انهيار اللوبي الصهيوني
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
عائشة السريحية
لعلَّ البدء في الحديث عن مقدمة ابن خلدون سيكون بمثابة إشارة لصيرورة ما يحدث الآن وسيحدث في رقعة العالم المتسعة جغرافيا، والمرتبطة جيوسياسيا، ونخلص إلى مؤشرات تعيد تشكيل الخارطة من جديد.
إن الحديث عن اللوبي الصهيوني مرتبط ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة الأمريكية وسياسيتها، والدرع الذي تستخدمه لحماية اللوبي من خلال مركز الاحتلال في قلب الأمة العربية، وكانت تستند استنادا تاما على حملات الدعاية والاستغلال البشع والوهمي لما يُقال عنه الهولوكوست لكسب تعاطف العالم وإعطاء اليهود شرعية وحق الولادة في احتلال واستيطان الأراضي العربية الفلسطينية.
ونجحت حقيقة الأمر منذ وعد بلفور -ومنذ العام 1948م بداية الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين- في أن تغسل أدمغة البشر حول العالم، بتصوير العربي والفلسطيني بالذات كشيطان معاد للسامية، ومعتد أثيم، فكسبت الشعبية والتعاطف العالمي مع ما يفعله الصهاينة في الفلسطينيين، تحت تعتيم وتضليل إعلامي مكثف عمل على استغلاله اللوبي الصهيوني من خلال السيطرة على أهم القنوات الإعلامية، والجرائد الرسمية والشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت الأخبار تصاغ بطريقة احترافية لشيطنة المظلوم وتصوير الصهاينة في فلسطين كحملان وديعة تحاول العيش بسلام.
لكن اليوم وقد تغيرت قواعد اللعبة، فلم يفكر أولئك الذين أكل عليهم الدهر وشرب، أنهم شربوا من نفس الكأس، ولم يُدركوا أن الأجيال الجديدة اختلف تفكيرها، واختلفت مصادر تلقيها للمعلومة، وأن وسائل التواصل الاجتماعي صارت كاشفة لكل الأكاذيب والتضليل الإعلامي الذي كان ينجح سابقا على مدار خمسة وسبعين عاما، بل إنهم كلما زادروا في إخفاء الحقيقة، ركضت الشعوب من الجيل الشاب للوصول والتعمُّق أكثر للبحث عن الحقيقة، طارد الجيل الشاب المسؤولين في كل مكان ثقفوهم فيه، قامت المظاهرات بشكل شبه يومي، عزلت أمريكا نفسها بعيدا عن دول العالم، أصبحت سمعتها في الحضيض، وكذلك المدعوة إسرائيل!
ولأول مرة، تُصبح لديها صحيفة سوابق، ومتهمة بإبادة جماعية، ولأول مرة تفقد تعاطف الشعوب الغربية بعد أن فضحت حقيقتها على مرأى ومسمع العالم، حتى الدول الموالية لأمريكا، أو تلك التي ترجو مصالحها، أو تلك التي تمارس عليها أمريكا لعبة الجزرة والعصا، جميعها لم تعد تجد مُبرِّرًا أمام شعوبها لتستمر في دعم الكيان الصهيوني.
ورغم التضحيات الكبيرة والعظيمة التي تقدمها غزة دمًا وجراحًا وجوعًا، إلا أنَّ آيات النصر تشكلت، وباتت الأصوات التي تعادي المقاومة أيًّا ما كانت أسبابها تتضاءل وتفقد مصداقيتها، فالشجر والحجر يحكي ما يحدث، وعدسات الكاميرا تنقل الوقائع، ويظهر الشيطان الحقيقي بقرنيه، ليؤشر الجميع إليه بإصبع الاتهام.
وأستطيع القول إنَّ اللوبي الصهيوني حين تتكسر أوصاله، وتبدأ الشعوب التي تعد الفيصل في مسألة الانتخابات، تبدي امتناعها عن التصويت لأولئك الذين يقبضون الثمن من اللوبي الصهيوني، ستغير قواعد اللعبة، وكما يقال مجبرا أخاك لا بطل، وحين كان الهدف إغلاق الملف الفلسطيني، وتحقيق السمعة التي خططت لها أمريكا وإسرائيل حول الأمن والأمان لتكون قوة عسكرية مخيفة لدول المنطقة، تستخدم في الوقت المناسب، وكذلك قوة اقتصادية جاذبة للاستثمارات والمشاريع الإستراتيجية الضخمة، وبتمييع القضية وتهجير السكان الأصليين وسط صمت القريب قبل البعيد، لم يسكت الفلسطيني عن حق الدفاع عن النفس، وجاءت انتفاضة السابع من أكتوبر كصفعة للعالم لتجعله يفيق من سباته، ويعلم كمية المعاناة التي يتجرعها أبناء هذا البلد المظلوم منذ عقود طويلة.
وكنتيجة طبيعية لفقدان الحاضنة الإعلامية، وفقدان المصداقية للجانب الصهيوني، والضغوطات التي نشهدها كل يوم من الشعوب وما تفعله حركات المقاومة في الدول العربية من وسائل ضغط من أجل إيقاف الحرب سواء أعجبت البعض أم لم تعجبهم، إلا أن كل ما يحدث سيفتت اللوبي الصهويني، وسيتحرَّر العالم من عبوديته، رغم الاندفاع اللامحسوب من إدارة البيت الأبيض، في دعم الصهاينة كونهم هم جزءا منها، سيجعلهم يخسرون خسارة عظيمة سواء لمناطق نفوذهم في تايوان أو أوكرانيا وستجعل تلك المراكز تضعف، بل ربما تود الإدارة الحالية أن تقايض كل شيء مقابل الحصول على فلسطين المحتلة، وهذا يجعلنا نفكر مليًّا: لماذا كل هذا الإصرار على إنقاذ إسرائيل، رغم أن الفلسطينيين أنفسهم مستعدون لأخذ نصف دولة بحدود 1967؟ أليس من العجيب أن تجعل أمريكا نفسها في عزلة من أجل إنقاذ الحكومة الإسرائيلية، ولو كلَّفها ذلك خسارة دول العالم، أو إنشاء مكوِّن جديد بدلا من مجلس الأمن الحالي الذي تآكل فيه الفيتو من كثرة ما تم استخدامه لحماية إسرائيل المدانة عالميا؟
إذن؛ الهدف ليس فقط غزة، إنما الهدف مخطط استعماري شامل، بدأت خطته منذ أسست للكيان اللقيط دولة، وسيشمل ذلك المنطقة برمتها، بعد أن أشعلت فيه أمريكا ومن تحت يدها الفتن والقلاقل وبسبب وبدون سبب دمرت معظم الشعوب وقدراتها العسكرية، إلى حدث لم يأتِ أوانه بعد.. ولكنهم يشاؤون والله يفعل ما يشاء.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قصة الإمبراطورية التي تأكل نفسها
انهمك كثيرون في تحليل الآثار الاقتصادية لقرارات فرض الإدارة الأميركية تعريفة جمركية على الواردات من معظم دول العالم. وهي آثار تتدرج من ارتفاع التضخم، ومن ثَم زيادة الأسعار في معظم دول العالم، إلى الدفع نحو تفكيك جزء لا يستهان به من هيكل الاقتصاد العالمي، وفتح الباب أمام حروب تجارية واسعة النطاق، لكنّ للقرار آثارًا سياسية وثقافية أيضًا.
وإذا أردنا أن نفهم التبعات السياسية والثقافية لهذا القرار، فعلينا أن نعود إلى الوراء قليلًا، وتحديدًا إلى السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، فوقتها تصرّفت الولايات المتحدة في السياسة الدولية مثلما يتصرّف ترامب في الاقتصاد، فرفعت شعار "نحن أميركا"، واندفع خبراؤها يتحدثون عن الانفراد بقمة العالم، والانتصار الحاسم للرأسمالية في شقها الاقتصادي، والليبرالية في شقها السياسي، وهو ما حاول أن يُسوقه فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ وخاتم البشر" (The End of History and the Last Man).
ولم يكتفِ الأميركيون بهذا، بل سعوا إلى صناعة عدو متوهَّم أو متخيّل، فاستحضر ريتشارد نيكسون في كتابه "الفرصة السانحة" (Seize the Moment) الإسلام عدوًا، ووسع صامويل هنتنغتون في كتابه "صدام الحضارات" (The Clash of Civilizations)، الذي لم يبتعد عن توجهات جهاز المخابرات الأميركية CIA (وكالة الاستخبارات المركزية)، مفهومَ العدو، ليجعل الحضارة الغربية في مواجهة حتمية مع الحضارات الأخرى، خصوصًا الإسلامية والكونفوشيوسية.
إعلانلم يمرّ عقد واحد على هذه النزعة الجامحة حتى وجدنا بعض عقلاء بيوت الفكر وخبراء السياسة الأميركيين يتحدثون عن "حدود القوة"، بعد أن أدركت الولايات المتحدة أن قدراتها العسكرية الضخمة، حيث تنفق بمفردها عشرة أضعاف ما تنفقه أوروبا كلها على التسلح، لا تعني بالضرورة أنها قادرة على تحقيق ما تريد وفرضه عنوة على من تشاء، في أي وقت، وأي مكان.
ففي الصومال، وبعد عملية أطلقت عليها واشنطن "التدخل الحميد"، عجز الجيش الأميركي عن تثبيت وجوده على أرض دولة ضعيفة، مفككة، بل وفاشلة وفق المقاييس الدولية وقتها.
وفي أفغانستان، التي هاجمتها أميركا في أكتوبر/ تشرين الأول 2001، ظهرت مقاومة فعلت بالأميركيين ما سبق أن فعلته بالسوفيات.
وفي العراق، الذي أسقط الجيش الأميركي عاصمته في 9 أبريل/ نيسان 2003، ظهرت مقاومة لم يستطع الأميركيون معها صبرًا. ولم تمنع العقوبات الاقتصادية إيران من مواصلة برنامجها للتسلح، ووضع بوتين روسيا على ميزان القوى الدولي بعد غياب، وتقدمت الصين في ركائز القوة حتى صارت المنافس الأساسي للأميركيين.
وعلى مدار عشرين سنة، لم يكن الاقتناع بـ"حدود القوة"، هو وحده الذي ينمو ويجذب أنصارًا له في ربوع الولايات المتحدة، إنما أيضًا الانشغال بالإجابة عن سؤال جوهري طرحه بعض علماء السياسة والمثقفين الأميركيين، وهو: "لماذا يكرهوننا؟" أي "لماذا يكرهنا العالم؟"
إذ لاحظ هؤلاء أن الناس في مشارق الأرض ومغاربها لم يعودوا منشغلين بالنظر إلى الولايات المتحدة بوصفها "زعيمة العالم الحر"، كما كان سائدًا أيام الحرب الباردة (1947–1991)، إنما بكونها، ومن حيث الواقع، محض "إمبراطورية استعمارية" أخرى، لا تختلف عن سابقاتها، حتى أخذت بعض الكتابات تقارن بينها وبين الإمبراطورية الرومانية.
وتعمَّق هذا الفهم بعد أن ظهر، للقاصي والداني، أن ملفّ حقوق الإنسان نفسه ليس سوى إحدى أدوات السياسة الخارجية الأميركية، تستخدمه ضد أنظمة حكم لا تتوافق مع المصالح الأميركية عبر العالم أو تناهضها، فتضغط عليها وتبتزها، وتغض الطرف عنه مع حكومات تصنفها على أنها حليفة أو صديقة، أو على الأقل يمكن أن تقدم منفعة للسياسة الأميركية في المستقبل المنظور.
إعلاناليوم، تتسبب قرارات الرئيس ترامب بفرض "التعريفة الجمركية" في جلب الكراهية لبلاده، بعد أن أدت سياساته، خلال ولايته الأولى، إلى تحطيم صورة الولايات المتحدة باعتبارها "أرض الأحلام" بالنسبة لكثيرين حول العالم.
ويتعمق هذا المنحى بقرارات طرد مهاجرين، وفرض قيود على آخرين، بمن فيهم طلاب علم، كانت واشنطن تعتبرهم في الماضي إحدى أدوات نقل "الثقافة الأميركية" إلى أرجاء المعمورة، والتي بدورها تترجم إلى منافع اقتصادية وسياسية.
إنّ رد فعل مختلف الدول على قرار ترامب، الذي أعلنه فيما أسماه "يوم التحرير" وعزاه إلى "حالة طوارئ اقتصادية"، يبين أن هناك، في الخلفية، إدراكًا للتوحش الأميركي، حتى لو كانت النزعة الاقتصادية والتجارية البحتة تغلف تصريحات مختلف المسؤولين في تعقيبهم على هذه الخطوة.
بل يتزايد الشعور بالاستهانة والاستخفاف الأميركي بالعالم، الذي وصل إلى حد أن تشمل هذه التعريفة جزيرتي "هيرد" و"ماكدونالد" في القطب الجنوبي، اللتين تسكنهما طيور البطريق، ولم يدخلهما إنسان واحد منذ عشر سنوات، ما حدا برئيس وزراء أستراليا، أنتوني ألبانيز، إلى القول: "لا يوجد مكان على الأرض في مأمن من هذه القرارات".
واختيار اسم "يوم التحرير" لمثل هذا الإعلان لا يخلو، في حد ذاته، من معنى سياسي وثقافي، إذ يحول التعريفة الجمركية من إجراء اقتصادي إلى إشارة رمزية تريد أن تقول للعالم إننا وحدنا في وجه الجميع، وأن النظام الدولي الحالي عليه أن يتغير لصالحنا، ولو عنوة. ولا يكفينا الانفراد بالقمة، بل منع أي أحد من مجرد التفكير في الصعود إلينا.
وكما يهدم الرئيس ترامب، تباعًا وفي إصرار، الأسس والتقاليد السياسية والدستورية والبيروقراطية والأمنية داخل الولايات المتحدة نفسها، فإنه يفعل هذا خارجها.
وهي مسألة بدأت بالخروج من منظمات أممية، واستهانة بالقانون الدولي، ثم حديث صريح عن غزو دول والاستيلاء على أخرى، وبعدها اتّخاذ قرار الرسوم الجمركية دون تشاور أو تفاوض أو تفاهم مع أحد.
إعلانقد تكون هذه الحالة المستعلية هي أقصى حد تبلغه الإمبراطورية التي تعتقد أنها منفردة بقيادة العالم، وبعدها يبدأ منحنى القوة في الهبوط، لا سيما أن الجميع الآن بات يدرك، مع التوجهات الترامبية، أن "الحلم الأميركي" تحول إلى "الخطر الأميركي"، وأن الصبر عليه لا يمكن أن يطول، وأن طرق مواجهته يجب أن تتعدد وتتسع وتتعمق، اللهم إلا إذا قرر الرئيس ترامب تغيير سياسته، وهذا صعب، أو انتبه من يخلفونه إلى أن استفزاز العالم كله ليس في صالح بلادهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline