لجريدة عمان:
2024-11-24@12:29:11 GMT

لماذا الحديث عن الثقافات وليس تفاهمها ؟

تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT

مرت حتى الآن أكثر من ثلاثة عقود على صدور الكتاب الذائع الصيت (صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي)، للمفكر الأمريكي البارز «صموئيل هنتنجتون» الذي كان عبارة عن أطروحة نشرت في مجلة [فورين أفيرز] الأمريكية، نشر عام 1993 قال فيها ما خلاصته: «إن الحضارات سوف تتصادم لاختلاف الأفكار والأيديولوجيات بين هذه الحضارات، وتنبأ بأن الصدام المقبل سيكون بين الحضارات الإسلامية والكونفوشيوسية الصينية، وبين الحضارة الغربية المسيحية».

وحظيت هذه الأطروحة ـ التي تحولت إلى هذا الكتاب -كما أشرنا- بردود ومناقشات وتعقيبات وزادت من شهرة هذه الأطروحة بعد ذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

والحقيقة هذه لو صحت، أن الاختلاف أو الصدام يكون بين الثقافات وليس الحضارات، ذلك أن الحضارات لا تتصادم لمجرد الاختلاف في الرؤى أو الأفكار أو التوجهات السياسية أو الفكرية أو حتى الدينية، لطبيعة التعددية الفكرية والدينية والسياسية، لكن الذي يدفع إلى التصادم هو عدوان ثقافات على الحضارات والثقافات الأخرى، ضمن أهداف الهيمنة والسيطرة، كما فعلها الاستعمار الغربي لبلدان كثيرة منذ القرن التاسع عشر وما بعده، وهي ضمن الصراعات السياسية التي تحدث، كما حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، وسميت بـ(الحرب الباردة) وهو صراع على النفوذ والسيطرة الاقتصادية، وهذا لم يشر إليه «صموئيل هنتنجتون» أو تحدث عنه في هذا الكتاب المشار إليه آنفًا، إنما طرح أحكامًا مسبقة ومدفونة، كان قد طرحها مستشرقون وباحثون غربيون من النصف الأول من القرن الماضي، وهو أن الإسلام عدواني بطبعه وأن للإسلام حدود دموية، وسيشكل خطر على الحضارة الغربية إلخ!.

والواقع أن ما قاله هذا الأكاديمي الأمريكي غير المنصف في تحليله، اعتبر بلا مواربة أو غموض، أنه يهدف إلى دفع المؤسسات الغربية إلى الخوف من الإسلام وقوته وتأثيره مستقبلاً، وعدم الاستكانة والارتخاء لسقوط الاتحاد السوفييتي، و(النوم في العسل) بل يرى أن على القوى في الغرب أن تستيقظ لهذا المارد الصاعد، وهو الخطر الأخطر بعد سقوط الخطر الأحمر، والمقصود بالخطر الشيوعي آنذاك. والأطروحة تأتي ردًا مباشرًا على أطروحة «فرانسيس فوكوياما» في (نهاية التاريخ)، فكانت هذه الأطروحة والكتاب لهنتجتون التي تستفز الغرب وتحركت هواجسه النائمة من مخاطر متوهمة، وهو عليه أن يستعيد الصراعات التي مرت منذ قرون، وهو أن الإسلام، العصيّ على الانقياد كما يعتقدون، وهنا تكمن مخاطره كما يقولون، أو يتوهمون ذلك، وربما يقصدون أن المسلمين لا يزالون يرون أن إسرائيل عدوة لهم، أو أن الحقوق المهدورة للفلسطينيين ساهم فيها الغرب في قيام إسرائيل ودعمها فيما قامت به في حروبها، سواء ضد الدول العربية، أو حروبها ضد الفلسطينيين على أرضهم، وهذا بلا شك رؤية ظالمة وغير عادلة، وهم يدركون أنه لو حُلت القضية الفلسطينية، لساد السلام والوئام بين المسلمين والغرب، كما أن العلاقات العربية / الغربية في أغلبها ممتازة، لكن الاحتلال الصهيوني في فلسطين هو العقبة الكأداء لتحقيق السلام العادل، كما يجري الآن في غزة من إبادة جماعية للمدنيين ولا تزال مستمرة ضدهم، دون أن يتحرك الغرب -ويقدر لو أراد- لوقف هذا التمادي في هذه الإجرامية.

وقضية الصراع أو الصدام، ليست جديدة على الفكر الغربي بشكل عام، فقد طرح «تشارلز داروين» نظريته في «البقاء للأصلح» من خلال الصراع بين الكائنات الحية وعوامل البيئة والمناخ وغيرها من العوامل الأخرى المساندة لهذا الصراع. ثم جاءت النظرية الماركسية في صراع الطبقات وتفسيره بأنه محرك التاريخ وهكذا، فإن «هنتجتون» جاء بنظرية ملخصها أن الاختلاف الفكري والفروقات الثقافية ستدفع الحضارات إلى الصراع والصدام ويرى الكاتب المصري ميلاد حنا «أن نظرية هنتجتون تعتبر الصفارة التي تعلن البدء للتحرك، والتي يبدو «أنها تحقق غايات وطموحات السياسة الأمريكية، التي تعتمد -أول ما تعتمد- على ضرورة خلق و «ابتداع» عدو خارجي يهدد «الحضارة» والقيم الأمريكية عمومًا والغربية خصوصًا. ولذا طرح هنتجتون نظريته أو رؤيته، وكان في ضوء معطيات الصراعات الحالية ترشيح الإسلام ليكون العدو المنتظر للغرب، ثم ذهب إلى مدى أبعد، وكعملية فلسفية استراتيجية، فافترض تحالفًا بين الإسلام والكونفوشية مجتمعين ومتعاونين في مواجهة الغرب، حتى أن كتّابًا كثيرين وقعوا في فخ الرؤية القائلة أن العالم سيتحول إلى صراع بين الغرب واللاغرب». فهذه الأفكار التي طرحها هنتجتون هدفها دفع مؤسسات صناعة القرار إلى التهيب والحذر من الآخر المسلم بدعاوي أن المسلمين يحملون أفكار عنيفة، وإذا ما أصبح لديهم قوة سوف يدمرون الغرب ويهدمون حضاراته.. إلخ: لذلك فإن دعاوي «صموئيل هنتنجتون» هي نفسها التي تدعو إلى الصدام وقهر الآخر والسباق لتجريده من قوته وتجريده من أسباب القوة والندية، وهو ما يسمى في علم السياسة والاستراتيجيات بـ(حروب الاستنزاف أو الحروب الاستباقية للآخر في إطار الصراع السياسي).

فهذه الرؤية من «هنتنجتون» كما قال د. محمد أبو الفضل، هي أنه: «عمل على توسيع هوة الخلاف بين الغرب والدول الإسلامية التي وجدت نفسها بعد صراع طويل ضد الغرب في الحقيبة الاستعمارية في صراع جديد ضد الغرب أيضًا الذي يتيه بهيمنته في كل المجالات، ويجب أن نعترف هنا بأن تراث الحقد يقوي مجالات الصراع ويذكي أوار الاختلاف، فهناك سقوط الأندلس والحروب الصليبية وتصفية الجيوب الإسلامية ومساعدة الأقليات غير المسلمة لتنشط ضد المسلمين، بل مساعدة بعض العناصر المتطرفة من المسلمين حتى تنشأ حروب أهلية ناهيك عن النظام العالمي الجديد / القديم الممسوخ الملامح».

وعبر عن ذلك «مانفريد أوستن» الأمين العام لمؤسسة همبولت عن قلقه لتجاهل الغرب للحضارات الأخرى مناديا بضرورة «أن نتعلم كيف نفهم بشكل أفضل لغة الحوار مع الأمم الأخرى، لكن قدرتنا على الحوار لن تزداد إلا إذا بدأنا بتعلم لغات الأمم الأخرى بصورة مكثفة. ولهذا نحتاج إلى سياسة ثقافية تقوم على فهم طبائع الشعوب بحيث نصبح قادرين على التعامل مع خصائصها المتميزة في التفكير والشعور، لقد خبرت خلال إقامتي في شرق آسيا -كما يقول- إن الناس هناك طوروا نوعًا من الاعتداد بالنفس يقوم أساسًا على أنهم لن يقبلوا حضارتنا على المدى الطويل إلا إذا كنا نحن بدورنا مستعدين للاهتمام بحضارات تلك الأمم الحضارية وبطبائعها اهتمامًا جادًا وعميقًا». فهذه الأطروحة هي نفسها الدافعة والمحرضة على الصدام؛ لأنها تشعل نار الأحقاد والتوترات بين الحضارات والثقافات لمجرد الاختلاف والتباين وهذا الاختلاف فطرة إلهية بين مختلف البشر. ومن الحكمة أن ينظر الغرب إلى مسألة التباينات بين الإسلام والغرب بمنظار الواقع وهو أن المظالم والقمع والقهر بمعايير غير عادلة هي نفسها الدافعة إلى الصراع والصداع وليس الاختلافات الفطرية الأنانية. لكن البديل الأفضل والأرقى لمقولة صراع الثقافات أو الحضارات- كما يقول البعض- ومنهم صاحب نظرية (صراع الحضارات)، هو أن تتفاهم الثقافات أو الحضارات وتتقارب من خلال الحوار الجاد الخالي من الاشتراطات والفرض والإرغام على الدول الأقل نموًا، لكن عليها أن تعترف بالآخر المختلف، ضمن الاختلاف المتعارف به بين الثقافات الإنسانية، وهو أن يكون التواصل والتعايش هو الوسيلة الإيجابية لتجنب الإنسانية عواقب الصراعات والتوترات والحروب، ضمن المشتركات الإنسانية بين الشعوب في هذا العصر، وبقدر ما تعظم الحاجة إلى إيجاد «حوار جدي بين الثقافات والحضارات، لإقامة جسور التفاهم بين الأمم والشعوب، ولبلوغ مستوى لائق من التعايش الثقافي والحضاري، يقوم على الفهم المتبادل لتهيئ الأجواء المناسبة لإجراء هذا الحوار، فيما هو مختلف بينهم في قضايا عالقة أو خافتة، وإيجاد الشروط المقبولة الصحيحة التي تسهم إلى إيجاد الأرضية المنشودة والغايات المقصودة.

ولا شك أن التفاهم بين الثقافات من خلال الحوار مع الآخر، ضرورة ملحة في عصرنا الراهن الذي يموج بالتوترات بين بعض الدول في عصرنا الراهن، ولذلك يجب ألا نرفضه وفق مسوغات ليست دقيقة بينه، والإسلام يدعو للحوار كما جاء في القرآن الكريم، لاسيما أن دعوة الحوار بين الحضارات، جاءت من الطرف الإسلامي دعوة عالمية من خلال سعي الحضارات لبناء علاقاتها على الحوار الإيجابي والتبادل الثقافي والتفاعل الحضاري الذي هو سمة الثقافات عبر التاريخ، وتقوم على ثقافة الحوار والتسامح، وبديلاً لمقولات الصدام والصراع. وهذا يتم من خلال المنهجية السليمة في الحوار الهادف، والسعي الجدي لقيام حوار بين الحضارات والثقافات مبني على الرغبة الصادقة في التفاهم والتعاون، فالحوار بين الثقافات لا يمكن أن يؤدي دوره المنوط به إلا من خلال إثراء التعاون الإنساني، والتفاهم الذي يؤدي إلى تقارب وجهات النظر بين أطرافها. فالحوار يظل مطلبا ملحا في عصرنا الراهن، ولا غنى عنه للإنسانية جمعاء، إذا ما أرادت أن تعيش بمنأى عن الصراع السلبي وتتجه للتدافع السلمي في معركة الحياة في التقدم والإبداع، الذي هو في الأصل سنة إلهية كونية، بين الأمم، فالحوار بين المختلفين المبني على المنهج الصحيح، يجب أن يسود بين الحضارات والثقافات، وأن يتحقق فيه شرط التعايش والتعدد والتنوع، ويقتنع الجميع أن الحوار بين الثقافات هو السبيل الأجدى والأفضل للتغلب على الحروب والتوترات، أو ما يسمى الآن بمشكلات الإرهاب وتوابعه بعد تجديد مفهومه بصورة سليمة وصحيحة، وبعيدًا عن المزايدات والمقاييس غير المنصفة، والأحكام المسبقة الظالمة، ومن خلال هذه المنهجية يمكن أن يتم إرساء مفاهيم إيجابية للتفاهم الجدي والصادق بين الثقافات والحضارات الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الحضارات بین الثقافات الحوار بین من خلال وهو أن

إقرأ أيضاً:

معلومات الوزراء: الرعاية الصحية الرقمية من أبرز الابتكارات في مجال الطب الحديث

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول «الرعاية الصحية الرقمية»، أوضح من خلاله أن هذه الرعاية تُعد من أبرز الابتكارات في مجال الطب الحديث، حيث تُساهم في تحسين جودة الخدمات الصحية، وتيسير الوصول إليها، ومع تزايد الاعتماد على التحول الرقمي في مختلف المجالات.

أصبحت الحلول الرقمية ضرورة مُلحة لمواجهة التحديات الصحية المتزايدة، لكونها تطبق بشكل سريع، مع خفض التكاليف، الأمر الذي يؤدي إلى رعاية صحية أكثر شمولًا وفعالية.

وفي ظل التحديات العالمية السريعة التي يشهدها المجال الصحي، تبرز أهمية استثمار الدول في التحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية، لضمان تقديم خدمات صحية متطورة تلبي احتياجات المجتمع.

واستعرض التحليل أهم الاتجاهات في مجال الرعاية الصحية الرقمية لتحقيق التنمية المستدامة، والإطار المفاهيمي للرعاية الصحية الرقمية، حيث أوضحت منظمة الصحة العالمية أن مفهوم «الرعاية الصحية الرقمي» هو تقديم خدمات الرعاية الصحية من خلال تقنيات الاتصالات الحديثة، لتبادل المعلومات، وتشخيص وعلاج الأمراض والإصابات، والبحث والتقييم، والتعليم المستمر لمهني الرعاية الصحية، إذ يتاح للمرضى التواصل مع مقدمي الرعاية دون الحاجة إلى الوجود الفعلي في العيادات أو المستشفيات.

كما تُعرِّف منظمة الصحة العالمية مفهوم «التطبيب عن بُعد»، والذي يعد أحد مكونات الرعاية الصحية الرقمية على أنه، تقديم خدمات الرعاية الصحية من قِبل جميع المتخصصين في الرعاية الصحية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لتبادل كافة التفاصيل المتعلقة بالتشخيص، والعلاج، والوقاية من الأمراض، والإصابات.

وتزداد الحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية الرقمية، فعلى الرغم من كون خدمات الرعاية الصحية الرقمية متاحة لجميع السكان، فإن الرعاية الصحية الرقمية ذات قيمة خاصة لبعض الفئات، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة، وكبار السن، أو الأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض، وكذلك أولئك الذين يعيشون في مناطق نائية بدون إمكانية الوصول المادي إلى الخدمات الصحية، حيث تمثل هذه المجموعات من الناس نسبة كبيرة من سكان العالم، فعلى سبيل المثال، يعاني حاليًّا ما يقرب من 1.3 مليار شخص - حوالي 16٪ من سكان العالم - من إعاقة كبيرة، ويعيش نسبة 80٪ من هؤلاء في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

وأضاف التحليل أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان العالم الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر، ليصل إلى 2.1 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عامًا أو أكثر، ليصل إلى 426 مليون نسمة.

ووفقًا للأمم المتحدة، يبلغ عدد السكان الأصليين في جميع أنحاء العالم نحو 370 مليون نسمة، وهو ما يمثل 15% من الفقراء المدقعين في العالم، و33% من الفقراء في المناطق الريفية، ومن ثَمَّ تُظهِر هذه النتائج الإمكانات الهائلة لخدمات الرعاية الصحية الرقمية للوصول إلى مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم.

لذا، يمكن للرعاية الصحية الرقمية أن تساهم في تحقيق التغطية الصحية الشاملة في البلدان من خلال تحسين الوصول إلى خدمات صحية عالية الجودة وفعالة وبتكلفة مناسبة وهو ما يمثل قيمة خاصةً لأولئك الذين يعيشون في المناطق النائية، والمسنين.

وفي هذا الإطار، تأتي أهمية الرعاية الصحية الرقمية في تحقيق التنمية المستدامة عن طريق عدد من النتائج، وذلك على النحو التالي:

- الكفاءة، تعمل الصحة الرقمية على زيادة الكفاءة في مجال الرعاية الصحية، مما يؤدي إلى خفض التكاليف، وذلك من خلال تجنب التدخلات التشخيصية أو العلاجية المكررة أو غير الضرورية، وتعزيز إمكانات الاتصال بين مؤسسات الرعاية الصحية وبين المرضى.

- تحسين جودة الرعاية، تقوم الصحة الرقمية على تعزيز جودة الرعاية الصحية على سبيل المثال، من خلال السماح بالمقارنة بين مختلف مقدمي الخدمات، وإشراك المستخدمين لضمان الجودة، وتوجيه تدفقات المرضى إلى أفضل مقدمي الخدمات من حيث الجودة.

- الاستناد إلى الأدلة، ينبغي أن تكون تدخلات الصحة الرقمية قائمة على الأدلة، بمعنى أنه لا ينبغي افتراض فعاليتها وكفاءتها، بل إثبات ذلك من خلال التقييم العلمي الدقيق.

- تمكين المستخدمين والمرضى، من خلال جعل قواعد المعرفة في الطب، والسجلات الإلكترونية الشخصية متاحة للمستخدمين عبر الإنترنت، حيث تفتح الصحة الرقمية آفاقًا جديدة للطب الذي يركز على المريض.

- إقامة علاقة تشاركية بين المريض والمتخصص في الرعاية الصحية، حيث يتم اتخاذ القرارات بطريقة مشتركة.

- التعليم الطبي المستمر، وذلك من خلال إتاحة المصادر عبر الإنترنت للأطباء، والمستخدمين «التثقيف الصحي، المعلومات الوقائية المُخصصة للمستخدمين».

- توحيد طريقة تبادل المعلومات والاتصال بين مؤسسات الرعاية الصحية.

- توسيع نطاق الرعاية الصحية، حيث تمكن الصحة الرقمية المستخدمين من سهولة الحصول على الخدمات الصحية عبر الإنترنت من مختلف مقدمي الخدمات الصحية على مستوى العالم.

- المساواة: يأخذ تطبيق الرعاية الصحية الرقمية في الاعتبار مبدأ المساواة بين جميع فئات المجتمع، وذلك من خلال تصميم التدابير السياسية للوصول العادل للجميع.

وأبرز التحليل دور الرعاية الصحية الرقمية على المستوى العالمي والاهتمام الدولي للرعاية الصحية الرقمية حيث حثت منظمة الصحة العالمية عام 2005 الدول الأعضاء على النظر في وضع خطة استراتيجية طويلة الأجل من أجل تطوير وتنفيذ خدمات الصحة الرقمية من خلال تطوير البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل الصحة.

كما اعتمدت منظمة الصحة العالمية في عام 2013 قرارًا بشأن وضع إجراءات موحدة في مجال الصحة الرقمية، وحثت فيه الدول الأعضاء على النظر في وضع آليات تشريعية وسياسات ترتبط باستراتيجية وطنية شاملة للصحة الرقمية.

أوضح التحليل أنه منذ بداية جائحة كوفيد-19، أظهرت البلدان قبولاً واهتمامًا كبيرًا بتنفيذ وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية الرقمية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، أظهرت دراسة وطنية أجريت على 36 مليون فرد في سن العمل أن لقاءات الرعاية الصحية الرقمية زادت بنسبة 766% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الوباء، وكشفت دراسة أمريكية أخرى أن ما يقرب من 20% من جميع زيارات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2020 أجريت عن طريق الرعاية الصحية الرقمية.

أشار التحليل إلى أنه استنادًا إلى هذه الجهود وإقرارًا بضرورة تعزيز تنفيذ الصحة الرقمية، اعتمدت منظمة الصحة العالمية الاستراتيجية العالمية بشأن الصحة الرقمية للفترة «2020-2025»، والتي تشجع الدول نحو صياغة استراتيجيات قومية للصحة الرقمية وفقًا لأولوياتها، لتحقيق نُظم صحية مستدامة للمواطنين، وتتضمن صياغة الأطر المالية والتشريعية، والحوكمة اللازمة لضمان حقوق المرضى من سرية معلوماتهم الطبية، وتسهيل وتأمين تبادل المعلومات، وضمان مستوى الخدمة التي تقدم لهم.

وفي هذا الإطار، استجابت منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للاتصالات في عام 2022 للدعوة إلى وضع معيار عالمي يعالج الحواجز التي تحول دون إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الرقمية لجميع شرائح السكان، بما في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة، في منشورهما المشترك، «المعيار العالمي لمنظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للاتصالات بشأن إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الرقمية».

وقد شهدت الصحة الرقمية عالميًّا تطورًا جذريًا وبشكل سريع، حيث سجَّلت قيمة الإيرادات لسوق الصحة الرقمية عالميًّا نحو 147.97 مليار دولار أمريكي خلال عام 2023 وفقًا لموقع «Statista»، ومن المتوقع أن تصل الإيرادات في سوق الصحة الرقمية إلى 171.90 مليار دولار أمريكي في عام 2024، كما أنه من المتوقع أن تُظهر الإيرادات معدل نمو سنوي خلال الفترة «2024 - 2029»، بنسبة 8.49%، مما ينتج عنه حجم سوق متوقع يبلغ 258.25 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029.

كما أوضحت البيانات أنه من المتوقع أن تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية على معظم الإيرادات لسوق الصحة الرقمية في عام 2024، ليبلغ نحو 47.120.00 مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى استحواذ سوق العلاج والرعاية الرقمية «Digital Treatment & Care» على حصة إيرادات سوق الصحة الرقمية العالمية ليبلغ نحو 103.80 مليارات دولار أمريكي في عام 2024.

ذكر مركز المعلومات في تحليله إلى ما أشارت إليه شركة «Precedence Research» للأبحاث ودراسة السوق من أن هناك عوامل ساعدت على نمو إيرادات سوق الصحة الرقمية العالمية، على سبيل المثال، زيادة الطلب على منتجات وخدمات الرعاية الصحية الرقمية بين المستشفيات والمرضى في جميع أنحاء العالم، نتيجة التوافر الدائم لمنصات الصحة الإلكترونية المختلفة، مما أدى إلى زيادة الطلب على خدمات مثل الاستشارات والتعليم بشكل كبير. فضلًا عن الاستثمارات المتزايدة في تطوير البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى جانب التبني المتزايد للهواتف الذكية، وزيادة أعداد مستخدمي الإنترنت حول العالم، مما يعزز فرص نمو سوق الصحة الرقمية.

كما أصبحت منصات الصحة الرقمية مثل تطبيقات الهاتف المحمول، والرعاية الصحية الرقمية، والتطبيب عن بُعد قنوات توزيع مهمة للأطباء، وبالتالي، فإن الطلب المتزايد على منصات الصحة الرقمية بين المستخدمين، وكذلك المتخصصين في الرعاية الصحية يدفع نمو سوق الصحة الرقمية العالمية.

وأشار التحليل إلى الابتكارات في مجال الرعاية الصحية، وتتضمن مجموعة واسعة من التطورات التكنولوجية والأساليب الجديدة التي تهدف إلى تحسين جودة الخدمات الصحية وزيادة كفاءتها، وفي ضوء ذلك، أجرت منظمة PharmaShots تحليلًا موسعًا حول أفضل الدول المُبتكرة في مجال الرعاية الصحية خلال عام 2023، والذي اعتمد على منهجية قوية لفحص البلدان بناءً على ابتكارات الرعاية الصحية، وذلك من خلال تقييم 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، حيث احتلت الصين المركز الأول بين الدول الرائدة في مجال الابتكار بمجال الرعاية الصحية، وتوفقت في معظم جوانب الابتكار في هذا المجال، تليها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي جاءت في المرتبة الثانية ثم ألمانيا في المرتبة الثالثة.

وأوضح مركز المعلومات جهود الدولة المصرية في تعزيز الرعاية الصحية الرقمية، مؤكداً أنها تُعد جزءًا أساسيًّا من استراتيجية التحول الرقمي التي تسعى الدولة إلى تحقيقها في مختلف القطاعات، حيث اتخذت الدولة المصرية خطوات جادة نحو تطبيق نظام الرعاية الصحية الرقمية من خلال تطوير البنية التحتية التكنولوجية، وتفعيل منصات الرعاية عن بُعد، وتعزيز استخدام السجلات الطبية الإلكترونية.

وقد استهدفت تلك الجهود تحسين جودة الخدمات الصحية، وتسهيل الوصول إليها، وتعزيز التواصل بين مقدمي الرعاية والمرضى، كما تسعى الدولة إلى تحقيق تكامل بين مختلف أنظمة الرعاية الصحية، مما يُسهم في تقديم رعاية شاملة ومتطورة. وجاءت أبرز الإجراءات الأخيرة في هذا الشأن، على النحو التالي:

- قامت مصر بتبني رؤية التحول الرقمي في المجال الصحي كجزء من رؤية مصر 2030 من خلال وضع محاور التحول الرقمي، والطب الاتصالي، والتي تشمل التطبيب عن بُعد، والسجلات الطبية الإلكترونية، والارتكاز على لوحة المعلومات الرقمية «Dashboard» في تحليل البيانات، والتشخيص الطبي عن بُعد، واستخدام أنظمة الترميز الدولية، الأمر الذي أدى إلى تحسين إدارة الخدمات الصحية، وتوفير المعلومات الدقيقة، مما يدعم السياسات الصحية الفعالة.

- تم الانتهاء من إنشاء ما يقرب من 4.5 ملايين ملف صحي إلكتروني للمواطنين بمحافظات تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل، وتطبيق نظام الإحالة الإلكترونية من وحدات ومراكز الرعاية الصحية الأولية إلى المستويات الأعلى من الخدمة، فضلًا عن تطبيق نظام الأكواد الصحية الدولية «ICD11».

- تم إصدار 42 مليون روشتة إلكترونية حتى الآن، من خلال الاعتماد على الوصفات الطبية الإلكترونية، كما أصبحت المؤسسات الصحية بمحافظات تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل مميكنة بالكامل بنسبة 100%، إضافة إلى لوحات المؤشرات التفاعلية، وقاعدة البيانات الديناميكية لتطبيق الذكاء الاصطناعي.

- التعاون مع المنظمات الدولية، وذلك من خلال توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للرعاية الصحية، وشركة «IQVIA» العالمية في فبراير 2024، لتطبيق واستخدام أحدث الحلول التكنولوجية والذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية، وجاءت أبرز مجالات التعاون بين الجانبين في إنشاء أكاديمية متخصصة في علوم التكويد الطبي، وإدارة وتحليل البيانات الطبية، وإعداد منصة إلكترونية متخصصة في التنبؤ بالأمراض، ورسم الخرائط الصحية لدعم متخذ القرار.

أشار التحليل إلى أنه في ضوء التقدّم المحرَز في التوسع بمجال الرعاية الصحية الرقمية، فقد نتج عنه حصول مصر على جائزتين «الذهبية، والماسية» من اتحاد المستشفيات العربية في مجالي سلامة المرضى، والتحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية على مستوى الوطن العربي، كما فازت خمسة مستشفيات تابعة للهيئة العامة للرعاية الصحية في عدد من المجالات ضمن منافسات أكثر من 213 متسابقًا من مستشفيات ومراكز صحية كبرى في الوطن العربي، وذلك في الملتقى السنوي لاتحاد المستشفيات العربية «ميدهيلث»، الذي عُقد في دولة الإمارات العربية المتحدة، في 29 و30 أكتوبر 2024.

فضلًا عن حصول الدولة المصرية على الجائزة البلاتينية في قيادة الصحة الرقمية على مستوى الوطن العربي من قِبل اتحاد المستشفيات العربية في سبتمبر 2023، ويأتي هذا نتيجة جهود الدولة المصرية نحو دعم الرعاية الصحية الرقمية.

أشار التحليل في ختامه إلى أن الرعاية الصحية الرقمية تُمثل خطوة مهمة نحو مستقبل صحي أكثر كفاءة وشمولية واستدامة، وبفضل التطورات التكنولوجية، أصبح بإمكان المرضى الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية بسهولة، مما يعزز من جودة حياتهم. ولذلك من الأهمية الحفاظ على خصوصية بيانات المرضى، بالإضافة إلى تعزيز الوعي والتعليم حول هذه الأنظمة التكنولوجية، والتعاون المستمر بين مقدمي الرعاية الصحية، والمرضى حتى نتمكن من تحقيق نتائج متقدمة في مجال الرعاية الصحية الرقمية، مما يُساهم في تحسين صحة الأفراد والمجتمعات بشكل عام. إذا إن الرعاية الصحية الرقمية ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة مُلحة تُساهم في تشكيل نظام صحي أكثر استدامة وتطورًا.

اقرأ أيضاًخلال زيارتها لمصر.. نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة يستقبل السيدة الأولى بجمهورية كولومبيا

رئيس الوزراء يستمع إلى مطالب نواب الوادي الجديد.. ويجيب عن تساؤلاتهم

رئيس الوزراء يتفقد مدرسة WE للتكنولوجيا التطبيقية

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية التركي: بيئة عدم الصراع في ليبيا التي بدأتها تركيا بدأت تؤتي ثمارها
  • شباب الصين وقبرص الشمالية يتعهدون بتعزيز العلاقات الثنائية
  • معلومات الوزراء: الرعاية الصحية الرقمية من أبرز الابتكارات في مجال الطب الحديث
  • الترجمة.. جسور إماراتية بين الثقافات
  • عادل حمودة: السندباد رمز لتحرر الإنسان العربي وليس شخصية خيالية
  • الأمين العام لهيئات الإفتاء يشارك في المنتدى العالمي العاشر لتحالف الحضارات
  • الأمين العام لهيئات الإفتاء بالعالم يلقي كلمة رئيسية في منتدى تحالف الحضارات
  • بشرى تنعى الملحن محمد رحيم: "وداعًا أحد أهم ملحني مصر في العصر الحديث"
  • أستراليا تواجه انتقادات ماسك: حماية الأطفال أولويتنا وليس التحكم بالفضاء الرقمي
  • الري: الانتهاء من تبطين 7700 كيلو متر ترع.. وتحويل 300 ألف فدان إلى النظام الحديث