الصناعات العسكرية العربية.. بين التهميش واللجوء للاستيراد
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
تشير الإحصائيات العالمية إلى التنامي المطرد في الإنفاق على التسلح بين دول العالم، في الوقت الذي تشكل فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدا من أكثر الأسواق جاذبية لهذا النوع من التجارة على مستوى العالم.
وفي تقرير له عن اتجاهات مبيعات الأسلحة عالميا، أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) إلى أن حجم تجارة الأسلحة الرئيسية في الفترة من 2015 حتى 2020 زادت بنسبة 5.
وتنفق دول الشرق الأوسط، التي توافرت عنها بيانات، مجتمعةً حوالي 4.5% من حجم الناتج المحلي الإجمالي على شراء الأسلحة، وهي أعلى نسبة بين مناطق العالم، فمن بين الدول الـ10 التي خصصت أكثر من 4.0% من ناتجها المحلي للإنفاق العسكري، من أصل 149 دولة شملها الاستطلاع، كانت 7 دول منها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفيما تدعي هذه الدول أن شراء الأسلحة هو الضامن الأهم للاستقرار الإقليمي، فإن النتائج تشير إلى عكس ذلك تماما، فتكديس الأسلحة والتباهي بامتلاك أشدها فتكا من شأنه أن يثير التوترات بين الدول المتنافسة.
ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى الحلقة المُفرغة الشريرة، التي مفادها "أن الحروب بحاجة إلى الأسلحة بنفس القدر الذي يحتاج فيه منتجو الأسلحة إلى الحروب".
ووفقا لتقرير معهد ستوكهولم فقد حازت الولايات المتحدة الأميركية على أكبر حصة لبيع الأسلحة حول العالم، خلال الفترة من 2015 حتى 2019، بنسبة 36% من المبيعات العالمية، فيما احتلت روسيا وفرنسا وألمانيا والصين المراكز التالية بالترتيب، وبلغت حصتها مجتمعةً 40.2% من صفقات السلاح العالمية.
واحتل حلفاء أميركا، وهم المملكة المتحدة وإسبانيا وإسرائيل وإيطاليا وكوريا الجنوبية بقية المراكز الـ10 الأولى، حيث يشكلون مجتمعين 14% من الحصة العالمية. أي إن هذه الدول الـ10 وحدها حازت 90% من الحصة العالمية، فيما توزعت الـ10% الباقية من حصة سوق السلاح على 15 دولة أخرى.
وبقيت منطقة الشرق الأوسط الوجهة الأولى لصادرات الأسلحة العالمية. حيث يوجد 6 من أكبر 10 مستوردين للأسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتقدمهم السعودية، وجاءت كل من مصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة والعراق ضمن المراكز الـ10 الأولى، حيث بلغت وارداتها مجتمعة أكثر من 30% من واردات الأسلحة العالمية خلال فترة السنوات الـ5 الأخيرة.
الحروب والنزاعات والهيبة الوطنية من دوافع اقتناء الأسلحة (أسوشيتد برس- أرشيف) دوافع المستوردينوتظل الصراعات الإقليمية الساخنة والمستمرة هي الدافع الرئيسي وراء تنامي شراء الأسلحة في الدول العربية، كما تأتي التوترات الإقليمية الباردة، أو النار التي تحت الرماد، لتمثل دافعا رئيسيا لا يقل أهميةً عن سابقه في سباق التسلح في هذه البؤرة الساخنة من العالم، وجاء التوتر بين إسرائيل وإيران على رأس هذه التوترات.
وفي الوقت الذي هدأت فيه الجبهات العربية مع إسرائيل فيما يخص القضية الفلسطينية، إلا إن الصراع الإسرائيلي المستمر مع فصائل المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة وجنوب لبنان يجعل هذه المنطقة من أشد المناطق شراهة ونهما لشراء الأسلحة والذخائر، أو تطوير المنظومات الدفاعية الموجودة.
والحال ذاته في دول الشمال الأفريقي حيث تبقى النزاعات الدبلوماسية والمخاوف من تطور الأمور إلى اشتباكات عسكرية من أشد الدوافع لاقتناء الأسلحة وتطويرها، وزيادة الترسانة العسكرية والمخزون الإستراتيجي من الذخائر.
وليست الحروب والنزاعات هي الدافع الوحيد لاقتناء الأسلحة بقدر ما تلعب الهيبة الوطنية والثروات والجغرافيا السياسية، والتنافس والتفاخر بين الدول الغنية دافعا قويا، حيث تسعى الدول إلى بناء جيش حديث ومتطور، يمتلك أحدث الأسلحة والتكنولوجيا وفق الشروط التي تسمح بها سياسة تصدير السلاح العالمية.
دوافع المصدرينوكما أن للدول المستوردة أهدافها ودوافعها لتكديس الأسلحة، فإن للدول المصدرة أسبابها الاقتصادية والجيوإستراتيجية، فالفوائد التجارية والمالية التي يجنيها مصدرو الأسلحة يوازيها نفوذ سياسي ودبلوماسي تبسطه هذه الدول في المناطق المستوردة للسلاح.
فعلى سبيل المثال، سعت روسيا إلى تعزيز أجندتها السياسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، من خلال بيع أسلحتها الرئيسية مثل طائرات ميغ-29 ومنظومات الصواريخ S-400، وذلك كمنافس رئيسي للسلاح الأميركي في المنطقة.
ولأن لغة المصالح تتفوق غالبا على لغة المبادئ، فستجد دولةً مثل أميركا على سبيل المثال، لا يضيرها أن تزود بالأسلحة دولا وأنظمةً تنتهك حقوق شعوبها، أو تعتدي على جيرانها بغير حق، وليس أوضح مثالا على هذه السياسة من تزويد إسرائيل بأشد الأسلحة فتكا لتواجه بها الفلسطينيين.
تحدياتكثيرة تقف في طريق توطين وتطوير الصناعات العسكرية في الدول العربية (رويترز- أرشيف) معوقات توطين الصناعات العسكرية عربياهناك تحديات كثيرة تقف في طريق توطين وتطوير الصناعات العسكرية في الدول العربية، ووفق تقرير نشرته مجلة شؤون عربية الصادر عن الجامعة العربية، يمكن إجمال هذه التحديات بما يلي:
ضيق القاعدة العلمية، وتدني الوعي الثقافي والعلمي، ومحدودية التقانات العسكرية، حيث تحتاج صناعات الأسلحة إلى طاقات بشرية هائلة متنوعة في التخصصات، تشمل خبراء الرياضيات التطبيقية، والإلكترونيات، وهندسة الطيران، والكهرباء، والميكانيكا، والفيزياء النووية، والكيمياء، وغير ذلك من الفروع المتعلقة بمجال صناعة الأسلحة. العجز عن توفير المال اللازم، عن طريق التسهيلات الائتمانية والقروض وغيرها، لاستيراد الآلات والمعدات اللازمة للتصنيع الحربي، فإذا كانت الصناعات المدفعية تحتاج مرحلة التأسيس إلى مليار دولار، فالدبابات بحاجة لمليارين، والطائرات إلى أضعاف هذه الأرقام، وترتفع هذه المعدلات كثيرًا عندما يتعلق الأمر بصناعة التقنيات الدقيقة. تمثل الفجوة الهائلة في التكنولوجيا بين الدول الغربية ودول العالم الثالث مصدر إحباط، يثني الكثير من هذه الدول عن السير في مشاريعها الوطنية للإنتاج، بحجة عدم تنافسيتها مع المنتج الغربي، مما يدعو هذه الدول إلى الركون للاستيراد على حساب تطوير مشاريع الإنتاج. مقاومة الدول والشركات الكبرى المصنعة للأسلحة والأعتدة الحربية لكل مشروع عربي للتصنيع الحربي، إذ تسعى هذه الدول المتقدمة علميًا وتقنيًا وصناعيًا وشركاتها الكبرى أن تظل محتكرة السوق العربية لاستيراد الأسلحة والمعدات. بعض الدول العربية قد خطت خطوات واسعةً في سبيل توطين الصناعات العسكرية (رويترز- أرشيف) فرص التوطين والتصديرعلى الرغم من تدني نسب الإنفاق على صناعة الأسلحة الوطنية مقارنةً بنسب الاستيراد، فإن بعض الدول العربية قد خطت خطوات واسعةً في سبيل توطين الصناعات العسكرية، وتبادل التكنولوجيا والتدريب مع الدول الغربية، بل وإيجاد أسواق خارجية لبيع منتجاتها المحلية.
فعلى سبيل المثال، تمتلك مصر أكثر من 26 مصنعًا للصناعات العسكرية، معظمها مملوك لوزارة الإنتاج الحربي، وتتبع الوزارة مجموعة من المعاهد والمراكز البحثية، وتتعاون مع عدد من الدول المتقدمة في هذا المجال، كالولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، والصين، وجنوب أفريقيا، وفرنسا.
واستثمرت مليارات الدولارات في أعمال البنية الأساسية لمصانع الإنتاج الحربي وإعادة تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في المصانع الحربية.
وقد استطاعت هذه المصانع إنتاج أنواع عديدة من الأسلحة، كالطائرات الهجومية الخفيفة وطائرات التدريب، بالإضافة للمركبات المدرعة المتعددة الأغراض، والدبابات المتطورة وناقلات الجنود المدرعة. وكذلك إنتاج الصواريخ والمقذوفات الموجهة، والذخائر بأنواعها.
كما بدأت الجزائر، من خلال 7 شركات عمومية تابعة للدولة، ببعض الصناعات العسكرية الخفيفة، مثل صناعة الذخائر الحربية، والأسلحة الصغيرة، والقنابل اليدوية. ثم تطورت إلى السفن الدورية، والطائرات المروحية الخفيفة، والمركبات المدرعة، والمركبات الثقيلة الخاصة بتقديم الخدمات اللوجستية.
وكانت أولى خطواتها الفعلية في هذا الاتجاه بمشاريع مشتركة مع ألمانيا تسمح بحصولها على تكنولوجيا تتعلق بالكشف بالرادار والاتصالات التكتيكية ومعدات المراقبة الليلية، وصناعة الأجهزة الإلكترونية، ومشاريع لإنتاج السيارات الثقيلة الرباعية الدفع لتغطية احتياجات الجيش، وإقامة قاعدة للمنظومات الإلكترونية للدفاع.
لا شك أن هناك تحديات كبيرة تواجه الصناعات الدفاعية في الدول العربية، لكن يُمكن تجاوز معظمها إذا ما سعت تلك الدول إلى تجاوزها، ونجحت بتوزيع الأدوار والمهام، والتنسيق المشترك في إطار جهد جماعي منظم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: منطقة الشرق الأوسط الفترة من بین الدول
إقرأ أيضاً:
تأثير فوز ترامب على القضية الفلسطينية والعلاقات العربية
أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
تعود الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في الشرق الأوسط كلما شهدت تغييرات في إدارتها، لا سيما حين تكون هذه الإدارة عائدة إلى البيت الأبيض بنهج وسياسات غير تقليدية مثلما هو الحال مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية سيحمل تداعيات عميقة على القضايا العربية، وبالأخص القضية الفلسطينية، التي تأثرت بشكل كبير خلال فترة ولايته الأولى، فماذا قد يحمل فوز ترامب لهذه القضية المحورية؟ وما انعكاسات ذلك على العلاقات العربية والدولية؟
1. تقوية الدعم الأمريكي لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية
إن عودة ترامب إلى السلطة قد تكون بمثابة تعزيز للمواقف المتشددة تجاه القضية الفلسطينية، حيث يُتوقع أن يعيد ترامب دعمه اللامحدود لإسرائيل، بما في ذلك سيادتها على الأراضي المحتلة -سبق أن اعترفت إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت السفارة الأمريكية إليها- كما دعمت شرعنة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. هذه الخطوات تعتبر محاولة لتغيير الحقائق على الأرض وتكريس الاحتلال، مما يجعل أي حل سياسي مستقبلي أكثر صعوبة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يسعى ترامب إلى تهميش دور المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، التي تقدم دعمًا للحقوق الفلسطينية وتدعو إلى حل الدولتين، هذا التوجه سيعزز من موقف إسرائيل في المحافل الدولية ويقلل من الضغوط عليها لإيجاد تسوية عادلة.
2. التطبيع العربي الإسرائيلي وتداعياته على القضية الفلسطينية
خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، شهدنا تطبيع عدد من الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل عبر "اتفاقيات أبراهام". ومع العودة للبيت الأبيض قد يضغط ترامب على دول عربية أخرى من أجل السير في هذا الاتجاه، في ظل تشجيع أمريكي للتعاون بين إسرائيل والعالم العربي على أسس اقتصادية وأمنية.
إلا أن هذه الخطوات قد تؤدي إلى شعور الفلسطينيين بالعزلة، إذ قد يجدون أنفسهم في موقف ضعيف دبلوماسياً أمام انفتاح عربي متزايد على إسرائيل دون وجود تقدم حقيقي في ملف حقوقهم الوطنية.
ومثل هذا السيناريو سيضعف الموقف العربي حول القضية الفلسطينية، وقد يجعلها قضية ثانوية على جدول الأولويات الإقليمية.
3. الضغوط المالية والسياسية على السلطة الفلسطينية
سبق أن قطعت إدارة ترامب السابقة الدعم المالي عن وكالة الأونروا ومؤسسات دولية وفلسطينية، وسياسة كهذه قد تتكرر، مما يضاعف الأعباء الاقتصادية على الفلسطينيين ويؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة والضفة الغربية، إن تقليص الدعم قد يدفع السلطة الفلسطينية إلى اتخاذ قرارات صعبة ويزيد من صعوبة تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ما يؤدي إلى مزيد من التوترات الداخلية.
كذلك، قد يتعرض الفلسطينيون لعزلة دبلوماسية في حال تجاهلت الإدارة الأمريكية الجديدة طلباتهم، وقلصت من دعمها للهيئات الدولية التي تسهم في تحسين أوضاعهم، مما يضعف من أوراق الضغط السياسي المتاحة لهم.
4. تصاعد الاستقطاب الإقليمي وتفاقم التوتر مع إيران
عودة ترامب قد تعني إعادة التركيز على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث من المتوقع أن يدفع بحلفائه العرب إلى تبني مواقف أكثر تشدداً تجاه إيران، هذا التصعيد قد يساهم في خلق حالة استقطاب إقليمي بين الدول العربية المؤيدة لهذا المحور والمناهضة له.
وتداعيات هذا الاستقطاب قد تكون كارثية، حيث يمكن أن يتسبب في توترات عسكرية أو حتى صراعات داخل بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما يعمّق من أزمات هذه الدول ويزيد من معاناة شعوبها.
5. تجاهل حقوق الإنسان وتدعيم سياسات الاستبداد
تميل سياسات ترامب إلى إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية والأمنية على حساب حقوق الإنسان، وهذا النهج قد يشجع بعض الأنظمة العربية على اتخاذ إجراءات قمعية ضد المعارضة والتضييق على الحريات.
قد تجد بعض الأنظمة العربية في غياب الضغوط الأمريكية بشأن حقوق الإنسان فرصة لتوسيع سيطرتها وتقوية نفوذها الداخلي، خاصةً إذا استمر الدعم الأمريكي المباشر لها.
وهذه السياسة قد تؤدي إلى تراجع الحريات العامة وتفاقم قضايا حقوق الإنسان في بعض الدول العربية، مما يؤثر على استقرار المجتمعات بشكل عام.
6. تعزيز الصفقات الاقتصادية على حساب الحلول السياسية
تعكس سياسة ترامب في الشرق الأوسط تفضيله للصفقات التجارية والعقود الاقتصادية، ومن المحتمل أن يركز في حال فوزه على تعزيز صفقات اقتصادية كوسيلة لتحقيق الاستقرار السياسي، بدلاً من الضغط لحل القضية الفلسطينية بطرق دبلوماسية مستدامة.
هذا النهج التجاري قد يحقق مكاسب اقتصادية قصيرة الأمد للدول العربية، إلا أن غياب الحلول السياسية الدائمة سيتسبب بتفاقم الأزمات على المدى الطويل، فالاقتصاد وحده لا يمكن أن يكون بديلاً عن تحقيق العدالة والحلول الشاملة، وقد يؤدي هذا إلى زيادة التوترات في المستقبل بسبب غياب رؤية سياسية متكاملة.
الخلاصة.. أنه مع عودة ترامب للرئاسة الأمريكية، من المرجح أن يواجه الفلسطينيون تحديات أكبر في ظل دعم أمريكي غير محدود لإسرائيل، وتزايد التطبيع العربي معها. وهذا الدعم قد يعزز من حالة الانقسام العربي ويزيد من تدهور الأوضاع في بعض الدول العربية.
إن عودة ترامب قد تجعل الحلول السياسية بعيدة المنال وتدفع باتجاه تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة.