نقلل دائما من حجم التأثير الذي تحدثه الأشياء الصغيرة في الحياة، نقلل من القطرات التي تشكِّل النهر، وحبيبات الرمل التي تشكل الصحراء، ومن المائة بيسة التي نمنحها للمحتاج، ومن الكتاب الواحد الذي نضعه في الركن المخصص للطلاب الجامعيين!. فتأبى أنفسنا أن تمنح وتبذل القليل لأسباب عدة، فنخشى أن نمنح القليل حين يتوقع منا المجتمع أو الأصدقاء أو المقربون الكثير، ونخشى أن نمنح شيئا واحدا ونحتقره مقابل منحنا لكمية من الأشياء، وفي خضم هذه الحياة المتسارعة ركضا ولهاثا؛ لا يلتفت أحدنا إلى ما للشيء الواحد من أثر، وما يترتب على ذلك الشيء من نمو واطراد يجعله عظيما في الغد.
قبل عشر سنوات، بدأت مبادرةٌ رائعة في معرض مسقط الدولي للكتاب، وبشيء من الريبة والتوجس، والنظر عن قرب ومن بعيد للمبادرة، كانت توجَّه إليها الكتب المُتَبرع بها مع الإشادات والتصحيحات الممكن عملها لجعل المبادرة أفضل وأفضل. تتلخص فكرة هذه المبادرة في أنها مبادرة لدعم الطالب الجامعي، فهي في الأساس تستهدف فئة الطلاب الذين تتراوح أعمارهم من الثامنة عشرة إلى ما دون الخامسة والعشرين، شريطة أن يحملوا البطاقة الجامعية. وتهدف من هذا كله لمنح الطلاب الكتب المجانية كي يقرؤوا ما يفيدهم دون أن يدفعوا شيئا مقابل الكتاب.
حسنا، ما علاقة الكتاب الواحد؟ تطورت المبادرة فشملت الكتب المستعملة جنبا إلى جنب مع الكتب الجديدة، فأصبح الطالب المستفيد من المبادرة بالأمس، أصبح متبرعا اليوم. وأصبح القارئ الذي يؤمن برسالية القراءة ورسالته في الحياة، يقدم جزءا من مكتبته ليدعم الطلاب الجامعيين فيحصلون على كتاب عظيم الفائدة مقابل لا شيء. ولأنني كنت يوما أحد هؤلاء الطلاب؛ أتذكر جيدا تلك البهجة وأنا أحصل على كتاب مجاني لطالما رغبت بقراءته ولكن الحاجز المالي كان يمنعني من اقتنائه. لأجل هذا استمرت هذه المبادرة حتى اليوم، بل ونجد من المتبرعين بالكتب من الطلاب المقتدرين الذين قرؤوا كتبا محببة إليهم، ما يجعل المرء يبتهج وهو يشاهد ثقافة العطاء والبذل والإيمان بالأثر الذي يمكن أن يحدثه كتاب ما في حياة أحد ما.
إن فلسفة الشيء الواحد تؤثر في الكل تأثيرا بالغا، ولو تأملنا الكون بما فيه، والتاريخ بأحداثه، واليوم بحاضره؛ لوجدنا بأن للواحد جذرا يجعلهُ أُسَّ الأشياء جميعها وأصلها كلها. وفي الفلسفات العالية كما في الأمثال العامية، يتفق الناس على ما للواحد من تأثير؛ فهذا أبو العتاهية، شاعر التصوف والزهد والحكمة يقول:
إِنَّ القَليلَ بِالقَليلِ يَكثُرُ
إِنَّ الصَفاءَ بِالقَذى لَيَكدُرُ
وكما يقول الآخر:
كلُّ الحوادثِ مبداها من النظرِ
ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَررِ
وقبلهما قال النبي عليه السلام « اتقوا النار ولو بشق تمرة». أما في الأمثال الدارجة فنقول بأن التفاحة الواحدة الفاسدة في صندوق التفاح، يمكن أن تجعل الصندوق كله فاسدا. إن الحكيم مَن تفكر في مآلات صغائر الأشياء والأمور وتدبرها، فالصغير اليوم يكون عظيما في الغد الآتي. يدرك المسلم المتدين أثر الواحد في الحياة، فالقرآن والسنة النبوية الشريفة مليئة بهما، كما في سورة الأنعام «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»، والتاجر الحصيف يدرك بأن الثروة إن هي إلا قطرات صغيرة من المال تتراكم فتصير ذهبا وعقارا، والمثقف الجاد يعلم بأن ثقافته التراكمية مصدرها الكتاب تلو الكتاب والمعرفة تلو المعرفة، لا الصدفة ولا الفطنة وحدها. وهذه دعوة صادقة لكل من يريد أن يترك أثرا خيِّرا في نفوس الطلبة الذين لا يستطيعون شراء للكتب بأن يتبرع بكتابه المستعمل أو الجديد خدمة لهم ، فالطالب المثقف اليوم، قائد يحمل راية الوطن غدا للازدهار والرفعة ؛ فلنمنح كتبنا حياةً أخرى!
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ملاعق طعام وآلات موسيقية..مصممة أزياء تصنع الملابس من أغرب الأشياء
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- ظهرت الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت، في مجلة "Vogue China" في أبريل/نيسان مرتديةً مشدًا مصنوعًا من طبقين فضيين قديمين.
في الصيف ذاته، تصدرت بلانشيت عناوين الأخبار عندما وصلت إلى السجادة الحمراء في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية مرتدية قميصًا بدون أكمام مصنوعًا من 102 ملعقة فضية قديمة.
وهذه الإطلالات، التي تحولت فيها أدوات المائدة إلى قطع راقية، من أعمال إلين هوداكوفا لارسون، وهي مصممة سويدية ومؤسِّسة علامة "Hodakova" المستقلة التي تتخذ من العاصمة السويدية ستوكهولم مقرًا لها.
وتأسست هذه العلامة قبل 4 أعوام فحسب.
ولا تجد لارسون الإلهام بأدوات المطبخ فحسب، إذ أنّها صنعت فساتين من حقائب جلدية، وسبق لها أن صممت حقائب صغيرة مصنوعة من الأحزمة، وحقائب يد من أحذية ركوب الخيل.
وتتكون مجموعتها الثمينة من الأغراض المنزلية التي تأتي غالبًا من تبرعات المتاجر والشركات في السويد.
وقالت لارسون لـ CNN: "نتعاون مع شركات مختلفة تزودنا بالمواد التي تخزنها بشكلٍ زائد".
قدّمت لارسون عرضها في أسبوع الموضة بالعاصمة الفرنسية باريس، بملابس مصنوعة من الآلات الموسيقية.
وفاز نهج لارسون المبتكر في مجال إعادة التدوير للأفضل (upcycling) بجائزة "LVMH" المرموقة لعام 2024، والتي شملت 400 ألف يورو، وعامًا من الإرشاد مع المدراء التنفيذيين الكبار لشركات هذه المجموعة.
ويُمكن لأي شيء في عالَم "Hodakova"، أن يصبح فاخرًا، حتى الأشياء العادية، إذ أوضحت لارسون: "آمل أن أغير وجهة النظر تجاه (هذه العناصر)".
ونشأت لارسون في مزرعة خيول بالريف السويدي، حيث كانت عائلتها تزرع طعامها الخاص، وتقطع الأخشاب بأنفسها، بينما كانت والدة لارسون تصنع الملابس لها ولشقيقها من قصاصات القماش.
ولا يمكن شراء أكثر التصاميم فرادة من "Hodakova" إلا مباشرة من موقع العلامة التجارية عبر الإنترنت، مثل الفستان المصنوع من سترة مقلوبة من الداخل للخارج، والذي ارتدته الممثلة سيرشا رونان أثناء عرض فيلم "The Outrun" في مدينة نيويورك بأمريكا مؤخرًا.
وأشار موقع العلامة التجارية إلى أنّ تلك القطع تُصنع "بحسب الطلب" في غضون 3 أسابيع تقريبًا، وقد تكون "مختلفة بعض الشيء".
في الوقت ذاته، يمكن شراء القطع الأكثر قابلية للارتداء تجاريًا من إحدى المتاجر التي تبيع قطع لارسون، ويبلغ عددها 24 متجرًا على مستوى العالم، وتشمل "Dover Street Market"، و"Ssense".