هل تجوز صلاة الضحى بعد الشروق بـ5 دقائق؟.. اعرف أول أوقاتها وآخره
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
ورد سؤال يقول: هل يجوز صلاة الضحى بعد الشروق بخمس دقائق؟، لتبين دار الإفتاء المصرية من خلال صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، أول وقت صلاة الضحى وآخره ونرصده في التقرير التالي.
هل يجوز صلاة الضحى بعد الشروق بخمس دقائق؟وقالت الإفتاء إن وقت صلاة الضحى يبدأ مِن ارتفاع الشمس قدر رمح إلى رُمْحَيْن في عين الناظر إليها ويُقدر بخمسٍ وعشرين دقيقة تقريبًا بعد شروق الشمس-، وينتهي وقتها قبل زوال الشمس -ويُقدر بأربع دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر-، مع مراعاة فروق التوقيت بحسب إحداثِيَّات المكان.
وفي فضل صلاة الضحى ووقتها، قالت الإفتاء إن الضحى: هو وقت امتداد الشمس وارتفاع النهار، وسميت بذلك؛ لأنها وقت البروز، أو لأن كلَّ شيءٍ يَبرز في ذلك الوقت ويَظهر، وضَاحِيَةُ كلِّ شيءٍ: نَاحِيَتُهُ البارِزَة، وقِيلَ: الضُّحى مِنْ طلوعِ الشَّمْسِ إلى أن يَرتَفِعَ النهارُ وتَبْيَضَّ الشَّمْسُ جِدًّا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّحاءُ إِلى قَريب مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، وَقِيلَ: هُو إِذا عَلَتِ الشَّمْسُ إِلى رُبُعِ السَّماءِ فَما بَعْدَه. ينظر: "لسان العرب" للإمام أبي الفضل جمال الدين ابن مَنْظُور (14/ 475، ط. دار صادر) و"التوقيف على مهمات التعاريف" للإمام زين الدين الحَدَّادِي (ص: 221، ط. عالم الكتب).
وبينت أن صلاة الضحى هي الصلاة التي سَنَّها سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في وقت الضحى عند ارتفاع النهار، وجَعَلها صلى الله عليه وآله وسلم مجزئةً عن جميع الصدقات المطلوبة على جميع سُلَامِيات بدن الإنسان -أي: عِظَامه- في كلِّ يومٍ شكرًا لله تعالى على نعمته وفضله.
فعن أبي ذَرٍّ الغِفَارِي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وإظهارًا لأهمية صلاة الضحى وتأكيدًا على بيان فضلها جَعَلها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وصيةً بين أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ، لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
أقل عدد ركعات صلاة الضحى وأكثرهاأقلُّ صلاة الضحى ركعتان باتفاق الفقهاء؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى، لَا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ» أخرجه الإمام أبو داود في "سننه".
قال الإمام علاء الدين الحَصْكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 92، ط. دار الكتب العلمية): [(و) نُدِبَ (أربَعٌ فصاعدًا في الضحى) على الصحيح، مِن بعد الطلوع إلى الزوال، ووقتها المختار بعد ربع النهار، وفي "المنية": أقلُّها ركعتان] اهـ.
قال الإمام ابن عَابِدِين في "رد المحتار" (2/ 23، ط. دار الفكر) مُحَشِّيًا عليه: [قوله: (وفي "المنية": أقلُّها ركعتان) نَقَل الشيخُ إسماعيل مِثلَه عن "الغزنوية" و"الحاوي" و"الشرعة" و"السمرقندية"، وما ذكره المصنِّف مَشَى عليه في "التبيين" و"المفتاح" و"الدرر".. والتوفيقُ ما أشار إليه بعضُ المحقِّقين أنَّ الركعتين أقلُّ المراتِبِ، والأربع أَدْنَى الكَمَال] اهـ.
وقال الإمام شهاب الدين النَّفْرَاوِي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 271، ط. دار الفكر): [(وصلاة الضحى) بالقصر (نافلة) متأكدة، ومعنى النافلة: ما دون السُّنَّة والرَّغِيبَة، وأقلُّها ركعتان] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 36، ط. دار الفكر): [صلاة الضحى سُنَّة مؤكدة، وأقلُّها ركعتان] اهـ.
وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "دقائق أولي النهى" (1/ 249، ط. عالم الكتب): [(وتُسَنُّ صلاة الضحى) لحديث أبي هريرة وأبي الدَّرْدَاء وغيرهما.. (وأقلُّها ركعتان) لأنه لم يُنقَل أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّاها دُونَهُمَا] اهـ.
ومع اتفاق الفقهاء على أن أقلَّ صلاة الضحى ركعتان، إلا أنهم اختلفوا في أكثرها، فذهب الحنفيةُ والإمامان الرُّويَانِي والرَّافِعِي مِن فقهاء الشافعية إلى أن أكثر ركعات صلاة الضحى اثنتا عشرة ركعة؛ لما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ» أخرجه الإمامان: الترمذي وابن ماجه في "السنن".
وعن عبد الله بن عمر ضي الله عنهما قال: لَقِيتُ أبا ذَرٍّ رضي الله عنه فقلت: يا عمِّ، أَقْبِسْنِي خيرًا، فقال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سألتَني، فقال: «إِنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا أَرْبَعًا كُتِبْتَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا سِتًّا كُتِبْتَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا ثَمَانِيًا كُتِبْتَ مِنَ الْفَائِزِينَ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ لَكَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ، وَإِنْ صَلَّيْتَهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللهُ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّة» أخرجه الإمامان: البيهقي في "السنن الكبرى" والبزار في "مسنده".
فضل صلاة الضحى للزواج في شعبان.. 4 أدعية بعدها تجمعك بمن تحب متى تبدأ وتنتهي؟ دار الإفتاء تحدد وقت صلاة الضحىكما ذهبوا إلى أن أفضلها ثماني ركعات؛ لأنها ثابتةٌ بفِعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله، أما الاثنتا عشرة ركعةً فواردةٌ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لا بفِعله.
قال الإمام الطَّحْطَاوِي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 396، ط. دار الكتب العلمية): [وأكثرها اثنتا عشرة، وأوسَطُها ثَمَان وهو أفضلُها كما في "الذخائر الأشرفية"؛ لثبوته بفِعله وقوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما أكثرها فبقوله فقط] اهـ.
وقال الإمام الرَّافِعِي الشافعي في "فتح العزيز" (4/ 257-258، ط. دار الفكر): [والأفضل أن يصلي ثمان ركعات، وأكثرها اثنتا عشرة، ذكره القاضي الرُّويَانِى، ووَرَد في الأخبار] اهـ.
وذهب فقهاء المالكية، وأكثرُ الشافعية وهو المعتمد عندهم، والحنابلةُ إلى أن أكثرها ثماني ركعات؛ لما جاء عن أم هَانِئٍ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْه ِوَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، وأبو داود وابن ماجه في "السنن".
وعن أنس رضي الله عنه قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ» أخرجه الإمام الحاكم في "المستدرك" وصححه.
قال الإمام محمد بن عبد الله الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 4، ط. دار الفكر) في ذكر أكثر صلاة الضحى: [ومُنْتَهَاهَا عند أهل المذهب: ثَمَان] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "الإقناع" (1/ 117، ط. دار الفكر): [(صلاة الضحى) وأقلُّها ركعتان، وأكثرها ثمان، كما في "المجموع" عن الأكثرين، وصححه في التحقيق، وهذا هو المعتمد] اهـ.
وقال الإمام موفق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (2/ 97، ط. مكتبة القاهرة) في ذكر عدد ركعات صلاة الضحى: [وأكثرها ثمان في قول أصحابنا؛ لِمَا رَوَتْ أم هانئ] اهـ.
بينما ذهب جماعةٌ مِن الفقهاء، منهم: الإمام أبو جَعْفَر الطَبَرِي، والإمام البَاجِي مِن المالكية والقاضي الحَلِيمِي مِن الشافعية وغيرهم إلى أن صلاة الضُّحَى ليست مِن الصلوات المحصورة بالعدَدِ فلا يُزَاد عليها ولا ينقص منها، ولكنها مِن الرغائب الَّتي يفعل الإنسان منها ما أمكنه؛ لِمَا ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
كما أنَّ الوارد في السُّنة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى مرةً ركعتين ومرةً أربع ركعات ومرةً ست ركعات وأخرى ثماني ركعات، وهذا يفيد أنها غير محصورة في عدد معين، بالإضافة إلى أن الوارد عن صحابة رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وآله وَسلم أنهم كانوا يصلونَ الضُّحَى فمِنْهُم من يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَمِنْهُم من يُصَلِّي أَرْبعًا. ينظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حَجَر العَسْقَلَاني (3/ 54، ط. دار المعرفة)، و"تنوير الحالك" للحافظ السيوطي (1/ 129، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
والقول بأنَّ صلاة الضحى لا حدَّ لأكثرها هو ما صوبه الإمام البَاجِي المالكي فيما نقله عنه الإمام محمد البُنَانِي في "حاشيته على شرح الزرقاني" (1/ 493، ط. دار الكتب العلمية) بقوله: [والصواب كما قال البَاجِي أنها لا تنحصر في عدد] اهـ.
ونقل أيضًا قول الإمام المِسْنَاوِي في الجمع بين ما جاء في مذهب المالكية مِن أن أكثر صلاة الضحى ثماني ركعات، وبين قول الإمام البَاجِي بأنه لا حَدَّ لأكثرها، فقال: [ولا ينافيه قولُ أهل المذهب: أكثرها ثمان؛ لأن مرادَهم أكثر بحسب الوارد فيها، لا كراهة الزائد على الثمان، فلا مخالَفَة بين البَاجِي وغيرِه، قاله الشيخ مس] اهـ. ورَمَز بـ"مس" إلى الإمام المِسْنَاوِي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلاة الضحى دار الإفتاء أكثر عدد ركعات صلاة الضحى وقت صلاة الضحى النبی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه قال اهـ وقال الإمام صلاة الضحى قال الإمام دار الفکر صلاة الض وقت صلاة ه وآله ى الله ع إلى أن
إقرأ أيضاً:
حكم صبر الإنسان عند الإبتلاء بالفقر أو الغنى
الغنى والفقر.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المكلف إذا التمس أسباب الرزق، فإمَّا أن يحصل له الغنى أو يُقدَّر له الفقر، فإن أصابه الغنى استوجب ذلك الشكر؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
حكم الغنى والفقريقول الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (19/ 67، ط. دار إحياء التراث العربي): [الاستقراء دلَّ على أنَّ من كان اشتغاله بشكر نعم الله أكثر، كان وصول نعم الله إليه أكثر، وبالجملة فالشكر إنَّما حَسُن موقعه؛ لأنَّه اشتغال بمعرفة المعبود، وكل مقام حرَّك العبد من عالم الغرور إلى عالم القدس؛ فهو المقام الشريف العالي الذي يوجب السعادة في الدين والدنيا] اهـ.
وقال تعالى مثنيًا على نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: 121].
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ»، فقال: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» أخرجه أبو داود في "سننه".
الغنى والفقر
وقالت الإفتاء إنْ طلب المكلَّف أسباب الرزق والغنى فقدَّر الله له الفقر؛ صار الصبر له مطلوبًا، والرضا بقضاء الله فيه عين العبادة، فقد قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
قال الإمام الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 185، ط. دار ابن كثير): [عن ابن عباس في قوله: ﴿ولنبلونكم﴾ الآية، قال: أخبر الله المؤمنين أنَّ الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر وبشرَّهم، فقال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وأخبر أنَّ المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة؛ كتب الله له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى] اهـ.
وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» أخرجه مسلم.
فالفقر والغنى ابتلاءان، أحدهما: ابتلاء بقلة النعمة، والآخر: ابتلاء بكثرتها؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35]. والفقر يستوجب الصبر، والغنى يستوجب الشكر.
يقول الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" (18/ 439، ط. مؤسسة الرسالة): [ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة والعافية؛ فنفتنكم به] اهـ.
كما أن الله تعالى قد أوضح هذه الحقيقة جلية في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 15-20].