تقسيم الشعوب.. من أين جاءت دعاوى معاداة السامية؟
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
شمسان بوست / متابعات :
“اللاسامية” أو “معاداة السامية” أو “مناهضة السامية” من أشد المصطلحات حساسية وحرجًا، وهي أيضًا من أكثرها ورودًا على الألسنة والأقلام، خاصة في سياق نقد إسرائيل أو تناول تاريخ اليهود، ومع ذلك فإن معظم استعمالها في المعسكرين لا يخلو من وهم وتساهل وخطأ ومغالطة.
ولفظة “اللاسامية” -التي شاعت بين العرب- هي ترجمة غير دقيقة للكلمة الأوروبية التي تعني حرفيًا “المذهب المعادي للسامية”.
أما الخطأ والمبالغة في استعمالها فإنهما يأتيان غالبًا من جانب المدافعين عن إسرائيل، فهم يعيشون في عقدة الشعور بالاضطهاد بسبب عنصريتهم، ويتخيلون أن كل ما يحل به من مشاكل في علاقاته بالأمم الأخرى إنما يرجع إلى الأصل اليهودي.
جدل “السامية”
يشمل مصطلح “السامية” مفهومًا شاع بالقرن الـ19 في أوروبا، ويقوم على اعتبار أن البشرية مقسمة إلى “أعراق” متمايزة تمامًا ينتمي إليها الأفراد بالولادة، وأن هذه الأعراق تنتمي في جزء كبير منها إلى عائلات لغوية.
وكانت “كراهية اليهود” تُعتبر ناتجًا من صفاتهم العرقية التي يُزعم أنها موروثة، وهي مواصفات كانت تُعتبر إمّا ممقوتة في الواقع، وإمّا أنها بطبيعتها ذاتها تحضّ الآخرين على الشعور بالكراهية تجاهها.
ومن المفترض أن يحمل هذه المواصفات في الأساس أفراد ما يُسمى العرق السامي كلهم، أي -عمليًا- جميع الشعوب التي تتحدث أو كانت تتحدث اللغات السامية. وبالتالي، فإن هذا من المفترض أن يشمل العرب أيضًا، كما أن المسيحية نفسها، بصفتها منبثقة من الديانة اليهودية، وبأن يهودًا جاؤوا بها، كانت تحمل وصمة هذا الأصل “السامي”.
ومن رحم “التناخ/العهد القديم” ولد في التاريخ الحديث مصطلح اسمه “السامية”. وهيمن -ولا يزال- على أفكار أجيال من الدارسين والباحثين. فلم يلبث مصطلح “السامية” أن لاقى تقبلاً من المختصين بالاستشراق، فشاع استعماله على نطاق واسع، وبقي متداولاً إلى يومنا هذا بين المعنيين بتاريخ اللغات والحضارة.
وأول من استعمل هذا الاصطلاح مطبوعاً هو المؤرخ الألماني أوغست لودفيغ شلوتسر (August Ludwig Schloester) في مقال له عن “الكلدانيين” عام 1781 الذي يقول “من البحر المتوسط إلى الفرات، ومن أرض الرافدين حتى بلاد العرب جنوباً سادت كما هو معروف لغة واحدة، ولهذا كان السوريون والبابليون والعبريون والعرب شعباً واحداً، وكان الفينيقيون (الحاميون) أيضاً يتكلمون هذه اللغة التي أود أن أسميها اللغة السامية”. وقد تولى المحلل النفسي النمساوي أيشهورن بعد ذلك هذا الاصطلاح والدفاع عنه وإن ادعاه لنفسه.
وقد قال الباحثون إن الأقوام المتكلمة بتلك اللغات قد انحدرت جميعها من جد واحد هو سام بن نوح (عليه السلام) استنادًا إلى قائمة الأنساب التي تذكرها “التناخ/ العهد القديم” بالإصحاح العاشر من سفر التكوين، وأطلقوا على هذا الأصل أو الوحدة “الرس السامي” أو “الجنس السامي” أو “الأصل السامي” أو “السامية” وعلى اللغات التي تكلموا بها “اللغات السامية”.
ومن الواضح أن شلوتسر قد اعتمد العرق [أي وحدة الأصل] أساسًا لتأصيل التشابه اللغوي بين الأقوام المدعوة بـ”السامية” متناسيًا أن هذا السام كان له أخوان هما “يافث” و”حام” فكيف يصح أن يقتطع “سام” من بيت أبيه ومن بين أخوته عرقياً ولغوياً!؟
وبهذا الصدد، يقول ليوتاكسل في كتابه “التوراة.. كتاب مقدس أم جمع من الأساطير؟”: وبالرغم من ذلك يتفق اللاهوتيون على أن نوحًا أعطى آسيا لـ”سام” وأوروبا لـ”يافث” وأفريقيا لـ”حام”. فولد كنعان و”حام” الزنوج والملونين. لذلك ينبغي أن تكون ذريتهما عبيداً للأوروبيين. لكن السؤال: كيف أصبح أبناء نوح الثلاثة مؤسسين لـ3 أعراق مختلفة، وهم المولودون من أب واحد، وأم واحدة؟
ويقول أيضا “مع ذلك، علينا أن ننحني أمام إرادة يهوه وكتابه المقدس، ونعترف بأن العرق الآسيوي الأصفر خرج من صلب “سام” والأوروبي الأبيض من صلب “يافث” والأفريقي الأسود من صلب “حام” وكنعان، بيد أن سؤالًا يتبادر إلى الذهن: من أين جاء الأميركيون الحمر البشرة؟ أغلب الظن أن الروح القدس سها أن يخبر مؤلف كتاب التكوين عن ذلك! وعلينا أن نقر بأن هؤلاء لا أب لهم!”.
لقد فاجأنا أحد نبلاء الضمير في الغرب، وهو المفكر الفرنسي المعروف بيير روسي، حين قرر الانتقاض والتقريع، تقريع من كتب الكذب في جامعات أوروبا ومن صدق ذلك في جامعاتنا، قائلاً “وهل هناك ضرورة لإضافة أن تعبير “سامي” لم يرد له ذكر بين مفردات اللغة الإغريقية، أو في اللغة اللاتينية؟ وما يقال في هذا المجال طويل. إننا لن نجد هذا التعبير قبل نهاية القرن الـ18، ذلك أن العالم شلوتسر هو الذي صاغ هذا النعت “السامي” في مؤلف نشره عام 1781، وأعطاه العنوان التالي “فهرس الأدب التوراتي والشرقي” كأن الأدب “التوراتي” ليس شرقياً. إن هذا التقسيم الذي حدده يجب أن يدعونا إلى الحذر.
تقسيم الشعوبوإنه لمن المؤكد وبشكل حاسم أن التسليم بتقسيم الشعوب إلى شرقية وغربية هو مفتاح تاريخنا، وأنه مع هذا التقسيم الجغرافي يتطابق حدان مزدوجان عنصريان وهما “الهنود الأوروبيون” [أو من يسمون أحياناً بالآريين] و”الساميون”. إن جميع العقول الجيدة قد انحنت أمام هذا الاختراع المتولد عن خيال اللغويين الألمان.
وإن المؤرخين سيعجبون للانتصار المناقض لما هو متعارف عليه، لهذا التصديق السريع، وللمطابقة في عصر، هو عصرنا الذي يؤكد كونه مرتابًا وعقلانيًا ورافضًا. والواقع أنه انطلاقًا من الوثائق والمصادر والمواد التي كانت تحت تصرف العالم، يبدو أنه من المستحيل البرهان على وجود شعوب “سامية” و”آرية” وبالأحرى إعطاء الحدود والفروق الخاصة بينها، كما أنه يبدو كذلك خاطئًا في منطلقاته مثلما هو خاطئ في عرضه ووقائعه، هذا المذهب الذي يجد الشرق والغرب بموجبه تعريفًا لكل منهما وتفريقًا لأحدهما عن الآخر حسب هذا التقسيم إلى لغات “هندية – أوروبية” و”سامية”.
وإنه لا يحق لنا، بحسب الحالة الراهنة لمعرفتنا، أن نقدم مثل هذه المفاهيم. إن تعبيري “سامي” و”آري” ليسا شيئًا، ولا يدلان على شيء. ولكي يكتسبا حقيقة ما، أو لكي يصلحا نقطتي انطلاق تاريخيتين، ينبغي أن يكون هذان الشعبان قد امتلكا من قبل صفتي “الآرية” و”السامية”. وأنه ليس هناك إنسان ما، أو ثقافة ما، أو مجتمع ما، قد طالب بهذا الارتباط بالمصير “السامي” أو”الآري”.
وإن هذا يجب أن يقال. ولكن عالمنا كان نظرياً إلى حد جعله يجد سعادته في الأشكال الخيالية التي وضعه فيها المفكرون. إن البعد العالمي للنظريات التي يعممونها، والتضامن (لئلا نقول التواطؤ) الذي يصل بعضهم ببعضهم الآخر، والآلة المذهبية التي تحيط بهم.
وإن كل ذلك يعطي لآرائهم وأقوالهم سيطرة تفرض نفسها على الرأي وتعريه، ويبدو الأمر كما كتب إيراسم “الصحيح أن الإنسان مخلوق يتأثر بالخيال أكثر مما يتأثر بالحقيقة”. بيد أنه لا شيء في ميدان الحقيقة يفرض تميزاً سليماً أو مريباً بين “الآريين” و”الساميين”. فـ”من أجل احترام التراث التوراتي، ينبغي أن نقول “اليافثيون” وليس “الآريين” لأن “يافث” من أبناء نوح الثلاثة هو الذي نسل اليونانيين، والأناضوليين، وأقاربنا الأوروبيين”.
وليس من اليسير أن نقطع برأي في صدد تقسيم الجنس البشري كما ورد في “التناخ/ العهد القديم” ومدى انطباقه على الأبحاث الحديثة، ولكني أؤكد أنه غير حرى بالدراسة الجدية. ومن جهة أخرى فإن التأصيل العرقي الذي قدمه شلوتسر، يصطدم بعقبتين رئيسيتين سبقنا إلى تشخيصهما الدكتور لطفي عبد الوهاب، في معرض حديثه عن “الساميين” أو الشعوب “السامية” في كتابه “العرب في العصور القديمة” فيقول: الحديث عن الشعوب (السامية) كمجموعة بشرية تنتمي إلى جنس أو عنصر واحد له ملامحه وخصائصه الجسمية الخاصة به والمميزة له هو حديث لا يستند إلى أساس علمي لسببين: أحدهما يتصل بقضية النقاء العنصري والآخر يتصل بالعلاقة بين العنصر واللغة.
وفيما يخص السبب الأول فإن تطابق الملامح والخصائص الجسمانية بين الشعوب “السامية” أمر غير قائم، فنحن نجد تبايناً واضحاً في هذا المجال بين هذه الشعوب من جهة ثم من داخل كلّ شعب منها من جهة أخرى.. وفي الواقع فإن علماء الأجناس قد انتهوا منذ أواسط القرن الحالي إلى أن الحديث عن نقاء الأجناس البشرية قد أصبح في حقيقة الأمر “خرافة علمية” حسب تعبير أحد علماء الإنثربروبولوجية المعاصرين.
أما عن اتخاذ اللغة أساسًا لوحدة الجنس أو العنصر، فيقول لطفي عبد الوهاب: إن الثابت من الملاحظة التاريخية هو أن اللغة لا تصلح أساساً لأي تحديد عنصري لسبب بسيط هو أن الفئات البشرية لها قابلية غريبة لالتقاط اللغات إذا كان ذلك يخدم أهدافاً مصلحية أو عمرانية.
من “مناهضة السامية” إلى “مناهضة إسرائيل”ظهرت “اللاسامية” الحديثة أولًا في فرنسا وألمانيا ثم في روسيا، بعد عام 1870.
وكانت “اللاسامية” الحديثة (1880- 1890) ردة فعل لرجال حائرين كرهوا المجتمع الحديث بعمق بكافة جوانبه الطيبة والشريرة، وكانوا من المؤمنين المتحمسين بنظرية المؤامرة في التاريخ. ووضع اليهود في دور كبش الفداء بسبب انهيار المجتمع القديم (الذي يتخيل الحنين “اللاسامي” أنه كان أكثر انغلاقًا وتنظيمًا مما كان عليه في الواقع) ووجود كل ما يثير الانزعاج في الأزمنة الحديثة. ولكن منذ البداية جابه “اللاساميون” ما تجلى أمامهم كمشكلة صعبة: كيف يعرفون كبش الفدا هذا؟ وبأي تعبيرات شعبية؟ وما هو العامل المشترك بين الموسيقى اليهودي، والحرفى، والمصرفى، والمتسول، خاصة بعد انحلال السمات الدينية العامة المشتركة، على الأقل خارجيًا؟ كانت “نظرية” العرق اليهودي هي الجواب “اللاسامي” الحديث لهذه المشكلة.
وإن الذين يُعلمون وينشرون “مناهضة السامية” يجهلون -إجمالًا- الأسباب الحقيقية لمشاعرهم، فيشرحون حالتهم الذهنية بمطاعن الإثنية والدينية والسياسية والاقتصادية و”كل هذه الزّخارف لـ(مناهضة السامية) ليس لها أساس، فبعضها مثل المطاعن الإثنيَّة مُتأتّية من مفهوم خاطئ للأعراق، وبعضها الآخر مثل المطاعن الدينيَّة والمطاعن السياسيَّة نشؤوا من فكرة منقوصة وضيقة عن التطور التاريخي، والأخيرة مثل المطاعن الاقتصادية كانت نتيجة الحاجة لسَتْر أحد صراعات رأس المال. فلا هذه ولا تلك بالإمكان تبريرها. فليس دقيقًا أن يكون اليهودي ساميًا صافيًا، ولا الشعوب الأوروبية هي آرية صافية. حتى أن فكرة السامي والآري لا يمكن شَرْعَنَتها”.
المصدر: شمسان بوست
إقرأ أيضاً:
بخط يد جلالة السلطان.. نص الكلمة السامية المكتوبة في مدرسة السلطان فيصل بن تركي
العامرات- العُمانية
تفضل حضرة صاحبِ الجلالةِ السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- صباح الإثنين وقام بزيارةٍ مباركةٍ لمدرسة السلطان فيصل بن تركي للبنين بولاية العامرات بمحافظة مسقط؛ للاطلاع عن كثب على سير العملية التربوية والتعليمية، والبرامج الحديثة المُطبقة لإثراء الجوانب المعرفية والإدراكية لطلبة المدارس.
ولدى وصول عاهل البلاد المفدى إلى المدرسة كان في استقبال جلالتِه معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانية وزيرة التربية والتعليم، وعددٌ من المعنيين بالوزارة. عقب ذلك رددت الفرقة الكشفية بالمدرسة صيحاتٍ كشفيةً؛ ترحيبًا بجلالةِ السلطان- أيده الله- بعدها ألقى أحد الطلبة قصيدة ترحيبية بهذه المناسبة الميمونة.
ثم استمع جلالة السلطان إلى نبذة مختصرة عن المدرسة قدمها أحد الطلبة، بعدها تجول جلالته في أقسام المدرسة ومرافقها، وحضر- أعزه الله- بعض الحصص الدراسية في الصفوف ومراكز التعلم والمختبر. واطلع جلالة السلطان المفدى على أركان المعرض المصاحب المقام بمناسبة الزيارة الكريمة؛ حيث تضمن المعرض نماذج من البرامج والأنشطة المنفذة من قبل طلبة المدرسة في مجالات الثقافة المالية وريادة الأعمال ومسارات التعليم المهني والتقني وتوظيف الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية.
بعدها توجه جلالة السلطان المعظم لحضور حلقة عمل في قاعة الفنون التشكيلية، وحضر جلالته- حفظه الله ورعاه- حصة للمهارات الموسيقية وأخرى رياضية.
عقب ذلك، التقى جلالته- أيده الله- بمجموعة من التربويين وأبنائه الطلبة من مختلف مدارس محافظة مسقط للاستماع إلى مبادراتهم وإنجازاتهم وآرائهم في مجال التعليم.
وقد أكد جلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- على حرصه السامي على تزويد المدارس التي بُنيت خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية بأحدث الإمكانات، مضيفًا- أعزه الله- أن العلم اليوم ليس كما كان سابقًا تقليديًا، وإنما هناك حركة حقيقية فيها تسابق وإبداع مبني على معرفة الطالب بالتقنيات الحديثة".
وأكد عاهل البلاد المفدى على أن ما رآه خلال الزيارة يأتي في إطار الحرص السامي على أن تكون هذه "المدارس نموذجية مُستقبلًا"، مُبيِّنًا أن "الشباب والطلبة الذين رأيناهم واستمعنا منهم يبشرون بالخير، وعُمان محتاجة لكل فرد أن يكون جزءًا من بناء هذه الدولة". ولفت جلالته إلى الدور المهم للمعلمين في تلقين الطلبة المعلومات وتدريسهم التدريس الصحيح، مشيرًا- أعزه الله- إلى أن "ما نشاهده اليوم في مدارسنا هو ما كنَّا نتحدث عنه قبل 10 سنوات مع تأهيل المدارس القديمة بطرق حديثة تستوعب كل هذه الإمكانات التي نراها اليوم عبر توظيف التقنيات الحديثة في التعليم". وأعرب جلالته عن تمنياته بالتوفيق للعاملين في قطاع التعليم وأن يضعوا هؤلاء الطلبة نصب أعينهم فهم بمثابة الأبناء، وكل ما نرغب فيه لأبنائنا يجب أن يكون هو نفسه ما نرغب فيه لطلابنا في الصفوف.
وفي ختام الزيارة، قام حضرة صاحبِ الجلالةِ السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- بتدوين كلمة في سجل الزوار بالمدرسة.
وفق الله سلطان البلاد المُؤيد في مسيرته الظافرة، للارتقاء بقطاع التعليم وقطاعات التنمية كافة نحو آفاق أرحب من التقدم والنماء.