دعوة للتعاضد.. فرمضان كريم
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
ضجَّت الأسواق ومراكز التسوق منذ نزول الرواتب بالمتسوقين لشهر رمضان الفضيل، وتم ذلك من قبل أولئك ميسوري الحال، فهنيئا لهم. أما الذين ليست لهم رواتب أو دخول، أو رواتبهم لا يبقى منها إلا ريالات نتيجة الديون الكثيرة والاستقطاعات البنكية والقضائية الملزمة، ففقد أصيبوا بخيبة أمل وحزن شديد على ما آلت إليه حالهم، فنتمنَّى أن تكون هنالك نظرة لهم ومراعاة لهذه الفئة التي أوضاعها المعيشية سيئة جدًّا، ورواتبها بسيطة، ولديها أسر كبيرة وأطفال والتزامات متعددة، وبعد صوت أذان المغرب يهمهم جدا بعد صيام طويل أن يجدوا ما يفطرون به.
إنَّ شراء مستلزمات الشهر الفضيل من مأكل ومشرب عادة صَارَت معتمدة ومألوفة عند المسلمين، وظاهرة طبيعية إن صح التعبير وجاز الوصف، إذ أن هذا الشهر شهر عظيم، وعلى المسلم أن يقبل فيه على الطاعات والعبادات والأذكار وقراءة القرآن الكريم، لكن كيف سيُقبِل على ذلك ونفسيًّا ليس مرتاحًا بسبب همه وأفكاره نتيجة أوضاعه المعيشية السيئة وظروفه الصعبة التي يرزح تحتها. فليس من الممكن أن يكون صائما ساعات طوال، وينفطر فؤاده حزنًا هو وأطفاله على ما يعيشونه من أوضاع معيشية صعبة، وفي نهاية اليوم لا يجدون ما يفطرن عليه، حتى لو تفضل عليهم أحد بشيء، فهذا وحده عذاب نفسي دائم.
إنَّ ما نأمله مِمَّن يعلم حال مثل هذه الأسر والعوائل، أن لا ينتظروا استجداءهم أو طلبهم، بل عليهم أن يبادروا بالجود والكرم، ويفاجئوهم بإحسانهم ومساعدتهم.
لقد مرَّ شعبان ولم يبقَ منه شيء إلا أيام قلائل، وسيشرق علينا بعد أيام نفحات الشهر الفضيل، وفي غمرة الاستعداد له علينا إعلء قيم التعاون والتعاضد ولنكن جميعًا كما أوصانا رسول الله كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، كام ينعم الجميع بروحانيات الشهر الفضيل. وكل عام والجميع بألف خير.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دعوة للالتفاف بدثائر العزلة
بسم الله الرحمن الرحيم
في الحق أنا لا أفهم كنه صلاتي التي تربطني بمحيطي أو أسيغها، كما ينبغي أن تفهم أو تساغ، والصلات التي تحرك الحياة وتسيرها، مهما قلت عنها، وعن سذاجتها وجهالتها في بيئتي، فهي في جوهرها، لا تختلف عن تلك الوشائج التي جمعتني بعوالم مغايرة لعالمي الذي أعيشه الآن، فمهما تفاوتت في تأثيرها، ووهجها، وظلالها، ووقعها على نفسي، فهي تتفق في حزنها وأساها، وفرحها وطربها، تماما مع عالمي الذي كنت أعيشه، رغم أن عالمي ذاك كان مختلف الألوان والألسنة.
ولعل الشيء الذي أبعد عن الجدال والخلاف أننا مطالبين بذلك النشاط الوجداني الذي فرضته أعراف الحياة، فليس لنا أن نعيش في قوام تلك المجتمعات، دون أن ننصهر في بوتقتها، أو نعتزلها، أو نمنعها، أو حتى نراقبها ونقيدها في أضعف الإيمان، كلا ليس هذا متاحاً لنا، العزلة التي تبتغيها وتنشدها، لا تسمح بها هذه الحياة، لأن المجتمعات لا تطمئن لأصحاب العزلة النفسية، وترتاب في أمرهم أشد الارتياب وأعنفه، رغم ما للعزلة من دعائم وطيدة بالفلسفة وصلات وثيقة بالحكمة، وما "للمعتزل" من صفات تختلف عن "المجتمعي" في الغرائز، والطباع، وألوان السلوك، وفي علاقة الإنسان بربه، فالمعتزل يرضي عقله بتلك العزلة التي يأثرها عن غيرها، وتسمو بها روحه، وينوء عن طريقها بنفسه عن مخالطة الناس وما ينجم عن تلك المخالطة من تشاحن وصراع، وما يصاحب هذا النشاط الاجتماعي من قهر وكتم للأنفاس.
ليس من ريب، ألا نتفق فيما بيننا على أسباب صحيحة، أو علل ثابتة، بخصوص هذا الموضوع الشائك، ولكن تعرجاته وعقابيله تلك، مدعاة إلى بقاء موضوع "العزلة" على بساط البحث، ورغم أن "العزلة" مجال القول فيها ذو سعة، لكن الغالب على الظن" عندنا" أن العزلة أبلغ وقعاً، وأعمق تأثيراً، في نفوس أصحابها، وأن بحوث علماء النفس والاجتماع وتحقيقاتهم تشتمل على كثير من الغلو والشطط ومجانبة الصواب، فالعزلة ليست مرضاً فتاكاً يودي بالمجتمعات أيها السادة، ليست هي داء نجيس مجلوب من الخارج، بل هي متأصلة في تراثنا الفكري، كما لا علاقة للعزلة بمزاعم مناهضة الدين الخاتم، فالحقيقة التي يجهلها الكثير من الناس أن العزلة نشأت في كنف الدين.
الواجب الذي لا مناص عنه إذن أن نزكي من دوحة العزلة، وأن نجعل عروقها تمتد وتستطيل في مناهجنا وتربيتنا.
دعونا نلقن الأجيال القادمة أن ايثار الحياة الضيقة المغلقة، يعينك على فهم نواحي هذه الدنيا الفانية، وأن العزلة هي التي تردك إلى الحياة، وتنقذك من هذه الجلبة، ومن هذا النفاق المفروض عليك، العزلة تسمح لنا وللأجيال القادمة أن نستقبل صدر أيامنا ونحن مبتهجين بها، راضين عنها، مغتبطين بما يتاح لنا فيها من العمل، وبما يساق إلينا من الخير، العزلة هي التي تجعل طابع حياتنا قوامه المحافظة والاستقرار، والبعد كل البعد عن الصخب والعنت والشقاء.
د.الطيب النقر
nagar_88@yahoo.com