الدكتور طارق ليساوي بداية من واجبي الاعتذار لقراء رأي اليوم على هذا الغياب المؤقت، فآحيانا يشعر المرء بنوع من الإحباط في ظل موجة اللامبالاة و سيادة التفاهة و القبول العام بالظلم و الجور و الاهتمام اللامحدود بسفاسف الأمور.. وفي ظل وضع عام كهذا بجد المرء نفسه “كمن يطبل في الماء”، ويزداد الوضع تعقيدا في ظل فضاء غير متسامح مع الرأي الحر و المستقل، فنحن أمام موجة عاتية من السلطوية و تكميم الأفواه و كسر الأقلام الحرة في مقابل دعم لا محدود للتفاهة و للمطبلين و المسبحين بحمد السلطة و أصحابها و الأمر غير مقتصر على بلد بعينه بل يشمل أغلب البلاد العربية المصابة بنفس العلل المزمنة الاستبداد و السلطوية و الظلم الاجتماعي و العجز التنموي و التشرذم السياسي و المجتمعي و غياب الرؤية و الهدف الحضاري .

. لكن مع ذلك، هناك دافع اقوى يدفعني باتجاه قول كلمة الحق، خاصة عندما أرى أن الأمر يمس امور يصعب تجاهلها او السكوت عنها، فواجبي كمسلم أولا و كرجل علم ثانيا منحه المولى عز وجل شرف حمل لواء العلم و تعليمه للأجيال الصاعدة، يدفعني هذا الواجب الديني و الأخلاقي إلى التنبيه للمخاطر الآنية و المستقبلية، و الصمت في مثل هذه الظروف مساهمة في المأساة لان الساكت عن الحق شيطان أخرس ..  وهنا ليسمح لي القارئ الكريم، ان اثير قضيتين على درجة بالغة من الأهمية والخطورة و في نفس الوقت إبراء ذمتي أمام المولى عز و جل يوم لا ينفع المرء لا منصب و لا جاه و لا سلطان: اولا – التطبيع مع الكيان الصهيوني لا نفع منه: سبق لي في اكثر من مناسبة ان عبرت عن موقفي الواضح و الصريح من إتفاق التطبيع، وجريدة رأي اليوم شاهد على ذلك، و أعيد التأكيد مجددا أني أدين التطبيع مع الكيان الصهيوني، و أعلن براءتي منه منذ يوم توقيعه، و أرى أن العلاقات مع هذا الكيان الصهيوني لا نفع منها، و ضررها اكثر بكثير من نفعها، و ان ما يتم الترويج له من اعتراف الكيان الصهيوني بأن الصحراء ارض مغربية، هو اعتراف ملغوم و يضر بقضية الصحراء اكثر مما يخدمها..و أرى ان هذا التطبيع المشؤوم لم و لن تصحبه إلا الكوارث و الخسائر .. فقد ” أعلن مكتب رئيس وزراء إسرائيل، “بنيامين نتنياهو” تلقي دعوة من ملك المغرب محمد السادس لزيارة المملكة وجاءت في رسالة شكر لتل أبيب لاستعدادها الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو: “دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيس الوزراء نتنياهو لزيارة المغرب، وصدرت الدعوة في رسالة شخصية شكر فيها الملك، إسرائيل على استعدادها للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية”. وأشار البيان إلى أن الملك محمد السادس كتب لرئيس الوزراء أن “الزيارة ستفتح آفاقا جديدة لتعزيز العلاقات بيننا”. ويوم الاثنين الماضي17-07-2023، أعلن الديوان الملكي المغربي في بيان، أن إسرائيل اعترفت بـ”مغربية الصحراء”. وأضاف: “تلقى الملك محمد السادس رسالة من الوزير الأول لإسرائيل بنيامين نتنياهو.. من خلال هذه الرسالة، رفع الوزير الأول الإسرائيلي إلى العلم السامي قرار إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية”. وأفاد نتنياهو بأنه سيبلغ الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية، بهذا القرار.وفي رسالته إلى الملك أفاد نتنياهو بأن إسرائيل تدرس إيجابيا فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة.”  و علينا التأكيد بأن إعتراف الكيان الصهيوني بسيادة المغرب على الصحراء ضرب لقضية الوحدة الترابية و يضر بالقضية و يزيدها تعقيدا، فمن غير الجائز ربط الصحراء بكيان الاحتلال العنصري في تل أبيب.. فمهما يكن من خلاف بين شعوب المنطقة المغاربية فإنه خلاف بين إخوة يجمعهم التاريخ و المعتقد و الفضاء الجغرافي، و مستقبل المنطقة مع الوحدة المغاربية و تأسيس المغرب الكبير حلم رواد حركة التحرير والإستقلال.. ومهما يكن من مكاسب هامشية يروج لها الساسة المغاربة، وانتصارات زائفة جلبها التطبيع، لأن ما تم الترويج له لم يتحقق عمليا على الأرض فسيادة المغرب على الصحراء لم تحسم بعد و خريطة المواقف الدولية لازالت على حالها، و في المقابل شهدت العلاقات المغربية الجزائرية توثرا متزايدا على خلفية هذا الاتفاق المشؤوم، كما ان الاتفاق أضر بصورة المغرب في العالم العربي و الإسلامي، خاصة و أن العاهل المغربي رئيس لجنة القدس، بل إن الميزان التجاري في صالح الكيان و مكاسب المقاولات المغربية هامشية جدا و لا يمكن أن تحقق أي مكاسب ذات قيمة مستقبلا.. المستفيد من الاتفاق هو الكيان الصهيوني الذي نجح في استقطاب دولة بحجم المغرب لها مكانة تاريخية بالغة الأهمية في دعم القضية الفلسطينية، وأيضا بموقعها الجيواستراتيجي المتميز… فالتطبيع مع هذا الكيان الغاصب، خذلان للشعب المغربي بداية، لأن هذا الشعب لا يعتبر القضية الفلسطينية قضية ثانية أو ثانوية يتضامن معها، وإنما هي قضية كل مغربي، والمظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن المغربية طيلة العقدين الأخيرين كان مفجرها الانتهاكات الصهيونية ضد حقوق الشعب الفلسطيني وضد المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، نأسف وندين مجددا الهرولة الرسمية باتجاه التطبيع مع هذا الكيان العنصري الغاصب … كما ندين بشدة الزيارة المرتقبة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني مجرم الحرب نتنياهو، خاصة وأنها تأتي في سياق عودة المجرم غوفرين، مغتصب النساء المغربيات، إلى رئاسة ما يسمى البعثة الدبلوماسية للكيان الغاصب في تحد سافر ولإثبات فرض الإملاءات الصهيونية على المغرب، وهو الذي صرح بأنه يتعمد إهانة الدولة المغربية. لذلك، فإن المسؤولية الوطنية والشرعية والأخلاقية والوفاء للشهداء المغاربة ومستلزمات الواجب إزاء مقدسات المغاربة وأمنهم الروحي، لاسيما إزاء المسجد الأقصى، تقتضي مراجعة الموقف من دعوة المجرم نتانياهو وعصابته من الوزراء الفاشيين، الذين يدعون لاستئصال الشعب الفلسطيني.. كما علينا الإقرار بموضوعية و برغماتية شديدة، أن المغرب هو الخاسر الأكبر من هذا الإتفاق، إقتصاديا الكيان يملك إقتصاد متقدم و صادراته في الغالب ذات قيمة مضافة عالية، في حين أن الاقتصاد المغربي لازالت صادراته فلاحية و ذات قيمة مضافة هامشية، فالميزان التجاري سيكون لصالح الكيان هو ما سيؤدي إلى تعميق العجز التجاري للمغرب، أما الدعاية بأن هذا الاتفاق سيجلب للمغرب الرخاء والإزدهار، نظرا لحجم الاستثمارات الإجمالية التي ستتدفق باتجاه المغرب والسياح الصهاينة الذين سيزرون المغرب، فكل ذلك مجرد أوهام و أضغاث أحلام، فقد تم المراهنة في السابق على استقطاب الاستثمارات الأجنبية بمناسبة عقد اتفاق التبادل الحر بين المغرب وأمريكا، فهل نجح المغرب حقا في أن يتحول لواحة للاستثمارات الأمريكية…!!؟ والقول بأن الاتفاق مع الصهاينة سيشجع السياحة، كم عدد اليهود من أصول مغربية أصلا، الإحصائيات الصهيونية تقول حوالي 700 ألف، لنفترض أن هذا العدد قام فعلا بزيارة المغرب، فماهي القيمة المضافة التي سيقدمها للقطاع السياحي الذي يستقبل سنويا حوالي 10 ملايين سائح.. وهل سيحظى هؤلاء الزوار الجدد لاستقبال وترحيب المغاربة، خاصة إذا علموا أنهم من إسرائيل، وقد رأينا كيف رفض غالبية المغاربة كراء شقة لسفير الكيان..سوف يقول لي أحدهم أن بعض المغاربة تلقى مساعدات من قبل يهود مغاربة في شكل مواد غذائية، وقد تم تداول ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، و بعض الطلبة ذهبوا لإسرائيل…سأقول له كم عدد هؤلاء؟!، و كل مجتمع يحتضن الصالح و الطالح، لكن غالبية الشعب موقفها واضح ولا غبار عليه، فالتطبيع من الكيان الصهيوني خيانة، وقضية فلسطين قضية كل مغربي حر و شريف .. ثانيا –تدنيس المصحف الشريف بألوان المثلية والشذوذ: غريب امر التطبيع فهو يتسلل كالسرطان الذي ينخر الجسم في صمت و بهدوء، فالتطبيع مع الكيان الصهيوني يقود بالتبعية إلى كل أشكال التطبيع مع الظواهر و الممارسات الشاذة و المنحرفة و الضارة باستقرار المجتمع و بثوابته الدينية و الأخلاقية وقد كنت أتجول يوم أمس بأحد الشوارع، و أردت إقتناء مصحف شريف، ودخلت لأحد المحلات، أبحث عن مصحف برواية ورش عن نافع، فإذا بصاحب المحل يعطيني مصحف بألوان قوس قزح.. وهذه المصاحف تتوفر برواية حفص وبرواية ورش عن نافع ايضا، وبالخط العثماني، وتحمل اسم دار الطبع “طيبة” بالقاهرة. والمصاحف تحمل الألوان الستة التي ترمز للمثلية عبر العالم، وتعمّد طابعوها وضعها بالتدريج كما هي في أعلام هؤلاء، وهي الأحمر وهو اللون الطاغي، ثم الوردي، فالأصفر ثم الأخضر والأزرق والبنفسجي. وصمم العلم الخاص بالمثليين من طرف الفنان “جلبير بيكر”، ويسمى “علم قوس قزح” أو “علم الفخر”، وترمز ألوانه الستة عند هؤلاء إلى التنوع والتسامح، كما ترمز إلى الفخر بالإنتماء إلى عالم المثلية، ويرفع في عموم التظاهرات والمسيرات التي ينظمها المثليون والمطالبون بالتحرر من القيود وعدم تجريم الزواج من نفس الجنس. على العقلاء و الشرفاء و ذوي النخوة و المروءة و الغيرة الدينية ان ينتبهوا إلى هذا المد الجارف و الخطر الداهم الذي يهدف إلى التطبيع مع هذه الممارسات الشاذة و المنافية للفطرة، فأن يصل الأمر لكتاب الله و إغراق الاسواق بهذا النوع من المصاحف و في بلدان إسلامية فذلك خطر حقيقي و تلاعب بمستقبل أبناءنا، فالناس ليسوا سواء و ليسوا متساوون في مناعتهم ضد هذه الرسائل الخفية التي تسعى لبرمجة عقول الاطفال … وما أثار سخطي وغضبي، هو موقف التاجر الذي ما إن نبهته إلا أن هذه المصاحف و بهذه الالوان محاولة للتطبيع مع ألوان المثلية..و ان من واجبه كمسلم ان يكون فطن و يحاول الامتناع عن شراء هذه المصاحف و مقاطعتها، لكن اعطاني محاضرة ..ولأن غضبي كان لله و على كتاب الله عملت بقوله تعالى: “واعرض عن الجاهلين” الرجل حقيقة مرفوع عنه القلم و لا يهمه إلا بيع بضاعته.. و أي بضاعة إنها القران الكريم ..﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾… و ما يدعو حقا للقلق أن هذه الدعاوي أصبحت تنتشر في عالمنا العربي و الإسلامي و تجد لها قلوبا مريضة و عقولا ضعيفة تتأثر بسحرها، و ذلك وسط صمت عجيب من قبل الدعاة و المثقفين و وسائل الإعلام، في مقابل تركيز مبالغ فيه على سفاسف الأمور ..المهم أن مسألة التطبيع مع الفاحشة مسألة أخطر بكثير و تمس أبناءنا و أحفادنا لأن في ذلك تحريف للفطرة، أم أنكم تخشون أن يتم وصفكم ب ” المتطهرين” ؟ أم أنكم من دعاة الحرية الجنسية؟  ذلك أنه لا ينبغي تضليل الناس بدعوى الحرية الجنسية و أن الاختيارات الجنسية مسألة شخصية و غيرها من الشعارات “الزائفة” و “المنحرفة” و “المضللة”، فمسألة الحرية بوجه عام مسألة نسبية، فليس هناك حرية مطلقة على الإطلاق فيما عدا حرية الإنسان في نفسه، وحتى هذه الحرية مقيدة بتعاليم الله الخالق، فإن أساء الإنسان إلى نفسه فسوف يحاسبه الله على ذلك، أما الحرية المطلقة فإنها تعني الفوضى المطلقة، إن الحرية لا بد أن تكون لها حدود تقف عندها ولا تتعداها، فحرية الشخص يجب أن تقف عندما تبدأ حرية الآخر حتى لا يحدث تصادم بين الحريات ويبدأ الصراع، هذا فيما يتعلق بالحرية بصفة عامة، أما فيما يتعلق بحرية الرأي أو التعبير فهي لا تخرج عن الأصل العام وهو أنها ليست مطلقة وإنما مقيدة بعدم تجاوزها إلى الإساءة إلى الآخر باسم الحرية، وإلا أصبحت الحرية مصدرًا للصراعات، فأي إساءة إلى الآخر أو تجاوز في التعبير عن الرأي الموضوعي وتخطي هذا التعبير إلى الإساءة إلى الآخر لا تدخل في تعريف الحرية، وإنما تعتبر من قبيل الإهانة والإساءة ..اللهم إني بلغت اللهم فاشهد..و الله غالب على امره و لكن أكثر الناس لا يعلمون… إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: المغرب على الصحراء بسیادة المغرب على محمد السادس

إقرأ أيضاً:

صمود غزة يفتك بـ “اقتصاد الكيان الصهيوني”

يمانيون../
يتعرض العدو “الإسرائيلي” لخسائر اقتصادية فادحة نتيجة عدوانه الغاشم على غزة، هذه الخسائر ليست مجرد أرقام، وإنما تمثل تجسيدا حقيقيا للأثر العميق لعمليات المقاومة. فقد بلغت تكلفة الحرب مستويات قياسية، حيث تأثرت قطاعات حيوية بشكل غير مسبوق، ما أثر بشكل كبير على الحياة اليومية لملايين الصهاينة.

تشير الخسائر البشرية التي تكبدها العدو إلى أن صمود المقاومة الفلسطينية أمام العدوان كان له دور محوري في إحباط المخططات الإسرائيلية. ومع تزايد التقارير التي تُظهر تدهور سمعة الاقتصاد الإسرائيلي، يبدو أن المقاومة -رغم التصعيد- قد تمكنت من فرض واقع جديد أثر في قدرة “إسرائيل” على السيطرة. لم تعد هذه الحقائق قابلة للتجاهل، خاصة مع التصريحات المتزايدة من خبراء ومحللين “إسرائيليين”، إذ يؤكدون أن خسائر الاقتصاد “الإسرائيلي” منذ عملية طوفان الأقصى حتى الآن قد بلغت حوالي 100 مليار دولار، وما زالت هذه الخسائر تتصاعد.

يعاني الاقتصاد الإسرائيلي أيضاً من تأثيرات الأحداث الحالية في غزة، التي تستنزف موارد “إسرائيل” عسكرياً وتكبّد خزينة الكيان مليارات “الشيكلات”. بالإضافة إلى ذلك، تستمر عمليات المقاومة الفلسطينية -المعززة بصواريخ ومسيرات الإسناد اليمني- في تحقيق نجاحات في العمق الإسرائيلي، في وقت تعاني فيه “إسرائيل” من الحظر البحري المستمر على حركة ملاحة سفنها والسفن المتعاونة معها في البحر الأحمر.

الكلفة الاقتصادية باهظة

في مقابلة أجرتها صحيفة “معاريف”، أدلى أفيغدور ليبرمان بتصريحات قوية ضد من يسمى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن الأخير “قاد إسرائيل إلى الدمار ولا يعرف إدارة أي شيء”. وفي إطار حديثه، أضاف ليبرمان أن نتنياهو يسعى فقط لضمان بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، في وقت تواجه فيه “إسرائيل” التهديدات الوجودية، وتدخل في أزمة متعددة الأبعاد هي الأعمق منذ إنشائها، تجلت في القتلى والجرحى من “الجنود” والمستوطنين، بالإضافة إلى الكلفة الاقتصادية الباهظة”.

في السياق، يكشف التقرير الصادر عن منظمة “لاتيت” للإغاثة الإنسانية أنه -بالإضافة إلى التحديات الأمنية والعسكرية الراهنة- هناك حرب أخرى، وهي “الحرب على الفقر، حيث تواجه “إسرائيل” اختباراً أخلاقياً يتطلب التضامن والمسؤولية المتبادلة. ويعد هذا الاختبار عاملاً حاسماً في تحديد مدى صمود المجتمع وقوته أو ضعفه عند مواجهة هذه الأزمات”.

وحسب صحيفتي “يديعوت أحرونوت” و”إسرائيل اليوم”، يوضح التقرير أن تكاليف المعيشة التي كانت مرتفعة بالفعل قبل الحرب، شهدت تفاقماً ملحوظاً بسبب الظروف الحالية، ما تسبب في ضغوط لزيادة الأسعار، وخصوصاً في قطاع المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية. وكشفت الأرقام أن متوسط الإنفاق الشهري للأسر المدعومة بلغ 10,367 شيكلاً (ما يعادل 2,870 دولاراً)، وهو أعلى بنسبة 1.7 مرة من متوسط صافي دخلها الشهري البالغ 6,092 شيكلاً (1,686 دولاراً).

ويظهر التقرير أن 78.8% من الأسر المدعومة من “حكومة” العدو تعاني من الديون، مقارنة بـ26.9% من عامة السكان، فيما عانى 65% من متلقي المساعدات من تدهور أوضاعهم الاقتصادية، بالإضافة إلى 32.1% من عامة الناس خلال العام الماضي. تقوم هذه الأرقام بتسليط الضوء على عمق الأزمة الإنسانية التي تؤثر على فئات مختلفة من الصهاينة.

كذلك، تشير النتائج إلى التأثير على الأطفال والمراهقين الذي أحدثته الحرب، حيث تأثرت الإنجازات الأكاديمية لـ44.6% من الأطفال المدعومين بشكل كبير مقارنة بـ1.14% في صفوف عموم السكان. بل ووجد أن خُمس الأفراد الذين تلقوا المساعدات أفادوا بأن أحد أطفالهم ترك المدرسة أو اضطر للانتقال إلى مدارس داخلية بسبب الضغوط المالية.

وبالنظر إلى فئة كبار السن من اللصهاينة، تظهر التقديرات أن 81.7% من هؤلاء المستفيدين يعانون من الفقر، و52.6% في فقر مدقع. كما يُعاني أكثر من ثلثهم (34.8%) من انعدام الأمن الغذائي الشديد، و60.4% من كبار السن المدعومين اضطروا للتخلي عن الأدوية أو العلاج الطبي بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكاليف.

ويؤكد تقرير “لاتيت” أن العائلات داخل كيان العدو تعيش في حالة من الخوف المستمر من نفاد الطعام، وعدم قدرتها على تأمين وجبات متوازنة لأطفالها. ومع تصاعد التحديات، تنبأ مؤسس شركة “لاتيت” والرئيس التنفيذي للمنظمة بأن التوقعات المستقبلية ليست مطمئنة، حيث من المتوقع أن تؤدي الإجراءات الاقتصادية المخطط لها -مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة وشروط التأمين- إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. هذه الوقائع تكشف عن أزمة شاملة يمر بها الكيان المؤقت.

هشاشة الوضع الاقتصادي الإسرائيلي

تشير التقارير الأخيرة من “إسرائيل” إلى أن الاقتصاد يعاني من تقلبات حادة نتيجة العدوان على غزة، ما يعكس عدم جدوى هذا العدوان بدلالة تأثيره المدمر على الاستقرار الاقتصادي حيث أصبح الكيان الصهيوني مقصداً للمضاربين الذين يستغلون الظروف الصعبة لجني الأرباح. فبدلاً من الاستقرار، تتعرض الأسواق للارتباك، ما يبرز فشل “إسرائيل” في تحقيق أهدافها العسكرية. تعكس تصرفات المضاربين حقيقة يأس المستثمرين وفقدانهم الثقة في مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي.

إن التحولات الاقتصادية التي يشهدها السوق “الإسرائيلي” تؤكد أن العدوان لم يحقق أهدافه، بل ساهم بدلاً من ذلك في تعزيز صمود المقاومة وزيادة هشاشة الوضع الاقتصادي في “إسرائيل”. ومن المتوقع أن تشير التطورات المستقبلية إلى استمرار هذا الاتجاه، ما يعزز الأمل في تحقيق نتائج إيجابية تعكس ما أنجزته جهود المقاومة من انتصارات مستمرة.

تستمر الأحداث في “إسرائيل” في كشف واقع اقتصادي متزعزع، حيث أدت التطورات الجارية إلى خلق بيئة مواتية للانتهازية المالية. تظهر التغيرات السريعة في أسعار العملات -مثل الشيكل- تقلبات غير مسبوقة؛ فعلى سبيل المثال، انخفض “الشيكل” بشكل حاد إلى أكثر من 4″ شيكل” لكل دولار في بداية العدوان على غزة.

هذه التغيرات تعكس عدم استقرار الوضع الاقتصادي في الكيان ، وهو ما يخلق صورة مواتية للمستوطنين الصهاينة عن انهيار النظام المالي وضعف أجهزة الإدارة الاقتصادية للكيان. كما ازدهرت التقلبات فور بداية العدوان، ومع التوصل لاتفاق مع لبنان يظل اقتصاد العدو الإسرائيلي في حالة عدم استقرار مستمر، مع تذبذبات تفوق تلك التي شهدها اليورو في ذات الفترة.

وتشير دراسات لخبراء ومحللين متخصصين في الاقتصاد الاسرائيلي إلى أن المضاربين يستخدمون أدوات مالية متطورة ومعرفة عميقة بالسوق، ما يمنحهم ميزة تنافسية لا تتوفر للآخرين. فالعديد من الصهاينة يجدون صعوبة في فهم أسباب تراجع السوق أمام الظروف الإيجابية، وهذا يُظهر الفجوة بين الخبراء والمستثمرين غير المحترفين. كلما زاد عدم استقرار السوق، زادت فرص الربح للمضاربين، ما يعكس فشلاً في “مجتمع” المستثمرين الأوسع.

الدراسات أثبتت أن السياسات الـ”حكومية” الفاشلة في معالجة الأمور داخل الكيان وخلق انقسامات عميقة في لدى المستوطنين بأنه تتحول “إسرائيل” إلى ملعب مالي مفتوح للمضاربين، حيث تسهم الصراعات السياسية والاجتماعية، ومغالطات ما يسمى بـ”الإصلاحات القانونية المتعلقة بالعدالة”، إلى عمق ما وصل إليه حال الانقسامات في داخل الكيان وما باتت تلعب من دور بالغ الأهمية في زيادة الهوة بين الاستقرار والثقة في السوق. على سبيل المثال، شهدت “إسرائيل” احتجاجات واسعة ضد هذه الإصلاحات، ما أثر على الثقة في أجهزة إدارة الكيان المؤقت وأدى إلى انخفاض في الاستثمارات الأجنبية. بينما يستفيد المضاربون من هذه الفوضى، فإن المستوطنين العاديين يشعرون بارتباك حول كيفية تأثير الأحداث على استثماراتهم ومدخراتهم.

كما تشير التغيرات الاقتصادية غير المدروسة والتي ساهمت في تفتيت الثقة ووضعت الكيان المؤقت في موقف يمكن وصفه بكونه ملعباً للمضاربين. ذلك ما أكده “عيران هيلدسهايم” المراسل الاقتصادي لموقع “زمن إسرائيل” بالقول إن “هذا التدهور الاقتصادي يسلّط الضوء على حقيقة كارثية مفادها أن سياسات الـ”حكومة” الحالية لم تخلق انقساما وصدعا داخليا فحسب، بل غيّرت أيضا وضعها الاقتصادي من قوة تجتذب العديد من الاستثمارات، إلى ملعب مالي للمضاربين من جميع أنحاء العالم، ممن يستغلون عدم الاستقرار والاضطرابات التي تمر على “إسرائيل” لجني الأرباح” وفق مراسل المقع.

مشيرا إلى أن المضاربين -المعروفون بقدرتهم على اتخاذ قرارات سريعة- يعتمدون على تحليل التغيرات اللحظية في السوق. على سبيل المثال، يمكن للمضاربين “شبه أسماك القرش” أن يستفيدوا من الأخبار غير المؤكدة، مثل الشائعات حول التوصل إلى اتفاقات سياسية أو عسكرية، ليشتروا الأصول قبل أن ترتفع قيمتها. وقد أظهرت البيانات أن البنوك الكبرى مثل “جيه بي مورغان” و”غولدمان ساكس” قد حققت أرباحا كبيرة من تلك التغيرات، حيث توقعت تقارير أن تحقق هذه البنوك ما يصل إلى 475 مليون دولار من عمليات التداول المتعلقة بالسندات و”الشيكل”.

وأكد أن من المتوقع أن يكسب البنك الأمريكي الرائد جيه بي مورغان 70 مليون دولار من هذه المعاملات، ما يجعله أكبر رابح بين البنوك العالمية العشرة، ويشير النمو الرقمي إلى نشاط غير عادي وإيجابي في الأصول “الإسرائيلية”، وبالتحديد في عام يتسم بنشاط تداول ضعيف نسبياً، ومن المتوقع أن يسجل بنك “غولدمان ساكس” و”سيتي غروب” أرباحاً كبيرة نتيجة لذلك.

خاتمة

تشير التطورات الاقتصادية في “إسرائيل” إلى أن العدوان على غزة لم يؤد فقط إلى نتائج عسكرية غير محمودة، بل أسفرت أيضاً عن تفكيك الأساس الاقتصادي للكيان المؤقت. إن هذه البيئة من الفوضى توفر فرصة للمستثمرين المتخصصين، بينما تترك المستوطنين العاديين في حالة من الارتباك وعدم اليقين.

تتجلى قوة المقاومة الفلسطينية في غزة كرمز للصمود والعزيمة، حيث تبرز الأحداث الأخيرة مؤشراً على أن هذا الصمود يأتي في إطار الحق الطبيعي للفلسطينيين في نيل حريتهم واستعادة أراضيهم. تشهد “إسرائيل” اليوم نتائج العدوان التي تعكس الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية، وبينما تعاني من تصاعد الفقر وأزمات اقتصادية خانقة، تتأكد حقيقة أن المقاومة لا تزال تمثل حجر الزاوية في النضال الفلسطيني.

يشير الواقع الاقتصادي في الكيان إلى أن الصمود الذي أبدته غزة لم يكن مجرد رد فعل، بل هو جزء من مسيرة طويلة نحو التمكين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، يتوجها القدس عاصمة لها. الفشل الاقتصادي الذي تواجهه “إسرائيل” اليوم هو نتيجة مباشرة لثبات الفلسطينيين ولإرادتهم في المقاومة، ما يبرز الفجوة بين ادعاءات القوة العسكرية والواقع الملموس.

في مواجهة هذه الظروف، يبقى الأمل قائماً بأن المقاومة ستكون سنداً لتحقيق الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني، ويجب أن يتم تعزيز هذا الصمود عبر التضامن والتنظيم، ليتمكن الفلسطينيون من العبور نحو غد مشرق ومزدهر، حيث تستعاد الحقوق المسلوبة وتُحقق الأهداف الوطنية. إن المسيرة نحو الاستقلال وبناء الدولة المستقلة على كامل التراب الفلسطيني باتت أكثر وضوحاً، في ظل هذا الصمود المتواصل.

أنصار الله – يحيى الربيعي

مقالات مشابهة

  • الكيان الصهيوني يعلن اغتيال البيك رئيس جهاز الأمن في حماس
  • في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-
  • في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الأول-
  • راضية.. يمثل مصر خلال فعاليات مهرجان واد النون السينمائي بدورته العاشرة
  • الكيان الصهيوني يُصدر أوامر بالإخلاء من عدة مناطق في الشجاعية
  • أكبر أنواع السحالي في المغرب مهددة بسبب الخرافات والطب التقليدي
  • صمود غزة يفتك بـ “اقتصاد الكيان الصهيوني”
  • اتفاقية التطبيع بين السعودية وكيان العدو الصهيوني جاهز للتنفيذ
  • السعودية تقترب من التطبيع مع كيان العدو الصهيوني
  • من صحراء المغرب إلى فيافي الجزائر.. إيطالي ينقذ نفسه بدماء الخفافيش!