متى يكون فرضًا على الفتى الصيام؟.. إليك السن الشرعية
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
قالت دار الإفتاء، إن الصيام ركن من أركان الإسلام الخمس لقوله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
والمسلم مخاطب ومكلف من وقت بلوغه أن يلتزم بهذه الأركان التي منها صيام شهر رمضان، ويكون البلوغ للفتى بالاحتلام، وللفتاة بظهور الحيض، فإن لم يظهر ذلك منهما فببلوغ خمس عشرة سنة قمرية لكليهما.
قالت دار الإفتاء إن دخول شهر رمضان يثبت كغيره من الأشهر العربية القمرية برؤية الهلال، ويُسْتَطْلَع بغروب شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، فإذا تمت رؤية الهلال فقد بدأ شهر رمضان، وإذا لم تتم رؤيته فيجب إكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ»، وبهذه الطريقة أيضًا يثبت دخول شهر شوال.
واضافت الدار في فتوى لها ان الاعتماد على الرؤية البصرية هو الأصل شرعا، مع الاستئناس بالحساب الفلكي؛ إذ المختار للفتوى أن الحساب الفلكي يَنْفي ولا يُثْبِت، فيؤخذ به في نفي إمكانية طلوع الهلال ولا عبرة بدعوى الرؤية على خلافه، ولا يعتمد عليه في الإثبات، حيث يؤخذ في إثبات طلوع الهلال بالرؤية البصرية عندما لا يمنعه الحساب الفلكي.
فإذا نفى الحساب إمكان الرؤية فإنه لا تُقْبَل شهادة الشهود على رؤيته بحال؛ لأن الواقع الذي أثبته العلم الفلكي القطعي يُكَذِّبهم.
وفي هذا جَمْعٌ بين الأخذ بالرؤية البصرية وبين الأخذ بالعلوم الصحيحة سواء التجريبية أو العقلية، وكلاهما أمرنا الشرع بالعمل به، وهو ما اتفقت عليه قرارات المجامع الفقهية الإسلامية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصيام دخول شهر رمضان دار الإفتاء شهر رمضان
إقرأ أيضاً:
سعيد الزبيدي وحكاية «الغريب» المنقِذ
حين قُبِلَ الفتى في قسم اللغة العربية بكلية التربية، وجد نفسه أمام مأزق لم يخطر له ببال. لم تكن أسرته تملك حتى رسوم التسجيل البالغة أربعة دنانير. اقترح عليه والده أن يستدين من قريب ميسور الحال، لكن القريب خذله ورفض. لم يتبقَ سوى يوم واحد لتسديد المبلغ، واسودّت الدنيا في عينيه، إذ شعر أن حلمه الجامعي بات قاب قوسين أو أدنى من التبخر.
من دون وعي، غادر قريته متجها إلى بغداد، مثقلًا بالحسرات واليأس. هناك، وقف عند باب الكلية مأزوما، يتأمل بحسرة عشرات الفتيان والفتيات الذين كانوا يرتدون أجمل الثياب، يستقبلون المستقبل بفرح، وقد دفعوا رسومهم ليبدؤوا رحلتهم الجامعية بعد يومين. في المقابل، كان هو غارقا في إحباط عميق، وقد ظن أن أبواب الجامعة ستُغلق أمامه.
وبينما كان يحبس دموعه بصعوبة، شعر بيد تربّت على كتفه. التفت، فإذا برجل مهيب وأنيق يسأله بحنو: «ماذا يبكيك يا ولدي؟»
غالب الفتى دموعه ولم يستطع النطق. غير أن الرجل، وقد قرأ الحكاية في عينيه، أمسك بيده وقال: «تعال معي».
قاد الرجل الفتى إلى غرفة خُطّ على بابها «غرفة الأساتذة». أجلسه، ثم بادره قائلًا: «لقد أحرقت قلبي دموعك! ما قصتك؟».
بعد تردد، سرد الفتى للأستاذ حكاية الرسوم التي لم تُدفع. عندها، لم يتردد الأستاذ لحظة، فاستدعى عامل الخدمات، وأعطاه ورقة كُتب عليها اسم الفتى، مع ورقة نقدية من فئة خمسة دنانير، وطلب منه تسديد الرسوم وإحضار إيصال التسجيل. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سهّل له أيضا إجراء المقابلة المطلوبة مع بقية الأساتذة، ومنحه دينارًا للعودة إلى قريته، مطالبا إياه بالعودة بعد يومين للالتحاق رسميا بالكلية.
ذلك الفتى لم يكن سوى البروفيسور سعيد الزبيدي، الباحث والأكاديمي المعروف، الذي يعيش في سلطنة عمان منذ نحو ربع قرن. وقد روى هذه الحكاية بنفسه في شهادته التي نشرها في كتاب «سيبويه الأخير»، الصادر عن مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية بجامعة نزوى تكريما له بمناسبة بلوغه الثمانين.
كما أعاد سردها في حواري معه ضمن برنامج «ضفاف»، مسمّيًا الأستاذ المنقذ باسمه في المرتين: الشاعر والباحث العراقي الراحل هادي الحمداني، الذي لم يكن يدرك حينها أن موقفه الإنساني هذا سيكون نقطة انعطاف في حياة منقذه الشاب، ليتحول لاحقاً إلى أحد أبرز علماء اللغة العربية العرب.
أجمل ما في هذه الحكاية أنها حدثت بين غريبين لا تربطهما صلة قربى أو مصلحة. ولم يكن إنقاذ الفتى واجبًا يفرضه الدم أو الجوار، بل عمل إنساني محض، نابع من رغبة في الخير، ومن شعور عميق بالرحمة والواجب الأخلاقي تجاه الإنسان في ضعفه وانكساره.
هذا الموقف ذكرني بعشرات الحكايات المماثلة التي زخرت بها الذاكرة الإنسانية والتراث الأدبي، حيث يلتقي القدر بالرحمة، فتكون النتيجة تغييرًا جذريا في مصير إنسان، وأحيانا في مصير أمة بأسرها. من تلك الحكايات ما رواه المؤرخ المقري التلمساني في كتابه «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» عن صقر قريش عبد الرحمن الداخل. في أشد لحظات ضعفه وهروبه من بطش العباسيين، التقى راعيا بسيطًا لا يعرفه، لكنه سقاه وحماه وأرشده إلى الطريق الآمن نحو المغرب، ثم الأندلس، حيث أسس دولته التي دامت مئات السنين. وقد ظل الداخل يذكر هذا الجميل طيلة حياته.
أما في الأدب، فتبرز حكاية لا تقل شهرة، وهي حكاية الأسقف ميريل في رواية «البؤساء» لفيكتور هوجو؛ حين لفظ المجتمع البطل جان فالجان بعد خروجه من السجن، كان الأسقف وحده من احتضنه وأطعمه وآواه. غير أن فالجان قابل الإحسان بالإساءة فسرق شمعدانين من الفضة للأسقف وهرب بهما، لكن الشرطة ارتابت فيه وألقت القبض عليه، وهنا أنقذه الأسقف من جديد بادعائه أنه لم يسرق الشمعدانين وإنما هو من أهداه إياهما عن طيب نفس. وقد غير هذا الموقف مجرى حياة جان فالجان، الذي قرر من تلك اللحظة أن يصبح رجلًا صالحًا.
في كل هذه الحكايات، سواء أكانت قد حدثت في الواقع أو في مخيلة الأدباء، تمتد يد «الغريب» إلى إنسان يائس، في اللحظة التي هو في أمسّ الحاجة إليها، لتغير مسار حياته، وتجعله ممتنا طوال حياته لتلك اللحظة النبيلة.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني