28 فبراير، 2024
بغداد/المسلة الحدث: كتب محمد الكعبي
عند التنقيب في بعض الافكار والنظريات والطقوس والعادات والثقافات والتعمق في طياتها، سنكتشف ان وراءها الكثير من الدوافع والاهداف من أجل التحكم بمصير الشعوب والترأس عليها وسرقة خيراتها، مما يجعلنا امام وقائع تحتاج منا اجابات مقنعة أمام وابل من التساؤلات والتي تتردد على السن الكثير وخصوصا الشباب الواعي ومنها
(الحاكم المقدس)، والتي تعني إن فلان مقدس أو مسدد ولا يمكن الاعتراض عليه أو نقده فضلا عن محاسبته, ولكن عندما نتعمق في طيات البحث ونغوص في اعماق تلك الافكار سنجدها ذات منشأ سياسي وغطاء سلطويّ نابع من الانا وحب التسلط والاستعلاء واستغفال الامة لفرض حكم خاص عليها، وانها ليست وليدة العصر الحديث بل لها جذورعميقة في التاريخ ومن تلك النظريات ما يطلق عليها (شخصية السلطة): وهي نتيجة ترابط السلطة بفكرة الحاكم، وتسمى بالنظرية الثيوقراطية (الدينية) حيث تقوم هذه الفكرة على ان الله تعالى وحده هو صاحب السلطة والسيادة، وهناك ثلاث تصورات لهذه النظرية:
1ــ نظرية الطبيعة الإلهية.
2 ــ نظرية الحق المباشر.
3ــ نظرية الحق الغير مباشر.
1ــ نظرية الطبيعة الإلهية: تذهب هذه النظرية إلى إن الحاكم من طبيعة غير طبيعة البشر، أي ان الحاكم (إله) يعيش بين الناس وفي أوساطهم ويحكمهم بنفسه، ويجب على الشعب طاعته وتقديسه بل تعبده فضلا عن عدم الاعتراض عليه لأن أوامره مقدسة ، وهذه النظرية سائدة في زمن الفراعنة والصين واليونان والرومان واليابان، وما قول فرعون لنبي الله موسى × { قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ } وقوله { … أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى } لخير دليل على المدعى، وكان دستور اليابان سنة1889م، في المادة 3 من الدستور، والتي تنص على أن الامبراطور مقدس وذاته مصونة، حتى جاء دستور عام 1946م، وهدم هذه الفكرة .
2- نظرية الحق الإلهي المباشر: تذهب هذه النظرية إلى إن الحاكم بشر وطبيعته ليست إلهية لكن يستمد سلطته من الله مباشرة، وليس من البشر ولأنه قد استمد سلطته من الله فيحرم مخالفته ويجب طاعته وتنفيذ أوامره، فهو الحاكم المطلق ولا يحاسبه الا الله وحده لا غير، وقد انتشرت هذه الفكرة في أوروبا في القرن السابع والثامن عشر، واعتنقتها الكنيسة خصوصاً، وقد ذكر (لويس الرابع عشر ) في مذكراته بأن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق , فالله مصدرها لا الشعب وجاء في مقدمة المرسوم الذي أصدره (لويس الخامس عشر) إننا لم نتلق التاج إلا من الله، وتمسك بها امبراطور ألمانيا (غليوم الثاني) الذي قال في خطابه عام 1910م: إن هذا التاج مِنحة من الله وحده).
3- نظرية الحق الإلهي غير المباشر: تقوم هذه الفكرة على أن الحاكم من البشر وان الله لا يتدخل في اختيار الحاكم مباشرة، بل بطريقة غير مباشرة، حيث يهيئ الاسباب والمقدمات على نحو يجعل الناس هي من تختار نظام الحكم والحاكم وبرضاهم ويتقبلون الانصياع إليه ويخضعون لسلطانه المطلق عليهم وبدون اعتراض منهم، أي ان الله هو الذي يمنح السلطة لأشخاص قد خصهم وبذلك يهيئ الاسباب لوصولهم للحكم وما الاسباب إلا أداة لتحقيق الإرادة الربانية لوصول من يريد إلى الحكم..
ويلاحظ على هذه النظرية (الثيوقراطية) بتصوراتها الثلاث، انها مصطنعة وتخالف العقل السليم، وتبرر الاستبداد والاستكبار وعنجهية الحاكم وليس لها مستند شرعي وتسلب أرادة الشعوب وحريتهم وتجعلهم عبيداً، وقد وضعها الحكام لتدعيم سلطانهم ، كما هو حاصل اليوم حيث تمنح الحصانة الدينية أو السياسية أو الاجتماعية لأشخاص وأحزاب يتحكمون بالأمة أنّا يشاءون، وجعلوا لأنفسهم مقامات فوق الآخرين بحجة القداسة ، واليوم الاعلام يلعب دورا مهما في تغيير المفاهيم مما يجعل الصعوبة بمكان ان تستطيع تعديل او تغيير جزء من تلك المبادئ والقيم التي تربى عليها الكثير.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: هذه النظریة هذه الفکرة من الله
إقرأ أيضاً:
صدور كتاب "الأراجوز نحو نظرية لاكتشاف التراث المزيف" للدكتور نبيل بهجت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
صدر عن المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب كتاب "الأراجوز بين الرويات الأصيلة والمزيفة، نحو نظرية لاكتشاف التراث المزيف" للدكتور نبيل بهجت.
يسعى هذا الكتاب إلى وضع نواة لنظرية " التراث المزيف" في محاولة لوضع ضوابط إجرائية للتفريق بين التراث الأصيل و المزيف، متخذاً من الأراجوز نموذجًا لمناقشة الظاهرة، وكذلك التفريق بين الكنوز البشرية وغيرهم ممن لديهم معرفة عامة بالفن الشعبي، وأيضًا التفريق بين مستويات التعامل مع التراث الشعبي، والتي تتنوع بين الاستعادة والتوظيف والاستلهام، والفرق بينهم.
ويقف الكتاب فى فصله الأول "نحو نظرية لاكتشاف التراث المزيف" على الأهمية الكبرى للتراث الشعبي، وآفات الوضع و الانتحال فيه، ومن هو الراوي الأصيل، وكيف نفرق بين الراوي الأصيل والراوي المزيف.
كما يقف الفصل الأول على الروايات الأصيلة والمزيفة سواء على مستوى الشكل أو المضمون، واضعًا عددًا من الخطوط العريضة للتعرف عليهما، منبهًا إلى خطورة الروايات المزيفة على الذاكرة الوطنية، وكيف أنها أحد أخطر ما يهدد الفن الشعبي بشكل عام، محاولاً من خلال ما يناقشه الفصل من إعلان عدد من الضوابط والملاحظات التي بها يستطيع الباحث أو المتعامل مع التراث التفريق بين الأصيل والمزيف من روايات ورواه، ويحدد مفاهيم الكنز البشري والراوي المزيف بداية .. من هو الكنز البشرى؟ الكنز البشري هو الفنان حامل العنصر الشعبي عن طريق العنعنة، الممارس له، الحافظ لروايته، العارف بتقاليد أدائه، والذي ظل يقدمه طوال حياته بشكله الشعبى المتوارث، إذّا فهو من تعلم بطريقة المعايشة وأخذ الفن عن أسطواته، وحفظ روايته أو روايات متعددة، كذلك فإنه العارف بالتقاليد والأسرار كما أنه ظل يقدم الفن بحالته الشعبية بحالته التراثية بعيدًا عن أي تغيير تحت مسمى التطوير أو التحديث.
وفى المقابل يصبح الراوي المزيف هو الذي التقط الفن دون معايشة لأهله وأساتذته، وغير حافظ للروايات الشعبية، فلم يتناول الفن بمنطق الصبي والأسطى، وغير مزاول للفن في حالته الشعبية، كذلك غير ملمّ بالتقاليد وقواعد الأداء، يخلط بين مفهوم التراث واستلهامه، ويبرر حالته المزيفة بالتحديث والتطوير أحيانا.
والراوي المزيف يقدم فكرة عن الفن، ولكنه لا يستطيع أن يقدم فلسفته وآلياته وأسلوبه ولا يعرف التفاصيل الخاصة كاللغة السرية أو طرق الصناعة، فهو غير ملم بمفاهيم النشأة والتكوين؛ حيث تلقى معلومات بشكل الالتقاط السطحي، ومن ثم لا يصلح أن يكوِّن أجيالاً تقدم الفن، فما يقدمه مجرد تعريف سطحي بالفن. وربما أتقن الراوي المزيف أحد تكتيكات الأراجوز أو الفن الشعبي بشكل عام، كأن يجيد استخدام الأمانة في حالة الأراجوز مثلاً، وإجادة الأمانة لا تجعل منه لاعبًا شعبيًا، وإنما تجعل منه مستلهما يمكن توظيفه لأداء شخصيات تشير للأراجوز في بعض أشكال الدراما، وهو ما حدث في المسرح والسينما على مر التاريخ؛ فتعلُّمِ تقنيةً دون المرور بمراحل تكوين الكنز البشري التي تستغرق عشرات السنوات لا تجعل من المتعلم كنزا بشريا إذا لم يكن حافظًا للنمر بما فيها من حركة كوميديا لفظية، وتكتيك قادر على استنبات الفكاهة بالطريقة الشعبية.
أما الفصل الثاني فسيقدم إجابة واضحة على سؤال "هل يتطور التراث؟"، والاجابة البديهية لهذا السؤال أنه لو تطور التراث لما أصبح تراثاً، بمعنى أن التراث لا يتطور، وإنما يُسْتَلهم. فالاستهلام هو المقصد النهائي والغاية الكبرى من عمليات الحفاظ على التراث؛ ليصبح واقعًا اقتصاديًا وجماليًا في حياتنا المعاشة، إلا أن هناك فارق كبير بين التراث والمُسْتَلهم منه، فالترات إبداع الجماعة الشعبية المتوارث من جيل إلى جيل، وله سمات وخصائص اختلف الباحثون و الدراسون حولها، فمنهم من قال إنه مجهول المؤلف، مكتوب بلغة الشعب، له صفة الديمومة والاستمرار، يمثل حكمة الأجيال المنقولة من جيل إلى جيل، وهو في هذا يعبر في أغلبه عن الإبداع الجمعي المتراكم، وعن العقل الجمعي للأمة وحكمتها، بينما المستلهم هو إبداع فردي، التقط من التراث عنصرًا بنى عليه وجهة نظر المبدع، وإذا قلنا أن المستلهم تراث حكمنا عليه بالتزييف وأصبح مبدعه راوٍ مزيف.
كما يقدم الفصل الثاني حالات استلهام الأراجوز في مختلف أشكال الإبداع كنموذج على فكرة الاستلهام التي هي إبداع فردي تستفيد من الترات ولا تقع فى دائرة التراث، وإنما تقع في دوائر المبدع الفرد، والذي له مطلق الحرية في اختيار الشكل الإبداعي، كأن يستلهم السيرة الشعبية في قصيدة، والشكل الحواري في رواية، واللوحة الشعبية في قصة أو موسيقى إلى غير ذلك، فمن الضروي أن نتعامل مع التراث بوعي بداية من الجمع وبناء الأرشيف فالروايات الشعبية حال جمعها لا بد وأن تجمع من أكثر من مصدر، وأن تكون هناك مرجعية من الجماعة الشعبية تعرض عليها الرواية للتأكد من سلامتها، واستبعاد لما اتفقت عليه الجماعة بأنه ليس من التراث، وهو ما يمثل الخطوة الأولى في التعامل مع التراث، وهي الاستعادة، ثم يمكن أن تقدم تلك العروض كاستعادة من خلال الكنز البشري، أو نوظفها من خلاله أيضا في سياقات جديدة.
أما الاستلهام فهو متاح لأي مبدع أن يلتقط من التراث ما يشاء ويقدمه كتابة أو أداءً في إطار روايته، إلا أنه يظل استلهامًا، ولا يتحول أبدًا إلى تراث، ومن ثم فإن التفريق بين الاستعادة والتوظيف و الاستلهام هو أحد أهم الخطوات في التعامل مع التراث والحفاظ عليه.
ويحاول هذه الفصل تقديم أشكال لاستلهام الأراجوز في الأعمال الإبداعية المختلفة، سواء كانت شعراً أو رواية أو مسرحًا، مؤكدًا على أن التراث لا يتطور و إنما يستلهم.
أما الفصل الأخير فيقدم نموذجاً من الروايات الشفاهية الأصيلة، عن طريق الرواي الشعبي وشيخ لاعبي الأراجوز "عم صابر المصري" كنموذج لرواية المضمون الأصيلة، ويختتم الفصل بعرض نماذج لروايات الشكل الأصيلة وروايات الشكل المزيفة.
وأخيرًا .. فإن هذا الكتاب يحاول فتح الباب للنقاش حول التراث المزيف ورواته المزيفين، في محاولة لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة من جانب، ودعوة الباحثين الدارسين لوضع الضوابط والإجراءات لضمان سلامة التراث الشعبي - مضمونًا وشكلًا - من العبث، ومحاولة التمييز بين التراث الأصيل والمزيف متخذاً من الأراجوز نموذجًا لذلك.