تفسير تشاؤم الأمريكيين تجاه الاقتصاد القوي
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
تعيش الولايات المتحدة الأمريكية في أيامنا هذه وضعا اقتصاديا جيدا بشكل غير معتاد حيث لا يلوح في الأفق أي ركود، ولكن يبدو أنها تعاني من حالة تتلخص في «اعتقاد الناس بوجود ركود»، إذ تظهر استطلاعات الرأي استياء واسع النطاق إزاء الاقتصاد وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. ما الذي يفسر هذا التباين بين الأداء والتصور؟ وقد تم تقديم ما لا يقل عن 6 إجابات وبعضها أكثر مصداقية من غيرها.
التفسير الأول هو أنه لا يوجد تباين على الإطلاق؛ فالمؤشرات الاقتصادية الإيجابية خاطئة أو مضللة، والحالة الحقيقية للاقتصاد الأمريكي سيئة كما يشير الرأي العام، وهذا التفسير خاطئ بكل بساطة، فبينما يمكن أن يتعرض رقم معين لخطأ في القياس، فإن مجموعة واسعة من الإحصاءات ــ التي تغطي النمو الاقتصادي، وقوة سوق العمل (الوظائف التي تم توفيرها أو البطالة)، والتضخم (مؤشر أسعار المستهلك أو نفقات الاستهلاك الشخصي، سواء كانت رئيسية أو أساسية) ــ قد تم جمعها بشكل منفصل إلى حد كبير وهي ترسم بأغلبية ساحقة صورة إيجابية للغاية.
إن التفسير الثاني المحتمل ــ الذي يقدمه الخبير الاقتصادي بول كروجمان وآخرون ــ هو أن نتائج استطلاعات الرأي السلبية تعكس الحزبية الجمهورية، وعلى الرغم من أن المرء قد يفترض أن الديمقراطيين والجمهوريين حزبيون على حد سواء، فإن المشاركين في استطلاعات الرأي من الجمهوريين يميلون في الواقع إلى التأثر بشكل أكبر بالحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض. عندما خلف الجمهوري دونالد ترامب الديمقراطي باراك أوباما، أعلن الجمهوريون فجأة عن رضا أعلى بكثير عن الاقتصاد، وعندما تولى الديمقراطي بايدن السلطة، أصبحوا يركزون مرة أخرى على الحرمان الاقتصادي المفترض للأسر الأمريكية. تميل ردود استطلاعات الرأي من قبل الديمقراطيين إلى متابعة المؤشرات الاقتصادية عن كثب.
يؤكد التفسير الثالث ميل وسائل الإعلام الإخبارية إلى التركيز على الأمور السلبية. يمكن أن تصبح الزيادات في أسعار البنزين عناوين أخبار رئيسية، ولكن من غير المرجح أن تظهر الانخفاضات في الصفحة الأولى. إن المتنبئين الذين يتوقعون حدوث ركود وشيك - كما فعل كثيرون عام 2022 - يحظون باهتمام أكبر من كثير من الصحفيين مقارنة بأولئك الذين يختلفون معهم. أما على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن من الممكن أن ينتشر بسرعة منشور يحتوي على حكاية مضللة تشير إلى أن التضخم قد أصبح خارجًا عن السيطرة بينما القصة التي تتحدث عن تحسين النتائج تدريجيًا هي أقل قابلية للمشاركة بكثير.
رابعًا، تتخلف التصورات عن الواقع فعندما خسر جورج بوش الأب محاولة إعادة انتخابه في نوفمبر 1992، اعتقد الأمريكيون أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت لا تزال في حالة ركود؛ ولكن الركود كان قد انتهى في مارس 1991، وعلى نحو مماثل، خلال انتخابات التجديد النصفي عام 2010 وحتى الانتخابات الرئاسية عام 2012، تصور العديد من الأمريكيين أن الركود العظيم ــ الذي انتهى في يونيو 2009 ــ لا يزال مستمرا، وقد يكون هذا التأخر نفسه موجودًا اليوم، ففي نهاية المطاف، يستغرق التغير في التضخم ما يقدر بنحو عامين حتى يتمكن ثلاثة أرباع تأثيره التراكمي الطويل الأجل من أن يشكل انطباعًا لدى المستهلك، وقد بدأ التضخم بالانخفاض في الولايات المتحدة في يونيو 2022.
خامسا، لا تكمن المشكلة في معدل ارتفاع الأسعار، بل في مستوى الأسعار، فقد كان مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة أعلى بنسبة 16% في يناير 2024 عما كان عليه قبل 3 سنوات، وقد أدى هذا إلى تعزيز السردية ــ التي تروج لها وسائل الإعلام الرئيسية والبديلة ــ التي مفادها أنه حتى مع تبدد التضخم فإن إرثه المتمثل في ارتفاع الأسعار يؤدي إلى انخفاض الدخل الحقيقي للأسر وبالتالي مستوى معيشتها.
ولكن خلال فترة السنوات الثلاث نفسها، ارتفعت الأجور في الساعة بنسبة 16%، وازداد الدخل الوطني بنسبة 18%، ونما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بما يتجاوز 21%، وتوسع الإنفاق الاستهلاكي بالدولار الأمريكي بنسبة 23%. وبالتالي فإن القوة الشرائية للأسر الأمريكية أصبحت أعلى بالقيمة الحقيقية مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات على الرغم من ارتفاع الأسعار.
من المؤكد أنه على الرغم من أن التكاليف الحقيقية المترتبة على التضخم المعتدل منخفضة في سنة ما - وخاصة بالمقارنة مع الفوائد الحقيقية المترتبة على النمو الاقتصادي- إلا أن الارتفاع التدريجي للتضخم سوف يؤثر في عمل الاقتصاد بنهاية المطاف، حيث ليس من الممكن إبقاء الاقتصاد في حالة توسع غير منضبط بشكل دائم.
وعليه فإن الزيادة الأخيرة في الأسعار لا تجعل من الصعب على أغلب الأمريكيين تغطية نفقاتهم (على الأقل ليس أصعب مما كان عليه الحال قبل بدء موجة التضخم الأخيرة)، وعلى الرغم من أن خبراء الاقتصاد لا يستطيعون تجاهل تصورات الناس -فالتضخم لا يحظى بالشعبية وحتى عندما يتم تعويض تأثيراته على الدخول الحقيقية بشكل فعلي- إلا أنه من غير الممكن بالنسبة لنا أن نقبل السرديات التي تتعارض مع الحقائق.
ولا يزال البعض يجادلون -وهذا هو التفسير الأخير- أنه حتى لو كانت أحوال المواطن الأمريكي العادي على ما يرام، فإن التضخم يلحق الضرر بالأسر ذات الدخل المنخفض. إن هذا الطرح غير صحيح، حيث تشهد الأجور الأسبوعية الحقيقية ارتفاعًا منذ إن بلغ التضخم ذروته في الربع الثاني من عام 2022 وخاصة بالنسبة لأدنى شريحة من العمال. ماذا عن الشخص المسن الذي يعتمد على الضمان الاجتماعي، ويسدد أقساط الرهن العقاري على منزله والذي جعل حسابه البنكي سنة 2020 فارغًا بنهاية الشهر؟ إنه الان في وضع أفضل لأن مدفوعات الضمان الاجتماعي مرتبطة بالتضخم.
وعلى الرغم من أنه ليس من الضروري أن يكون هناك تفسير واحد للتصورات السلبية المتعلقة بالاقتصاد، فإن فرضية التأخر تبدو أكثر إقناعًا. توجد هناك أسباب تجعلنا نعتقد أن الأمريكيين بدأوا يدركون أن الأمور تتحسن، فبادئ ذي بدء، كما أشار كروجمان، كان المشاركون في الاستطلاع أكثر إيجابية بشأن أمورهم المالية؛ ولكن عندما يُسألون عن الاقتصاد ككل، كانوا يعبرون عن التشاؤم. علاوة على ذلك، ارتفع الإنفاق الاستهلاكي بسرعة.
ثم هناك أحدث نتائج الاستطلاعات، فقد ارتفع منذ نوفمبر الماضي مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك والذي كان منخفضًا بشكل محير في عام 2022 وأوائل عام 2023. ووفقًا لمؤسسة غالوب، فإن عددًا أقل من الناخبين ينظرون الآن إلى القضايا الاقتصادية باعتبارها «المشكلة الأكثر أهمية» في أمريكا مقارنة بشهر أكتوبر، كما زاد عدد الناخبين الذين يعبرون عن ثقتهم بالاقتصاد وبعض وسائل الإعلام تشير إلى تحسن التصورات.
وفي غضون عامين فقط، تحولت السردية السائدة من «نحن حاليا في حالة ركود» (أوائل عام 2022) إلى «الركود وشيك ولا مفر منه» (أواخر عام 2022) إلى «الثقة في الاقتصاد منخفضة» (أوائل عام 2023) إلى «هناك فجوة بين التصورات السيئة والمؤشرات الجيدة» (أواخر 2023). ولعل السردية في الغد هي أن الاقتصاد جيد ــ والناس يعرفون ذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة استطلاعات الرأی ارتفاع ا عام 2022
إقرأ أيضاً:
القصة الحقيقية للرجل "ذو الألف وجه".. كيف خدع 4 نساء في علاقات جدية؟
تخيل أن تكتشف امرأة أن الرجل الذي أنجبت منه طفلاً لم يكن موجوداً، بل كان شخصية خيالية اخترعها محتال، هذا ما حدث لامرأة باريسية تدعى ماريان، كانت ضحية احتيال رومانسي من قبل رجل عاش عدة حيوات خيالية.
ووفقاً لموقع "دايلي ميل"، الرجل المعروف باسم ريكاردو البرازيلي - ولكن يُدعى أيضاً دانييل وألكسندر، حسب جنسية الشخص الذي يتحدث معه - هو محتال متسلسل قام بخداع أربع نساء في وقت واحد، وعاش علاقات معهن بالتوازي، حيث كان يكيّف شخصيته وقصة حياته لتناسب كل واحدة، مما جعلهن يعتقدن أنهن قد قابلن "الشخص المناسب".
وتم سرد تفاصيل القصة في الفيلم الوثائقي الجديد بعنوان "الرجل ذو الألف وجه"، والذي بدأ عرضه في 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، من إخراج الصحفية الفرنسية سونيا كرونلوند.
وفي الفيلم، تتعرض ماريان (التي لعبت دورها أوريلي غاشي) للخداع من ريكاردو الذي أوهمها بأنه جراح قضى سنوات في إفريقيا مع منظمة أطباء بلا حدود.
وفي أحد الأيام، أخبرها ريكاردو أنه في تولوز للتدريب على طب الأطفال، بينما كان في الواقع يقضي الوقت مع زوجته الأخرى في كراكوف.
وتدق أجراس الإنذار عندما تكون ماريان في شهرها الخامس من الحمل بطفله، ولا تتمكن فجأة من الاتصال به، لأن أرقام الهاتف التي أعطاها لها كانت مزيفة.
وعندما بدأ ريكاردو يواجه شكوكاً حول علاقاته، كانت استراتيجيته للهروب هي الاختفاء بعد تلقي مكالمة هاتفية تفيد بأن أحد والديه قد توفي أو كان في غيبوبة.
وتحت هوية "ألكسندر"، ذكر ملفه الشخصي على موقع المواعدة أنه يبلغ من العمر 36 عاماً ويعيش في عاصمة فرنسا.
ووصف ريكاردو نفسه بأنه "خجول ومجتهد ومؤنس"، وزعم أنه غير مدخن ويعمل في مجال الطب.
لكنه، في الواقع، كان يتنقل بين العديد من الهويات؛ فقد عرفته نساء أخريات كمهندس بيجو، وطبيب، ومصور، أو يعمل في مجال الاتصالات. حتى أن إحدى الضحايا ادعت أنه كان يواعد 15 امرأة في نفس الوقت.
وُصف ريكاردو في الفيلم بأنه "مريض نفسي"، حيث كان يدير عملية عالمية لمواعدة نساء من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك ريو وبولندا وفرنسا.
وكانت إحدى ضحاياه قد وصفت ريكاردو بأنه "ساحر"، وكان يرسل للنساء صوراً له في أماكن مختلفة، مثل قمرة القيادة في طائرة مرتدياً زي الطيار، وأخرى وهو يرتدي زي حارس أمن، وواحدة وهو يجري عملية جراحية، حتى أنه أرسل صورة له وهو يعزف على مزمار القربة مرتدياً التنورة الاسكتلندية.
كما أرسل لهن صورة شخصية تحمل لافتة مكتوبة بخط اليد تقول "صباح الخير، أحبك" باللغة البولندية، وأخرى "أتمنى لك يوماً سعيداً" باللغة الفرنسية، مع رسم قلب حب.
ومع مرور الوقت، بدأت مجموعة من النساء في كشف شبكة أكاذيبه. فقد اكتشفت إحداهن أنه كان يخونها بعد فتح سجل متصفحه واكتشاف الحسابات التي كان يديرها لشخصياته المتعددة. كما اكتشفت ضحية أخرى أنه كان يرسل صوراً لوالدة ابنته الرضيعة، مما دفعهن للكشف عن ممارساته الملتوية.
وظهرت امرأة في المقطع الدعائي للفيلم عنه، تقول إنها وجدت حوالي 20 رسالة مع "عدة نساء"، وعندما سُئلت ضحية، وهي طبيبة نفسية مؤهلة، عن سبب تصديقها لحكاياته المشكوك فيها، قالت: "كان من المناسب لي ألا أفهم الكثير".
وفقاً لـ Screen Daily، توصلت صانعة الفيلم إلى فكرة الإنتاج بعد أن كانت صديقتها ضحية احتيال حب.
ودفعت هذه الأفعال الصحفية سونيا كرونلوند إلى تعقب الرجل الغامض ومواجهته في محاولة لفهم الدوافع وراء تصرفاته.
وتساءلت كرونلوند عما إذا كانت ضحاياه يمتلكن ملفاً تعريفياً مشتركاً، وأرادت العثور على هذا الرابط لفهم كيف بدأت خدعته الجماعية. وفي نهاية المطاف، نجحت في تعقب ريكاردو إلى شقة بالقرب من كراكوف، حيث تمكنت من إجراء محادثة معه.
وفي إطار الإنتاج الوثائقي، تلعب الممثلات دور بعض النساء اللواتي وقعن ضحية لرفيقهن المزعوم، لكن المثير في هذا العمل هو أن الجمهور لا يعرف من هو "الحقيقي" ومن هو الممثل حتى انتهاء العرض، مما يضيف عنصراً من التشويق والغموض حول هويته الحقيقية.