تحولات الصناعات العسكرية في العالم
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
يعيش العالم على وقع تغيّرات جيوسياسية كبرى تدفع القوى العظمى والقوى الصاعدة إلى الدخول في سباق تسلّح محموم، لاسيما بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتجنُّد كل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، من أجل إضعاف روسيا، وفق ما صرّح به وزير الدفاع الأمريكي. وتشهد الصناعات العسكرية في العالم تحولات استثنائية متلاحقة على مستوى التقنيات المتقدمة، وعلى مستوى القدرات الإنتاجية في مجالات الأسلحة الثقيلة، وصناعة الطائرات، التقليدية والمسيّرة، إضافة إلى تركيز الدول على صناعة الذخائر تحسباً لاندلاع حروب ومواجهات جديدة على مستوى العديد من بؤر التوتر.
وبالنسبة إلى الصناعات العسكرية، تتصدّر الولايات المتحدة -حتى الآن- قائمة المنتجين والمصدّرين، وقد استفاد مركّبها الصناعي- العسكري، من الحرب في أوكرانيا لتعزيز طاقته الإنتاجية، والاستجابة من ثم للطلبات الكبيرة على السلاح القادمة من القارة العجوز التي يسود لدى دولها شعور ضاغط بضعف الأمن في مواجهة التهديدات الروسية؛ وتشير الإحصائيات إلى أن تزايد الإنفاق العسكري العالمي أخذ منحى تصاعدياً لافتاً للنظر بداية من نهاية التسعينات، من القرن الماضي، بخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول سنة 2001 والتي تزامنت مع عودة روسيا لممارسة دورها الجيوسياسي في العالم، في مواجهة ما تراه محاولة غربية للهيمنة على العالم من خلال توسيع حلف «الناتو» وجعله على مشارف حدودها مع أوروبا.
ويمكن القول إنه في الفترة ما بين 2016 و2020 استطاعت الدول الغربية أن تهيمن على القسم الأكبر من صادرات الأسلحة في العالم، حيث نالت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، حصة الأسد في سوق الأسلحة، على الرغم من احتفاظ روسيا بمرتبتها الثانية في قائمة كبار المصدرين، كما أن الصين، ورغم التطور الهائل الذي عرفته صناعاتها العسكرية في الفترة نفسها، إلا أنها لم تحتل سوى المرتبة الخامسة خلف ألمانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة؛ ويرجع المراقبون ذلك إلى توجيه الصين للجزء الأكبر من إنتاجها العسكري لتلبية احتياجاتها الدفاعية، لمواجهة التهديدات الإقليمية، وللتصدي لمناورات واشنطن الهادفة إلى حصارها عبر شبكة القواعد الأمريكية المنتشرة في تايوان، والفلبين، وكوريا الجنوبية، واليابان.
وتعكس الميزانية العسكرية الأمريكية المذهلة، التي باتت تقترب من عتبة 900 مليار دولار في السنة، حرص واشنطن على المحافظة على ريادتها بالنسبة للإنتاج والتصدير العسكري، وتعكف في المرحلة الراهنة على ابتكار وتطوير أنظمة دفاعية وهجومية فتاكة، تعتمد بالدرجة الأولى على الخبرة الكبيرة التي حصل عليها أقطاب الصناعات العسكرية في أمريكا في مجال التكنولوجيات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، وبالتالي فإن الخبراء الدوليون يؤكدون أن القدرات العسكرية لواشنطن ستظل ذات تأثير حاسم في المشهد العسكري عالمياً، لعقود من الزمن، لاسيما بالنسبة إلى الأسلحة الهجومية التي تستخدم تقنيات إلكترونية بالغة التطور، والتعقيد.
وبالتالي، فإنه، وفي مواجهة هذا التقدم العسكري الواضح للولايات المتحدة، تحاول روسيا والصين اعتماد تكتيكات قادرة على التأثير في الاستراتيجيات العسكرية السائدة في العالم؛ إذ إن موسكو سعت خلال السنوات الماضية إلى تركيز جهودها العلمية والتقنية في مجال الإنتاج العسكري على الصناعات الصاروخية، وحقّقت في هذا المجال تقدماً غير مسبوق، على مستوى تطوير الصواريخ فرط الصوتية التي تتجاوز قدراتها قدرة المنظومات الدفاعية الأمريكية؛ ويعدّ صاروخ «أفانغارد»، أبرز المنظومات الصاروخية القادرة على تعديل مسارها والوصول إلى أهدافها بسرعة فائقة، وتحاول روسيا أيضاً أن تحدث مزيداً من التطوير على الأسلحة القادرة على تدمير الأقمار الصناعية الأمريكية، لجعل المنظومات الهجومية الأمريكية عاجزة عن أداء مهامها.
وتعمل الصين في السياق نفسه، على جعل صناعاتها العسكرية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهي تملك في هذا المجال قدرات باتت تقلق واشنطن كثيراً، ودفعتها مؤخراً، إلى ممارسة حصار تجاري على الصين في ما يتعلق بتصدير الرقائق وأشباه الموصلات التي تلعب دوراً حاسماً في الصناعات الدفاعية، وتسعى الصين أيضاً إلى تعويض تواضعها التقني في مجال الصناعات البحرية، من خلال إنتاج كميات مهولة من الزوارق والطرادات والسفن الحربية، مع تزويدها بالصواريخ المتطورة لمواجهة التفوق العسكري الأمريكي في شرق آسيا.
ويؤشر هذا التطور المطرد في مجالات الصناعات العسكرية في الصين، على بوادر تحوّل آسيا إلى مركز ثقل موازٍ للصناعات العسكرية الغربية، لاسيما في شرق هذه القارة، فقد قرّرت اليابان رفع ميزانيتها العسكرية لاقتناء معدات عسكرية جديدة، ولتوطين بعض الصناعات العسكرية لحماية أمنها القومي، والشيء نفسه نجده لدى كوريا الجنوبية التي تحولت إلى أحد المساهمين البارزين في تطوير الصناعات العسكرية، وباتت الدول الأوروبية، وفي مقدمتها بولندا، تستورد أسلحة ذات تقنية عالية من سيؤول؛ ومن المنتظر أيضاً أن تواصل الهند تطوير قدراتها الصناعية في المجال العسكري خلال السنوات المقبلة، مستفيدة من تعاونها مع موسكو، وواشنطن، وباريس.
وعلاوة على كل ما تقدم، فإن هناك قوى إقليمية صاعدة تتجه بخطوات متسارعة نحو تطوير قاعدة صناعية عسكرية متطورة في الشرق الأوسط، كما هو الشأن بالنسبة إلى الإمارات والسعودية ومصر وتركيا وإيران، الأمر الذي سيكون له، على المدى المنظور، تأثير واضح في موازين القوى في العالم.
الحسين الزاوي – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الصناعات العسکریة فی فی العالم على مستوى
إقرأ أيضاً:
إليك أغرب أشكال الاحتجاج التي شهدها العالم على مر التاريخ (صور)
تنوعت أشكال الاحتجاج التي عرفتها البشرية على مر التاريخ، وبرزت أنواع غريبة منها تختلف عن الأساليب التقليدية التي تعتمد على المظاهرات والإضرابات، ولجأ المحتجون في بعض الأحيان للتعبير عن احتجاجاتهم بوسائل مبتكرة لجذب الانتباه.
وارتبطت بعض هذه الاحتجاجات بأسباب سياسية، واقتصادية، وشكّلت أداة قوية للتعبير عن الرأي، وكانت أكثر فعالية في إيصال الرسالة من أشكال الاحتجاج التقليدية.
ونستعرض في التقرير الآتي، أبرز الاحتجاجات الغريبة التي شهدتها دول العالم على مر التاريخ، والتي بدأت مبكرا حينما خرجت مسيرة سلمية في الهند لمسافة 240 ميلا لصنع الملح من مياه البحر، وذلك عام 1930.
احتجاجات الملح
في 12 مارس 1930 بدأ زعيم الاستقلال الهندي موهانداس غاندي مسيرة تحدٍ إلى البحر، احتجاجًا على احتكار بريطانيا للملح، وهو أجرأ أعمال عصيان مدني ضد الحكم البريطاني في الهند.
ومنعت قوانين الملح البريطانية الهنود من جمع أو بيع الملح، وهو عنصر أساسي في النظام الغذائي الهندي، وأُجبر المواطنون على شراء الملح من البريطانيين، الذين بالإضافة إلى احتكارهم لتصنيع وبيع الملح فرضوا أيضا ضريبة ملح باهظة.
احتجاجات الرجل الواحد في الصين
وقف رجل صيني مجهول الهوية أمام رتل من الدبابات كانت في طريقها لمغادرة ساحة "تيان آن وسط العاصمة الصينية بكين في الخامس من شهر يونيو عام 1989، أي في اليوم التالي لحادثة قمع الجيش الصيني لاحتجاجات ساحة "تيان آن" بالقوة.
تحركت الدبابة التي تقود الرتل العسكري مرارا وتكرارا في محاولة لمناورة الرجل المجهول، الذي غيّر من موقع وقوفه بشكل متكرر بهدف عرقلة مسير الدبابة، وصُورت الحادثة وسُربت إلى الجمهور العالمي.
على الصعيد الدولي، تعتبر صورة رجل الدبابة واحدة من أشهر الصور في التاريخ، وتخضع صورة رجل الدبابة، إضافة إلى الأحداث التي أدت لها، داخل الصين إلى رقابة حكومية شديدة.
ولا توجد معلومات موثقة حول هوية الرجل أو حول المصير الذي لاقاه بعد عرقلته لرتل الدبابات، ويعتبر مصير طاقم الدبابة مجهولا أيضا.
ذكر شاهد واحد على الأقل أن "رجل الدبابة" لم يكن الشخص الوحيد الذي اعترض مسير رتل الدبابات أثناء الاحتجاج، وقال شاو جيانغ، الذي كان زعيمًا طلابيًا: "لقد رأيت العديد من الأشخاص يقفون في وجه الدبابات"، ويعتبر رجل الدبابة استثنائيًا لأنه الوحيد الذي صُوِّر وسُجِّل بالفيديو.
احتجاجات الثورة البرتقالية في أوكرانيا
وقعت عام 2004، واستخدم فيها المتظاهرون اللون البرتقالي كرمز للوحدة والاحتجاج ضد تزوير الانتخابات الرئاسية، وكانت تهدف إلى جعل الاحتجاجات سلمية وملفتة للنظر، ما ساعد في جذب الدعم الدولي.
واندلعت عبر سلسلة من الاحتجاجات والأحداث السياسية وقعت في أوكرانيا من أواخر نوفمبر 2004 حتى يناير 2005، في أعقاب جولة إعادة التصويت على الانتخابات الرئاسية الأوكرانية 2004 والتي كانت تحوم حولها شبهات بالفساد الواسع، وترهيب الناخبين، والفساد الانتخابي المباشر.
كانت العاصمة الأوكرانية كييف، هي النقطة المركزية لتحركات آلاف المحتجين يوميا، وقد اندلعت في أوكرانيا بسبب الصراع على السلطة.
انطلقت الاحتجاجات إثر تقاريرٍ من عدة مراقبين محليين وأجانب للانتخابات، وكذلك إثر تصوّرٍ شعبي واسع الانتشار بأن نتائج الاقتراع التفضيلي الجاري في 21 نوفمبر 2004 بين المرشحين الرئيسيين فيكتور يوشتشينكو وفيكتور يانوكوفيتش كانت قد زوِّرت من قبل السلطات لمصلحة الأخير.
نجحت الاحتجاجات التي عمّت البلاد حينما ألغي الاقتراع الأصلي، وحكمت المحكمة الأوكرانية العليا بإعادة التصويت في 26 ديسمبر، تحت مراقبة مشدَّدة من قبل مراقبين محليين ودوليين، أُعلِن أن التصويت الثاني سيكون «نزيهًا وحرًا».
وأظهرت النتائج النهائية نصرًا واضحًا ليوشتشينكو، الذي حصل على ما يقارب 52% من الأصوات، مقابل 44% حصل عليها يانوكوفيتش، وتم إعلان يوشتشينكو فائزا رسميا، وانتهت الثورة البرتقالية مع تنصيبه رئيسًا في 23 يناير 2005 في كييف.
احتجاجات السيارات البطيئة في إيطاليا
خرجت احتجاجات في إيطاليا عام 2007، رفضا لارتفاع أسعار الوقود، وقرر سائقو السيارات تنظيم هذه الاحتجاجات بشكل مختلف عن الوسائل التقليدية.
نظم سائقون السيارات احتجاجات عن طريق القيادة ببطء شديد على الطريق السريعة، ما أدى إلى أزمة مرورية هائلة وغير مسبوقة.
احتجاجات الأبقار في سويسرا
شعّر المزارعون في سويسرا عام 2014 بالمخاطر التي تهدد الزراعة في بلادهم، وعدم إيلاء المسؤولين اهتمام في الأجندة الاقتصادية السويسرية.
وقرر المزارعون السويسريون التعبير عن احتجاجاهم وغضبهم من سياسات الحكومة، لكن بطريقة مبتكرة، تمثلت في إخراج أبقارهم إلى الشوارع، وذلك تنديدا بخفض الدعم الحكومي للزراعة.
احتجاجات الكلاب في روسيا
عبّر محتجون في روسيا عام 2011، عن رفضهم لقانون أصدرته السلطات يمنع تربية الكلاب الكبيرة في المدن.
وقام المتظاهرون بإحضار كلابهم للاحتجاج على القانون، وإظهار أن الكلاب ليست خطيرة كما يصورها القانون.