د. محمد فياض في 23 نوفمبر من العام 2011 تم رفع هتاف جديد في ميدان التحرير في القاهرة.. ( يسقط حكم العسكر..).. لم تشأ الجماهير المحتشدة إلا أن تردد وحسب..وتم نقل الهتاف إلى ربوع مصر.. يسقط يسقط حكم العسكر.. للوهلة الأولى وبعد مرور مساحة من الزمن نراها ربما تكفي للمراجعة. وينبغي ونحن نتصدى وحدنا وفي هذا التوقيت لماهية الهتاف ومضامينه ومطابخه وأدوات تسويقه.

أن نقف عند تاريخ إطلاقه للمرة الأولى.. ونقف طويلاً أمام حوامل الهتاف.. ففي 23 نوفمبر عام 2011 كانت تفصلنا مسافة زمنية كفيلة بالتروي والمراجعة والصياغة والتوافق والموافقة..فقد كان مبارك خارج السلطة متخليا عنها ومُسنِداً أمر البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 11 فبراير من ذات العام.. وبعد مايقرب من تسعة أشهر يخرج الهتاف..الشعار.. أطلقه للمرة الأولى الإشتراكيون الثوريون وثلة شباب 6 إبريل…لايعنينا هنا كثيراً في مقاصدنا من هذه الكتابة أنهم وفق ارتباكات المشهد والفكرة وترجمتها إلى غاية الأناركية فقد تراجع منهم من تراجع وراجع من راجع.. لتتفق الأناركية مع كانت عصابة الشيخ المسلح حسن البنا تبحث له عن عنوان ولافتة تعبر عن مشروعها وتعفيها من رفع الشعار الصلب المفخخ..(الإسلام هو الحل..) ..ليتماس الهتاف مع الأطياف السياسية المدنية.وتابع البعض من المحسوبين على التجربة النخبوية كيف أصبح مشروع حسن البنا هو ذاته مشروع..(  الاشتراكيون الثوريون وجماعة 6 إبريل).. عديدة هي نقاط الإتفاق وتقاطع الغايات والأهداف الكبرى. وتبدت تحالفاتهم في المنصات التي وسعت مساحاتها للتحالف.فليست مصادفة أن تلتقي هيلاري كلينتون في المكتب البيضاوي نفر من جماعة الشيخ المسلح برئاسة خيرت الشاطر..في الوقت الذي تعلن فيه أن باترسون أنها أنفقت على الميدان في الثمانية عشر يوماً من 25 يناير حتى تخلي مبارك عن الحكم في 11 فبراير 45 مليون دولار. جلست كلينتون تهندس خرائط صاعدة للمنطقة ترتكز على خارطة صهيووهابية لمصر تنطلق منها خرائط لكامل المنطقة تعتمد فكرة الإخوان وتقاطعها مع فكر الإشتراكيين الثوريين وتتناغم مع مادرّبت عليه الماسونية العالمية شباب 6 إبريل لتكون الأخيرة أحد أهم أدوات صناعة الفوضى قناعةً بالأناركية.. اعتقاداً أنه بات من الممكن إجلاس الأطفال والمراهقين على كرسي حكم مصر..وقد أعلن وائل غنيم في إجتماعه مع الصبية في حينئذٍ أن رئيس مصر لن يكون من خارج هذه الجلسة..!! في ذات التوقيت الذي أعلنت فيه الرياض عبر أمرائها أنهم يمولون التيار السلفي في مصر وحدها بمايجاوز العشرين مليار دولار.. والسؤال هنا..: لماذا تنفق باترسون ما اعترفت به على ماتم تسميتهم بالثوار..وتنفق الرياض على السلفيين .. وتنفق الماسونية على اصطياد الشباب وتدريبهم خارج مصر وإطلاق بروفة لاختبار قدرتهم على صناعة الفوضى في 6 إبريل من العام 2008.؟ هل لأجل مصر..الشعب والإقليم .الحاضر والمستقبل اللائق..؟!! أم أن الإدارة في حكومة البيلدلبيرغ قد قررت وضع مشروع الفوضى الخلاقة موضع التطبيق.وأنه وبعد إستقرار الفوضى في عراق مابعد صدام حسين قد أثار لعاب مجلس إدارة الفوضى الذهاب إلى المرحلة النهائية لذبح الجيوش الكلاسيكية..نفاذا لرؤية رئيسة الوزراء النازية جولدمائير حين رهنت أمن إسرائيل بإخراج الجيوش العربية الثلاثة من الخدمة..وقد نفضت المؤامرة يديها من تنفيذ مرحلة إحلال الفوضى محل الجيش العراقي.. وقد جَيّشَت واشنطن باحتراف جمع وتدريب وتسليح جماعات الشيخ المسلح ودفعت بهم لمقاتلة الجيش العربي السوري.. ولم تخلُ جلسة هيلاري مع خيرت الشاطر من مناقشة مخطط مواجهة أكثر الجيوش الكلاسيكية العربية عقيدة وقوة..ومناقشة الأدوات والتجهيزات ومصادر التمويل.. وبين أهم وسائل هذه الحرب القذرة حلحلة اليقين الجمعي عند المصريين تجاه قواتهم المسلحة وكسر الرابط السرمدي وقطع الحبل السُري بين الجيش والشعب لتهيئة البيئة لاستقبال وقبول مواجهته بالميليشيات في خطة إحتراب داخلي تبدأ بالأحنبي..الطرف الثالث وتديرها غرف المخابرات المركزية وفرعياتها في طهران والرياض والدوحة وأنقرة وتل أبيب.. وإن تباينت غايات  تلك العواصم..وقد بنت واشنطن خطتها في المكتب البيضاوي مع خيرت الشاطر على فرضية أن شعب مصر الهجين النظري الذي وضعته الصهيونية في خطة ثقافة وتعليم وإعلام وزراعة وصناعة منتجات كامب ديفيد وبعد مرور الزمن قد أتت بشعب انفصلت روابطه بالأرض وبات لايقيم وزنا للوطنية والجغرافيا والجيش… واعتقدت الإدارة الغبية للملفات أن تجريب إطلاق الهتاف.. يسقط يسقط حكم العسكر…عبر الأدوات. في بيئة مناسبة وسينتشر دون أدنى جهد… وكان لهم ما أرادوا واقتنعوا…ملأ الهتاف حناجر المصريين.. يسقط يسقط حكم العسكر… ثلة من فِرَق أعضاء المؤامرة.. ومعهم مانعتناه بالخطيئة نخبة وطنية..هتفوا ضد مصر..ضد جيش مصر..وبات الهتاف سهلاً يملأ الحناجر ولايمر بالدماغ الجمعي لشعب مصر.. وغبطت منه إدارة الربيع في البيت الأبيض..وقفذ الثيوقراط إلى حكم مصر..وبات على خيرت الشاطر أن يسرع في تنفيذ خارطة هيلاري كلينتون..تيار الشيخ المسلح يحكم مصر ويباركه عاصرو الليمون..!! إن من لم يقرأ سطرا واحداً من التاريخ في بلادي مدت له الأنظمة منذ كامب ديفيد يد العون والمساعدة وصنعت من هؤلاء نخبة…لايجوز أبدآ إلتماس أية أعذار لأعضائها حين هتفت يسقط يسقط حكم العسكر… حيث لاجيش وشعب.فالشعب المصري كله جيش.. ولم يحدث في التاريخ حتى في أحلك ظروف المواجهات العسكرية ونكسة 5 يونية 67 لم يتلاسن شعب مصر ضد الجيش..ولم تتجرأ الذهنية الجمعية للمصريين على مناقشة الثابت الوطني..جيش مصر وعلى المقاهي والنواصي والجلسات العشوائية.. قدس أقداس الحالة المصرية باتت جدول نقاشات العوام..منذ يسقط يسقط حكم العسكر…وفي 30 يونية خرج الشعب يدهس كل خرائط كلينتون التي جهزتها للمنطقة ويصعق كل مجلس إدارة الملفات في البيلدلبيرغ لفشلهم الذريع في إنتاج أجيال في مصر وقد تغيرت خارطة الجينات الوطنية عنده من  حديقة الكامب إلى ميدان التحرير..وتخرج مصر ( الجيش..الشعب) ..وخلال إدارة البلاد بعد إزاحة الإخوان من الحكم.. وخلال فترتي حكم الرئيس السيسي وصلت الأوضاع الإقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر والضنك..لأسبابها وصلت الأوضاع المعيشية نتيجة سياسات إنحازت بالخطأ..ومورست بالخطأ وأنتجت حزمة من الإنجازات التي لايضعها المصريون في جدول الأولويات..سياسات نفذتها حكومة فاشلة ومصممة على إدارة إنتاج الفشل لإنتاج مزيد من الضيق والعَوَز تحقق عدة هزائم في أنساق الرضا العام…هل يحيا المصريون في أزمة..؟ .. قولاً واحداً:  نعم. هل من الأسباب العديدة للأزمة الإنحياز الخطأ من نظام الحكم..؟ قولاً واحداً : نعم .. هل استثمرت قوى الشر الإقليمية والدولية وطبقة نخبة الأناركية في الداخل.الأزمة وتغرد تلميحاً وتصريحاً..أنه الجيش..هو المسؤول رغم اليقين الدستوري أن الجيش لايحكم…؟؟ ويتم تسويق مفردة العسكر من جديد لتحضيرها هتافاً ..؟ الإجابة: نعم ..                    فليصغي نظام الحكم إلى ضمير هذا الشعب.. وليسرع في تجفيف عبراته المتحجرة وقد وجد ذاته محشورة بين الموت جوعاً..والموت قهراً..لايرغب الضمير الوطني في إسناد الأزمة إلى جيشه الوطني..ولن يفعل..وجل مايفعله أن يخاطب نظام الحكم العدول عن هذا المنهج في الإدارة.. وأن يعتمد منهاجاً يحقق _ إن كنا فقراء..ولسنا كذلك _ توزيعاً عادلاً للفقر…وبينما مصرنا غنية وغنية جدآ فلنذهب إلى عدالة توزيع الثروة.. نقبل أن يفعلها النظام..وأن يفعلها الجيش. فمسؤولية الحفاظ على الوطن منوطة بجيشنا الوطني..والوطن ليس قطعة من الأرض..بل يحيا عليها الشعب وله حزمة من الحقوق تم الإعتداء عليها لصالح مجتمع النصف في المائة منذ الجمهورية الثانية التي بدأت مع الإنفتاح السداح مداح..وتسمياته العصرية وحتى اليوم. نعم لدينا أزمة ومطروحة تداعياتها على نظام الحكم..ولاتعرف مصر أن لديها عسكر.. ( د. محمد فياض..القاهرة)

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

ما سبب الفوضى العالمية الحالية؟

العالم في حالة فوضى، ففي الوقت الذي يعيد فيه الرئيس ترامب رسم خريطة التجارة العالمية عبر حزمة عقوبات جمركية قاسية، ويعيد تشكيل تحالفات أمريكا، يجد قادة العالم أنفسهم في سباق محموم للتعامل مع هذه الاضطرابات، لكنهم غير مهيئين جيدًا لذلك، إذ تشهد الحكومات في أنحاء العالم هزائم انتخابية أو بالكاد تتمكن من الاحتفاظ بالسلطة وسط تصاعد السخط الشعبي، من الولايات المتحدة إلى أوروجواي، ومن بريطانيا إلى الهند، اجتاحت موجة مناهضة للأنظمة الحاكمة الديمقراطية في عام 2024، بل إن الأزمة لا تقتصر على الديمقراطيات وحدها؛ فالصين أيضًا تواجه اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار اقتصادي، باختصار، أصبح الصراع عالميًا.

هناك تفسيرات عديدة لهذه الحالة البائسة، البعض يرى أن التغيرات الاجتماعية السريعة، لا سيما في قضايا الهجرة والهوية الجندرية، تغذي ردود فعل ثقافية عنيفة. آخرون يعتقدون أن النخب فشلت في إدارة جائحة كورونا أو انفصلت عن شعوبها، ما أدى إلى تصاعد المشاعر المناهضة للمؤسسة الحاكمة والدعم للزعماء السلطويين، وهناك من يحمّل وسائل التواصل الاجتماعي، المدفوعة بالخوارزميات، مسؤولية تسهيل انتشار المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة، مما زاد من حالة التقلب والاضطراب.

كل هذه النظريات تحمل قدرا من الصحة، دون شك. لكن هناك قوة أعمق تقف خلف هذا الانهيار وهي الركود الاقتصادي العالمي.

يشهد العالم تباطؤا طويل الأمد في معدلات النمو، بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، وازداد سوءا بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، ولا توجد مؤشرات على تحسنه، ومع تدني معدلات النمو والإنتاجية، وشيخوخة القوة العاملة، يقف الاقتصاد العالمي في مأزق، هذه المعضلة الاقتصادية المشتركة هي التي تقف خلف معظم النزاعات السياسية والاجتماعية حول العالم.

ولعل نظرة على وضع مجموعة العشرين، التي تضم أكبر اقتصادات العالم، تكشف حجم الأزمة. فثمانية من هذه الاقتصادات لم تنمُ سوى بأقل من 10% منذ عام 2007، وأربعة أخرى بالكاد تجاوزت هذا الحد، صحيح أن دولًا مثل الهند وإندونيسيا وتركيا حافظت على معدلات نمو أعلى، إلا أن معظم الاقتصادات تعاني من ركود طويل الأمد.

في السابق، كانت اقتصادات مجموعة العشرين تنمو بنسبة 2 إلى 3% سنويًا، مما يسمح بمضاعفة الدخل كل 25 إلى 35 سنة، أما اليوم، فتتراوح المعدلات بين 0.5 و1% فقط، ما يعني أن الدخل سيستغرق 70 إلى 100 سنة لمضاعفته، وهي فترة طويلة جدًا تجعل الناس يشعرون بعدم جدوى الانتظار. وهذا التباطؤ، حتى وإن لم يكن تامًا، يكفي لتحطيم التوقعات: فعندما لا يعود الناس يؤمنون بأن مستوى معيشتهم أو معيشة أبنائهم سيتحسن، تبدأ الثقة في المؤسسات بالانهيار، ويزداد السخط الشعبي.

فما الذي أدى إلى هذا التباطؤ الصارخ في النمو؟

أحد الأسباب هو التحول العالمي من التصنيع إلى قطاع الخدمات، ما أوقف المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي وهو نمو الإنتاجية.

فالإنتاجية، أي الناتج لكل ساعة عمل، يمكن أن ترتفع بسرعة في قطاع الصناعة، مصنع سيارات يضيف خطوط إنتاج آلية يمكنه مضاعفة الإنتاج دون تعيين مزيد من العمال، أما في الخدمات، فرفع الكفاءة أصعب بكثير، فمطعم مشغول يحتاج إلى مزيد من الطهاة والخدمة، ومستشفى يعالج مرضى أكثر يحتاج إلى مزيد من الأطباء والممرضين، ولهذا، فالإنتاجية في اقتصادات الخدمات ترتفع ببطء دائمًا.

هذا التحول الكبير يُعرف بـ«إزالة التصنيع»، وهو مسار مستمر منذ عقود، وفي أمريكا وأوروبا تتمثل مظاهره في فقدان وظائف التصنيع وتراجع الطلب على المنتجات الصناعية، لكن إزالة التصنيع لا تقتصر على الاقتصادات الغنية فقط، بل تحدث في مختلف دول مجموعة العشرين، مما يضغط على معدلات النمو في كل مكان، واليوم، يعمل نحو 50% من القوى العاملة العالمية في قطاع الخدمات.

السبب الآخر للركود العالمي هو تباطؤ نمو السكان، بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم طفرة ولادات أدت إلى زيادة الطلب على السكن والبنية التحتية، ومهّدت لمرحلة نمو اقتصادي هائل. وكان الاعتقاد السائد أن معدلات الخصوبة ستستقر عند معدل الإحلال (طفلين لكل أسرة)، لكنها انخفضت دونه في معظم الدول، ليس فقط لأن الأسر اختارت إنجاب عدد أقل من الأطفال، بل لأن عددًا أقل من الناس بات يكوّن أسرًا من الأساس، هذه الظاهرة تشمل الآن ماليزيا والبرازيل وتركيا وحتى الهند.ويُعد هذا التراجع في معدل الولادات كارثة اقتصادية، فالقوى العاملة تتقلص، والأسواق المستقبلية تنكمش، ما يثبّط عزيمة الشركات على التوسع، خصوصًا في اقتصادات الخدمات حيث ترتفع التكاليف وتقل فرص رفع الإنتاجية، والنتيجة تراجع الاستثمارات، وفي الوقت ذاته، يؤدي انخفاض نسبة السكان في سن العمل إلى زيادة العبء الضريبي لدعم المتقاعدين، ما يضغط على الحكومات لزيادة الضرائب، أو رفع الديون، أو تقليص الإنفاق.

في ظل هذا الجمود، تغيرت استراتيجيات الشركات، فبدلا من استثمار الأرباح في التوسع والتوظيف والابتكار، باتت تركز على إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح، مما يعزز أسعار الأسهم ومكافآت المديرين التنفيذيين، وهذا يوجد حلقة مفرغة من عدم المساواة، وتراجع الطلب، والنمو الضعيف، وهذه الظاهرة عالمية، ولا عجب أن صندوق النقد الدولي يحذّر من «عقد عشرينيات فاتر»، بل إن ذلك التحذير سبق اندلاع الحرب التجارية التي أطلقها ترامب.

فما الحل؟

يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي هو المخرج من هذا الركود، فلو تمكن الذكاء الاصطناعي من رفع الكفاءة في القطاعات كثيفة القوى العاملة، كالصحة والتعليم، فقد يُنعش النمو، لكن الواقع أن المكاسب الإنتاجية من الذكاء الاصطناعي التوليدي لا تزال محدودة، ويصعب تصور كيف يمكن أن يُحدث هذا تحسنًا واسعًا في الخدمات الأساسية، بل إن وتيرة التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي تبدو وكأنها بدأت بالتباطؤ، لا التسارع، باختصار، الروبوتات لن تنقذ الاقتصاد العالمي.

ويرى آخرون أن الحل هو إعادة التصنيع من خلال الحماية الجمركية، كما تراهن إدارة ترامب، لكن هناك ما يدعو للتشكيك في هذا الطرح أيضا، فتراجع التصنيع لم يكن ناتجًا عن التجارة وحدها، فحتى الدول الصناعية الكبرى مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية شهدت تراجعًا في التوظيف الصناعي، ثم إن الصناعات التي تُستهدف بالإنعاش، كالرقائق الإلكترونية والسيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، توظف عددًا قليلًا نسبيًا من العمال، لقد انتهى عصر التصنيع كثيف القوى العاملة.

إذا تعذر رفع الإنتاجية، فربما يمكن رفع عدد السكان، هذه فكرة «التيار الولادي» الذي يشجّع الناس على إنجاب مزيد من الأطفال، لكن حتى الدول ذات السياسات الأسرية السخية، مثل السويد وفرنسا، لم تتمكن من وقف تراجع معدلات الخصوبة، يبقى الخيار الآخر وهو الهجرة الواسعة، التي تظل الوسيلة الأكثر فعالية للحفاظ على النمو في مجتمعات تتقدم في العمر، والولايات المتحدة حققت نموا أقوى من اليابان وألمانيا جزئيا بفضل ارتفاع معدلات الهجرة، لكن في زمن ترامب المعادي للمهاجرين، يبدو هذا الحل شبه مستحيل.

ومع ذلك، لا تزال هناك طريقتان واقعيتان للتعامل مع الركود:

الأولى: زيادة الإنفاق عبر العجز في الميزانية، فأحد أسباب تفوق الاقتصاد الأمريكي على نظيره الأوروبي هو أن أمريكا تبنت سياسة عجز مالي واسع، بلغ في المتوسط أكثر من 6% من الناتج المحلى منذ 2009، بينما تمسكت أوروبا بانضباط مالي صارم، الإنفاق بالعجز يمكن أن يحفّز النمو، خصوصًا إذا وُجّه نحو الاستثمار العام، كدفع عجلة التحول البيئي، حتى أوروبا بدأت تخفف من قيودها وتستعد لموجة إنفاق بالعجز، وإن كانت تركز في الغالب على الأمن والدفاع.

الثانية: إعادة توزيع الثروة، فقد فشلت فكرة أن إغناء الأثرياء يُحفّز النمو من أعلى إلى أسفل، يمكن للحكومات أن تفرض ضرائب أعلى بكثير على الأغنياء وتعيد توزيع الدخل لبقية المجتمع، قد يكون هذا صعب التنفيذ سياسيًا، لكنه سيُحسّن الطلب الاستهلاكي ويُقوي الأسواق المحلية والعالمية.

الهدف يجب ألا يقتصر على رفع مستويات الدخل، فالدراسات تظهر أنها لم تعد مرتبطة بالسعادة، بل بناء مجتمعات أكثر استقرارًا وعدالة في عالم منخفض النمو، ويتطلب ذلك استثمارات تُحسّن حياة الناس مثل ترميم الأنظمة البيئية، وإعادة بناء البنية التحتية، وتوسيع الإسكان، ومن شأن ذلك أيضًا أن يُهيئ الظروف المناسبة للدول الفقيرة لخوض تجربة تنمية قائمة على التصدير بشروط أكثر عدالة واستقرارًا.

لن يؤدي ذلك تلقائيًا إلى استقرار عالمي، بطبيعة الحال، ستنشأ صراعات جديدة مع رسم معالم المستقبل البديل، لكن بالنظر إلى المسار الذي نسير فيه، يبدو أن الأمر يستحق المحاولة.

مقالات مشابهة

  • بمشاركة مصطفى محمد.. باريس سان جيرمان يسقط في فخ التعادل أمام نانت بالدوري الفرنسي
  • الاحزاب والعسكر
  • ما سبب الفوضى العالمية الحالية؟
  • كسب تعاطف الملايين.. الظهور الأول لـ محمد فياض داخل العناية المركزة
  • محمد فياض.. طبيب أبكى مرضه رواد مواقع التواصل الاجتماعي
  • 70 يوما في كرب.. قصة مرض الدكتور محمد فياض أوجعت رواد فيسبوك
  • اليوم.. الحكم على المتهم بقتل نجل لاعب الزمالك السابق
  • خلال ساعات.. الحكم على المتهم بقتل نجل لاعب الزمالك السابق
  • الحكم على المتهم بقـ.ـتل نجل عمر كشمير لاعب نادي الزمالك.. اليوم
  • طعنه بأماكن متفرقة في جسده .. الحكم على عامل بسوهاج بعد إحالته للمفتي