الدكتور طارق ليساوي بداية من واجبي الاعتذار لقراء رأي اليوم على هذا الغياب المؤقت، فآحيانا يشعر المرء بنوع من الإحباط في ظل موجة اللامبالاة و سيادة التفاهة و القبول العام بالظلم و الجور و الاهتمام اللامحدود بسفاسف الأمور.. وفي ظل وضع عام كهذا بجد المرء نفسه “كمن يطبل في الماء”، ويزداد الوضع تعقيدا في ظل فضاء غير متسامح مع الرأي الحر و المستقل، فنحن أمام موجة عاتية من السلطوية و تكميم الأفواه و كسر الأقلام الحرة في مقابل دعم لا محدود للتفاهة و للمطبلين و المسبحين بحمد السلطة و أصحابها و الأمر غير مقتصر على بلد بعينه بل يشمل أغلب البلاد العربية المصابة بنفس العلل المزمنة الاستبداد و السلطوية و الظلم الاجتماعي و العجز التنموي و التشرذم السياسي و المجتمعي و غياب الرؤية و الهدف الحضاري .

. لكن مع ذلك، هناك دافع اقوى يدفعني باتجاه قول كلمة الحق، خاصة عندما أرى أن الأمر يمس امور يصعب تجاهلها او السكوت عنها، فواجبي كمسلم أولا و كرجل علم ثانيا منحه المولى عز وجل شرف حمل لواء العلم و تعليمه للأجيال الصاعدة، يدفعني هذا الواجب الديني و الأخلاقي إلى التنبيه للمخاطر الآنية و المستقبلية، و الصمت في مثل هذه الظروف مساهمة في المأساة لان الساكت عن الحق شيطان أخرس ..  وهنا ليسمح لي القارئ الكريم، ان اثير قضيتين على درجة بالغة من الأهمية والخطورة و في نفس الوقت إبراء ذمتي أمام المولى عز و جل يوم لا ينفع المرء لا منصب و لا جاه و لا سلطان: اولا – التطبيع مع الكيان الصهيوني لا نفع منه: سبق لي في اكثر من مناسبة ان عبرت عن موقفي الواضح و الصريح من إتفاق التطبيع، وجريدة رأي اليوم شاهد على ذلك، و أعيد التأكيد مجددا أني أدين التطبيع مع الكيان الصهيوني، و أعلن براءتي منه منذ يوم توقيعه، و أرى أن العلاقات مع هذا الكيان الصهيوني لا نفع منها، و ضررها اكثر بكثير من نفعها، و ان ما يتم الترويج له من اعتراف الكيان الصهيوني بأن الصحراء ارض مغربية، هو اعتراف ملغوم و يضر بقضية الصحراء اكثر مما يخدمها..و أرى ان هذا التطبيع المشؤوم لم و لن تصحبه إلا الكوارث و الخسائر .. فقد ” أعلن مكتب رئيس وزراء إسرائيل، “بنيامين نتنياهو” تلقي دعوة من ملك المغرب محمد السادس لزيارة المملكة وجاءت في رسالة شكر لتل أبيب لاستعدادها الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو: “دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيس الوزراء نتنياهو لزيارة المغرب، وصدرت الدعوة في رسالة شخصية شكر فيها الملك، إسرائيل على استعدادها للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية”. وأشار البيان إلى أن الملك محمد السادس كتب لرئيس الوزراء أن “الزيارة ستفتح آفاقا جديدة لتعزيز العلاقات بيننا”. ويوم الاثنين الماضي17-07-2023، أعلن الديوان الملكي المغربي في بيان، أن إسرائيل اعترفت بـ”مغربية الصحراء”. وأضاف: “تلقى الملك محمد السادس رسالة من الوزير الأول لإسرائيل بنيامين نتنياهو.. من خلال هذه الرسالة، رفع الوزير الأول الإسرائيلي إلى العلم السامي قرار إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية”. وأفاد نتنياهو بأنه سيبلغ الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية، بهذا القرار.وفي رسالته إلى الملك أفاد نتنياهو بأن إسرائيل تدرس إيجابيا فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة.”  و علينا التأكيد بأن إعتراف الكيان الصهيوني بسيادة المغرب على الصحراء ضرب لقضية الوحدة الترابية و يضر بالقضية و يزيدها تعقيدا، فمن غير الجائز ربط الصحراء بكيان الاحتلال العنصري في تل أبيب.. فمهما يكن من خلاف بين شعوب المنطقة المغاربية فإنه خلاف بين إخوة يجمعهم التاريخ و المعتقد و الفضاء الجغرافي، و مستقبل المنطقة مع الوحدة المغاربية و تأسيس المغرب الكبير حلم رواد حركة التحرير والإستقلال.. ومهما يكن من مكاسب هامشية يروج لها الساسة المغاربة، وانتصارات زائفة جلبها التطبيع، لأن ما تم الترويج له لم يتحقق عمليا على الأرض فسيادة المغرب على الصحراء لم تحسم بعد و خريطة المواقف الدولية لازالت على حالها، و في المقابل شهدت العلاقات المغربية الجزائرية توثرا متزايدا على خلفية هذا الاتفاق المشؤوم، كما ان الاتفاق أضر بصورة المغرب في العالم العربي و الإسلامي، خاصة و أن العاهل المغربي رئيس لجنة القدس، بل إن الميزان التجاري في صالح الكيان و مكاسب المقاولات المغربية هامشية جدا و لا يمكن أن تحقق أي مكاسب ذات قيمة مستقبلا.. المستفيد من الاتفاق هو الكيان الصهيوني الذي نجح في استقطاب دولة بحجم المغرب لها مكانة تاريخية بالغة الأهمية في دعم القضية الفلسطينية، وأيضا بموقعها الجيواستراتيجي المتميز… فالتطبيع مع هذا الكيان الغاصب، خذلان للشعب المغربي بداية، لأن هذا الشعب لا يعتبر القضية الفلسطينية قضية ثانية أو ثانوية يتضامن معها، وإنما هي قضية كل مغربي، والمظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن المغربية طيلة العقدين الأخيرين كان مفجرها الانتهاكات الصهيونية ضد حقوق الشعب الفلسطيني وضد المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، نأسف وندين مجددا الهرولة الرسمية باتجاه التطبيع مع هذا الكيان العنصري الغاصب … كما ندين بشدة الزيارة المرتقبة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني مجرم الحرب نتنياهو، خاصة وأنها تأتي في سياق عودة المجرم غوفرين، مغتصب النساء المغربيات، إلى رئاسة ما يسمى البعثة الدبلوماسية للكيان الغاصب في تحد سافر ولإثبات فرض الإملاءات الصهيونية على المغرب، وهو الذي صرح بأنه يتعمد إهانة الدولة المغربية. لذلك، فإن المسؤولية الوطنية والشرعية والأخلاقية والوفاء للشهداء المغاربة ومستلزمات الواجب إزاء مقدسات المغاربة وأمنهم الروحي، لاسيما إزاء المسجد الأقصى، تقتضي مراجعة الموقف من دعوة المجرم نتانياهو وعصابته من الوزراء الفاشيين، الذين يدعون لاستئصال الشعب الفلسطيني.. كما علينا الإقرار بموضوعية و برغماتية شديدة، أن المغرب هو الخاسر الأكبر من هذا الإتفاق، إقتصاديا الكيان يملك إقتصاد متقدم و صادراته في الغالب ذات قيمة مضافة عالية، في حين أن الاقتصاد المغربي لازالت صادراته فلاحية و ذات قيمة مضافة هامشية، فالميزان التجاري سيكون لصالح الكيان هو ما سيؤدي إلى تعميق العجز التجاري للمغرب، أما الدعاية بأن هذا الاتفاق سيجلب للمغرب الرخاء والإزدهار، نظرا لحجم الاستثمارات الإجمالية التي ستتدفق باتجاه المغرب والسياح الصهاينة الذين سيزرون المغرب، فكل ذلك مجرد أوهام و أضغاث أحلام، فقد تم المراهنة في السابق على استقطاب الاستثمارات الأجنبية بمناسبة عقد اتفاق التبادل الحر بين المغرب وأمريكا، فهل نجح المغرب حقا في أن يتحول لواحة للاستثمارات الأمريكية…!!؟ والقول بأن الاتفاق مع الصهاينة سيشجع السياحة، كم عدد اليهود من أصول مغربية أصلا، الإحصائيات الصهيونية تقول حوالي 700 ألف، لنفترض أن هذا العدد قام فعلا بزيارة المغرب، فماهي القيمة المضافة التي سيقدمها للقطاع السياحي الذي يستقبل سنويا حوالي 10 ملايين سائح.. وهل سيحظى هؤلاء الزوار الجدد لاستقبال وترحيب المغاربة، خاصة إذا علموا أنهم من إسرائيل، وقد رأينا كيف رفض غالبية المغاربة كراء شقة لسفير الكيان..سوف يقول لي أحدهم أن بعض المغاربة تلقى مساعدات من قبل يهود مغاربة في شكل مواد غذائية، وقد تم تداول ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، و بعض الطلبة ذهبوا لإسرائيل…سأقول له كم عدد هؤلاء؟!، و كل مجتمع يحتضن الصالح و الطالح، لكن غالبية الشعب موقفها واضح ولا غبار عليه، فالتطبيع من الكيان الصهيوني خيانة، وقضية فلسطين قضية كل مغربي حر و شريف .. ثانيا –تدنيس المصحف الشريف بألوان المثلية والشذوذ: غريب امر التطبيع فهو يتسلل كالسرطان الذي ينخر الجسم في صمت و بهدوء، فالتطبيع مع الكيان الصهيوني يقود بالتبعية إلى كل أشكال التطبيع مع الظواهر و الممارسات الشاذة و المنحرفة و الضارة باستقرار المجتمع و بثوابته الدينية و الأخلاقية وقد كنت أتجول يوم أمس بأحد الشوارع، و أردت إقتناء مصحف شريف، ودخلت لأحد المحلات، أبحث عن مصحف برواية ورش عن نافع، فإذا بصاحب المحل يعطيني مصحف بألوان قوس قزح.. وهذه المصاحف تتوفر برواية حفص وبرواية ورش عن نافع ايضا، وبالخط العثماني، وتحمل اسم دار الطبع “طيبة” بالقاهرة. والمصاحف تحمل الألوان الستة التي ترمز للمثلية عبر العالم، وتعمّد طابعوها وضعها بالتدريج كما هي في أعلام هؤلاء، وهي الأحمر وهو اللون الطاغي، ثم الوردي، فالأصفر ثم الأخضر والأزرق والبنفسجي. وصمم العلم الخاص بالمثليين من طرف الفنان “جلبير بيكر”، ويسمى “علم قوس قزح” أو “علم الفخر”، وترمز ألوانه الستة عند هؤلاء إلى التنوع والتسامح، كما ترمز إلى الفخر بالإنتماء إلى عالم المثلية، ويرفع في عموم التظاهرات والمسيرات التي ينظمها المثليون والمطالبون بالتحرر من القيود وعدم تجريم الزواج من نفس الجنس. على العقلاء و الشرفاء و ذوي النخوة و المروءة و الغيرة الدينية ان ينتبهوا إلى هذا المد الجارف و الخطر الداهم الذي يهدف إلى التطبيع مع هذه الممارسات الشاذة و المنافية للفطرة، فأن يصل الأمر لكتاب الله و إغراق الاسواق بهذا النوع من المصاحف و في بلدان إسلامية فذلك خطر حقيقي و تلاعب بمستقبل أبناءنا، فالناس ليسوا سواء و ليسوا متساوون في مناعتهم ضد هذه الرسائل الخفية التي تسعى لبرمجة عقول الاطفال … وما أثار سخطي وغضبي، هو موقف التاجر الذي ما إن نبهته إلا أن هذه المصاحف و بهذه الالوان محاولة للتطبيع مع ألوان المثلية..و ان من واجبه كمسلم ان يكون فطن و يحاول الامتناع عن شراء هذه المصاحف و مقاطعتها، لكن اعطاني محاضرة ..ولأن غضبي كان لله و على كتاب الله عملت بقوله تعالى: “واعرض عن الجاهلين” الرجل حقيقة مرفوع عنه القلم و لا يهمه إلا بيع بضاعته.. و أي بضاعة إنها القران الكريم ..﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾… و ما يدعو حقا للقلق أن هذه الدعاوي أصبحت تنتشر في عالمنا العربي و الإسلامي و تجد لها قلوبا مريضة و عقولا ضعيفة تتأثر بسحرها، و ذلك وسط صمت عجيب من قبل الدعاة و المثقفين و وسائل الإعلام، في مقابل تركيز مبالغ فيه على سفاسف الأمور ..المهم أن مسألة التطبيع مع الفاحشة مسألة أخطر بكثير و تمس أبناءنا و أحفادنا لأن في ذلك تحريف للفطرة، أم أنكم تخشون أن يتم وصفكم ب ” المتطهرين” ؟ أم أنكم من دعاة الحرية الجنسية؟  ذلك أنه لا ينبغي تضليل الناس بدعوى الحرية الجنسية و أن الاختيارات الجنسية مسألة شخصية و غيرها من الشعارات “الزائفة” و “المنحرفة” و “المضللة”، فمسألة الحرية بوجه عام مسألة نسبية، فليس هناك حرية مطلقة على الإطلاق فيما عدا حرية الإنسان في نفسه، وحتى هذه الحرية مقيدة بتعاليم الله الخالق، فإن أساء الإنسان إلى نفسه فسوف يحاسبه الله على ذلك، أما الحرية المطلقة فإنها تعني الفوضى المطلقة، إن الحرية لا بد أن تكون لها حدود تقف عندها ولا تتعداها، فحرية الشخص يجب أن تقف عندما تبدأ حرية الآخر حتى لا يحدث تصادم بين الحريات ويبدأ الصراع، هذا فيما يتعلق بالحرية بصفة عامة، أما فيما يتعلق بحرية الرأي أو التعبير فهي لا تخرج عن الأصل العام وهو أنها ليست مطلقة وإنما مقيدة بعدم تجاوزها إلى الإساءة إلى الآخر باسم الحرية، وإلا أصبحت الحرية مصدرًا للصراعات، فأي إساءة إلى الآخر أو تجاوز في التعبير عن الرأي الموضوعي وتخطي هذا التعبير إلى الإساءة إلى الآخر لا تدخل في تعريف الحرية، وإنما تعتبر من قبيل الإهانة والإساءة ..اللهم إني بلغت اللهم فاشهد..و الله غالب على امره و لكن أكثر الناس لا يعلمون… إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: المغرب على الصحراء بسیادة المغرب على محمد السادس

إقرأ أيضاً:

وزير الحرب الأمريكي يدعو غالانت إلى وقف الحرب على غزة

الثورة نت/
دعا وزير الحرب الأمريكي، لويد اوستن، نظيره الصهيوني يؤآف غالانت، أمس الجمعة، إلى وقف التصعيد العسكري ودعم الجهود الدبلوماسية المستمرة لحل ما وصفه بـ”الصراع” في قطاع غزة.
وأفادت تقارير إعلامية محلية، نقلاً عن وزارة الحرب الأمريكية “البنتاغون”، بأن أوستن، عبر في اتصال هاتفي، عن دعمه للجهود الجارية لوضع اللمسات الاخيرة على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

وجدد وزير الحرب الأمريكي، لغالانت، تأكيد التزام الولايات المتحدة الصارم بأمن الكيان المحتل في الدفاع عن نفسه.
ومنذ اليوم الأول من الحرب على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر الماضي، تعهدت واشنطن بإرسال شُحنات عسكرية بمليارات الدولارات إلى الكيان الغاصب، حيث ارتكب من خلالها جيش العدو حرب إبادة جماعية ضد سكان القطاع العُزل، راح ضحيتها ما يزيد عن 38 ألف شهيد و87 ألف إصابة.

مقالات مشابهة

  • الكيان الصهيوني يواصل الفتك بالأطفال والنساء في غزة وعشرات الشهداء والجرحى حصيلة جرائم الساعات الماضية
  • أمانة جدة تضبط سكن عمالة لتحضير المأكولات الفاسدة بالعزيزية
  • لوموند: الجبهة الوطنية سيعترف بمغربية الصحراء إذا وصل إلى السلطة بفرنسا
  • عمرو موسى: التطبيع العربي مع إسرائيل لا يمكن أن يكون مجانيًا
  • عمرو موسى: التطبيع العربي مع إسرائيل لا يمكن أن يكون مجانيا
  • عمرو موسى: حماة إسرائيل يحاولون فرض حل إسرائيلي على النزاع في الشرق الأوسط
  • ما وراء قوة الكيان ؟
  • وزير الحرب الأمريكي يدعو غالانت إلى وقف الحرب على غزة
  • أمريكا وأكلاف الكيان الصهيوني الباهظة
  • الجزائر تحقق الحرية