الفن في المدارس الفلسطينية.. الواقع الصعب والأمنيات
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
ثلاثون عاما في التعليم بمدارس فلسطين، دربتني على أن أنتبه وأحاول أن أضع اليد الصارمة على الجرح أو الخلل، وما أكثر أماكن الخلل في منظومتنا التعليمية، في فلسطين. كشعب تحت الاحتلال، ولديه خبرة في التصدي لرواية الأعداء، و مع العودة الجزئية الى فلسطين وإقامة المؤسسات والوزارات، توقعت أن تنتبه وزارة التربية الى عوائق بديهية، تخلص منها العالم منذ زمن، أتحدث عن حيز الفنون الضيق في مناهجنا ومدارسنا يكاد يكون جريمة، وطريقة التعامل معها، تخلو تماما من الاحترام، مدرس الفن في مدارسنا، لا ينظر له كمدرس طبيعي، فهو جاهز لإشغال حصص يغيب عنها المدرس، وحصته يمكن الغاءها بسهولة، لصالح مواد أخرى إذا تأخر المدرسون فيها، وعلامات حصة الفن يمكن التلاعب فيها، أما عن التعامل مع النشاطات الثقافية، والمناسبات الاجتماعية والوطنية، فهي مسألة عجيبة، فالفنون تتحول هنا الى حلية خارجية، لا تمت بصلة الى جوهرها.
(اكتبوا قصة قصيرة عن ضرورة الحفاظ على شوارعنا نظيفة، ارسموا لوحة تحكي عن أهمية احترام حقوق الطفل، اكتبوا مسرحية تتحدث عن حقوق الاسرى في سجون الاحتلال).
هذا ما تطلبه المؤسسات من دائرة النشاطات بوزارة التربية فتقوم الوزارة بتشكل لجان التحكيم وهم عادة مفتشو اللغة العربية، ولا علاقة لهم بالابداع والفن، ويتم اختيار الفائزين في مسلخ الفنون والأدب، المعيار الأول للاختيار هو إظهار الجانب الرسمي الذي طلبته المؤسسة، ولا يتم غالبا النظر في أسلوب الطالب وابداعه وطريقته الأدبية ولغته، وهكذا تذبح الفنون، ويتم التعامل معها كبهيمة رخيصة لحمل أفكار تتعلق بمؤسسات تفكر فقط في تنفيذ مشاربع ليكون الممول الأجنبي سعيدا بهذا العمل.
لا أرتاح أبداً للأعمال الفنية التي تستغل من أجل احتفال بمناسبة ما، أخاف على هذه الأعمال من طقسية وحدود وجمود وشعارات المناسبة، باعتبار أن الفنون خيول وحشية حرة وطازجة وغير قابلة للاستجواب أو التفتيش أو الترويض، هل نستطيع أن نقول لخيول الفنون: لا تبتعدي كثيراً في الركض؟ أو خففي من صهيلك، أو احترسي فثمة بحيرة أمامك، من يجرؤ على أن يطلب من خيل كهذا أن يعود إلى الحظيرة مبكراً لأن طعاماً ساخناً يننظره؟
من يقدر على التلفظ بكلمة حظيرة امامه أصلاً؟ تركب الفنون في فلسطين كصهوات، ويتم سوقها كالنعاج الى حظائر الافكار المقننة والمدروسة، لتنحر هناك شر نحر، وتترك نازفة بهاءها وبريتها وحريتها،لا يبقى منها إلا اسمها الخارجي، أما هويتها الحقيقية فتداس بأقدام المناسبة المجرمة.
لست بالطبع من الواقعين تحت ضغط "هستيريا" التحذير من أجندات الممولين وأهدافهم "المريبة" و"الخطيرة"، لا أوافق ولا أفهم تفكير المتورطين النزقين في ذهنية المؤامرة، الذين يرون في كل دعم أوروبي لمؤسساتنا، تخريباً لتراثنا وقيمنا ونهشاً لذاكرتنا الوطنية، أتحدث هنا عن المناسبات الوطنية والعالمية التي يتم الاحتفال بها باستخدام الفنون استخداماً مفرطاً في أنانيته ومحدوديته، ظالماً طبيعة الفنون ولغزهها وهويتها.
أمتعض وأستاء وأحزن، حين تأتيني دعوات للتحكيم في مسابقات للقصة القصيرة أو الشعر أو المسرح، أو الخاطرة، تشرف عليها وزارات الصحة والبيئة والتربية والزراعة.. الخ، يريدون من الطلاب أن يستغلوا هذه الفنون لايصال رسالتهم التربوية أو الصحية أو البيئية، كأن الفنون رسالة ودلالة فقط، كأنها مطايا لافكارهم ورسائلهم.
انهم لا يدركون أن الفنون تمتلك وعيها الخاص وأنساقها الفريدة التي تفترق عن أنساق الواقع ومنطقه، هذه المسابقات أقرؤها كمجزرة جمالية وإنسانية بحق المخيلة -الضحية وروح الاكتشاف والانجراف مع نهر الفن المجهول والهادر، وحرية التمدد واللعب باللغة والتفتت في الزمن والتركيب في الصورة عند طلابنا.
ما يؤلمني هنا هو أنني تورطت في التحكيم بعدد من المسابقات، آخرها كان عن "الفقر في فلسطين"، وأذهلني حجم الميل الى الغيبيات والنزعة الميلودرامية والاستسلام الى القدر والمكتوب والحلم المتأجج بيوم قيامي قادم في كتابات طلابنا وطالباتنا، كما فوجئت بخلو نصوصهم من الطاقة والعمق والتنوع، فـ عوالمهم واحدة: مواجهة الفقر والموت تحت ضرباته، شخوصهم واحدة: أم، أب، إخوة، أخوات، عدو واحد: هو الفقر.
والخطاب واحد: التوسل الى الاقدار لنجدة الاسرة ومساعدة الاخوة الصغار.. الخ.
حدث كل ذلك ليس لأن طلابنا يفتقدون القدرة على الافصاح عن مشاعرهم الخاصة بلغتهم وخطابهم، أو لانهم عديمو الموهبة جمالياً، بل لأن الأسوار التي حشروا داخلها هي التي أنتجت نصوصهم هذه بطابعها الخارجي والسطحي والاستعراضي المفتعل.
ما أود الوصول إليه هنا هو أن مناسبة النصوص أو عنوانها المفروض فرضاً على الطلاب، أوصل كتابات الطلاب الى طريق مسدود ومكرر، وفرغ عالمهم الفني من الانكشاف على الهواجس والأحلام والهموم الأخرى.
وتبث في لغتهم أفق التوقع، وضيق هامش مقاربة و اكتشاف دغل الروح، الذي هو عنوان الفنون ومبتغاها وطريقها، وفوضاها الجميلة. كانوا يعرفون ماذا يراد منهم، لبوا النداء، وقعوا في مصيدة المناسبة وفخ الخطاب المسبق، شاركوا دون قصد في ذبح صدقهم الفني والغاء أحاسيسهم اليانعة العفوية.
هذه هي فنون المناسبات، وهذا خرابها.
المطلوب من وزارة التربية في فلسطين إعادة النظر في مسألة توظيف موظفي دائرة النشاطات، فالمشكلة هو أن موظفي النشاطات الثقافية في الوزارة هم موظفون لا يقرؤون ولا يتابعون نشاطان البلد الثقافية ولا مواهب لديهم أو اسهامات، أدبية أو فنية.. والمطلوب اشراك اتحاد الكتاب ووزرارة الثقافة في رسم سياسة الوزارة ثقافيا، وفتح الباب واسعا أمام أدباء وفنانين عرب وفلسطينيين في الخارج.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی فلسطین
إقرأ أيضاً:
هكذا قام عون شرطة باختلاس الملايير من مصلحة النشاطات الإجتماعية بأمن ولاية الجزائر
يكشف ملف قضائي مطروح على محكمة الجنايات الإبتدائية بدار البيضاء، عن عمليات إختلاس رهيبة طالت أموال عمومية. قدرت بعشرات الملايين من المصلحة الولائية للصحة والنشاطات الاجتماعية والأنشطة الرياضية بأمن ولاية الجزائر. كان بطلها عون شرطة المتهم الموقوف المدعو ” ع.ح” الذي تم تنصيبه بالمصلحة المذكورة. كمكلف بتسيير مكتب المالية والمحاسبة بذات المصلحة.
ليتمكن المتهم من تحويل مبالغ مالية معتبرة من الحسابات البريدية الثلاثة للمصلحة المذكورة المتمثلة في حساب الخدمات الاجتماعية. و حساب نادي الشرطة، وحساب الإتفاقيات، صبت في حسابه البريدي الشخصي وحساب صديقه “ز.س”. وحساب المدعو “ط. ع”، وحسابات اثنين للمدعو ” ك. عبد القادر “. وهذا خلال الفترة الممتدة من من 2019 الى 2021.
كما استغل المتهم حالة التسيب والاهمال، متبعا طريقة احتيالية. حيث كان يقوم بإنجاز الملفات المحاسباتية لتسديد مستحقات أي مموّن. باستعمال نسخة من سند الطلبية والفاتورة من الشيك الموقّع بإسم الممون بقيمة المستحقات الحقيقة غير أن تلك الملفات لم تكن تحتوي على وصل تسليم الشيك للممون. بعد ذلك يقوم بتزوير الفاتورة وتضخيم قيمتها وتزوير قيمة الشيك والمستفيد منه بغرض الإختلاس.
كما بينت عملية التدقيق المالي عدم وجود ملفات محاسبية خلال الفترة الممتدة من سنة 2019 إلى سنة 2021. حيث تم تسجيل عدم وجود 04 ملفات سنة 2019 بقيمة مالية اجمالية 3.702.596,38 دج. وعدم وجود 17 ملف سنة 2020 بقيمة مالية إجمالية: 25.258.446,80 دج، وعدم وجود 07 ملفات سنة 2021، بقيمة مالية إجمالية 14.177.480,10 دج،
حيث أجلت المحكمة محاكمة المتهمين اليوم كل من المتهم الموقوف ” ع.م. حمزة” والمتهمين ” ا.مصعب”، ” ز.سفيان”،”ط.عبد الرحمان “، ” غ.ايوب”،” ك.عبد القادر”. لمتابعتهم بتهم تتعلق بجناية تكوين جمعية أشرار للاعداد لجنايات تبييض الأموال جناية التزوير في محررات عمومية ورسمية. وذلك بإحداث تغيير في المحررات والخطوط والتوقيعات. جناية انتحال شخصية الغير، وجناية اختلاس أموال عمومية وجنحة إساءة استغلال الوظيفة.
حيث تأسس كل من المديرية العامة للأمن الوطني والوكيل القضائي للخزينة العمومية طرفا مدنيا في القضية نظرا للاضرار اللاحقة .
” عملية تدقيق مالي تفجر القضية “وحسب مصادر مطلعة بملف الحال، تتلخص وقائع القضية في أنه بتاريخ 29-03-2022، على إثر عملية التفتيش والتدقيق المالي. التي باشرها عناصر المفتشية العامة للصحة والانشطة الاجتماعية الرياضية، تم الكشف عن قيام عون الشرطة “عبد المالك.ح” المكلف بتسيير مكتب المالية والمحاسبة بذات المصلحة بعدة تجاوزات. مكنته من تحويل مبالغ مالية معتبرة من الحسابات البريدية الثلاثة للمصلحة المذكورة. والمتمثلة في حساب الخدمات الاجتماعية، و حساب نادي الشرطة، وحساب الإتفاقيات. صبت في حسابه البريدي الشخصي وحساب صديقه “ز.سفيان” وحساب المدعو “ط. عبد الرحمان”، وحسابات اثنين للمدعو ” ك. عبد القادر “.
بناءا على ذلك باشر عناصر الضبطية القضائية بالفرقة المركزية لمكافحة الجرائم الإقتصادية والمالية. التحريات الأولية أن عون الشرطة المتهم ” عبد المالك.ح” تم تنصيبه بالمصلحة المذكورة خلال سنة 2012. حيث منحت له كامل الصلاحيات والقيام بكل الإجراءات المحاسباتية مع مختلف المصالح بما فيهم الممونين. فاستغل الفرصة وقام بتزوير الملفات المحاسباتية والسجلات المحاسبايتة، وتضخيم الفواتير، ليختلس اموال طائلة من الحسابات البريدية الثلاثة للمصلحة.
وتم التوصل من خلال التدقيق المالي، تسجيل عدة نقائص وإختلالات تتعلق بالجانب التنظيمي. كعدم حيازة المتهم صفة أمين صندوق الطوارئ، إنعدام سجل الفواتير بالنسبة لصندوق الخدمات الاجتماعية. انعدام سجل الإيرادات والنفقات اليومية للنادي، إنعدام سجلي المبيعات والتسبيقات للنادي لسنوات 2019-2020 و 2021. بالإضافة كذلك إلى إنعدام المراقبة الاحتفاظ بالملفات المحاسبتية المنجزة (المسددة) بمكتب المالية والمحاسبة، انعدام إمضاء أو ختم الممون في بعض الفواتير.
ومنه استغل المتهم لاختلاس الأموال خلال الفترة الممتدة بين 2019 و 2021 إلى حسابه البريدي الشخصي وحساب صديقه ” ز.سفيان”. حيث استفاد الأخير من مبلغ مالي قدره 116.373.496,36 دج، كما أنه قام بتحويل مبلغ، 10.498.590 دج الى حسابه البريدي الشخصي. وتم فوترة ذلك على أنها نفقات التكفل بالتشكيل الأمني.
وفي إطار التحقيق، أكد صديقا المتهم كل من كذا الحساب البريدي لصديقه أن المتهم كان يتبع طريقة احتيالية. فكان يقوم بإنجاز الملفات المحاسباتية لتسديد مستحقات أي مموّن. باستعمال نسخة من سند الطلبية والفاتورة من الشيك الموقّع بإسم الممون بقيمة المستحقات الحقيقة. غير أن تلك الملفات لم تكن تحتوي على وصل تسليم الشيك للممون. بعد ذلك يقوم بتزوير الفاتورة وتضخيم قيمتها وتزوير قيمة الشيك والمستفيد منه بغرض اختلاس تلك الأموال.
وفي إطار التحقيق قام عناصر الضبطية القضائية بإسترجاع أصل الصكوك البريدية المستعملة في عمليات الاختلاس من الحسابات الثلاثة قدر عددها 237 إلى حسابات المتهم وأصدقائه ” ز. سفيان” و”ك. عبد القادر ” وط. عبد الرحمان” ، وتبين منها أنه تم تحويل مبلغ 6.485.000 دج، الى الحساب البريدي للمتهم ” ع.حمزة” من 2012 الى 2017، كما تحويل مبلغ 9.040.000 دج إلى نفس الحساب خلال 2017 الى 2022، بالإضافة الى تحويل ما يقارب 900 مليون سنتيم.
وبشأن مصير الأموال المختلسة فقد بينت التحريات، حيازة كل من المتهمين ” ع.حمزة” و”ز.سفيان” عدة سيارات. فقد تم تسجيل 11 سيارة بإسم ” حمزة” و تسجيل 13 سيارة بإسم ” سفيان” وتسجيل سيارتين بإسم يق ” سفيان” المسماة “س. مريم” .
كما سمحت عملية تفتيش منزل المتهم ” ع. م حمزة ” عن حجز قلم حبر قابل للإزالة أزرق، أجهزة فلاش ديسك ذاكرة إلكترونية، مفتاح سيارة نوع بيجو 3008، و 08 ساعات يدوية مختلفة العلامات.
ولدى التحقيق مع المتهم الرئيسيي ” ع. حمزة “وإستجوابه، صرح أنه التحق بسلك الأمن الوطني سنة 2010. كان يشغل منصبين في أن واحد، الأول يتعلق بمتابعة الملفات المحاسبية (comptable) والثاني كأمين الصندوق (régisseur)، وقد سمح له الجمع بين الصفتين من تفادي عمليات الرقابة. والقيام بعمليات الإختلاس للمبالغ المالية من حسابات المصلحة منذ سنة 2014 دون كشف أمره، فكان في البداية يقوم بتضخيم وصولات الشراء، وبعد ذلك أصبح يقوم بتزوير الملفات المحاسابنية فكان يقوم بتحرير صك بريدي بنفس مبلغ الملف المنجز، لكن باستعمال سيالة ذات حبر قابل للمحو، وبعد إمضاء رئيس المصلحة أو رئيس المكتب على الصك البريدي يقوم بنسخ الملف المحاسبي بمحو قيمة المبلغ واسم المستفيد ثم يقوم بتضخيم القيمة المالية ،كما يحلو له بتغيير بيانات المستفيد بتدوين اسم والحساب الجاري الشخصي لصديقه “ز. سفيان” الذي يقوم بدوره باستخراج المبالغ المالية من حسابه البريدي وتسليمها له، ثم يقوم بمخالصة الممونين “ك. عبد القادر”،” ك. صالح” ، “ل.محمد أمين” مسير شركة INFOSTORE، و” كريم ح”، ” ع. بلقاسم” ،” أيوب .غ”، في مستحاقتهم نقدا، وذلك بعد أن إتفق مسبقا معهم وياخذ المبالغ الزائدة عن ذلك.
ثم أصبح في مرحلة لاحقة يوم باستحداث ملفات محاسباتية وهمية بإستعمال أختام بأسماء ممونين وكان يصب المبالغ المالية التي يحولها بإستعمال تلك الملفات المحاسباتية الوهمية الى حساب المدعو ” ز. سفيان” الذي كان يستخرجها من حسابه البريدي ويسلمها له كاملة.