أكرمنا ابننا أمير أحمد عبد الرحيم نصر بلقاء ضمني مع بروف سيد حامد حريز ووالده بروف أحمد زملاء العمر في شعبة أبحاث السودان (كلية الآداب، جامعة الخرطوم) ومعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بنفس الجامعة. وقال إن فكرة هذه اللقاء استوحاها من أحاديث لوالده عن شواغله البحثية وأعماله الحقلية التي طوفت بهذا البديري من قرية جواري ليكتب ميدانياً عن الفلسفة الأخلاقية لشعب النيمانع في جبال النوبة أو عن شعب المايرنو في سنار.

ووجد في أنسنا مع والده حين نجتمع عنده تطوافاً بثقافات السودان لا يجد لها صدى في خطاب الهوية وبناء الأمة. فبدت فيه كل فتاة، أو قبيلة، بأبيها معجبة بل ربما شقت لهاتها بالشكوى من تهميش ثقافتها احتجاًجاً لا علماً.

وأراد أمير بجمعنا في الزوم أن نحدثه وشباب السودانيين عن شعبة أبحاث السودان (1963) التي صارت معهد الدراسات الأفريقية في 1973 ليقف على حاضنة للتنوع الذي تَسقط ثماره من والده ومن أنسنا معه.

وطابت الدعوة في نفسي كثيراً لأنها من المرات القليلة التي يهيئ فيها شاب مناسبة تتصالح فيها مع شيخوختك وخبرتك لطلبه زبدتهما مشوقاً حفياً. وهذه ثقافة مضادة للسائد من استرذال العمر بين الأجيال من بعدنا. فتجدها غبينة لأننا “شلنا وش الملاح” وتركناهم للفاقة، أو أساءوا الأدب معك “عديل ب”العجوز القاعدة بره قاعده لي أنا للمضرة”.

كتبت من قبل إن ليس الاستثمار الغائب في بناء الأمة هو البترول أو الذهب بل هو دسم العمر في شيبنا. فيحالون للاستيداع، أو للضل، كعقوبة مستحقة لما يرونه من ضآلة في الوطن. وشق أمير طريقاً آخر حين رأى فينا خبرة في الوطن استحق أن يعرفها من فم الأسد ويُعرف جيله به.

دار حوارنا حول عقيدة الشعبة والمعهد في التنوع الثقافي بالبلاد الذي كان تكليف جامعة الخرطوم المؤسسي لهما في سياق ما تعارفنا عليه بالثقافة الوطنية خلال الحركة الوطنية ووجوب استردادها بعد أن خيم الاستعمار في سمائنا لعقود.

ووجدت أنني كتبت عن هذه المعني في معرض تمييزي لقائد ركب الشعبة والمعهد أستاذنا بروفسير يوسف فضل حسن حين وصفته ب”متنوع ديمة” من فرط ما سهر على هذا المعني لا يكل ولا يمل. وأعيد نشر الكلمة هنا في مناسبة اجتماعي بزملاء العمر بفضل أمير الذي أنزلنا منازل رطيبة وضيئة في شيخوختنا.

فإلى الكلمة القديمة
دعانا مركز تنمية الديمقراطية إلى اجتماع للتفاكر حول تكريم البروفسير يوسف فضل حسن الذي هو من مؤسسي المركز ورئيسه لدورتين. وهذه مبادرة مرموقة من المركز نأمل أن يتداعى لها زملاء يوسف وطلابه ومحبوه وقراؤه بنياناً يشد بعضه بعضاً عرفاناً لهذا الرجل ذي اليد الخضراء. فما مس شيئاً إلا أينع وما عالج مسألة إلا شَفَّت.

اعجبتني الموضوعة التي اقترحها الأستاذ عبد الله آدم خاطر لمهرجان يوسف الموعود. فهو يرى أن جوهر مساهمة يوسف في الوطن أنه سعي بغير كلل أو ملل للإحاطة بالتنوع الثقافي والعرقي فيه. وهذ شهادة قيمة عن يوسف من جهتين. فخاطر ثمرة من ثمار المعهد حصٌل منه على درجة الماجستير. زد على ذلك أن خاطر ناشط ثقافي مؤكد في الشأن الدارفوري. فهو مكوي بالخروق التي تفسد التنوع. وإن قالت خزام فصدقوها.

وأعطانا السيد عبد الباسط عبد الماجد مصطلحاً شيقاً في النظر إلى حفاوة يوسف بالتنوع الثقافي في البلد. فقال إن أكثرنا يحتفي بالتنوع، ولكننا لا نحسن إدارته. وخلافاً لأكثرنا فيوسف مدير مميز للتنوع الثقافي. ووجدت في هذا المصطلح إطاراً نافعاً للنظر إلى سيرة يوسف فينا. فأوكلت له جامعة الخرطوم في نحو 1963 ان يدير شعبة أبحاث السودان بكلية الآداب (معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية الحالي) لتدوين تراث السودان. فما “عزل”. بل بث عيونه وباحثيه إلى كل بقاع السودان يسجلون مأثورات عربها وعجمها. وجعل الأرشيف الصوتي بالمعهد، وسلسلة دراسات في التراث السوداني المستفيدة منه معرضاً، لاختلاف ألسنتنا.

ليس في طبع يوسف الحزازة. فلما رتَّب لندواته العالمية عن منزلة السودان في أفريقيا لم يقصرها على عرب أو زنج أو مسلمين وما عداهم. فقد اتخذ النطاق الجغرافي السياسي (الجيوبلوتيكي) كزاوية للنظر. فكرس مؤتمراً للسودان في أفريقيا (1968) بعامة ثم تفرعت منه مؤتمرات لاحقة نظرت للسودان والحزام السوداني، ثم السودان وعالم البحر الأحمر، فالسودان ودول حوض النيل. ولم يمايز بين الجامعات. يكفي عرض بروفسير حسن مكي لصور تعاون يوسف مع جامعة أفريقيا العالمية التي هي معهد علمي متطور في نظر أهل الموجدة. وظل معهد الدراسات الأفريقية بيوسف وغير يوسف من أكبر مؤسساتنا عناية بالتنوع الثقافي. وكان لي شرف تحضير واحدة من هذه الندوات في 1991 بالتعاون مع منظمة فردريش إيبرت الألمانية. وربما كان يوسف أول من جاءنا بالتمييز الإيجابي. فقد رجح بقوة تعيين المعيدين الجنوبيين أمثال موم كونيال أرو وغيرهم لملأ خانات شاغرة في معهد للدراسات الأفريقية.
ولم تكن ليوسف قشة مرة في مضمار أبحاثه. فمصادره تتآخى لا فضل لواحدة على الأخرى إلا بعمق الدلالة. فقد نظر في أنساب القبائل في مؤلفاته التاريخية وهي عند بعض المحدثين لغو قبائلي ومزاعم. كما حقق لنا “طبقات ود ضيف الله” وهو من الكتب الصفراء. وكان كذلك في طبعة صديق ثم منديل في الثلاثينات. وأخرجه يوسف من “الاصفرار” المفروض عليه من أهل النعرة الحداثية إلى بيض الصحائف المعززة. ونظر في الشلوخ التي هي رسم آبد وخرج منها بملحوظات قيمة عن ثقافة السودان.

لقد ملأنا الفم ب”القطيعة” في أراذلنا. فليكن تكريم يوسف مناسبة لإبداء العرفان لأفاضلنا. وهذا تطهير للفم وتنزيه.

اللاندروفر التاريخي الذي قطعنا أكباده إلى ربوع السودان في بادية الكبابيش. صورتي مع حسن السائق بجامعة الخرطوم وعبد الباقي المصور بإعلام كردفان

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: معهد الدراسات الأفریقیة جامعة الخرطوم یوسف من

إقرأ أيضاً:

كوريا الشمالية تعزز قواتها النووية والصين تبني مركز أبحاث عملاق.. وساعة القيامة تحذر.. ماذا يحدث؟

دعا الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون إلى تعزيز القوات النووية هذا العام، بينما كشفت صورة الأقمار الصناعية عن تحرك الصين لإنشاء أكبر مركز أبحاث الاندماج النووي المشتعل بالليزر، الذي سيساعد على تصميم الأسلحة النووية، في الوقت الذي أعلن فيه العلماء تحريك ساعة القيامة إلى 89 ثانية من منتصف الليل، وهو مُؤشر نظري لخطر زيادة احتمال وقوع كارثة عالمية.

وفيما يتعلق بتصريحات الرئيس الكوري الشمالي، قالت وكالة الأنباء المركزية الكورية إن كيم جونج أون دعا إلى تعزيز القوات النووية هذا العام خلال زيارة لقاعدة لإنتاج المواد النووية ومعهد للأسلحة النووية.

تأتي زيارته التي تسلط الضوء على الترسانة النووية المتنامية للبلاد في الوقت الذي تعمل فيه بيونج يانج على تكثيف استعراض قوتها بعد عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منصبه باستئناف التجارب الصاروخية، التي قالت كوريا الجنوبية إنها تهدف جزئيا إلى جذب انتباه «ترامب».

الزعيم الكوري الشمالي يدعو «للمزيد من النجاح في إنتاج المواد النووية»

وأشاد «كيم» بالعلماء والعاملين الآخرين هناك لتحقيقهم نجاحات ملحوظة ونتائج إنتاج مذهلة في عملهم العام الماضي، حيث تم إطلاعه على عملية إنتاج المواد النووية الصالحة للأسلحة وخطة العمل لعام 2025 وما بعده، حسبما ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية.

ودعا الزعيم الكوري الشمالي أيضًا إلى تحقيق المزيد من النجاح في إنتاج المواد النووية الصالحة للاستخدام في صنع الأسلحة هذا العام، وتعزيز القوات النووية للبلاد. 

الصين تبني مركزًا لأبحاث الاندماج النووي

 قالت وكالة «رويترز» نقلًا عن خبراء، إن الصين تبني فيما يبدو مركزًا كبيرًا لأبحاث الاندماج النووي المشتعل بالليزر في مدينة ميانيانج جنوب غرب البلاد، وهو مركز قد يساعد في تصميم الأسلحة النووية والعمل على استكشاف توليد الطاقة.

هذه المنشأة وفقًا للخبراء، من شأنها أن تزيد ثقة الدولة المالكة لها في تحسين تصميمات الأسلحة لديها، وتسهيل حصولها على القنابل المستقبلية دون اختبار، وتقع هذه الأرض على موقع مركز أبحاث الاندماج النووي، الذي يطلق عليه مختبر الأجهزة الرئيسية للاندماج النووي بالليزر، وذلك وفقًا لوثائق البناء التي أطلعت عليها «رويترز».

مخاوف من حصول إيران على سلاح نووي

لكن أيضًا المخاوف النووية ليست فقط ما يتعلق بكوريا الشمالية والصين، لكن أيضًا تقترب إيران من الحصول على السلاح النووي، وسط محاولات التفاوض مع طهران، ولجوء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الدبلوماسية مع الغرب فيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية والبرنامج النووي الإيراني، في وقت، يسعى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودول الغرب، إلى منع إيران من الحصول على السلاح النووي.

روسيا والسلاح النووي

وكانت روسيا، غيرت من عقيدتها النووية، وهدد المسؤولون الروس ومعهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من أن موسكو قد تلجأ إلى السلاح النووي لردع الغرب، في وقت، تزداد الحرب الروسية الأوكرانية اشتعالًا، بينما ينتظر العالم ما سيقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الصراع في أوروبا المشتعل من 3 سنوات.

ساعة القيامة تتغير.. الاقتراب من وقوع كارثة عالمية

التحركات النووية المثيرة للجدل والأزمات العالمية غير المسبوقة، دفعت ساعة القيامة، وهي إجراء نظري يستخدمه العلماء للتحذير من أن العالم على حافة الهاوية.

وتم تحريك ساعة القيامة وأصبحت على بُعد 89 ثانية من منتصف الليل، ووفقًا للموقع الرسمي لساعة القيامة، غمن خلال ضبط الساعة بمقدار ثانية واحدة أقرب إلى منتصف الليل، ترسل هيئة العلوم والأمن إشارة قوية، مفادها أن العالم أصبح بالفعل على مقربة شديدة من الهاوية، فإن أي تحرك ولو لثانية واحدة يجب أن يُنظر إليه على أنه مؤشر على الخطر الشديد وتحذير لا لبس فيه بأن كل ثانية من التأخير في عكس المسار تزيد من احتمال وقوع كارثة عالمية.

مقالات مشابهة

  • شبكة أطباء السودان: نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تشير إلى قيام الحكومة التشادية بترحيل لاجئين سودانيين
  • حملات مكبرة..تحرير 351 محضر تموين متنوع خلال الأسبوع بجميع مراكز محافظة سوهاج
  • أستاذ بكلية الدراسات الأفريقية: دول القارة السمراء تسعى للتعاون مع مصر لخبرتها في جميع المجالات
  • التعليم العالي: فتح باب التقدم للنداء الـ 11 من برنامج أبحاث ما بعد الدكتوراة بين مصر وفرنسا
  • فتح باب التقديم على برنامج أبحاث ما بعد الدكتوراه في فرنسا.. اعرف الشروط
  • كوريا الشمالية تعزز قواتها النووية والصين تبني مركز أبحاث عملاق.. وساعة القيامة تحذر.. ماذا يحدث؟
  • الإمارات تنضم إلى معاهدة القارة القطبية الجنوبية لتسريع العمل المناخي
  • المتحف القبطي ينظم سلسلة محاضرات تدريبية بالتعاون مع معهد الدراسات القبطية
  • الداخلية: تنفيذ 793 حكم قضائي متنوع في حملة أمنية بأسوان ودمياط
  • قرعة كأس الأمم الأفريقية: السودان في المجموعة الخامسة بجانب الجزائر، بوركينا فاسو، غينيا الاستوائية