مرة وراء الأخرى، تصطف أمريكا إلى جانب العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في مجلس الأمن الدولي، تستخدم الفيتو ضد أي مشروع إنساني يطالب بإيقاف الحرب، ترسل الأسلحة والذخائر المدمرة لإبادة البشر والحجر، تستقطع الوقت بإرسال أنتوني بلينكن وزير خارجيتها إلى المنطقة للإيهام بالحل، لكن الأمر أشبه بليل أسود طويل، هو الليل الأمريكي الطويل.
كان الرئيس البرازيلي لولا دي سليفا شجاعًا حين وصف ما يجري للفلسطينيين، بأنه أشبه بمحرقة هتلر النازية لليهود في أوروبا، أما جوزيب بوريل مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فاكتشف الجانب الساخر في شخصيته، حين قال عن حق: إلى أين سيذهب الفلسطينيون؟ هل إلى القمر؟
العالم سمع وقرأ عن «المحرقة» وأدانها بكل اللغات، أو فرضت عليه الإدانة خوفًا وطمعًا، ودفع أثمانها المزمنة من أفكاره وحريته في البحث والتقصي، لكنه لم يشاهدها قط، بينما هو الآن يشاهد جريمة الإبادة الجماعية على الهواء مباشرة!
تعتقد «جماعة عرقية ودينية» من البشر أنها فوق الجميع، كان هتلر يظن في نفسه وسلالته وجنسه ذلك.
العالم بألوانه وأعراقه في نظر «الجماعة» مجرد «أغيار» يقوم على خدمتها، وأنها مسألة فوق المسألة، ولهذا عاشت في محنة مستمرة في كل مكان وزمان، وما من دولة أوروبية إلا وأقدمت على اضطهاد هذه «الجماعة» لألف عام متواصلة.
ما علاقة الشعب الفلسطينى بما كان يجري لهذه «الجماعة» في أوروبا؟ وما علاقة الإقليم العربي بالمخططات الخرافية، والكتب الصفراء العتيقة؟ ولماذا عليهم الاختيار أن يكونوا أرض الاختبار، والتجريب فيهم، وتخويف الآخرين بما يحدث لهم من غزو وحروب وفوضى مستمرة؟
بعض ماكري السياسة والصحافة قال ذات مرة، إن غزو العراق عام 2003 جاء لتخويف أوروبا والصين وروسيا، وكل من يفكر أو يشكك في صاحبة الليل الطويل.
يقول توابع فكرة الليبرالية المتوحشة إن “الديمقراطية” لا تغزو ولا تشن الحرب، بينما الواقع يكذبهم، فالديمقراطية المتوحشة لم تنقطع عن شن الحرب في أي وقت بصور شتى..
ألم تكن أحداث 2011 حربًا متكاملة بنمط جديد؟ أليس ما يجري في غزة هو تصفية لمخازن السلاح التي لم تعد مفيدة في المعارك الهجينة المقبلة؟ أليس ما يجري في غزة هو التمهيد النيراني لشق الممرات الجديدة لتجارة عالمية مرتقبة؟
ما العمل وما الحل؟
لا بد من تغيير المعادلة الراهنة في النظام الدولي، وتحويله من نظام برأس واحدة إلى نظام متعدد الرءوس، فالثقافة العالمية ليست واحدة، ولا العقائد واحدة، واحترام هذا الاختلاف قولا وفعلا هو الطريق الوحيد لنجاة العالم من ”المحرقة الحقيقية”.
أما الحل فيكمن في بناء ثقافي مختلف، يحترم كل الشعوب بلا فصل عنصري، كالذي يحدث في فلسطين، ويحدث بين دول الشمال الغنية وبين دول الجنوب الفقيرة، وضرورة رفض نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتكوين نظام يغطي كل شعوب العالم، يتم التمثيل فيه على قدم المساواة.
هل فات الوقت؟
لا، لم يفت بعد، فالغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، يعاني من تصدعات اجتماعية خطيرة، ويريد أن ينجو بالقفز للأمام، من خلال نشر سلسلة مجموعة من الحروب الصغيرة، تصل به في نهاية المطاف إلى السيطرة على الكرة الأرضية مرة أخرى، في استعادة لحنين استعماري مفقود، بينما هو في الحقيقة يواجه زلازل اجتماعية وفكرية، تجعله أقرب إلى الخروج من التاريخ.
مهدي مصطفى – بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
السودان يشهد أكبر «أزمة نزوح» في العالم
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةمع استمرار النزاع الدائر منذ أبريل 2023، يشهد السودان أكبر أزمة نزوح في العالم، تسببت في وجود أكثر من 12 مليون نازح داخلياً، و3.8 مليون لاجئ في دول الجوار، وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع أعداد النازحين واللاجئين بنحو مليون شخص خلال العام الجاري.
وبحسب بيانات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية، فإن 25 مليون سوداني، ما يعادل نصف السكان، يواجهون الجوع الشديد، ويعاني نحو 5 ملايين طفل وأُم سوء التغذية الحاد.
الضحية الأولى
أوضح القانوني السوداني، حاتم إلياس، أن الحرب الدائرة في السودان تسببت في واحدة من أكبر كوارث النزوح واللجوء الإنساني، ما جعل ملايين السودانيين يعيشون أوضاعاً مأساوية، مشيراً إلى أن اندلاع العمليات العسكرية في العاصمة الخرطوم كان سبباً رئيسياً في اتساع رقعة الحرب، إذ إنها ليست مجرد عاصمة، بل المدينة الأكبر من حيث الكثافة السكانية، ويقدر عدد سكانها بنحو 10 ملايين نسمة، ما جعلها الضحية الأولى للصراع.
وذكر إلياس، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن الحرب تمددت سريعاً إلى وسط السودان ودارفور، ولم تسلم سوى مناطق قليلة، خرجت من دائرة التأثير المباشر، لكنها تضررت من الآثار غير المباشرة، مثل شرق السودان، ونهر النيل، والشمالية، والعاصمة المؤقتة «بورتسودان».
وأشار إلى أن الحرب أدت إلى تهجير جماعي، ليس داخل البلاد فقط، بل نحو دول الجوار، ما قد يُحدث تغييرات ديموغرافية طويلة المدى في طبيعة الحياة ونمط الاستقرار وتوزيع السكان، مؤكداً أن سيطرة القوات المسلحة السودانية على الخرطوم لا تعني بالضرورة عودة جميع من نزحوا أو لجأوا.
وأفاد إلياس بأن حالة القلق والخوف لدى ملايين السودانيين تعود أسبابها إلى شكل الدولة السودانية الحالي وأسلوب إدارتها، موضحاً أن غالبية النازحين واللاجئين لن يعودوا إذا استمرت الأسباب التي دفعتهم للهروب من منازلهم ومناطق إقامتهم الأصلية.
وحمل القانوني السوداني مسؤولية ما جرى في السودان للجهات التي أشعلت الحرب تحت وهم أنها ستكون قصيرة، وستعيدهم للسلطة، مضيفاً أن ما حدث يمثل مغامرة بمصير الشعب السوداني، تحت تأثير طمع الإسلاميين المتطرفين.
أوضاع مزرية
بدوره، أوضح أستاذ العلوم السياسية، الدكتور هيثم عمران، أن تفاقم تداعيات النزاع الدائر في السودان أدى إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وأسفر عن أكبر موجات للنزوح الداخلي واللجوء الخارجي، ما تسبب في معاناة شديدة لملايين السودانيين، وأربك جهود الإغاثة الإنسانية، مشيراً إلى أنه مع تصاعد القتال في الخرطوم ودارفور وكردفان، باتت حياة المدنيين مهددة بشكل يومي، وقد اختار الملايين منهم الفرار من منازلهم، بعيداً عن أعمال العنف، وبحثاً عن الأمان.
ونوه عمران، في تصريح لـ«الاتحاد»، بأن غالبية النازحين داخلياً في السودان يعيشون أوضاعاً مزرية داخل مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، من مياه نظيفة وغذاء ورعاية صحية، لا سيما مع انهيار الخدمات العامة في العديد من المناطق بسبب استمرار القتال، إضافة إلى أن النزوح الجماعي أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وأثر بشكل كبير على البنية التحتية والمرافق والخدمات.
وأشار إلى أن الأزمة تفاقمت بسبب محدودية قدرات الدول المستقبلة للاجئين، واعتماد اللاجئين بدرجة كبيرة على المساعدات الإنسانية التي تعاني أصلاً نقص التمويل، ما يُنذر بكارثة إنسانية متواصلة، مشدداً على أن عمليات النزوح الجماعي تؤثر على الاستقرار الإقليمي، حيث تزايدت الضغوط الأمنية والاقتصادية على الدول المجاورة.
مشروع حرب ودمار
قالت عضو الهيئة القيادية بالقوى المدنية المتحدة «قمم»، لنا مهدي، إن الحرب في السودان لم تكن نتيجة كارثة طبيعية ولا صراع أهلي عابر، بل جاءت نتيجة مباشرة لانقلاب عسكري قاده عبدالفتاح البرهان بتحالفه مع كتائب البراء المصنفة «تنظيماً إرهابياً»، وهذا الانقلاب الذي فشل في فرض السيطرة عبر الوثائق والدساتير، تحول سريعاً إلى مشروع حرب ودمار.
وأضافت مهدي لـ«الاتحاد» أنه في فجر الخامس عشر من أبريل 2023، اندلعت المعارك في الخرطوم بلا مبرر، سوى رغبة قيادة القوات المسلحة السودانية في قطع الطريق على أي تحول مدني ديمقراطي، وسرعان ما تحولت أحياء العاصمة إلى ساحات قتال، قبل أن تمتد نيران الحرب إلى معظم مدن السودان الكبرى.
وأشارت إلى أن القصف لم يكن عشوائياً، بل كان ممنهجاً، في محاولة واضحة لكسر صمود المدنيين وتهجيرهم قسراً، وهذا ما أكدته تقارير الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن معظم الانتهاكات ضد المدنيين كانت نتيجة القصف الجوي الذي لا يملكه سوى القوات المسلحة السودانية.
وأفادت مهدي بأن الحرب دفعت ملايين السودانيين إلى الفرار من منازلهم، فاضطر بعضهم إلى النزوح الداخلي في ظروف إنسانية مأساوية، بينما لجأ البعض الآخر إلى دول الجوار، حيث يواجهون الموت البطيء، في ظل صمت مطبقٍ من حكومة البرهان، التي لا تزال ترفض الاعتراف بمسؤوليتها عن إشعال الحرب.
وشددت على أنه لا يمكن معالجة أزمة النزوح دون محاسبة المتسببين فيها، ولا يمكن بناء سلام حقيقي دون وقف الحرب التي بدأتها القوات المسلحة السودانية، وتتمسك بإدارتها من القصر الرئاسي، بينما يدفع المدنيون وحدهم الثمن.