يسمع المواطن بين الحين والآخر من يدعو إلى تغيير النظام، وهو الذي يكتوي على نار الأزمات من كل الجهات و"الميلات"، وكأن مشكلة لبنان أو بالأحرى مشاكله محصورة بهذا النظام أو غيره، مع أنه مقتنع بأن لبنان بهذا النظام، أي نظام الطائف، وما قبله، عاش فترات ذهبية امتدت لعهود حتى في ظل ما كان يُسمّى بـ "المارونية السياسية".
ففي رأي هذا المواطن الذي يجد نفسه اليوم مغلوبًا على أمره، وهو المهدّد بلقمة عيشه من جهة، وباجتياح اسرائيلي من جهة ثانية بعدما وضع على فوهة بركان غصبًا عنه، أن العلة ليست بالنصوص بقدر ما هي في النفوس. فلو استقدمت أكثر الدساتير تنظيمًا ومثالية وأنزلت على الواقع اللبناني بتركيبته الحالية، ومع هذه النوعية من كثير من السياسيين، لبقي الوضع على حاله، ولا أمكن تغيير شيء. مما يعني أن من أوصل لبنان واللبنانيين إلى هذا الدرك هم سياسيوه، الذين استباحوا الدستور، واعتبروه وجهة نظر، وسمحوا لأنفسهم بأن يضعوا القانون تحت أقدامهم، ويسخّروه لأغراضهم وغاياتهم ومصالحهم الشخصية، فكانت بداية الانهيار بضرب ما هو "أساس الملك"، فغابت العدالة عن معظم صروح قصور العدل يوم تمّ تغييب الحقيقة في ملف انفجار مرفأ بيروت، وتمّ طمسها بكل ما كان من شأنه أن يزعزع ثقة المواطن بقضائه المنخور بواسطة فعالية التدخلات السياسية، التي تبدأ بالتعيينات القضائية، ولا تنتهي عند مقولة مشهورة في لبنان عندما يُراد التدليل على أن يد هذا الزعيم "طايلة"، فيقال عنه "إن قادر على أن يفك حبل المشنقة" عن رقبة مجرم محكوم بالإعدام.
فهل بسبب نظام الطائف، الذي يجب أن يطبّق أولًا، قبل أن يعدّل، نخر الفساد الجسم القضائي، ومنه انتشر إلى كل أجزاء الوطن بكل مؤسساته واداراته وهيئاته العامة ومجالسه وصناديقه، إذ لم تسلم إدارة لبنانية واحدة من جرثومة الفساد المستشري، أم بسبب بعض السياسيين، الذين استغلوا مواقعهم المفترض أن تكون ريادية، فكان كل هذا الفساد؟
المواطن اللبناني الصالح لا يزال يؤمن بأنه سيأتي يوم، وهو آت، سيحاسب فيه كل من لم يحسن استخدام السلطة من أجل الصالح العام، وحاول بكل ما أوتي من قوة سلطوية أن يجيّر المنافع العامة إلى حاشيته وأقاربه وأزلامه. ولذلك فهو، أي المواطن الصالح، باقٍ في أرضه، التي لن يتركها مهما تكاثرت وتعاظمت عليه الأحمال الثقيلة، ولكنه باقٍ لإعادة الحقّ إلى أصحابه، وهو باقٍ لكي يطرد من الهيكل تجّاره، الذين باعوا القيم على موائد الصيارفة والنخاسين؛ هو باقٍ حيث هو لأنه يدرك أن الثورة الحقيقية آتية لا محال، وأن صوت الشعب المغلوب على أمره سيسمع في يوم من الأيام، أي يوم يقرّر أن يخلع عنه ثوب التبعية، الذي ورثه عن أبيه وعن أجداده، وهو ثوب من مخلفات الحكم العثماني والوصاية الفرنسية والاحتلالات الغريبة وهيمنة فئات من اللبنانيين على فئات أخرى بفعل ما تجمّع لديها من فائض لقوة لن تفيد بشيء إن لم تكن محصّنة بوحدة داخلية.
فالنصوص يمكن أن تُستبدل بنصوص أخرى وفق ما تقتضيه التطورات الحياتية والممارسة والحداثة، ولكن إذا كان "الملح السياسي" فاسدًا فلا شيء قادر على أن يمّلح الدساتير والأنظمة والقوانيين، التي سرعان ما ينتقل إليها الفساد لتصبح شبيهة بالقيمين عليها، والمفترض بهم أن يكونوا حراسًا على أسوارها للحؤول دون تسرّب سوسة الفساد إليها فتفسدها كما تفسد التفاحة المهترئة الصندوق كله إن لم تُطرح خارجه. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
عشرات الآلاف يتظاهرون في بلغراد ضد الفساد
احتشد عشرات الآلاف من الصرب من جميع أنحاء البلاد -معظمهم من الطلاب- في عاصمتهم في مسيرة كبرى ضد الفساد.
احتشد عشرات الآلاف في العاصمة الصربية بلغراد في مظاهرة حاشدة ضد الفساد، تميزت بأجواء حماسية، خلال عطلة نهاية الأسبوع. واستقبل سكان المدينة المتظاهرين، ومعظمهم من طلاب الجامعات الذين قدموا من مختلف أنحاء البلاد، وهم يلوّحون بالأعلام ويرددون الشعارات المناهضة للكسب غير المشروع.
ويُعد هذا الاحتجاج تتويجًا لأشهرٍ من التظاهرات المطالبة بالشفافية ومكافحة الفساد، والتي تمثل أكبر تحدٍّ حتى الآن لحكم الرئيس ألكسندر فوسيتش، الذي يهيمن على المشهد السياسي في صربيا منذ أكثر من عقد.
وفي ظل التصعيد، حذّر فوسيتش مرارًا من احتمال وقوع أعمال عنف خلال المسيرة، مهددًا باعتقال أي شخص يثير اضطرابات. كما شهد وسط المدينة تجمعًا لمؤيديه، مما أثار مخاوف من اندلاع اشتباكات بين الطرفين.
وواصل فوسيتش تحذيراته، مكررًا مزاعمه بأن أجهزة الاستخبارات الغربية تقف وراء الاحتجاجات المناهضة للفساد، والتي تهدف، بحسب رأيه، إلى الإطاحة به من السلطة. وأكد في تصريحاته أنه لن يرضخ لأي ضغوط، قائلاً: "لن أقبل الابتزاز أو الخضوع للضغط، أنا رئيس صربيا ولن أسمح للشارع بأن يفرض قواعده".
وتقود الحركة الطلابية هذه الاحتجاجات التي اجتاحت أنحاء البلاد، والتي اندلعت عقب انهيار مظلة خرسانية في محطة قطار شمال صربيا، ما أسفر عن مقتل 15 شخصًا قبل أكثر من أربعة أشهر، ليصبح الحدث شرارة أشعلت الغضب الشعبي ضد الفساد وسوء الإدارة.
وفي تصعيد أمني، اعتقلت الشرطة ستة من نشطاء المعارضة للاشتباه في تدبيرهم لأعمال تهدد النظام الدستوري والأمن، وذلك بعد يوم واحد من بث تسجيل مزعوم لاجتماعهم على قنوات تلفزيونية موالية للحكومة.
وأكد فوسيتش أن الدولة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن والاستقرار، مشددًا على أن "من يعرقلون السلام سيتم اعتقالهم ومعاقبتهم بشدة".
وشهدت المسيرات الطلابية السابقة في مدن صربية عدة مشاركة واسعة وحشودًا ضخمة، مع حفاظها على الطابع السلمي. إلا أن التوترات تصاعدت في بلغراد بعد أن أقام أنصار فوسيتش، وبينهم مقاتلون سابقون من القوات شبه العسكرية، معسكرًا احتجاجيًا في حديقة مقابل مبنى الرئاسة، حيث شوهدت جرارات زراعية متوقفة حول المخيم يوم الجمعة.
وفي ظل هذه التطورات، أعلنت السلطات إغلاق مبنى البرلمان، الواقع في الجهة المقابلة من الشارع، لمدة ثلاثة أيام لدواعٍ أمنية، كما قررت تعليق حركة السكك الحديدية والعديد من خطوط الحافلات المؤدية إلى بلغراد.
وأمام هذا التصعيد، دعت بعثة الاتحاد الأوروبي في صربيا إلى احترام حرية التجمع باعتبارها حقًا أساسيًا، مشددةً على ضرورة ضمان سلامة المحتجين والمؤسسات، محذرةً في الوقت نفسه من أن "العنف يجب تجنبه".
ورغم أن صربيا تسعى رسميًا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، إلا أن الحكومة الحالية تواجه اتهامات متزايدة بتقويض الحريات الديمقراطية، في وقت تعزز فيه علاقاتها مع روسيا والصين، ما يثير قلق الأوساط الأوروبية بشأن مستقبل المسار الديمقراطي في البلاد.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية حملة مقاطعة المتاجر الكبرى تمتد إلى صربيا احتجاجًا على ارتفاع الأسعار غضب الشارع في صربيا: احتجاجات وإغلاق للجسور في نوفي ساد تنديدا بفساد الحكومة بعد أشهر من الاحتجاجات.. استقالة رئيس وزراء صربيا ميلوس فوتشيفيتش بلغراداحتجاجاتألكسندر فوتشيتشصربياصربيا- سياسة