبل دخول المستعمر الانجليزي للسودان في العام 1898م، وللمفارقة ان العهد الاستعماري رغم استغلاله الاستعماري كان ارحم من حيث المجاعات ومستويات الجوع لادارته المنضبطة ولعدم وجود الفساد علي المستوي الشخصي للحكام والاداريين، كما هو شائع اليوم، وهي مفارقة تستحق التأمل. خلال القرن العشرين كانت أبرز مجاعة هي التي حدثت في 1984/1985 في عهد ديكتاتورية نميري والناتجة عن الجفاف وانعدام خطط استجابة حكومية فعالة. وقد ساهمت الصراعات الأهلية والتوترات السياسية في تعميق الأزمة، حيث تركّزت الجهود الحكومية في سياسات تنموية حضرية ممركزة دون إعطاء الأولوية للريف، حيث يعمل معظم السكان في الزراعة والرعي خاصة في القطاع المطري التقليدي.
مع اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تفاقمت الأزمة الغذائية بشكل كارثي، وتأثرت المناطق الزراعية الكبيرة، لا سيما في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، بشكل مباشر بسبب توقف الإنتاج الزراعي في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وارتفاع تكاليف الإنتاج وانعدام التمويل الزراعي في مناطق سيطرة الجيش. وتشمل العوامل الرئيسية:
- تعطيل الإنتاج الزراعي الذي شمل الأضرار ودمار البنية التحتية الزراعية ونهب المعدات وتدمير وسائل الري، كما حدث في مشروع الجزيرة مما جعل العودة للإنتاج أمرا صعبا او غير مجدي.
- ارتفاع تكاليف الإنتاج، اذ أدت الحرب إلى نقص حاد في مدخلات الزراعة مثل البذور والأسمدة والوقود، وارتفاع أسعارها بسبب تعطل الإمدادات.
- عزل المناطق المحتاجة للاغتثة نتيجة لمنع أطراف الحرب المنظمات الإنسانية من الوصول للمناطق الأكثر احتياجًا بما فيها بعض معسكرات اللاجئين، مما زاد من معاناة السكان.
اضافة لما اوردته منظمة التصنيف المرحلي المتكامل IPC)) فان مؤشر الجوع العالمي (Global Hunger Index)، يضع السودان في المرحلة الحمراء باحتلاله مراكز متأخرة جدا تجعله ضمن الدول ذات الوضع "الحرج للغاية". كما تُظهر الإحصاءات الصادرة عن جهات وطنية ودولية متعددة منها نقابات ومنظمات مجتمع مدني، الي أن نسبة كبيرة من السكان تعاني من نقص التغذية، مع ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال بسبب سوء التغذية الحاد، مما يؤكد ان التصنيف ليس احادي الجانب وليس عملا متحيزا، ولماذا يتحيز من يريد تقديم الغذاء بشكل مكشوف وعبر نظام دولي؟.
نصل الي ان المنظمات الدولية مثل برنامج الغذاء العالمي ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى تسعي الي تقديم المساعدات الطارئة، لكنها تواجه تحديات لوجستية وأمنية كبيرة. تقتصر هذه المساعدات غالبًا على مناطق محدودة، مما يترك ملايين السكان دون دعم كافٍ، لذلك كان القبول بتصنيف الية ( IPC) من الممكن ان يوسع الاستجابة للحاجات الانسانية للغذاء والحد من المجاعة واثارها الكارثية التي تنعكس علي حياة الناس بشكل مباشر.
للخروج من أزمة المجاعة، يحتاج السودان إلى:
- وقف الحرب لأن استمرارها يؤدي إلى تعطيل كل الجهود الزراعية والإنسانية، وبما ان هذا غير وارد في وقت قريب فيجب:
- تعزيز الدعم الدولي، وهو ما يتطلب ان يعمل المجتمع الدولي علي مزيد من الضغط على أطراف الصراع لفتح ممرات آمنة للمساعدات والاستجابة للجهود الدولية في التصدي للمجاعة.
- تمكين المجتمعات الريفية: عبر تقديم تمويل ميسر ومدخلات إنتاج ودعم تقني، لان هناك اموال طائلة تذهب الي جيوب الموظفين و(مسؤولي) الحكم، اضافة طبعا لتمويل الحرب.
- وضع سياسة زراعية بعد الحرب، اذ يجب تبني سياسات زراعية تركز على دعم صغار المزارعين، وإعادة تأهيل البنية التحتية الزراعية، علي ان يكون هذا اولوية لاي حكومة تأتي بعد الحرب.
- ادارة الموارد وتوجه السياسات الاقتصادية الكلية نحو التنمية والاستخدام الامثل للموارد الزراعية في تصنيع القيم المضافة بالتوازي مع الامن الغذائي وانتاج الوقود الحيوي.
يشيرتاريخ الساسات الاقتصادية في السودان، الكلية والجزئية، الي انها عبارة عن سياسات قصيرة النظر تعمل علي توطين الجوع وتوريث الفقر جيلا بعد جيل وقد اضافت الحرب الحالية تبعات جديدة من سوء الادارة والاستغلال.
إذا استمرت هذه الحرب وحالات الانكار والهروب الي الأمام فلا يوجد أي افق لأستثمار الموارد الهائلة للسودان بفعالية، وبالتالي فإن البلاد ستواجه مصيرا اسود من المجاعات ومستويات كبري من الفقر واستمرار توريثه، ومع ذلك تتوفر الإمكانيات الحقيقية للتخلص من شبح المجاعة وتحقيق الأمن الغذائي وتحقيق التنمية لاي حكم مستقبلي رشيد. وتبقى جميع تلك الإمكانيات رهينة بمشروع وطني وبالإرادة السياسية التي توقف الحرب وتحقق الاستقرار المنشود للتعافي الاقتصادي والاجتماعي للبلاد والتخلص من الارث الطويل من سياسات التجويع وتوطين الفقر.

mnhassanb8@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي في شمال غزة
  • "صحارى العالم" بحديقة الحيوانات في العين.. متعة الطبيعة والمغامرة
  • الجوع يهدد الملايين في دول جنوب القارة الأفريقية
  • البرد والجوع يقتلان الأطفال وكبار السن والحوامل في دارفور .. متحدث باسم النازحين: الناس يأكلون أوراق الأشجار وأعلاف الحيوانات
  • حكم أكل الحيوانات البحرية من غير الأسماك
  • غزة تستقبل 2025 بلهيب القنابل وأشلاء الأطفال
  • عاجل .. شاب يمني يفتك بحملة عسكرية للمليشيات الحوثية ويشتبك معهم موقعا قتلى وجرحى في صفوفهم .. والمليشيا تتوعد بتفجير منزله
  • الحرب في السودان: سياسات توطين الجوع وتوريث الفقر
  • 10% فقط من الحيوانات والنباتات.. ما الأنواع الجديدة التي اكتشفها العلماء في العام 2024
  • برنامج صحي لتجنب الجوع في فصل الشتاء