المقاطعة سلاح الشعوب
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
ناصر بن سلطان العموري
abusultan73@gmail.com
مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، تقوم الأسر العمانية -كما هو معتاد- بارتياد الأسواق والمحلات ومراكز التسوق لشراء الاحتياجات الغذائية، خصوصا تلك التي تشتهر بها المائدة العمانية، ويأتي قدوم هذا الشهر الفضيل مع معاناة أهلنا وإخواننا في غزة العزة، نسأل الله لهم النصرة والتمكين والتحرير المبين.
وأثناء قيامي بالتسوق الشهري المعتاد لاحتياجات المنزل، ومعه بالطبع بعض الأغراض التي تُستخدم على المائدة الرمضانية، في أحد مراكز التسوق بمحافظة مسقط، إذا بي أتفاجأ بمتسوِّق ساخط من قِلَّة المعروض من المنتجات العمانية والعربية غير الداعمة للكيان، مقارنة بما هو داعم للكيان، وعندما التفتُ إليه وسألته بطبيعتي التلقائية غير المتحفِّظة عن السبب: أجاب بالعامية: "ما حاله، ما عارفين مو نشتري أغلبه داعم"، وقلت له: من أين له أن يفرِّق بين السلع بهذه السرعة؟ قال بواسطة أحد التطبيقات الذكية التي تتميز بخاصية قراءة الماسح الضوئي للسلع، فتوضح إن كان المنتج مقبولًا أو داعمًا، بل يتميز البرنامج كذلك بوجود قائمة للمنتجات والشركات الداعمة، وهو ما يتيح لك اختيار منتجاتك بعناية قبل التسوق، وعمل خطة شرائية محددة بناء على منتجات محددة بعينها.
بعدها، حمَّلت البرنامج عبر هاتفي الذكي، وشكرته، وأكملت تسوُّقي، وعندها وأنا اقف عند كل سلعة ومنتج بدأت أتأكد إن كان داعمًا أم لا، والغريبة أنِّي وجدت منتجات لنفس مُسمَّى الشركة أحدها داعم والآخر غير ذلك، وأعتقد أن الفرق هنا في التعبئة؛ فكلاهما ربما مُعبَّأ ببلد مختلف، نعم تأخرت قليلا، ولكني خرجت مرتاحَ الضمير.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل نُقاطع منتجات بعينها، أم نقاطع كافة منتجات الشركة التي تدعم الكيان؟ يجب أن تتركز المقاطعة على الشركات الداعمة للكيان وليس منتجًا معينًا فقط، فبعض الشركات فهمت اللعبة، واتخذت خطة احتيالية في إنتاج منتج يحمل اسم آخر، ويُعبَّأ في بلد آخر، لكنه في الأساس لنفس الشركة المقاطعة، فيجب أن نكون مُتيقِّظِين حَذِقِين لما يدور حولنا من ألاعيب.
ولا يجب أن نتهاون أو نتراجع عن المقاطعة، والجميل أنَّ المقاطعة في سبيل التضامن مع أهلنا في غزة نجحت نجاحًا منقطعَ النظير، والسبب هو الوازع الديني والتضامن الشعبي القومي مقابل مناشدات سابقة في مواقف عدة لم يسبق لها النجاح، ومن هنا أتمنَّى أن تكون المقاطعة الحالية استمرارية وليست مؤقتة، وأن تكون نهجا ودرسا يُستفاد منه لمواجهة ما هو غالٍ واستغلالي من قبل التجار.
كما أدعو القراء الكرام لتشجيع وتفضيل المنتج المحلي والعربي رغم قلته في السوق مقارنة بالمنتجات الأخرى، وأن يستعينوا بالتقنية الحديثة في الأجهزة الذكية من خلال تطبيقات المقاطعة المتعددة الموجودة في الساحة، والتي تتيح لهم التفريق بين ما هو داعم أو نقيضه بكل يسر وسهولة، وفي وقت سريع، وأيضا الاستفادة من قاعدة البيانات الموجودة بها.. المقاطعة سلاح الشعوب الوحيد، فلا تبخسوا حقها، وفلسطين قضية الجميع، وتستحق منا المزيد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإمبراطورية العُمانية.. تاريخ مُشرق
الإمبراطورية العُمانية امتدت عبر التاريخ من سواحل إفريقيا وحتى سواحل الهند، وهو ما يُؤكد قدرة الإنسان العُماني على التواصل الحضاري مع مختلف الشعوب وتكوين العلاقات التجارية والاجتماعية والسياسية؛ إذ إنَّ التاريخ يسجل العلاقات العُمانية بالدول المطلّة على سواحل إفريقيا والمناطق المجاورة لها وسواحل المحيط الهندي والخليج، وصولًا إلى الصين.
ولقد كان لعُمان دور بارز سياسيًا واقتصاديًا وحضاريًا عبر العصور، كما كان لها دور في نشر الحضارة الإسلامية والدين الإسلامي في أفريقيا، الأمر الذي جعل هذه الدول تتأثر بشكل كبير بالتراث العُماني.
ولقد استفادت عُمان من موقعها الجغرافي في نقطة تقاطع برية وبحرية لدول شرق أفريقيا والمحيط الهندي والخليج عبر التاريخ؛ وهو ما جعلها مركزًا اقتصاديًّا وسياسيًّا، ووطَّدَ الروابط التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية والإنسانية مع الدول الأخرى والحضارات الأخرى، وتواصل عُمان هذا النهج عبر تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة وإعلاء قيم التسامح والسلام.
إنَّ هذا الانتشار والتأثير الكبير للإمبراطورية العُمانية عبر التاريخ شرقًا وغربًا لم يكن انتشارًا أو تأثيرًا بالقوة؛ بل كان تأثيرًا نابعًا من منطلق التعامل الحسن وتوطين العلاقات مع الشعوب الأخرى، ونظيرًا لما شهدته هذه الشعوب من حُسن معاملة العُمانيين وخاصةً التُجّار والبحّارة الذين جابوا الكثير من الدول، وساهموا بشكل كبير في نشر الإسلام والثقافة الإسلامية.