كيف تؤثر صحة الجهاز الهضمي على الرؤية
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
بدأت الدراسات الحديثة في كشف العلاقة المعقدة بين صحة الجهاز الهضمي والرؤية، مما يشير إلى أن أمعائنا قد تلعب دورًا حاسمًا في ظهور أمراض العيون وتطورها.
ويؤكد هذا الارتباط على أهمية اتباع نهج شامل للصحة، حيث يمكن أن يكون الحفاظ على ميكروبيوم الأمعاء المتوازن مفيدًا لصحة العين.
وتم الاعتراف بميكروبيوم الأمعاء، الذي يضم تريليونات من البكتيريا والفيروسات والفطريات، لدوره الواسع في صحة الإنسان، ويمتد تأثيره من المساعدة على الهضم إلى تعديل جهاز المناعة.
ومع ذلك، فإن تأثيرها المحتمل على صحة العين لم يظهر إلى النور إلا مؤخرًا، يقوم أطباء العيون وأطباء الجهاز الهضمي الآن بدراسة كيفية تأثير التغيرات في نباتات الأمعاء على العيون.
نُشرت إحدى الدراسات الرائدة في هذا المجال في مجلة "طب العيون"، حيث وجد الباحثون أن الأفراد الذين يعانون من الضمور البقعي المرتبط بالعمر (AMD) لديهم ميكروبات أمعائية مختلفة مقارنة بأولئك الذين لا يعانون من هذه الحالة.
وتعد AMD أحد الأسباب الرئيسية لفقدان البصر، وتشير الدراسة إلى أن تكوين ميكروبيوم الأمعاء يمكن أن يؤثر على الالتهاب والإجهاد التأكسدي في العين.
وفي سياق اعتلال الشبكية السكري، وهي حالة تؤثر على الأفراد المصابين بالسكري، يصبح الارتباط أكثر وضوحا، ومن المعروف أن مرض السكري يتأثر بصحة ميكروبيوم الأمعاء، ومع تقدمه، يمكن أن يؤدي إلى ضعف البصر.
وتشير الأبحاث إلى أن الأمعاء الصحية يمكن أن تساعد في إدارة مرض السكري، وبالتالي قد تقلل من خطر اعتلال الشبكية السكري، ومن حالات العين الأخرى التي قد يلعب فيها محور العين والأمعاء دورًا هي الجلوكوما، التي تتميز بزيادة الضغط في العين التي يمكن أن تؤدي إلى فقدان البصر.
ووجدت دراسة في "Journal of DrDeramus" أن الأشخاص المصابين بالجلوكوما لديهم معدل انتشار أعلى لحالات الأمعاء مثل متلازمة القولون العصبي وفرط نمو البكتيريا في الأمعاء الدقيقة، في حين لم يتم إثبات السببية، تشير هذه الارتباطات إلى أن الجهاز الهضمي الصحي قد يؤثر على تطور الجلوكوما.
وبعيدًا عن المرض، يبدو أن صحة العين اليومية مرتبطة بصحة الأمعاء أيضًا، فيما يتم امتصاص الفيتامينات والمواد المغذية المهمة للحفاظ على الرؤية، مثل فيتامين أ، والزنك، واللوتين، في الأمعاء.
وإذا كانت الأمعاء غير صحية، فمن المحتمل أن تضعف امتصاص هذه العناصر الغذائية الحيوية، مما يؤثر بشكل غير مباشر على صحة العين.
يفتح مجال الدراسة المزدهر هذا طرقًا علاجية محتملة. يمكن أن تكون البروبيوتيك والبريبايوتكس وتعديلات النظام الغذائي التي تعزز ميكروبيوم الأمعاء الصحي جزءًا من الوقاية من أمراض العيون أو إدارتها.
ومع ذلك، من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث لفهم الآليات الكامنة وراء الاتصال بين الأمعاء والعين بشكل كامل ولترجمة هذه النتائج إلى ممارسة سريرية.
ومع استمرار العلم في التعمق في العلاقة بين الأمعاء والعين، أصبح من الواضح أن أنظمة الجسم لدينا أكثر ترابطًا مما كان يعتقد سابقًا.
ويمكن أن تؤدي الآثار المترتبة على هذه النتائج إلى إحداث ثورة في كيفية تعاملنا مع صحة العين، مما يضيف طبقة أخرى من الأهمية لصحة الجهاز الهضمي والحفاظ على ميكروبيوم الأمعاء المتوازن.
وقد يتضمن مستقبل طب العيون التركيز على القناة الهضمية كوسيلة للوقاية من أمراض العيون وعلاجها، مع التأكيد على القول المأثور بأن الصحة الجيدة تبدأ حقًا من الداخل.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: میکروبیوم الأمعاء الجهاز الهضمی صحة العین یمکن أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
التعليم بين الرؤية والواقع
#التعليم بين #الرؤية و #الواقع
الكاتب: عبد البصير عيد
لطالما كان للمعلم هيبته وللعلم قيمته الرفيعة في قلوب الناس على مر العصور، كما كانت الكتب تُكتب في صفات طالب العلم والقصص تروى والأمثال تضرب في شغف اكتساب العلم وتعلمه. إن القائمة تطول، لكن الزمان يتغير، فهذا التطور المتسارع جعل كثيراً من تلك الأقوال والحكم تشهد ملامح علاقات متغيرة مست طبيعة المعلم ومكانته، وسمات الطالب وشغفه، وباتت العملية التعليمية تواجه تحديات مختلفة في مختلف الأصعدة، لتخلق فينا أسئلة صعبة على رأسها: أين نحن الآن بين الرؤية المثالية للتعليم والواقع الذي نعيشه؟
لقد كان لتعليم هالته القدسية التي أحاطت به على مر التاريخ من ترسيخ المبادئ، وتعزيز القيم النبيلة، من أجل خدمة المجتمعات والارتقاء بها. فهي رسالة تحمل في طياتها الإخلاص والإبداع، وهيبة تجعل المعلم مصدر احترامٍ وإلهامٍ للطلاب والمجتمع على حدٍ سواء.
كان الطالب يسعى للتعلم بكل إصرار غير مكترثٍ ببعد المسافات ولا وعورة الطرق، فقد كان الشغف دافعه والعزيمة زاده، يرحل في طلب العلم، وينهل من ينابيعه الصافية، مدركًا أن التعليم هو مفتاح مستقبله وأساس نهضته.
أما اليوم في عصرنا هذا، أصبح التعليم في العديد من الأحيان يخضع لتأثيرات خارجية أو داخلية، تؤثر على العملية التعليمية لتحويلها من رسالة أخلاقية نبيلة إلى معادلة حسابية مادية. وكنتيجة لذلك تتراجع قيم التعليم الأصيلة أمام التحديات اليومية التي تواجه المعلمين والطلاب على حدٍ سواء.
تُضاف إلى ذلك ظاهرة دخول بعض الأفراد إلى مهنة التعليم دون امتلاك رؤية واضحة أو شغف حقيقي، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم ومخرجاته، ليصبح التعليم جسداً لا روح فيه.
وتتعدى المشكلة إلى أبعد من مجرد تحويل التعليم إلى سلعة تجارية إلى مرحلة غياب الرؤية الحقيقية لدى بعض القائمين على التعليم. الرؤية التي تُغرس في النفوس، وتستند إلى حب المهنة والرغبة في تحقيق تغيير إيجابي. فلا شك في أن للجانب المادي طريقه وفلسفته في قطاع التعليم، لكن لا يمكن أن يُتَهَاوَن في جوهر العملية التعليمية وهي كونها رسالة ورؤية لها مكانتها، بل وهي حجر أساسها وركيزتها.
الرؤية ليست مجرد كلمات تُعلق على الجدران، أو تُكتب في التقارير، بل هي إيمان داخلي يتجلى في العمل اليومي للمعلم وبوصلة يهتدي بها العاملون كلهم في هذا المجال معلمين وقادة من أجل تقديم التعليم المطلوب بحب وشغف وإخلاص.
يواجه التعليم اليوم أجيالاً تعيش في عالم متغير يتطلب مهارات ومعارف مبدعة ومبتكرة. هؤلاء الطلاب هم بناة المستقبل، لكن إعدادهم لمواجهة التحديات يتطلب رؤية تعليمية متكاملة، تُوازن بين القيم المتوارثة والأصيلة والرؤية العصرية والحديثة واستشراف المستقبل.
ومع كل هذا لا ننكر أن المعلمين يواجهون تحديات كبرى، مثل التعامل مع طلاب مختلفي الخلفيات والاحتياجات، والضغط الناتج عن المناهج المكثفة، والتقنية المتسارعة، فضلاً عن ضعف التقدير المجتمعي في بعض الأحيان.
لذلك، ومن أجل إحداث فرق حقيقي، يجب أن يكون لكل فرد في مجال التعليم رؤيته الخاصة التي تُميّزه عن غيره. رؤية تقوم على المبادئ الأصيلة، والإبداع في مواجهة التحديات، والإيمان بأهمية الرسالة، فيجب ألا يفقد المعلم شغفه وبوصلته ورؤيته تجاه هذه المهنة النبيلة. هذه الرؤية يجب أن تكون صامدة أمام التحديات، فلا تُحيدها الظروف، أو تجعلها تتأثر بضغوط الحياة اليومية.
رغم تعقيد المشهد الحالي، لا بد أن نحافظ على أهم مبادئ هذه المهنة والعودة بها إلى بساطتها وقيمها الأولى. فالعودة إلى رؤية واضحة ومخلصة للتعليم ليست ترفًا، بل ضرورة لإعادة بناء الأجيال القادمة.
فحينما تغيب الرؤية، يصبح التعليم مجرد وظيفة، وقد يفقد المعلم شغفه، والطالب دافعيته، والمجتمع أمله في مستقبل أفضل. التعليم ليس مجرد وسيلة لنقل المعرفة، بل هو فن يحيى العقول، وأمانة تضمن بقاء القيم، وطريق لتحقيق النهضة. لهذا، يجب أن نسعى جاهدين لتحقيق التوازن بين الرؤية المثالية للتعليم والواقع الذي نعيشه، واضعين نصب أعيننا أن التعليم هو أساس أي نهضة حضارية مستدامة.
كاتب وخبير تربوي
مقالات ذات صلة استنهاض هِمَم / مروى الشوابكة 2024/12/20