فاطمة الحارثية
"حيث لا شمس لا شغف".. اعتدتُ دائما أن أطلب من الآخر أن يعالج مشاعره بنفسه؛ لأنها كامنة فيه وهو أعلم بها ممن يُكنها له، ومبادلة المشاعر ليست فريضة بل هي حرية مطلقة، رفضت دائمًا أن أقبل بأي مفوضات حيال ذلك؛ ومثلما حكمت بذلك لكل من عبر عن عاطفة ما تؤرقه تجاهي، ماثلت ذات الحكم على نفسي من الصغر؛ صِدقا ليس هينا أبدا هذا الحكم، فليس من اليسير تحمُّل مشاعرنا الشخصية، دون محاولة الهروب منها أو ألقاء اللوم على خذلان عشته في مخيلتك فقط.
قد يرى البعض أنَّها قسوة للنفس، وأن للذات حقَّ التجربة، وإعطاء الفرصة للغير لتخفيف ما يمرون به من عواطف، أو البَوْح بمكنونات النفس فرُبَّما ثمة تبادل خجول، حتى بلغ لدى البعض نعتي بالقاسية. في الحقيقة، أرى أن إعطاء الأمل في الحياة واجب على كل ساع للخير، لكن العواطف أمر آخر تماما، فنحن لا نختار في أمرها، وعندما ينتابنا شعور ما، فثمة سبب وراء ذلك، وإلا لما انتهت وتدمرت وانكسرت الكثير من العلاقات حتى القريبة وصلات الرحم، في غمرة المشاعر.
ولا أخص فيما سبق العواطف الإيجابية فقط، بل أيضا السلبية كالغضب والألم والحزن وغيرها، فما يُحيطني من صخب المشاعر مؤخرا له أسباب كثيرة، فمنذ أن وَطِأت قدمي أرض الجنوب كمقيمة، علمت أنني هنا لأقضي أمرا كان مفعولا، وليس ثمة مشيئة خاصة أو قرار بل واجبات، سُخر كل شيء حولي لذلك. وها أنا على مشارف إكمال عام منذ أن وضعت رِحَالي هنا، لأجد أنني في صدام مع فرعون من الجنوب. وكعادتي، قليلا ما أخلط مشاعري بما يحدث من أمور، تدَّبرت أن الخطأ ليس منه، وليس هو من فَرْعَن نفسه، بل من أعطاه صولجانا يضرب به رقاب الناس وينشر الخوف والترهيب، حتى بات البعض يطلب مني الرحيل، خوفا منه ومن وطء سوء فعله عليهم، وهو ضاغط عليهم حتى يتسببوا ويدفعوني للرحيل؛ والبعض الآخر يخشي عليَّ منه ومن شره. في الحقيقة، لا أراني بتلك الأهمية، ولا أرى مُبررا لكل ذاك الإثم الذي يقوم بتجميعه بسببي، فأنا لست من بنات قابيل ولا هابيل، لأنَّ في زمانهما لم يُفرض على الناس الجهاد، ولم يعلم هابيل أن عليه الدفاع عن نفسه، رغم أنه مارس كلمة الحق والتي هي من أعظم الجهاد عند الله.
اليوم، وأنا أكتب هذا المقال، أجدني وقد فقدت الكثير من الشغف، وبحكم الغربة والوحدة أجد صعوبة في ممارسة علاج المشاعر الذي دائما ما كان بطريقتي، وهي الحديث والتعبير بصوت عال لشخص ما، لا أُنكِر أنَّ الله اأرسل لي إحدى الجميلات، وهي وقود يُغذِّي ثم يُعيدني إلى أرض الواقع، لكنها تبقى أرضا بعيدة عن الميناء، ومع ذلك تلك المحاولات تبقيني يقظة لخنجر فرعون ابن قابيل، وحاشيته.
وإن طال...،
فأرض الجنوب جميلة جدًّا، لا يوصف نقاؤها، وما فيها من صلف هو من الناس لا أرضها، أشعر أنها مستقرا لي إلى حين، هي بستانٌ في جنة عُمان، شاسعة رحبة، ولا مكان إلا للنقاء عليها، أجدني في وجل وأنا أقع في غرامها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
داعية إسلامي: النبي كان في أقواله وأفعاله نموذجًا للطف والرحمة
واصل الشيخ أحمد الطلحي، الداعية الإسلامي، حديثه عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال السيرة النبوية.
كيف كان النبي يتعامل في الأسواق مع الناس؟وأوضح الداعية الإسلامي، خلال حلقة برنامج «مع الناس»، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس: «سيدنا الحسين سأل أبيه، الإمام علي رضي الله عنه، عن سيره صلى الله عليه وسلم وكيف كان يتعامل مع الناس في الأسواق، وكيف كان يمازح ويخالط الجميع، وكان السؤال من الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد فضول، بل كان رغبة في التعلم من نبينا الكريم. وهذا السؤال يحتاج إلى دراسة وفهم، لأن فهم هذه المفردات يعطينا دراية بأخلاق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويجعلنا نعيش بتلك الأخلاق الطاهرة في حياتنا اليومية».
وأضاف: «الإمام علي رضي الله عنه أجاب سيدنا الحسين قائلاً: 'رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بفظ، ولا بغليظ، ليس صخابًا، ولا فحاشًا'، وهذه الكلمات، التي نطق بها الإمام علي، لا بد أن نتوقف عندها ونتفكر في معانيها، لأننا بحاجة إلى فهمها بعمق، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان بعيدًا عن الغلظة والصخب والفحش، بل كان صاحب خلق حسن ورحمة عظيمة.
وتابع: «الكلمة 'فظ' التي وردت في الحديث تعني أن الشخص سيء الخلق، وقد حاشا النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك، فالله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: 'ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك'، مما يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مثالًا في الرفق واللين مع الناس، وكذلك 'الغليظ' تعني الجفاء وعدم القدرة على المعاشرة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان صاحب البشاشة، يحب أن يختلط بالناس ويعاملهم برفق».
وأضاف: «أما 'الصخب'، فهي الضوضاء والازعاج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعيدًا عن ذلك، فلم يكن يرفع صوته في الأماكن العامة أو يسبب إزعاجًا للآخرين، وأيضًا 'الفحش'، الذي يعني القول أو الفعل السيء، كان بعيدًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان في أقواله وأفعاله نموذجًا للطف والرحمة».
واختتم: «هذه الصفات التي وصفها الإمام علي هي نور من نور النبي صلى الله عليه وسلم، وهي منبع الجمال الذي يجب أن نقتدي به في حياتنا».