بوابة الوفد:
2024-12-28@17:22:45 GMT

أزمان الغربة

تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT

 
لماذا يشعر الناس فى عمومهم بالغربة رغم زحمة الحياة؟ وهل هى غربة أم اغتراب عن الواقع وفقدان تدريجى للغة التواصل بين الإنسان ومجتمعه؟ أتصور أن هناك مسئولية مشتركة عن الحال الذى وصل إليه غالبية المصريين من شعورهم بالغربة والاغتراب معا. 
الغربة فى تعريفات علم الاجتماع غربة مكانية ونفسية، أما الاغتراب، فيمكن أن يشعر به الواحد منا ويغترب عن نفسه، وعن مجتمعه وزمنه، وكل هذا وهو يعيش وسط ركام من الأحياء.

تاريخيا لم تكن العلاقة بين المصريين والسلطة على درجة من التفاعل الإيجابى الذى يشعر معه الإنسان بأنه شريك فى صنع الحياة وليس أجيرا أو حارسا على بوابة المتولى.. من الأزمنة المصرية القديمة والملوك آلهة على الأرض، يخلدون أنفسهم بالسلطات المطلقة، وعند موتهم ينتقلون من قصور الدنيا إلى قصور الآخره التى بنوها قبل موتهم فى صورة معابد ومدافن هى أكبر شاهد على أزمنة مضت حتى اليوم، وربما لم يعثر الأثريون على منزل أو قبر لمواطن مصرى بسيط نعرف منه كيف عاش هؤلاء الناس، وهل قتلتهم الغربة فتلاشوا فى فضاءات الزمن ولم يتركوا أثرًا؟
أما مسئولية الناس عن ذلك الشعور الكبير بالغربة والاغتراب فيكمن فى تلك النوستالجيا (الحنين إلى الماضى) الغريبة التى تجعل المعذبين اليوم يحلمون بالأمس القريب والبعيد، ويعتبرون ما مضى من عصور هى عصور الحب والحلم والأمان.. الحقيقة أن التاريخ الطويل للمصريين يبدو أنه أفقد المعاصرين تحديدًا القدرة على التأمل الصحيح للماضى سواء القريب أو البعيد.. التأمل الصحيح هذا من المفترض أن نرى من خلف نظارته المكبرة أن هذا البلد لم يهنأ يوما بنماء متصل، ولم ينعم فيه الناس بحرية حقيقية ترفع من أقدارهم وتعينهم على إبداع حياة جديدة.. حتى الفترة التى نسميها بالليبرالية فى تاريخ مصر (نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين) هى نفسها فترة الفقر المدقع الذى يضرب جموع المصريين، وهى نفسها فترة الأوبئة الفتاكة ومشروع الحفاة. الحكاية أن طواحين الغربة والاغتراب قديمة ولكن قسوتها فى عصرنا الحديث وأيامنا الجارية الآن أنها تعصف بنا وتقطف رؤوسنا، سواء كانت رؤوس حكمة أو جهالة.. لقد أصبحنا جميعا كما قال يوما الأديب "أحمد خالد توفيق" كصناع الطرابيش المهرة الذين لا مثيل لهم، ورغم ذلك لا أحد يعرفهم ولا أحد سيلبس ما يصنعون.. أنهم قد ماتوا على الشاطئ الآخر للزمن، وسيلحق بهم كل من يتصور أن النعيم فقط فيما مضى وليس فيما يمكن أن نصنعه اليوم وغدا.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: كامل عبدالفتاح علم الاجتماع

إقرأ أيضاً:

النديم والندم

كل منا يمكن أن يكون له نديم قادر على إخراجك وإسعادك ورفع ضغوط الحياة عنك، ولكن أخطر أنواع النديم هو ذلك المصاحب للأشخاص أصحاب السلطة والنفوذ الذين فى العادة يستفيدون من قربهم من صاحب السلطان بما يملكون من مهارات، قادرون دائمًا على تسليته ومؤانسته فى كل الأوقات يسهرون معه، ولا يملون مهما نطق صاحب المنصب من كلام مكرر وعبيط، لأنهم بحكم موقعهم يعلمون عن صاحب المنصب أكثر من زوجته وأولاده، فهم الذين يجهزون له مجالس الأنس بكل ما هو مطلوب منها حسب رغبة ولى الأمر، ويعتبرون الترفيه عن سيادته عملا عظيما، وتحول لصاحب السلطان هو النديم الذى يشق اسمه من المداومة والإدمان فلا يستطيع الاستغناء عنه. وفى كثير من الروايات والأفلام التى تُحكى تنتهى حياة النديم أو السلطان بمأساة مفزعة، وللتقريب أعتقد أن النديم فى فيلم «معالى الوزير» والشخصية التى أداها الممثل هشام عبدالحميد «عطية عصفور» الذى قتله الوزير لأنه أصبح على علم بكل شىء عن سرقاته ومغامراته النسائية وخيانته، وكلها أشياء مُشينة وهو يعلم ذلك فلم يجد حلًا إلا قتله. وهناك حكايات أخرى يخون فيها النديم ولى النعم ويسلمه لأعدائه بثمن بخس، كما باع يهوذا السيد المسيح من أجل ثلاثين دينارا من فضة، وفى هذه اللحظة لن يُفيد «الندم».

لم نقصد أحدًا!

 

 

مقالات مشابهة

  • صلاح يشعر بالثقة مع استمرار صدارة ليفربول للدوري
  • الاستسلام العربى
  • الغربة والزمان والموت: ثلاثية “هيهات تفلت من أيدي
  • الأمم المتحدة: "جوتيريش" يشعر بقلق عميق إزاء احتمالات حدوث مزيد من التصعيد في الشرق الأوسط
  • على بابا حرامى!!
  • ترند «المعلم»
  • حنان أبوالضياء تكتب: رعب سينما 2024 تحركه الدوافع النفسية ويسيطر عليه الشيطان
  • أحلام المصريين فى 2025
  • النديم والندم
  • قدر مكتوب.. الزناتى: المنطقة العربية تعيش على صفيح ساخن