لجريدة عمان:
2024-12-28@11:26:59 GMT

كتاب واحد!

تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT

نقلل دائما من حجم التأثير الذي تحدثه الأشياء الصغيرة في الحياة، نقلل من القطرات التي تشكِّل النهر، وحبيبات الرمل التي تشكل الصحراء، ومن المائة بيسة التي نمنحها للمحتاج، ومن الكتاب الواحد الذي نضعه في الركن المخصص للطلاب الجامعيين!. فتأبى أنفسنا أن تمنح وتبذل القليل لأسباب عدة، فنخشى أن نمنح القليل حين يتوقع منا المجتمع أو الأصدقاء أو المقربون الكثير، ونخشى أن نمنح شيئا واحدا ونحتقره مقابل منحنا لكمية من الأشياء، وفي خضم هذه الحياة المتسارعة ركضا ولهاثا؛ لا يلتفت أحدنا إلى ما للشيء الواحد من أثر، وما يترتب على ذلك الشيء من نمو واطراد يجعله عظيما في الغد.

قبل عشر سنوات، بدأت مبادرةٌ رائعة في معرض مسقط الدولي للكتاب، وبشيء من الريبة والتوجس، والنظر عن قرب ومن بعيد للمبادرة، كانت توجَّه إليها الكتب المُتَبرع بها مع الإشادات والتصحيحات الممكن عملها لجعل المبادرة أفضل وأفضل. تتلخص فكرة هذه المبادرة في أنها مبادرة لدعم الطالب الجامعي، فهي في الأساس تستهدف فئة الطلاب الذين تتراوح أعمارهم من الثامنة عشرة إلى ما دون الخامسة والعشرين، شريطة أن يحملوا البطاقة الجامعية. وتهدف من هذا كله لمنح الطلاب الكتب المجانية كي يقرؤوا ما يفيدهم دون أن يدفعوا شيئا مقابل الكتاب.

حسنا، ما علاقة الكتاب الواحد؟ تطورت المبادرة فشملت الكتب المستعملة جنبا إلى جنب مع الكتب الجديدة، فأصبح الطالب المستفيد من المبادرة بالأمس، أصبح متبرعا اليوم. وأصبح القارئ الذي يؤمن برسالية القراءة ورسالته في الحياة، يقدم جزءا من مكتبته ليدعم الطلاب الجامعيين فيحصلون على كتاب عظيم الفائدة مقابل لا شيء. ولأنني كنت يوما أحد هؤلاء الطلاب؛ أتذكر جيدا تلك البهجة وأنا أحصل على كتاب مجاني لطالما رغبت بقراءته ولكن الحاجز المالي كان يمنعني من اقتنائه. لأجل هذا استمرت هذه المبادرة حتى اليوم، بل ونجد من المتبرعين بالكتب من الطلاب المقتدرين الذين قرؤوا كتبا محببة إليهم، ما يجعل المرء يبتهج وهو يشاهد ثقافة العطاء والبذل والإيمان بالأثر الذي يمكن أن يحدثه كتاب ما في حياة أحد ما.

إن فلسفة الشيء الواحد تؤثر في الكل تأثيرا بالغا، ولو تأملنا الكون بما فيه، والتاريخ بأحداثه، واليوم بحاضره؛ لوجدنا بأن للواحد جذرا يجعلهُ أُسَّ الأشياء جميعها وأصلها كلها. وفي الفلسفات العالية كما في الأمثال العامية، يتفق الناس على ما للواحد من تأثير؛ فهذا أبو العتاهية، شاعر التصوف والزهد والحكمة يقول:

إِنَّ القَليلَ بِالقَليلِ يَكثُرُ

إِنَّ الصَفاءَ بِالقَذى لَيَكدُرُ

وكما يقول الآخر:

كلُّ الحوادثِ مبداها من النظرِ

ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَررِ

وقبلهما قال النبي عليه السلام « اتقوا النار ولو بشق تمرة». أما في الأمثال الدارجة فنقول بأن التفاحة الواحدة الفاسدة في صندوق التفاح، يمكن أن تجعل الصندوق كله فاسدا. إن الحكيم مَن تفكر في مآلات صغائر الأشياء والأمور وتدبرها، فالصغير اليوم يكون عظيما في الغد الآتي. يدرك المسلم المتدين أثر الواحد في الحياة، فالقرآن والسنة النبوية الشريفة مليئة بهما، كما في سورة الأنعام «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»، والتاجر الحصيف يدرك بأن الثروة إن هي إلا قطرات صغيرة من المال تتراكم فتصير ذهبا وعقارا، والمثقف الجاد يعلم بأن ثقافته التراكمية مصدرها الكتاب تلو الكتاب والمعرفة تلو المعرفة، لا الصدفة ولا الفطنة وحدها. وهذه دعوة صادقة لكل من يريد أن يترك أثرا خيِّرا في نفوس الطلبة الذين لا يستطيعون شراء للكتب بأن يتبرع بكتابه المستعمل أو الجديد خدمة لهم ، فالطالب المثقف اليوم، قائد يحمل راية الوطن غدا للازدهار والرفعة ؛ فلنمنح كتبنا حياةً أخرى!

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كتاب جديد عن حقوق الانسان للدكتور عمار عباس الحسيني

ديسمبر 25, 2024آخر تحديث: ديسمبر 25, 2024

المستقلة/-حامد شهاب/.. صدر عن مكتبة دار السلام القانونية ببيروت كتاب حقوق الانسان للاستاذ الدكتور عمار عباس الحسيني بطبعته الجديدة 2025.

والكتاب يتحدث عن نسبية حقوق الانسان وخصائصها وأهميتها، كما يستعرض الإنسان بوصفه محورا للحقوق والتطور التاريخي لحقوق الانسان ومصادر حقوق الانسان وحقوق الانسان في الشريعة الاسلامية والحقوق المدنية والسياسية والشخصية والحقوق والحريات الثقافية والفكرية.

مقالات مشابهة

  • إبداعات|| "قلبي كتاب مفتوح".. د. حفني محمود الحساني - قنا
  • إصدار عناوين متنوعة في العلوم والمعرفة.. حصاد دار الكتب والوثائق القومية في 2024
  • "دار الكتب" تنظم ندوة حول حقوق الإنسان (صور)
  • جامعة الجلالة تنفذ سلسلة أنشطة ضمن المبادرة الرئاسية "بداية"
  • الحلقة الثامنة من كتاب عدسات على الطريق ..
  • كتاب جديد عن حقوق الانسان للدكتور عمار عباس الحسيني
  • اليوبيل الذهبي لرابطة الكتاب 1974 – 2024
  • اليوبيل الذهبي لرابطة الكتاب ١٩٧٤- ٢٠٣٤
  • «الملتقى الأدبي» يناقش روايتيّ «ساعي بريد الكتب» و«إيلينا فيرانتي»
  • الأوقاف تطلق مسابقة نقد أدب الطفل بالتعاون مع دار الكتب والوثائق القومية