المطران عطا الله حنا: " القدس مستهدفة اليوم اكثر من اي وقت مضى "
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
قال سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس اليوم بأن ما يُخطط لمدينة القدس لا يمكن ان يستوعبه عقل بشري ففي هذه الاوقات العصيبة التي نعيشها فإن السلطات الاحتلالية تخطط شيئا ما لمدينة القدس والمستوطنون يجولون ويصولون في البلدة القديمة ويسعون لبسط هيمنتهم وسياساتهم وارادتهم وما يخطط للحضور المسيحي ايضا انما هو امر في غاية الخطورة، فمن باب الجديد ومرورا بباب الخليل ووصولا للحي الارمني هنالك استهداف ممنهج للحضور المسيحي العريق والاصيل في هذه المدينة المقدسة.
اما ما يتعرض له المسجد الاقصى فهو يعنينا بشكل مباشر واستهداف هذا المكان المقدس ليس استهدافا للمسلمين لوحدهم بل هو استهداف للشعب الفلسطيني كله كما ان استهداف الاوقاف المسيحية انما هي استهداف للكل الفلسطيني.
القدس في خطر شديد وقد اكدنا مرارا وتكرارا بأن القدس تتعرض لمؤامرات غير مسبوقة وقد ازدادت حدتها في زمن الحرب ولذلك وجب علينا ان نكون يقظين ومدركين بأن القدس في خطر شديد ويجب ان نعمل من اجل الحفاظ عليها وعلى طابعها وهويتها وتاريخها وتراثها فهي امانة في اعناقنا جميعا.
كما اننا نناشد الاقطار العربية كلها بضرورة ان تولي اهتماما بالقدس وما يحدث فيها، وهنالك من الفلسطينيين من فقدوا الامل بهذه الامة حيث احدهم همس في اذني قائلا: "من لم يتحرك من اجل غزة لا تنتظر ان يتحرك من اجل القدس"، ونحن بدورنا نقول بأننا لن نألو جهدا بتذكيرالعرب بواجباتهم تجاه مدينة القدس حاضنة اهم مقدساتنا المسيحية والاسلامية المستهدفة اليوم اكثر من اي وقت مضى.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
أسبوع الآلام بين المسيحية وغزة
الفوضى الخلاقة التي أنتجت تفسخًا في الضمير الإنساني، وأحدثت انحرافًا في المفاهيم الدينية، ما زالت تُعيد إنتاج نفسها عبر العصور، ولكن بثوب جديد يتناسب مع أدوات كل زمن. ففي أسبوع الآلام، تُحيي الكنيسة ذكرى أكثر مراحل الألم التي عاشها المسيح، حين حُكم عليه ظلمًا، وضُرب وجُلد وسُخر منه، ثم صُلب على يد اليهود بتحريض واضح وتآمرٍ فجٍّ، في مشهد يُجسّد قمة الخيانة والغدر باسم الدين.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا المشهد التأسيسي في التاريخ، بل كان بداية لمسار طويل من الدماء والخراب، حملت رايته نفس العقلية.
فمنذ لحظة صلب يسوع، لم تكفّ الدوائر المتطرفة من اليهود عن التخطيط لسفك الدم، وإشعال الفتن، وصناعة الانقلابات، وبثّ الفوضى، وقيادة الحروب العالمية، إمّا بتحريض مباشر، أو من خلال اختراق مراكز القرار والتحكم في مفاصل الاقتصاد والإعلام. هم من خططوا وأسقطوا عروشًا، وزرعوا الكيانات المصطنعة، وهجّروا الشعوب، تحت عباءة الديانة والحق التاريخي، بينما هم أبعد ما يكونون عن الدين أو القيم، وفي زمننا هذا، يتكرر المشهد ذاته، ولكن على أرض غزة.
فمنذ أشهر، يعيش الشعب الفلسطيني معاناة تفوق الوصف، في عدوان دموي تقوده نفس العقلية التي حكمت على المسيح بالموت. عقلية الاستعلاء العرقي، والتبرير الديني المزيف، والنزعة التوسعية التي ترى الآخر مجرد أداة أو عائق يجب سحقه.
إن المحطة الأشد ظلمًا في أسبوع الآلام كانت تلك المحاكمة الصورية التي أقامها مجمع السنهدريم اليهودي ضد المسيح، محاكمة افتقرت إلى أبسط قواعد العدالة، وتمّت في الليل خلافًا للتقاليد اليهودية التي تمنع المحاكمات ليلًا، تم استدعاء شهود زور، وضُغط على الحاكم الروماني لإصدار حكم بالإعدام دون إثبات جريمة حقيقية. خالفوا قوانينهم، ودهسوا أعرافهم، فقط ليُنزلوا أقسى العقوبة على رجل لم يحمل سيفًا، بل حمل رسالة محبة وسلام.
وكان دور الحاكم الروماني - بيلاطس البنطي - يمثل الوجه الإمبراطوري المتواطئ مع الباطل، الذي غسل يديه من الدم ظاهريًا، بينما سَلَّمه فعليًا للصلب. تردد في اتخاذ قرار، لكنه في النهاية خضع للابتزاز، واختار مصالح الإمبراطورية على حساب العدالة.
وهذا الدور يتجدد اليوم في صورة الحكومة الأمريكية، التي تمثل الإمبراطورية المعاصرة، وتغسل يديها من دم غزة ببيانات مكررة عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بينما تدعم القتل بالسلاح والفيتو، وتفرض توازنات القوة على حساب الأرواح. إنها بيلاطس الجديد، تلبس بدلة ديمقراطية ناعمة، لكنها تحمل نفس عقلية الإمبراطور الذي يهمّه حفظ النظام الإمبراطوري أكثر من إنصاف المظلوم.
وها هي حكومة نتنياهو تعيد نفس المشهد، بل وبنفس العقلية، وكأن التاريخ لا يتغير بل يعيد نفسه. حكومة تبرر قتل الأطفال بحجج واهية، تُحاصر المدنيين وتمنع عنهم الغذاء والدواء، تُبرر القتل الجماعي بأنه "دفاع عن النفس"، وتُنزل أشد العقوبات على شعب أعزل. إنه مجمع السنهدرين بثوبٍ عصري، يستدعي مبررات قانونية زائفة، ويُفصّل قراراته على مقاس أهوائه السياسية والعقائدية.
يُسفك اليوم دم الأطفال في غزة تحت أنقاض البيوت، وتُباد العائلات بالكامل، وتُرتكب مجازر في وضح النهار، وسط صمت دولي مُخزٍ، وتواطؤ مكشوف من قِبَل من يدّعون الدفاع عن الحقوق والإنسانية.
أسبوع الآلام في المسيحية ليس مجرد ذكرى دينية، بل هو صرخة ضمير تُعيد التذكير بأن الظلم واحد، وأن التضحية والفداء لا تعني الخنوع، بل تعني مقاومة الباطل مهما كانت التكاليف. والمسيح الذي حمل صليبه وسار إلى الجلجثة، هو نفسه الذي قال: "طوبى لصانعي السلام"، لكنّه لم يسكت على الظلم ولم يتملّق السلاطين.
وغزة اليوم، وهي تنزف في كل زاوية، تُجسد المعنى الحيّ لأسبوع الآلام، فكل بيت مهدوم هو صليب جديد، وكل شهيد هو صورة للمسيح المصلوب، وكل طفل فقد عائلته هو صورة حية للمعاناة التي لا يراها العالم إلا كأرقام في نشرات الأخبار.
نعم تغيّرت الأسماء والوجوه، لكن الروح واحدة: روح الظلم والكراهية والاستعلاء. وبينما تحتفل الكنائس بذكرى أسبوع الآلام، لا بد أن نتأمل في الجرح الفلسطيني المفتوح، وأن ندرك أن صلب المظلوم لم يتوقف، وأن القيامة الحقيقية لا تأتي إلا بعد رفض الظلم والوقوف في وجهه.
اقرأ أيضاًفلسطين: اقتحام نتنياهو لشمال غزة وبن غفير للحرم الإبراهيمي يطيل جرائم الإبادة
الإغاثة الطبية بغزة: القطاع يعيش أزمة خانقة منذ 45 يومَا