مع طي الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الثاني، تظهر النتيجة الواضحة لهذين العامين على الشكل التالي. نجحت أوكرانيا في تجنّب أسوأ السيناريوهات المتمثلة بسقوط العاصمة كييف، ونظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي والاستسلام لروسيا، لكنّها فقدت في المقابل 18% من أراضيها، وهي عاجزة عن استردادها، بعد فشل هجومها المضاد الذي أطلقته ضد القوات الروسية في الشرق العام الماضي.

أما روسيا – على الرغم من سيطرتها على أربعة أقاليم أوكرانية، وضمّها إلى أراضيها بحكم الأمر الواقع – فلا تزال عاجزة عن إجبار كييف على التفاوض على سلام انطلاقًا من هذا الواقع.

لكنها أظهرت قدرة كبيرة على الصمود في وجه العقوبات الاقتصادية الغربية الكاسحة عليها، وتحولت بسرعة إلى اقتصاد الحرب الذي لم يُقوض آلة الحرب لديها كما كان يأمل الغرب. وهذه النتيجة تُساعد كلًا من الرئيسين: بوتين وزيلينسكي على الادعاء بأنّ الحرب تسير لصالحهما بعد عامَين، لكنّ الحقيقة الواضحة هي أن هذه الحرب لا تزال قائمة ولا تلوح في الأفق القريب نهاية لها.

مع ذلك، فإن العام الثالث للحرب قد يكون مختلفًا عن سابقَيه لجهة التغيير الكبير المحتمل الذي قد يطرأ على الديناميكيات الدولية المؤثرة في الصراع، وخصوصًا السياسة الأميركيّة.

إنّ عودة محتملة لترامب إلى البيت الأبيض لن تنطوي فحسب على مخاطر إضعاف موقف أوكرانيا في الحرب على نحو كبير، بل ستبعث أيضًا برسالة لبوتين بأنّ الوحدة الغربية ضد روسيا بدأت في الانهيار

ستشهد الولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل انتخابات رئاسية، ولدى الرئيس السابق دونالد ترامب فرصة قوية للعودة مرّة أخرى إلى البيت الأبيض. وهذا السيناريو – في حال تحقق – قد يكون له آثار كبيرة على مسار الحرب لصالح روسيا.

ولا يرجع ذلك فحسب إلى تعليقات ترامب الأخيرة التي قال فيها؛ إنه سيُشجع روسيا على أن "تفعل ما تُريد بحقّ الجحيم" لأي دولة عضو في حلف الناتو لا تدفع ما يكفي لميزانية الحلف، بل أيضًا إلى تعهّد ترامب بأنه سيُنهي الحرب في غضون أربع وعشرين ساعة في حال عاد إلى السلطة.

لا يُمكن أخذ هذا التعهد على محمل الجد بالطبع؛ لأن ترامب لا يمتلك عصا سحرية لفعل ذلك، لكنّه أيضًا ليست لديه نية لتصعيد الضغط العسكري على روسيا لإجبارها على العودة إلى حدود ما قبل فبراير/شباط 2021.

والطريقة الوحيدة التي سُتمكنه من تحقيق هذا الوعد خلال فترة ولاية ثانية له (وليس خلال 24 ساعة) هي أن يُقرر أن السلام لا يُمكن أن يتحقق دون الموافقة على شروط روسيا، وإجبار أوكرانيا على القبول بها.

أظهرت كييف على مدى عامَين صلابة في تحدّي روسيا، وإجبارها على تقليص قائمة أهداف الحرب، لكن ذلك لم يكن مُمكنًا لولا الدعم العسكري والمالي لها من قبل الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة. وتمثلت دفعة الدعم الأخيرة في إقرار الاتحاد الأوروبي حزمة دعم مالي لأوكرانيا بقيمة خمسين مليار يورو على أربع سنوات.

وكذلك في موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على تمويل إضافي بقيمة 60 مليار دولار للمساعدات العسكرية والاقتصادية، لكن آفاق مشروع القانون لا تزال غير مؤكدة في مجلس النواب. وحتى لو تمّ تمريرُه خلال الفترة المتبقية لولاية بايدن، فإنّ فرص أن يؤدي الدعم الجديد إلى تغيير جذري في مسار الحرب لصالح أوكرانيا ليست مؤكدة بأي حال.

سيكون من الصعب تصور أن استمرار الدعم الأوروبي لأوكرانيا سيكون كافيًا وحده من أجل هزيمة روسيا أو منعها من تحقيق نصر بدون مواصلة واشنطن انخراطها الفعّال إلى جانب شركائها الأوروبيين في تمويل المجهود الحربي الأوكراني.

فالإنتاج الأوروبي من الأسلحة – على الرغم من ارتفاعه – لن يكون كافيًا لدعم الجيش الأوكراني حتى وقت ما في عام 2025، أو حتى بعد ذلك. كما أن بعض القطع الرئيسية من المعدات العسكرية لا يمكن أن تأتي إلا من المخزونات الأميركية.

إنّ عودة محتملة لترامب إلى البيت الأبيض لن تنطوي فحسب على مخاطر إضعاف موقف أوكرانيا في الحرب على نحو كبير، بل ستبعث أيضًا برسالة لبوتين بأنّ الوحدة الغربية ضد روسيا بدأت في الانهيار، وبأنه سيكون بوسع موسكو أن تزيد من جرأتها في المستقبل على مواصلة تحدي الهيكل الأمني في أوروبا الشرقية بحد أدنى من العواقب.

وحتى لو قررت الدول الأوروبية تعزيز إنفاقها العسكري بالشكل الذي يُريده ترامب، فإن ذلك لن يؤدي على الأرجح إلى تغيير نظرة ترامب إلى الحرب الروسية الأوكرانية، أو دفعه إلى مواصلة الانخراط الأميركي في الحرب بالطريقة التي فعلها الرئيس جو بايدن.

وسيستطيع ترامب منح مشروعية منطقية لإحداث تحول جذري في الدور الأميركي في الحرب عبر المجادلة بأن النهج الأميركي خلال فترة بايدن لم يؤدِّ في النهاية إلى هزيمة روسيا وبأنه فاقم من مخاطر توسيع نطاق الحرب.

ووَفق وجهة نظره هذه، فإن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك رفاهية الخيارات بل هناك خيار واحد أكثر فاعليّة وهو قبول أوكرانيا والغرب التفاوض مع روسيا لإنهاء الحرب دون شروط مسبقة.

إن حقيقة أن الحرب لن تنتهي سوى باتفاق سلام تُعزز مشروعية طرح ترامب، لكنّ المعيار الذي سيتم على أساسه التفاوض على مشروع السلام، سيكون المعيار أيضًا لتحديد المنتصر والمهزوم في هذه الحرب.

مع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أظهر مؤخرًا تفضيله بايدن على ترامب في المنافسة الرئاسية، وهو تفضيل لا يعكس على الأرجح الرغبة الحقيقية لبوتين، إلا أن روسيا ستكون أكثر قدرة على فرض شروطها في أي مفاوضات سلام مستقبلية مع كييف والغرب في ظل ترامب وليس بايدن.

 

مع دخول الحرب عامها الثالث وحالة الجمود التي تشهدها، والتي تخدم روسيا بقدر أكبر من أوكرانيا، فإن مصيرها أصبح مرهونًا بمجموعة من العوامل أهمّها نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

 

قد يؤدي نجاح بايدن بولاية رئاسية ثانية إلى تبديد هواجس كييف والأوروبيين من مخاطر عودة ترامب على الموقف الأوكراني والغربي في الحرب، لكنّه لن يعني بأي حال أن كييف والغرب سيُصبحان أكثر قدرة على هزيمة روسيا، أو إجبارها على التفاوض على سلام بشروطهما.

 

وفي هذه الحالة، سيتعين على موسكو التعامل مع أربع سنوات جديدة من الانخراط الأميركي والغربي المؤثر في الحرب ومع حلف شمال الأطلسي أكثر نشاطًا وقوةً من أي وقت مضى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی الحرب

إقرأ أيضاً:

سقوط لأميركا وليس لجو بايدن

آخر تحديث: 1 يوليوز 2024 - 9:31 صبقلم:خيرالله خيرالله بعد المناظرة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب دب الذعر في صفوف الديمقراطيين. لم يكن ذلك الذعر، إذا أخذنا مضمون المناظرة وما قاله المشاركان فيها في الاعتبار، تعبيرا عن سقوط لجو بايدن فقط. كان السقوط سقوطا أميركيّا بامتياز. لا ينقذ أميركا سوى بإحلال شخصية ديمقراطيّة مختلفة مكان بايدن. مثل هذه الشخصية ستستطيع مواجهة ترامب ووضعه في مكانه الصحيح. هناك فرصة أمام الديمقراطيين الذين يعقدون مؤتمرا لحزبهم منتصف آب – أغسطس المقبل. هل ينجحون في ذلك على الرغم من أنّ جو بايدن يبدو مصرّا على التمسك بكرسي الرئاسة مثله مثل أيّ زعيم متخلف من العالم الثالث؟ كان أداء بايدن في المناظرة كارثيا، خصوصا بعد تلعثمه في مطلعها وانتقاله من موضوع إلى آخر بطريقة توحي بأن الرئيس الأميركي لا يمتلك القدرة الكاملة على التركيز. في المقابل، كان ترامب كعادته شرسا ولم يفوّت مناسبة لاستغلال أيّ هفوة يرتكبها بايدن. كان ترامب، الذي غاب العمق السياسي عن كلامه، حاضر الذهن وأثبت أنّه يتفوق على منافسه في هذا المجال على الرغم من أنّ فارق العمر بينهما ليس سوى ثلاث سنوات. بايدن في الـ81 وترامب في الـ78. من الواضح أنّ السنوات أثّرت على الرئيس الأميركي وقدراته الذهنية في ما لم تؤثر على ترامب الذي يبدو مستعدا للعودة إلى البيت الأبيض من أجل تنفيذ سياسة يخشى أن تكون ذات عواقب وخيمة على الصعيد الدولي، خصوصا في ما يخصّ العلاقات الأميركية – الأوروبية في ضوء الحرب التي يشنّها فلاديمير بوتين على أوكرانيا. في غياب المضمون، انتصر دونالد ترامب على جو بايدن، أقلّه من ناحية الشكل. لم يحسن الرئيس الأميركي استغلال أيّ نقطة ضعف يعاني منها منافسه استغلالا جيدا. كان مثل هذا الاستغلال سيشير إلى وجود نوع من الحذاقة السياسية بات واضحا أنّ بايدن لا يمتلكها. على العكس من ذلك، اكتفى بالانتقادات ذات الطابع الشخصي بدل الذهاب بعيدا في فتح الملفات التي يمكن أن تسيء إلى ترامب بما في ذلك ملف الدعاوى التي رفعت عليه أمام القضاء والتي يمكن أن تودي به إلى السجن. بدا جو بايدن سياسيا تجاوزته الأحداث من جهة وضحية تقدّمه في السن من جهة أخرى. مثله مثل زعماء كثيرين عرفهم العالم، خصوصا العالم الثالث، لم يستوعب جو بايدن أنّ هناك وقتا للانسحاب من السياسة بدل التحول إلى عبء على حزبه وعلى قسم كبير من الأميركيين يرفض عودة دونالد ترامب وسياساته العشوائية إلى البيت الأبيض. الأكيد أن لدى ترامب حسنات كثيرة في مقدّمتها سياساته الإيرانيّة، لكنّ لديه سيئات لا تحصى. بل إنّه يشكل خطرا على الديمقراطية في أميركا وخارجها. ظهر ذلك بوضوح عندما حاول أنصاره اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن بعدما سقط في الانتخابات الرئاسية أمام جو بايدن. كان يشجع عملية الاقتحام هذه، وهي عملية كشفت أن قسما لا بأس به من مؤيديه ينتمون إلى مجموعات غوغائية لا أكثر. كيف يمكن لأيّ سياسي يمتلك عقلا راجحا قبول أن يكون مدعوما من الغوغاء، بل أن يشجع هؤلاء على خرق القانون. هل يمكن أن يكون دونالد ترامب مستقبل أميركا؟ هل مسموح بذلك في القرن الحادي والعشرين في ظلّ التحديات التي تواجه أميركا؟الأسوأ من ذلك كلّه أن جو بايدن لم يحسن شرح خطورة السياسة التي يتبعها دونالد ترامب في تعاطيه مع فلاديمير بوتين الرجل المريض الذي يعتقد أنّ في استطاعته، عبر غزوة أوكرانيا، استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي، وهي أمجاد لا وجود لها. لم يذهب الرئيس الأميركي بعيدا في شرح الخطورة التي يشكلها ترامب على مستقبل العلاقات الأميركيّة – الأوروبيّة. كان يكفي التشديد على أن ما على المحك في أوكرانيا مستقبل أوروبا كلّها وليس مستقبل أوكرانيا التي يشكو ترامب من المساعدات الأميركية التي تتلقاها. مخيف هذا الوضع الأميركي الذي باتت فيه الانتخابات الرئاسية منافسة بين عجوز مثل جو بايدن ومتهور مثل دونالد ترامب. بدا ترامب متحمسا للحرب على “حماس” أكثر من بنيامين نتنياهو. لا يعني هذا الكلام أن “حماس” تستأهل أيّ مستقبل سياسي، من أيّ نوع، بمقدار ما يعنى أن المطلوب من أيّ رئيس أميركي يمتلك حدّا أدنى من الإنسانيّة العمل قبل أيّ شيء على وقف المأساة التي تعاني منها غزّة. إنّها مأساة ناجمة عن المغامرة التي قامت بها “حماس” بشنّها “طوفان الأقصى” والتي أدت إلى ذلك الجنون الإسرائيلي الذي دمّر القطاع على رؤوس أهله. وفّرت المناظرة فرصة كي يزايد ترامب على بايدن فلسطينيا. كانت مناسبة للتأكّد من غياب الدور القيادي الأميركيّ في هذا العالم. يظلّ الدليل الأبرز على ذلك تجاهل بايدن للمشروع التوسعي الإيراني الذي يعاني منه الشرق الأوسط والخليج في الوقت ذاته ومعنى الحروب التي تشنها “الجمهوريّة الإسلاميّة” على هامش حرب غزّة. في الوقت ذاته، لا يزال دونالد ترامب يتصرّف من منطلق أن السنوات الأربع التي أمضاها في البيت الأبيض كانت سنوات مليئة بالنجاحات السياسيّة والاقتصادية. لا يدرك ترامب أن العالم يتغيّر بسرعة وأنّ ليس في الإمكان الفصل بين علاقته ببوتين من جهة والعلاقة بين الرئيس الروسي وكلّ من الصين وإيران وكوريا الشمالية من جهة أخرى. لا يزال دونالد ترامب يعيش في عالم خاص به في ما لا يزال جو بايدن في وضع لا يسمح له بمتابعة ما يدور في هذا العالم بدقة مع تركيز على التفاصيل الصغيرة.كانت المناظرة بين بايدن وترامب سقوطا للولايات المتحدة. لا يزال هناك بعض الأمل في تفادي مثل هذا السقوط. يتمثل هذا الأمل في العثور على مرشح ديمقراطي شاب، نسبيا، يحل مكان جو بايدن، مرشّح يعرف العالم ويستجيب لما يريده الأميركيون، مرشح يحيي الأمل بعودة الدور القيادي الأميركي إلى هذا العالم…

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي: مستعد للقاء ترامب للاستماع إلى خطته بشأن السلام
  • ليتوانيا: طائرة روسية انتهكت المجال الجوي دون إذن
  • روسيا تعلن تدمير طائرات سوخوي-27 مقاتلة في أوكرانيا
  • أوكرانيا: روسيا تطلق النارعلى حدود منطقتي سومي وتشرنيهيف 37 مرة
  • بعد الحرب الطاحنة و السيطرة على بلدتين.. روسيا تعلن تدمير 11 مسيرة و5 مقاتلات أوكرانية وتكشف تفاصيل العملية
  • «القاهرة الإخبارية»: أوكرانيا تصد ما لا يقل عن 100 عملية توغل للقوات الروسية
  • سقوط لأميركا وليس لجو بايدن
  • روسيا تعلن سيطرتها على قريتين في دونيتسك الأوكرانية
  • روسيا : السيطرة على قريتين في منطقة دونيتسك الأوكرانية
  • روسيا تعلن سيطرتها على قريتين في منطقة دونيتسك الأوكرانية