د. محمد فياض: مصر: الأزمة ونظام الحكم.. والعسكر.. والجيش
تاريخ النشر: 22nd, July 2023 GMT
د. محمد فياض في 23 نوفمبر من العام 2011 تم رفع هتاف جديد في ميدان التحرير في القاهرة.. ( يسقط حكم العسكر..).. لم تشأ الجماهير المحتشدة إلا أن تردد وحسب..وتم نقل الهتاف إلى ربوع مصر.. يسقط يسقط حكم العسكر.. للوهلة الأولى وبعد مرور مساحة من الزمن نراها ربما تكفي للمراجعة. وينبغي ونحن نتصدى وحدنا وفي هذا التوقيت لماهية الهتاف ومضامينه ومطابخه وأدوات تسويقه.
أن نقف عند تاريخ إطلاقه للمرة الأولى.. ونقف طويلاً أمام حوامل الهتاف.. ففي 23 نوفمبر عام 2011 كانت تفصلنا مسافة زمنية كفيلة بالتروي والمراجعة والصياغة والتوافق والموافقة..فقد كان مبارك خارج السلطة متخليا عنها ومُسنِداً أمر البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 11 فبراير من ذات العام.. وبعد مايقرب من تسعة أشهر يخرج الهتاف..الشعار.. أطلقه للمرة الأولى الإشتراكيون الثوريون وثلة شباب 6 إبريل…لايعنينا هنا كثيراً في مقاصدنا من هذه الكتابة أنهم وفق ارتباكات المشهد والفكرة وترجمتها إلى غاية الأناركية فقد تراجع منهم من تراجع وراجع من راجع.. لتتفق الأناركية مع كانت عصابة الشيخ المسلح حسن البنا تبحث له عن عنوان ولافتة تعبر عن مشروعها وتعفيها من رفع الشعار الصلب المفخخ..(الإسلام هو الحل..) ..ليتماس الهتاف مع الأطياف السياسية المدنية.وتابع البعض من المحسوبين على التجربة النخبوية كيف أصبح مشروع حسن البنا هو ذاته مشروع..( الاشتراكيون الثوريون وجماعة 6 إبريل).. عديدة هي نقاط الإتفاق وتقاطع الغايات والأهداف الكبرى. وتبدت تحالفاتهم في المنصات التي وسعت مساحاتها للتحالف.فليست مصادفة أن تلتقي هيلاري كلينتون في المكتب البيضاوي نفر من جماعة الشيخ المسلح برئاسة خيرت الشاطر..في الوقت الذي تعلن فيه أن باترسون أنها أنفقت على الميدان في الثمانية عشر يوماً من 25 يناير حتى تخلي مبارك عن الحكم في 11 فبراير 45 مليون دولار. جلست كلينتون تهندس خرائط صاعدة للمنطقة ترتكز على خارطة صهيووهابية لمصر تنطلق منها خرائط لكامل المنطقة تعتمد فكرة الإخوان وتقاطعها مع فكر الإشتراكيين الثوريين وتتناغم مع مادرّبت عليه الماسونية العالمية شباب 6 إبريل لتكون الأخيرة أحد أهم أدوات صناعة الفوضى قناعةً بالأناركية.. اعتقاداً أنه بات من الممكن إجلاس الأطفال والمراهقين على كرسي حكم مصر..وقد أعلن وائل غنيم في إجتماعه مع الصبية في حينئذٍ أن رئيس مصر لن يكون من خارج هذه الجلسة..!! في ذات التوقيت الذي أعلنت فيه الرياض عبر أمرائها أنهم يمولون التيار السلفي في مصر وحدها بمايجاوز العشرين مليار دولار.. والسؤال هنا..: لماذا تنفق باترسون ما اعترفت به على ماتم تسميتهم بالثوار..وتنفق الرياض على السلفيين .. وتنفق الماسونية على اصطياد الشباب وتدريبهم خارج مصر وإطلاق بروفة لاختبار قدرتهم على صناعة الفوضى في 6 إبريل من العام 2008.؟ هل لأجل مصر..الشعب والإقليم .الحاضر والمستقبل اللائق..؟!! أم أن الإدارة في حكومة البيلدلبيرغ قد قررت وضع مشروع الفوضى الخلاقة موضع التطبيق.وأنه وبعد إستقرار الفوضى في عراق مابعد صدام حسين قد أثار لعاب مجلس إدارة الفوضى الذهاب إلى المرحلة النهائية لذبح الجيوش الكلاسيكية..نفاذا لرؤية رئيسة الوزراء النازية جولدمائير حين رهنت أمن إسرائيل بإخراج الجيوش العربية الثلاثة من الخدمة..وقد نفضت المؤامرة يديها من تنفيذ مرحلة إحلال الفوضى محل الجيش العراقي.. وقد جَيّشَت واشنطن باحتراف جمع وتدريب وتسليح جماعات الشيخ المسلح ودفعت بهم لمقاتلة الجيش العربي السوري.. ولم تخلُ جلسة هيلاري مع خيرت الشاطر من مناقشة مخطط مواجهة أكثر الجيوش الكلاسيكية العربية عقيدة وقوة..ومناقشة الأدوات والتجهيزات ومصادر التمويل.. وبين أهم وسائل هذه الحرب القذرة حلحلة اليقين الجمعي عند المصريين تجاه قواتهم المسلحة وكسر الرابط السرمدي وقطع الحبل السُري بين الجيش والشعب لتهيئة البيئة لاستقبال وقبول مواجهته بالميليشيات في خطة إحتراب داخلي تبدأ بالأحنبي..الطرف الثالث وتديرها غرف المخابرات المركزية وفرعياتها في طهران والرياض والدوحة وأنقرة وتل أبيب.. وإن تباينت غايات تلك العواصم..وقد بنت واشنطن خطتها في المكتب البيضاوي مع خيرت الشاطر على فرضية أن شعب مصر الهجين النظري الذي وضعته الصهيونية في خطة ثقافة وتعليم وإعلام وزراعة وصناعة منتجات كامب ديفيد وبعد مرور الزمن قد أتت بشعب انفصلت روابطه بالأرض وبات لايقيم وزنا للوطنية والجغرافيا والجيش… واعتقدت الإدارة الغبية للملفات أن تجريب إطلاق الهتاف.. يسقط يسقط حكم العسكر…عبر الأدوات. في بيئة مناسبة وسينتشر دون أدنى جهد… وكان لهم ما أرادوا واقتنعوا…ملأ الهتاف حناجر المصريين.. يسقط يسقط حكم العسكر… ثلة من فِرَق أعضاء المؤامرة.. ومعهم مانعتناه بالخطيئة نخبة وطنية..هتفوا ضد مصر..ضد جيش مصر..وبات الهتاف سهلاً يملأ الحناجر ولايمر بالدماغ الجمعي لشعب مصر.. وغبطت منه إدارة الربيع في البيت الأبيض..وقفذ الثيوقراط إلى حكم مصر..وبات على خيرت الشاطر أن يسرع في تنفيذ خارطة هيلاري كلينتون..تيار الشيخ المسلح يحكم مصر ويباركه عاصرو الليمون..!! إن من لم يقرأ سطرا واحداً من التاريخ في بلادي مدت له الأنظمة منذ كامب ديفيد يد العون والمساعدة وصنعت من هؤلاء نخبة…لايجوز أبدآ إلتماس أية أعذار لأعضائها حين هتفت يسقط يسقط حكم العسكر… حيث لاجيش وشعب.فالشعب المصري كله جيش.. ولم يحدث في التاريخ حتى في أحلك ظروف المواجهات العسكرية ونكسة 5 يونية 67 لم يتلاسن شعب مصر ضد الجيش..ولم تتجرأ الذهنية الجمعية للمصريين على مناقشة الثابت الوطني..جيش مصر وعلى المقاهي والنواصي والجلسات العشوائية.. قدس أقداس الحالة المصرية باتت جدول نقاشات العوام..منذ يسقط يسقط حكم العسكر…وفي 30 يونية خرج الشعب يدهس كل خرائط كلينتون التي جهزتها للمنطقة ويصعق كل مجلس إدارة الملفات في البيلدلبيرغ لفشلهم الذريع في إنتاج أجيال في مصر وقد تغيرت خارطة الجينات الوطنية عنده من حديقة الكامب إلى ميدان التحرير..وتخرج مصر ( الجيش..الشعب) ..وخلال إدارة البلاد بعد إزاحة الإخوان من الحكم.. وخلال فترتي حكم الرئيس السيسي وصلت الأوضاع الإقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر والضنك..لأسبابها وصلت الأوضاع المعيشية نتيجة سياسات إنحازت بالخطأ..ومورست بالخطأ وأنتجت حزمة من الإنجازات التي لايضعها المصريون في جدول الأولويات..سياسات نفذتها حكومة فاشلة ومصممة على إدارة إنتاج الفشل لإنتاج مزيد من الضيق والعَوَز تحقق عدة هزائم في أنساق الرضا العام…هل يحيا المصريون في أزمة..؟ .. قولاً واحداً: نعم. هل من الأسباب العديدة للأزمة الإنحياز الخطأ من نظام الحكم..؟ قولاً واحداً : نعم .. هل استثمرت قوى الشر الإقليمية والدولية وطبقة نخبة الأناركية في الداخل.الأزمة وتغرد تلميحاً وتصريحاً..أنه الجيش..هو المسؤول رغم اليقين الدستوري أن الجيش لايحكم…؟؟ ويتم تسويق مفردة العسكر من جديد لتحضيرها هتافاً ..؟ الإجابة: نعم .. فليصغي نظام الحكم إلى ضمير هذا الشعب.. وليسرع في تجفيف عبراته المتحجرة وقد وجد ذاته محشورة بين الموت جوعاً..والموت قهراً..لايرغب الضمير الوطني في إسناد الأزمة إلى جيشه الوطني..ولن يفعل..وجل مايفعله أن يخاطب نظام الحكم العدول عن هذا المنهج في الإدارة.. وأن يعتمد منهاجاً يحقق _ إن كنا فقراء..ولسنا كذلك _ توزيعاً عادلاً للفقر…وبينما مصرنا غنية وغنية جدآ فلنذهب إلى عدالة توزيع الثروة.. نقبل أن يفعلها النظام..وأن يفعلها الجيش. فمسؤولية الحفاظ على الوطن منوطة بجيشنا الوطني..والوطن ليس قطعة من الأرض..بل يحيا عليها الشعب وله حزمة من الحقوق تم الإعتداء عليها لصالح مجتمع النصف في المائة منذ الجمهورية الثانية التي بدأت مع الإنفتاح السداح مداح..وتسمياته العصرية وحتى اليوم. نعم لدينا أزمة ومطروحة تداعياتها على نظام الحكم..ولاتعرف مصر أن لديها عسكر.. ( د. محمد فياض..القاهرة)
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
الفوضى وأثرها على الأمم
لعل السؤال الأبرز اليوم في هذا الكوكب هو: ما الذي يجري؟ لماذا كل هذا الانهيار في القيم؟ وفي النظم الأخلاقية؟ لماذا ينحدر العالم إلى الحضيض؟ لماذا تعلن روسيا استراتيجية الأمن الثقافي القومي؟ ولماذا المسلمون يتقبلون الواقع على مذهب ذلك الأعرابي الذي قال: أخذوا الأبل فأوسعتهم سبا؟.
نحن اليوم نعيش واقعا متموجا ومضطربا وقلقا، اليسار العالمي تصدع وبانت شروخه في جدار الزمن، والنظم الديمقراطية أخفقت في تقديم النموذج الأخلاقي الشريف الذي ينتصر للإنسان، والمسلمون في غفلة الوقت فكهون يكتفون ببيانات التنديد والشجب وبالتظاهرات، في حين تقوم التطبيقات الاجتماعية في تفكيك نظمهم الأخلاقية، وجرهم إلى عالم التفاهة، وليس من مشروع حضاري قادر على البقاء والصراع في هذا الواقع المتموج والمنحدر إلى الأسفل.
قبل سقوط بغداد عام 2003م كان هناك مصطلح الفوضى الخلاقة، وبعد سقوطها شاعت هذه الفوضى حتى رأينا البناءات الاجتماعية والنظام العام والطبيعي يتداعى إلى درجة السقوط في الكثير من البلدان، ثم شاعت فكرة الفوضى في الفنون والآداب، وحاول الكثير من أرباب الفنون عن طريق الفوضى الخلاقة إيصال رسالة التشظي والانكسار والانهيار إلى الناس خاصة المجتمع العراقي كمجتمع مستهدف مطلع الألفية الثالثة، وبعد اجتياح فوضى الربيع العربي وانهيار النظم العامة والطبيعية في الكثير من البلدان العربية، ها هي فكرة الفوضى الجديدة تبرز من جديد كقوة تحارب جنبا إلى جنب مع النظام الرأسمالي في مواجهة روسيا التي سارعت إلى الإعلان عن استراتيجية الأمن القومي الثقافي، كجزء من استراتيجية الصراع مع الغرب الذي يفرض النظم الأخلاقية الجديدة التي تستهدف الإنسان في قيمته المادية والمعنوية وتحويله إلى كيان فوضى ومسخ .
الغرب اليوم يقر بحقوق التحول الجنسي، ويقر المثلية، ويقر الممارسة الجنسية مع الحيوانات، ويستهدف الإنسان حتى يصبح كيانا خاليا وعاطلا من أي محتوى قيمي، أو إنساني من خلال نظم الفوضى الخلاقة، وقد نشأ في الغرب نفسه تيارات فكرية مناهضة لهذا التوجه السياسي للنظام الدولي، وصدرت عدد من الكتب، هذه الكتب تناقش فكرة النظام الأخلاقي الجديد، كيف تبدأ الأفكار؟ وكيف تصبح في مخيلة المجتمع؟ وكيف يتخيل المجتمع وجوده الاجتماعي في العلاقات والتعامل البيني؟
فالمتخيل الاجتماعي فهم عام مشترك يجعل الممارسات الاجتماعية ممكنة كما تذهب إلى ذلك الكثير من النظريات الاجتماعية الحديثة.
اليوم نحن نعيش في زمن ما بعد الحداثة العالم يطرح رؤى فلسفية، ومتخيلات لنظم أخلاقية، ويعمل على فلسفة القيم ويعيد بناءها بعد القيام بنظم التفكيك وبما يتسق مع المستوى الحضاري المعاصر.
نحن كعرب وكمسلمين ما الذي نقوم به؟
هذا السؤال هو السؤال الأهم في سياق ما يحدث حولنا من انهيارات وهزائم للنظم الأخلاقية والقيم النبيلة التي كانت تنتصر للإنسان في سالف الزمان والعقود.
السؤال المطروح سؤال وجودي في عالم يسيطر على الموجهات الكلية والعامة، ضرورة الإجابة عليه لا تعني بالمطلق بيانات الإدانة والشجب ولا التظاهرات والحملات الإعلامية التي تنتهي في ظرف زمني وجيز لا يتجاوز الساعات وربما الثواني المعدودة.
نحن أمام حرب ثقافية وهذه الحرب تواجه بمثلها، فالصاروخ والدبابة والبندقية لا تحسم فيها معركة، ولذلك فخوض المعركة – وهو أمر حتمي – يتطلب وعيا متقدما وفهما للواقع واستراتيجيات، وخطط واضحة المعالم والأهداف، ويمكننا العودة إلى زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب للاستفادة من طرق وأساليب إدارة المعركة مع هذا الغول المتوحش الرأسمالي الذي بدأ يشيع في حياة البشرية نظريات الفوضى وتمتين علاقتها مع نظريات أخرى مثل نظرية الاحتمالات، ونظرية الكارثة، ونظرية التعقيد.
التفكير العلمي والمنطقي الذي يستمد مقوماته من تغيرات الواقع، ويحوّل ذلك إلى تصورات في محاولة لتفسير هذا الواقع هو الطريق القادر على الوقوف أمام هذا التوحش.
فالفكر العلمي المعاصر تتخلله رؤى جديدة إلى الواقع في مختلف مستويات الوجود، تعبر إلى حد ما عن انفصال وقطيعة مع ما تحقق في الماضي ولا بد لنا من معالجة الظواهر بما يتسق وضرورات المرحلة الحضارية والثقافية.
يقول الكاتب خليفة داوود: ” لقد قدم الفكر العلمي الجديد نماذج معرفية صنعتها عدة نظريات، لاسيما في ميدان الفيزياء، وكان من أهمها: ميكانيكا الكم ونظرية النسبية… وما صاحب ذلك من تغير بعض المفاهيم العلمية الأساسية كالانتظام والاطراد والتنبؤ والاتصال..، وبرزت إلى الوجود أبحاث تسعى إلى الكشف عن تفاصيل الظواهر الطبيعية؛ فتوصل بعض العلماء إلى أن ظواهر الطبيعة لا هي بمطردة وغير منتظمة ولا يمكن التنبؤ بها، ومن ثمّ فإن إمكان فهم الطبيعة باستعمال المنهج الرياضي لا يصمد – في كل الأحوال – أمام ما تزخر به ظواهر الطبيعة من تفاعلات غير متوقعة”.
نحن في معركة كبرى اليوم ولا بد لنا من استخدام النظم المعرفية والنظريات حتى ننتصر، فالمعركة التي أعلنت عن نفسها اليوم هي معركة كبرى البقاء فيها للأكثر معرفة بقوانين الطبيعة وبنظم المعرفة وبالمستويات الحضارية التي تحتاج إلى الانتظام والأخلاق بما يتسق مع التطورات، فالفوضى لن تكون إلا دمارا شاملا للأمم والشعوب.