عربي21:
2025-01-31@12:47:59 GMT

صفقة القرن الصغرى والكبرى

تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT

أعلن رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، عن مشروع تنمية منطقة رأس الحكمة في الساحل الشمالي الغربي، بالشراكة بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، ووصفه بأنه أضخم صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر.

ويتكون المشروع من شقين: الشق الأول، يمثل استثمارا أجنبيا مباشرا بقيمة 35 مليار دولار ستدخل إلى الدولة خلال شهرين، منها الدفعة الأولى 15 مليار دولار بعد أسبوع، ستكون مقسمة إلى 10 مليارات دولار تأتي سيولة من الخارج مباشرة، بالإضافة إلى تنازل شركة أبو ظبي التنموية القابضة عن جزء من الودائع الموجودة في البنك المركزي بـ11 مليار دولار، وسيتم تحويل الدفعة الأولى بـ5 مليارات دولار من دولار إلى جنيه مصري من أجل أن تستخدمها شركة أبوظبي التنموية وشركة المشروع في إنشائه.

ثم تعقبها الدفعة الثانية 20 مليار دولار بعد شهرين، هي عبارة عن 14 مليارا سيولة ستأتي مباشرة، بالإضافة إلى الجزء المتبقي من الودائع وهو 6 مليارات دولار، وهو يعني 24 مليارا سيولة مباشرة، بالإضافة إلى 11 مليارا موجودة كودائع وسيتم تحويلها في البنك المركزي بالجنيه المصري، تستخدمها الشركة في المشروع.

وأشار مدبولي إلى طبيعة المشروع، وأنه من خلاله تقوم الدولة بتخصيص أرض للمطور وتأخذ الدولة مقابل الأرض مقدما نقديا، أيضا يكون لها حصة من أرباح المشروع من أجل تعظيم أصول الدولة.

ويتضمن المشروع تأسيس شركة رأس الحكمة كشركة مساهمة مصرية، وستتضمن إقامة فنادق ومشروعات ترفيهية، ومنتجعات سياحية ومنطقة المال والأعمال، وإنشاء مطار دولي جنوب المدينة، ومارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية، لافتا إلى أنه ستكون هناك تنمية متكاملة في كل المجالات وستستقطب نحو 8 ملايين سائح متوقع.

كما أشار كذلك إلى وجود تدفق أموال من الجانب الإماراتي بما لا يقل عن 150 مليار دولار، طوال مدة تنفيذ المشروع، وأن مساحة مدينة رأس الحكمة تصل إلى 170 مليون متر مربع (40600 فدان)، وأن المشروع يأتي في إطار مخطط التنمية العمرانية لمصر عام 2052، بتنمية مجتمعات عمرانية متكاملة منها: العلمين، ورأس الحكمة، والنجيلة، وسيدي براني، وجرجوب، كمدن جديدة تمكن تنميتها بالإضافة إلى تنمية مطروح والسلوم حتى تكون لدينا سلسلة من المدن الجديدة الذكية؛ فيها بنية أساسية مطورة تستوعب ملايين السكان وتخلق ملايين من فرص العمل للشباب المصري.

وقد طرحت هذه الصفقة تساؤلات ما بين مؤيد معارض لها، فيرى رئيس الوزراء والمصري وغيره أنها الحل لمشكلة السيولة الدولارية الموجودة في مصر، وكبح جماح التضخم، وفتح المجال لتشغيل شركات المقاولات والتطوير العقاري المصرية والشركات اللوجستية والمصانع التي يبرز دورها في توفير المواد الخام والتشييد والبناء وتشغيله، فضلا عن توفير فرص عمل، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنشيط السياحة، وتعظيم شراكة القطاع الخاص، وزيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة.

وفي رأينا أن هذه الصفقة رغم ما قيل عن مزاياها فإنها مزايا لا تتعدي المسكنات، فهذه الأموال لن تبقى طويلا وسوف تتبخر كغيرها من عشرات المليارات التي دخلت للحكومة ولا يعرف أحد نتاجا لها سوى مزيد من التورط في الديون.

إن هذه الأموال موجهة بالأساس لمشروع خدمي ترفي، فلن ينتج عنها إنتاج حقيقي يعزز الصادرات ويرشد الواردات، والأمل في تنشيط السياحة أمل لا يرقي للوجود في ظل معالمنا السياحية الحالية الكبيرة وفشلنا الذريع في تسويقها، كما أن هذا المشروع لا يمس حياة الطبقة العظمى في مصر، وهو مخصص لترسيخ الطبقية المقيتة للمترفين ولن يستفيد منه إلا المستثمر الإماراتي الذي سيكون له شاة حلوبا يستفيد من حلبها ويترك لأهل البلد روثها، كما أنه يفتح الباب كذلك لاقتصادات الحرام وغسل الأموال.

أخشى ما أخشاه أن تكون صفقة رأس الحكمة هي صفقة القرن الصغرى رغم وصفها بأنها أضخم صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر، ثم تليها صفقة القرن الكبرى بالتخلي عن جزء من سيناء لتوطين أهل غزة مقابل إغداق وإغراء مالي من صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية وخليجية، لا سيما في ظل التصريحات المتوالية التي تتجه هذا الاتجاه والتي ظاهرها الرفض وباطنها القبول
إن الحكومة وإن كانت ستنخفض ديونها بقدر 11 مليار دولار، من الودائع الإماراتية لديها، فضلا عن توفير سيولة لديها تمكنها من تعويم جزئي جديد للجنيه المصري، فإن هذا الأمر لن يكون سوى تغذية اضطرارية خلال فترة معينة بعدها ينتقل الاقتصاد إلى أزمة أكبر، وتحتاج الحكومة للبحث عن بيع أصول جديدة كما باعت تيران وصنافير من قبل.

إن قرار صفقة رأس الحكمة جانبتها الحكمة، فهي صفقة باختصار تمثل تهديدا للأمن القومي المصري، فلا يمكن للدولة أن تترك تلك المساحة مستباحة لدولة أخرى تحت اسم الشراكة وهي في حقيقتها تخلٍ عن الأرض بالتخصيص والإدارة بعد ذلك بما لهذا المشروع من حماية، ليكون دولة داخل الدولة.

إن التاريخ يثبت أنه ما أسقط الدول والإمبراطوريات إلا الديون ومنح الامتيازات للأجانب، وليس ببعيد عنا ما حدث للإمبراطورية العثمانية نتيجة ذلك؛ وهي التي حكمت في ثلاث قارات لأكثر من ستة قرون، فضلا عما حدث لمصر بسفه ديون الخديوي إسماعيل.

ونحن لسنا ضد الاستثمار الأجنبي، بل نحن معه وفق المصالح المتبادلة بأن يكون استثمارا حقيقيا يتم به تعزيز ميزان المدفوعات وتلبية حاجة الداخل من السلع والخدمات ونقل التقنية الحديثة وتشغيل العمالة.

وأخشى ما أخشاه أن تكون صفقة رأس الحكمة هي صفقة القرن الصغرى رغم وصفها بأنها أضخم صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر، ثم تليها صفقة القرن الكبرى بالتخلي عن جزء من سيناء لتوطين أهل غزة مقابل إغداق وإغراء مالي من صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية وخليجية، لا سيما في ظل التصريحات المتوالية التي تتجه هذا الاتجاه والتي ظاهرها الرفض وباطنها القبول. ومع ذلك، فإن من سوف يسقط هذا الخيار هم أهل غزة أنفسهم بإيمانهم بقضيتهم وثباتهم في أرضهم.

twitter.com/drdawaba

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الإمارات استثمار الاقتصاد مصر اقتصاد استثمار الإمارات مشاريع مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بالإضافة إلى ملیار دولار رأس الحکمة صفقة القرن

إقرأ أيضاً:

خسائر الاقتصاد الإسرائيلي تجاوزت 34 مليار دولار

5 مليارات دولار و6.9% من الناتج المحلي مقدار العجز في الميزانية الإسرائيلية في ديسمبر من صراع عسكري إلى أزمة سياسية واقتصادية عميقة:
– الضغط السياسي يتزايد على الكيان المحتل والمستوطنون يسعون لفهم إدارة الحرب
– اتهامات للمجرم نتنياهو بالإدارة المتهورة والفشل في تحقيق أي من أهداف العدوان على غزة استجابة للتصعيد العسكري:
– العجز المالي: مؤشر تصاعدي من 4.5% إلى 8.5% خلال الأشهر الستة الأولى من 2024
– تبعات الحرب على الميزانية تكبد الاحتلال 125 مليار شيكل منذ بدء الحرب على غزة وتساؤلات حول الشفافية

مع إعلان المجاهد محمد الضيف عن بدء عملية «طوفان الأقصى» ردًا على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، انطلقت شرارة الحرب التي تُعتبر واحدة من الأكثر دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كان يوم السابع من أكتوبر 2023 يومًا لن ينساه الإسرائيليون، حيث بدأ الهجوم المفاجئ الذي أسفر عن تقدير عدد كبير من الخسائر. في أيام قليلة، بلغت حصيلة الضحايا نحو 1200 قتيل، بالإضافة إلى احتجاز حوالي 250 شخصًا داخل قطاع غزة. ومع استمرار القتال، ارتفعت الأرقام بشكل مأساوي، حيث تجاوز عدد القتلى الذين سقطوا في الهجمات الفلسطينية 1830، كان من بينهم أكثر من 840 جنديًا إسرائيليًا، بالإضافة إلى 23,700 مصاب. ومنذ بدء التوغل البري في قطاع غزة، قُتل أكثر من 400 ضابط وجندي.
الثورة/ يحيى الربيعي

الآثار الأسوأ مما يعلن
لم يتوقف الأثر عند الجانب العسكري فقط، فقد أثرت الحرب بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي. وأعلنت ما تسمى بوزارة المالية الإسرائيلية أن تل أبيب تكبدت خسائر تتجاوز 34 مليار دولار منذ بدء العدوان. وقد أدى ذلك إلى تسجيل عجز في الميزانية تفوق قيمته 5 مليارات دولار في ديسمبر الماضي، مما زاد من الضغوط على الخزينة الإسرائيلية.
تُظهر التقارير أن العجز المالي الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية وصل إلى 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، أي ما يعادل حوالي 136 مليار شيكل (36.1 مليار دولار). وأكدت التحليلات أن العجز الحقيقي قد يكون أسوأ مما تم الإعلان عنه، حيث يُرجح أن يصل إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أو حوالي 142 مليار شيكل (37.7 مليار دولار).
عدا عن الأثر الاقتصادي، فقد أدت الحرب إلى انقسامات شعبية وسياسية في الداخل إسرائيل. ووجّهت اتهامات لما يسمى بحكومة المجرم نتنياهو بإدارة الحرب بتهور، وهو ما أدى إلى انتقادات واسعة لطريقة تعاملها مع الصراع، بما في ذلك اتهامات بالتقاعس عن تحقيق صفقة مع حماس لاسترجاع المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
تتزايد الضغوط السياسية على سلطات كيان العدو الاسرائيلي، بينما يسعى الشارع الإسرائيلي لفهم الطريقة التي تدار بها الحرب، مما يزيد من الارتباك وعوامل عدم الاستقرار الداخلي. إن عملية «طوفان الأقصى» كشفت عن واقع جديد في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فقد تحولت الحرب من مجرد صراع عسكري إلى أزمة سياسية واقتصادية وسياسية عميقة، ستبقى آثارها واضحة على كل الداخل الإسرائيلي على المدى الطويل. في الأيام المقبلة، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: كيف ستكون ردود الفعل والسياسات مقابل استمرار النزاع والانقسامات الداخلية؟

ارتفاع العجز المالي والتكاليف المباشرة للحرب
شهدت الميزانية الإسرائيلية تقلبات ملحوظة خلال عام 2024، وكانت هذه التقلبات نتيجة مباشرة لتصعيد العمليات العسكرية والقتالية، حيث تم تعديل الأولويات المالية لمواجهة التوترات المتزايدة على الحدود.
مع بداية عام 2024، بدأ العجز يظهر بوضوح، حيث سجل 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في يناير. ومع تصاعد التوترات، ارتفع العجز بشكل متتالٍ، ليصل في فبراير إلى 4.8% نتيجة لزيادة الإنفاق الدفاعي. وفي مارس، استمرت هذه الاتجاهات فبلغ العجز 5.2%، بينما وصل في أبريل إلى 5.7% بسبب المخاوف الأمنية. في مايو، ساهمت تدابير الإنفاق الإضافية في ارتفاع العجز إلى 6.1%، ليبلغ في يونيو 6.6%.
ولم يتوقف الوضع عند هذا الحد؛ إذ استمر العجز في يوليو في التحليق، مسجلاً 7.0%. في أغسطس، تخطى العجز 7.5%، بينما شهد سبتمبر قفزة جديدة وصلت بالعجز إلى 8.5%، نتيجة لتصاعد الحرب في غزة ولبنان، وقد بلغت النفقات في ذلك الشهر 103.4 مليارات شيكل (28 مليار دولار). على الرغم من بعض التراجعات الطفيفة في أكتوبر إلى 7.9%، إلا أن العجز عاد للارتفاع في نوفمبر إلى 8.2%، ليثبت في ديسمبر عند 7.7%.
بحسب تصريحات ما تسمى وزارة المالية الإسرائيلية، فقد تكبدت سلطات الاحتلال ما يصل إلى 125 مليار شيكل (34.09 مليار دولار) منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023. وسجّلت «الوزارة» عجزًا في الميزانية قدره 19.2 مليار شيكل (5.2 مليارات دولار) في ديسمبر، مشيرةً إلى ارتفاع النفقات المخصصة لتمويل العمليات العسكرية في غزة ولبنان.
ومع ذلك، فإن التكاليف التي أعلنتها السلطات الإسرائيلية تُظهر صورة أقل من الواقع، حيث تشير تقديرات صحيفة كالكاليست الاقتصادية إلى أن تكلفة الحرب على غزة وحدها بلغت نحو 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024. يثير هذا الفارق بين التقديرات الرسمية والواقع تساؤلات حول شفافية ما يسمى بالحكومة الإسرائيلية وكفاءة إدارتها للأزمات، خاصة وأن الخبراء يشككون في صحة الأرقام المعلنة ويعتبرونها مجرد جزء من الحقيقة.
إن التحديات المالية التي تواجهها إسرائيل نتيجة للحرب لم تكن مجرد أرقام على ورق؛ وإنما واقعًا معقدًا يتجاوز مجرد القضايا المالية ليشمل الانعكاسات الاجتماعية والسياسية. فالعجز المتزايد يثير قلقًا كبيرًا في الداخل الإسرائيلي، ويزيد من المناقشات حول كيفية التعامل مع التحديات المستقبلية ومعالجة القضايا الداخلية التي جعلت من عمليات الحرب عبئًا ماليًا ونفسيًا على الدولة. إجمالًا، تبقى الأبعاد الاقتصادية للحرب محورية في فهم الأثر العام للأحداث الجارية، حيث أن التحديات المالية قد تعقد الجهود نحو الاستقرار وتزيد من الاستقطاب السياسي والشعبي في الداخل الإسرائيلي.

تدهور قطاع السياحة أغلق الشركات
يعاني قطاع السياحة في كيان العدو إسرائيل من تدهور كبير نتيجة الأحداث المتزايدة والصراعات المستمرة، مما ألقى بظلاله على الاقتصاد بشكل عام. إن الخسائر الناجمة عن الحرب على غزة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، أضعفت جميع جوانب الاقتصاد، وليس فقط في الجوانب البشرية أو العسكرية.
بحسب بيانات ما يسمى بمكتب إحصاء كيان العدو الإسرائيلي، شهدت صناعة السياحة انخفاضًا حادًا حيث تراجعت السياحة الوافدة بنسبة تفوق 70% خلال العام الماضي. استمر هذا التراجع بشكل ملحوظ مقارنة بعام الذروة 2019، الذي سبق جائحة كورونا، حيث انخفضت الأعداد بأكثر من 80%.
التأثيرات الاقتصادية السلبية لم تتوقف عند السياحة فقط، بل امتدت أيضًا إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة. وفقًا لتقرير نشره موقع «وصلة للاقتصاد والأعمال»، أغلقت نحو 60 ألف شركة ومشروع صغير ومتوسط أبوابها في عام 2024، بزيادة قدرها 50% مقارنة بالسنوات السابقة.
تأثرت السياحة بشدة بسبب العدوان الصهيوني على غزة ومسارات اعتداءات العدو في لبنان وسوريا واليمن وإيران والعراق، حيث تدهورت أعداد السياح بشكل ملحوظ. على سبيل المثال: في أغسطس 2024، بلغ عدد السياح الوافدين نحو 304.1 آلاف سائح. لتراجع هذا العدد إلى حوالي 89.7 ألف سائح في سبتمبر، واستمر الانخفاض إلى 38.3 ألف سائح في أكتوبر. تنعكس هذه التداعيات على الجوانب الاجتماعية والنفسية للأفراد والمجتمعات، مما يزيد من الصعوبات أمام الاقتصاد الذي بات ينحدر نحو التدهور والانكماش.
وقدرت تأثيرات إضافية على السياحة والنقل الناتجة عن خسائر جراء إلغاء الرحلات الجوية بحوالي 8.4 مليار دولار بسبب تغيب الموظفين عن العمل، بمعدل 1.2 مليار دولار أسبوعياً. كما تم إلغاء 1135 رحلة طيران من أصل 2662 كانت مجدولة حتى تاريخ 19 أكتوبر، مما أثر بشكل مباشر على قطاع السياحة. وارتفعت أجور تأمينات السفن والنقل البحري إلى 10 أضعاف قيمتها المعتادة.

تراجع الاستثمارات وأرقام الخسائر الاقتصادية
يعاني اقتصاد كيان الاحتلال الإسرائيلي من تراجع حاد في الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما يشير إلى تداعيات الصراعات المستمرة على الاقتصاد. وفقًا لمصادر متعددة، شهد الاقتصاد الإسرائيلي انخفاضًا ملحوظًا في قيمة الاستثمارات وارتفاعًا في الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الوضع الأمني المتقلب.
ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن الاقتصاد الإسرائيلي بدأ يعاني من انخفاض كبير في الاستثمارات الأجنبية بسبب المخاوف الأمنية. ووفقًا لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فقد انخفضت قيمة صفقات الاستثمار الأجنبي بنسبة 28% على أساس سنوي في النصف الأول من 2024، لتصل إلى 11.8 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، أشارت صحيفة «غلوبس» إلى تراجع الاستثمار في رأس المال المخاطر (الشركات الناشئة) بنسبة 6% من أكتوبر 2023 إلى سبتمبر 2024، بالإضافة إلى انخفاض حاد بنسبة 30% في عدد الاستثمارات.
كما تظهر الإحصائيات التالية الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي جراء الحرب، حيث قدرت الخسائر الشهرية بمبلغ 20 مليار دولار، فيما بلغ العجز في الموازنة 32 مليار دولار، أي 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي. أما الديون، فقد بلغ مجموع الدين من الخارج 60 مليار دولار، بالإضافة إلى ديون سابقة وصلت إلى 300 مليار دولار. وبالنسبة لخسائر عائدات الضرائب، فقد بلغت 7.75 مليار دولار. كما انخفضت البورصة بنحو 15%، وتراجعت أسهم بعض الشركات لأكثر من 35%، كما انخفضت أسهم أكبر 5 بنوك بنسبة 20%، خاسرة أكثر من 25 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالانعكاسات الاقتصادية الإضافية، شهد الاقتصاد انكماشا قدرته مؤسسة «جي بي مورغان تشيس» بـ11%. فيما قدرت تكلفة التعويضات لجميع المتضررين من الأفراد والشركات بـ 4.25 مليار دولار. وقدرت تكلفة إعادة إعمار 30 مستوطنة تضررت بسبب الحرب بـ 25 مليار دولار. وسجل قطاع الغاز خسائر قدرها 2.5 مليار دولار، مما زاد تكلفة الكهرباء بنسبة 10%.
تشير هذه الأرقام إلى حجم الخسائر الاقتصادية التي تكبدها الكيان المحتل جراء التصعيدات العسكرية، مما أثر بشكل واسع على مختلف القطاعات بما في ذلك السياحة، الطاقة، والصناعة. كما أظهرت الأبعاد العميقة للصراع أثرها على الاستثمارات والاقتصاد بشكل عام. وبحسب محللون اقتصاديون، فإن هذه الخسائر تشمل جميع المستويات تقريبًا، مما يعكس تهديدًا عميقًا للمنظومة الاقتصادية والأمنية الصهيونية في ظل الظروف الحالية.

تداعيات الطوفان على الداخل الإسرائيلي
شكلت عملية «طوفان الأقصى» عاملًا مهمًا في توليد الإحباط والانتكاسات المتتالية التي شهدها الداخل الإسرائيلي، مما ساهم في تفاقم الأزمات في مختلف المجالات، حيث أظهرت التداعيات أن الأبعاد الاقتصادية والسياسية والمعنوية والأمنية مترابطة بشكل معقد. وتعكس الأحداث الحالية عدم الاستقرار في الكيان المحتل، مما ينذر بتحديات مستقبلية أكبر. إن التوترات المستمرة تبين أن الاقتصاد والسياسة والأمن في خطر حقيقي طالما استمرت هذه الأوضاع.
تظهر أبعاد هذه الأوضاع في عدة مجالات، بما في ذلك المستوى الاقتصادي، السياسي، المعنوي، والأمني. إذ تشير الأرقام إلى خسائر اقتصادية كبيرة تولّدت عن الحرب، مما أثر سلبًا على القطاعات الحيوية مثل السياحة، الطاقة، والصناعة. كما تشير التقارير إلى أن هذه الخسائر تتجاوز الأرقام، حيث تتعرض المنظومة الاقتصادية والأمنية لتهديدات عميقة تتمثل في تراجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية بسبب القلق الأمني، ومنه تضررت الإيرادات بشكل كبير، مما يتطلب استجابة عاجلة لتفادي الأزمات القادمة.
على المستوى السياسي، يتعرض المجرم نتنياهو وحكومته لانتقادات حادة من المعارضة، مما أدى إلى تساؤلات حول قدرتهم على إدارة الأزمة. وقد تعالت الأصوات الداعية لاستقالته، مما يعكس حالة من عدم الاستقرار داخل الائتلاف الحاكم. فضلا عما يتم الحديث عنه من احتمال تفكك ما يسمى بالحكومة بعد فشلها في تحقيق أهدافها في الحرب، مما قد يؤدي إلى سقوط الحكومة في وقت قريب.
وعلى المستوى المعنوي وفقدان قوة الحسم، تشير التقارير إلى انهيار الروح المعنوية في صفوف الجيش الإسرائيلي، نتيجة للخسائر المتكررة والانتصارات العسكرية للمقاومة. فقدت القوات الإسرائيلية ثقتها بنفسها، وأصبحت مجرد أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر» عرضة للتآكل.
وعلى الرغم من المجازر التي ارتكبها الجيش، إلا أن هذا الجيش لم يحقق شيئا من أهدافه، بل أظهرت المقاومة تكتيكات جديدة عكست ضعف قوات الاحتلال، حيث انهارت الأجهزة الاستخباراتية خلال عملية «طوفان الأقصى»، ولم تتمكن من التصدي للاختراقات أو توقع العمليات، مما أظهر ثغرات خطيرة في المنظومة الأمنية. وأثار الفشل الأمني تساؤلات جدية حول كفاءة جهاز الشاباك والموساد، مما أدى إلى حالة من عدم الثقة من قبل الجمهور. وعلى المستوى العسكري، تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة في الأرواح جراء المعارك في قطاع غزة، مما أثر على المعنويات وأدى إلى دعوات لرفض الخدمة العسكرية الهروب من وحدات القتال. كما فقد الجيش العديد من المعدات العسكرية بسبب الهجمات الناجحة من قبل المقاومة، مما أدى إلى تدمير آليات حربية ومواقع.
لقد أدت الهجمات بالصواريخ والأوضاع الأمنية المتدهورة إلى شلل عام في الكيان، مما تسبب في توقف العديد من القطاعات الحيوية مثل التجارة والصناعة والسياحة. قدرت الخسائر الاقتصادية بمليارات الدولارات نتيجة هذه الظروف. أغلقت آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة أبوابها بسبب الأوضاع الأمنية، مما أدى إلى فقدان المزيد من فرص العمل وزيادة معدل البطالة. وتعطلت الموانئ والمرافق الاقتصادية، حيث أصبح ميناء أم الرشراش (حيفا) شبه خالٍ من النشاط، مما أثر سلبًا على قنوات التجارة والاقتصاد.
على المستوى الداخل الإسرائيلي، عانت المدن المحتلة من تظاهرات واسعة تطالب بمحاسبة نتنياهو والجيش، مما أظهر انقسامًا شعبيًا عميقًا بين معارضي السياسات الحالية ومؤيديها. فضلا عن أن العديد من الإسرائيليين يعيشون حالة من الرعب الدائم بسبب الصواريخ والعمليات المتواصلة، مما أدى إلى نزوح الكثير منهم من المناطق القريبة من قطاع غزة.
أما على المستوى الإقليمي، فقد أدت تداعيات «طوفان الأقصى» إلى عزل الكيان على المستوى الإقليمي، حيث فضحت بعض الأنظمة العربية المخطط التواطئي، مما زاد من عزلة الكيان وأثار غضب الشعوب العربية والإسلامية. ناهيك عن فقدان الكيان لنفوذه الإقليمي، حيث أظهرت المقاومة قدرتها على التحدي والمواجهة، مما خلق واقعًا جديدًا جعل الكيان يخسر الكثير من استراتيجياته.

مقالات مشابهة

  • مراكب الشمس تكشف أسرار الفراعنة.. المتحف المصري الكبير يعرض أبرز اكتشافات القرن العشرين
  • افتتاح عالمي مرتقب لـمشروع القرن.. أحدث 20 صورة أرضية وجوية للمتحف المصري الكبير
  • «اقتصادية قناة السويس» تعتمد 4 مشروعات جديدة باستثمارات 1.84 مليار دولار
  • البنك الأهلي المصري الأول في السوق المصرفية المصرية كوكيل للتمويل ومرتب رئيسي وبنك المستندات ومسوق للقروض المشتركة بشهادة بلومبرج العالمية لعام 2024 من خلال إدارته 32 صفقة تمويلية بـ297 مليار جنيه
  • خسائر الاقتصاد الإسرائيلي تجاوزت 34 مليار دولار
  • صفقة مشتركة إسرائيلية إماراتية لتطوير أنظمة للكشف عن الطائرات المسيرة
  • المركزي المصري: 26.3 مليار دولار تحويلات المصريين بالخارج في 2024
  • قراءة فكرية في التغيرات الكبرى التي صنعها السيدُ حسين بدرالدين الحوثي
  • تركيا: هدفنا رفع التبادل التجاري مع العراق إلى 30 مليار دولار
  • إس تي سي توقع عقدًا حكوميًا بقيمة 32.6 مليار ريال