المسلة:
2025-03-12@11:24:32 GMT

التقوى السياسية

تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT

التقوى السياسية

28 فبراير، 2024

بغداد/المسلة الحدث:

عبد المهدي الخفاجي

إنّ مفهوم التقوى, وإن كان حاضراً في ثقافة المسلمين بصورة عامة, إلاّ أنَ استخدامه بــدا شائعــاً فـــي الجانب العبادي بصورة غالبة, حتى وصف المتعبد بـ (التقي)..

في حين غاب هذا الوصف عن التاجر المتشرع، أو العالم المبدع المتقرب إلى الله تعالى في منجزه، والعامل المخلص في عمله, وغيرهم كثير.

وأبتعد أكثر عن المتصدين للعمل السياسي، تحت ضغط الإعلام الأصفر، الذي صور كل متصدي للعمل السياسي، فاسد دنيوي، يبحث عن مصالحه.

وهذا وإن كان صحيحاً في بعض منهم إلاّ أنه غيرُ ممتنع عند باقي طبقات المجتمع، كما هو معلوم، فالطبقة السياسية كحال باقي الطبقات تحوي الصالح والطالح.

وحقيقة التقوى تكون تارةً في العبادات كما هو الشائع, وتارةً في المعاملات, وأخرى في العلاقات, ومن ذلك التقوى في العمل السياسي ( التقوى السياسية ) وهي أهم مصاديق التقوى؛ كونها تلامس وجدان السياسي المهيمن، على رقاب الرعية، من خلال هيمنته السياسية, وهذا إذا مافقد التقوى, فُقدت الناس كرامتها, وعزتها, بل وحياتها. وإذا ما اتصف به (التقوى السياسية ) عاشت الأمة عيشة رغيدة, وعزاً مستداماً, وكرامة تشرئب لها الأعناق.

فالتحديات التي تواجه المتصدين للعمل السياسي، تفوق غيرهم, فهم يعيشون في الغالب في جو التكالب، على الدنيا, والشعار عند أغلبهم (الغاية تبرر الوسيلة), والمختلفين معه يكيدون المكائد, ويبحثون عن كل زلة للنيل منه وازاحته, والمؤتلفين معه يبحثون عن مكاسب, وإذا مامنحوا استشعروا الغلبة, دون التفات إلى أنَ التقوى السياسية حاكمة عليهم, وهي ذات التقوى، التي جعلت أمير المؤمنين -عليه السلام- يسكت عن حقه, وذاتها جعلت الحسن – عليه السلام- يتنازل عن الحكم لمعاوية, وهكذا هي سيرة المصلحين.

والوقوف بوجه التقي السياسي هدم للمشروع السياسي, وتعريض الدولة للخطر, وفقدان للحكمة, خاصة إذا مانادى المقربون بالغنائم, وجعلوا تركها خسارة وهزائم, لذا تكون حياة السياسي المتقي لربه, المتصدي للعمل السياسي في صراع دائم, صراع خارجي مع أعدائه, وآخر داخلي من مناوئيه، بل وحتى مع مريديه غير المدركين لتوجهاته الإصلاحية، وآخر نفسي في صراعها بين مكتسبات الدنيا ووعود الآخرة, وآخر في تحديد نوع التكليف, وآخر في إقناع مريديه ومحبيه بمشروعه، وآخر في تهدئة المنتظرين للغنائم, وغيره كثير .
لذا يرى السيد الإمام الخميني ( قدس سره الشريف) بإن أصحاب التقوى السياسية ذوو كرامة، وفاقديها ساقطين في نظر الله تعالى، وعندما تحكم التقوى الشعب فسيكون عزيزاً، وكريماً.

ولاشك إذا ما تفحصنا المشهد السياسي العراقي بالبصيرة ( قوة القلب المدركة ) دون أحكام مسبقة، وابتعدنا عن القيل والقال سيتضح لنا أنها ( التقوى السياسية ) لم تغب عن واقعنا الحالي. ففيه من إذا قال صدق, واذا وعد أوفى. (فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: للعمل السیاسی

إقرأ أيضاً:

مصر: السُلطوية ونفي المواطنة عن الجسد السياسي (1)

في المقالات القادمة (4 مقالات)، سنرى كيف استخدمت الدولة المصرية، تاريخيا وإلى الآن، التقنيات الحداثية في إيجاد ونفي أجساد وأسماء المصريين من أجل بقائها وهيمنتها.

قررت محكمة جنايات القاهرة، يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2024، رفع أسماء مئات الأشخاص من قوائم "الكيانات الإرهابية"، في إطار توجيهات رئاسية بمراجعة موقف المدرجين على هذه القوائم تنفيذا لطلبات الحوار الوطني. وفق بيان للنيابة العامة المصرية، شمل القرار نحو 716 شخصا من المدرجين على قوائم الإرهاب من أصل 4408 اسما آخر موضوعا على القائمة حتى آب/ أغسطس من عام 2024.

وضعُ أي اسم مواطن مصري على قوائم الإرهاب، يعني تجميد أمواله، ما يعني حظر التصرف فيها، كما يُمنع من السفر ويُترقب عند الوصول، بالإضافة إلى سحبِ جواز سفره أو إلغائه أو يُمْنَع من تجديده، سواء كان مقيما في الداخل أو في الخارج، كما يفقد صفة "حسن السيرة والسلوك" اللازمة لتولي المناصب العامة والنيابية، فضلا عن فقدانه كلّ معاملاته الخاصة به مع الدولة كونه مواطنا مصريا، أي تُسحب منه صفة المواطنة. وهذا ما يعني أنه في يد السُلطوية السياسية في مصر، بعد تطويعها للمنظومة القضائية وتشريعها للمادة رقم 1 من قانون رقم 8 لسنة 2015، في ظل حكم الطوارئ والاستثناء في عهد السيسي، نفي سمةِ المواطنة عن أي مصري تعتبره معارضا لها.

ضعُ أي اسم مواطن مصري على قوائم الإرهاب، يعني تجميد أمواله، ما يعني حظر التصرف فيها، كما يُمنع من السفر ويُترقب عند الوصول، بالإضافة إلى سحبِ جواز سفره أو إلغائه أو يُمْنَع من تجديده، سواء كان مقيما في الداخل أو في الخارج، كما يفقد صفة "حسن السيرة والسلوك" اللازمة لتولي المناصب العامة والنيابية، فضلا عن فقدانه كلّ معاملاته الخاصة به مع الدولة كونه مواطنا مصريا، أي تُسحب منه صفة المواطنة
المواطنة، هذا المفهوم القديم وحتى وقتنا الحالي؛ تطوَّر ضمنَ دلالات وتعريفات عدّة، دلَّت بعضها، ولا سيما الحديثة أي بعد الثورة الفرنسية عام 1789 وأحداث أُخرى، على التعايش المشترك بين الأفراد والجماعات، بما يضمن للجميع الحقوق والحريات، تحت سقف الدولة الواحدة. لكن علاقة هذه الدولة بالجماعات هي علاقة قديمة جدا، حددتها أعراف وقوانين ونظريات متباينة ومتداخلة في ما يعرف بعصر التنوير، تحديدا القرنين السابع والثامن عشر، إذ ساهم مفكرون في صياغة وتطوير نظرية العقد الاجتماعي، أبرزهم توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو، وخلص الثلاثة إلى أن العقد الاجتماعي بين الدول والجماعات هو ضروري لحفظ الأمن والحريات والحقوق للثانية، بما أن الأولى هي الضامنة لعدم تعدّي أي من فئات الثانية على الآخر، وهذا فيما يخص الدين والاقتصاد والسياسة والحقوق وغير ذلك. من هنا، ومع التطورات الذي لحقتْ بالدول الغربية مثل الثورات الصناعية والانفصالات وترسيمات الحدود، نشأت الدساتير، كعقد اجتماعي، يوثِّق ويحفظ العلاقة بين الدولة والجماعات.

أما في مصر، منذ تاريخها القديم، كانت الإمبراطوريات هي التي تحكم الشعب دون أي عقد اجتماعي مَنصوص ومُتفق عليه بين الطرفين، وتتداول الإمبراطوريات المنتصرة في المعارك حكمها لمصر، وصولا إلى الحكم العثماني الذي جاء بمحمد علي حاكما لمصر أوائل القرن التاسع عشر، فيما اعتبره المؤرخون بداية تاريخ الدولة المصرية الحديثة، لما أحدثه من تقدم "حداثي" في مجالات مختلفة، من حيث العمران والطب والتعليم والصحة، والأهم الجيش، إذ كان بناء الجيش المصري، هو نواة قيام الدولة الحديثة، تحديدا فيما يخص قطاعات الصحة والتعليم.

خلال سنوات حكم محمد علي (1805-1849)، تأسست تقنيات المواطنة بشكلها الرسمي، لا الفعلي، إذ بدأت الدولة المصرية في إحصاء السكان، وتسجيلهم، لا من أجل معرفة بنيويَّة الجماعات المصرية، من حيث اختلافها واحتياجاتها وخصوصيّاتها ومشاركتها في صياغة عقد اجتماعي جديد للدولة، يحفظ بدوره الحقوق والحريات لهذه الجماعات، كما كان يحدث بنسبٍ مختلفة في دول أُخرى.. بل كان التسجيل والإحصاء يهدف إلى توسّع محمد علي في مشروعه، وبنائه على أسس معرفية تحوي تعداد السكان وأعمارهم، وغير ذلك. إذ بدأت السُلطوية الباشويَّة في تجنيد الفلاحين المصريين، لبناء جيشه الحديث (1821)، نواة دولته التي يحلم بتوسّعها وهيمنتها في الجوار. لذا، كانت أهمية إحصاء السكان تكمُن في السيطرة والرقابة على الفلاحين الذين سلكوا كل الطرق والوسائل هربا من التجنيد الإجباري.

في عام 1845، أقرَّت الجمعية العمومية بوزارة المالية المصرية، البدء في تعداد سكان القُطر المصري، فيما عرف بـ"تعداد النفوس". وقد تولى وقام بهذه المهمة مشايخ وعُمَد البلدات والقرى والأحياء، وغيرهم ممَّن وكّلتهم الدولة، وزارة الداخلية تحديدا، بحصر الأعداد. في عام 1848، جُمعتْ تلك القوائم بإجمالي عدد سكان القُطر المصري، وكان قرابة 4 ملايين ونصف نسمة. ومع مجيء الاحتلال البريطاني لمصر عام 1982، بدأ إنشاء السجلات المدنية للدولة الحديثة في مصر، بهدف إحصاء سكاني لمصر أكثر دقة وحوكمة، يساعد الدولة أكثر في المعرفة والضبط والسيطرة على من تحكمهم.

حتى وقتنا الحالي، وفي ظل تحديث تقنيات إحصاء السكان، وبالتوازي، تطورت أهداف هذا الإحصاء، وأصبح تسجيل أي اسم، كإنسان مصري، ليس بهدف وجوده كمواطن ضمن عقد اجتماعي يحفظ حقوقه، بل كجسد ملك لهذه الدولة، تتعامل معه وفقا لأهدافها، تستخدمه وتسخّره وتراقبه وتسجنه وتستبعدَه، وحتى تُحييه أو تقتله، وغير ذلك من تمثلات متباينة لممارسات الدولة المصرية، عبر أنظمتها المختلفة، الملكية والجمهورية، مع مفهوم المواطنة للمصريين، فكيف حدث هذا، لا سيما في عهد السيسي؟ هذا ما سنراه في المقال القادم.

مقالات مشابهة

  • رئيس البرلمان العربي: محادثات جدة تعكس الثقل السياسي والدبلوماسي للمملكة عالميًا
  • الشيخ محمد الصغير: التقوى مقياس التفاضل والخيرية ليست ميراثا
  • شخصيات إسلامية.. جابر بن عبدالله شهد العقبة وبيعة الرضوان وآخر من شهد ليلة العقبة الثانية موتاً
  • أحمد عمر هاشم: الصيام عبادة عظيمة فرضها الله ليبلغ بها المسلم مرتبة التقوى
  • 5 أسباب جعلت من مسلسل أثينا عملا مميزا في رمضان 2025
  • مصر: السُلطوية ونفي المواطنة عن الجسد السياسي (1)
  • من اليُتم إلى العطاء: قصة فتاة جعلت الإحسان رسالة حياتها .. فيديو
  • عقب تكليفه للعمل رئيسا لها.. علاء عبد السلام: تنفيذ مسارات تهدف إلى استمرار الحفاظ على المكانة المميزة للأوبرا
  • يتنمر عليه
  • دعاء اليوم التاسع من شهر رمضان.. تعرفوا عليه