المسلة:
2025-04-22@06:44:00 GMT

الثيوقراطية والمجتمع

تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT

الثيوقراطية والمجتمع

28 فبراير، 2024

بغداد/المسلة الحدث: كتب محمد الكعبي

عند التنقيب في بعض الافكار والنظريات والطقوس والعادات والثقافات والتعمق في طياتها، سنكتشف  ان وراءها  الكثير من الدوافع  والاهداف من أجل التحكم بمصير الشعوب والترأس عليها وسرقة خيراتها، مما يجعلنا امام وقائع تحتاج منا اجابات مقنعة أمام وابل من التساؤلات والتي تتردد على السن الكثير وخصوصا الشباب الواعي ومنها

(الحاكم المقدس)، والتي تعني إن فلان مقدس أو مسدد ولا يمكن الاعتراض عليه أو نقده فضلا عن محاسبته, ولكن عندما نتعمق في طيات البحث ونغوص في اعماق تلك الافكار سنجدها ذات منشأ سياسي وغطاء سلطويّ نابع من الانا وحب التسلط والاستعلاء واستغفال الامة لفرض حكم خاص عليها، وانها ليست وليدة العصر الحديث بل لها جذورعميقة في التاريخ ومن تلك النظريات ما يطلق عليها (شخصية السلطة): وهي نتيجة ترابط السلطة بفكرة الحاكم، وتسمى بالنظرية الثيوقراطية (الدينية) حيث تقوم هذه الفكرة على ان الله تعالى وحده هو صاحب السلطة والسيادة، وهناك ثلاث تصورات لهذه النظرية:

1ــ نظرية الطبيعة الإلهية.


2 ــ نظرية الحق المباشر.
3ــ نظرية الحق الغير مباشر.

1ــ نظرية الطبيعة الإلهية: تذهب هذه النظرية إلى إن الحاكم من طبيعة غير طبيعة البشر، أي ان الحاكم (إله)  يعيش بين الناس وفي أوساطهم ويحكمهم بنفسه، ويجب على الشعب طاعته وتقديسه بل تعبده فضلا عن عدم الاعتراض عليه لأن أوامره مقدسة ، وهذه النظرية سائدة في زمن الفراعنة والصين واليونان والرومان واليابان، وما قول فرعون لنبي الله موسى ×  { قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ  الْمَسْجُونِينَ } وقوله { … أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى } لخير دليل على المدعى، وكان دستور اليابان سنة1889م، في المادة 3 من الدستور، والتي تنص على أن  الامبراطور مقدس وذاته مصونة، حتى جاء دستور عام 1946م، وهدم هذه الفكرة .

2- نظرية الحق الإلهي المباشر: تذهب هذه النظرية إلى إن الحاكم  بشر وطبيعته ليست إلهية لكن يستمد سلطته من الله مباشرة، وليس من البشر ولأنه قد استمد سلطته من الله فيحرم مخالفته ويجب طاعته وتنفيذ أوامره، فهو الحاكم المطلق ولا يحاسبه الا الله وحده لا غير، وقد انتشرت هذه الفكرة في أوروبا في القرن السابع والثامن عشر، واعتنقتها الكنيسة خصوصاً، وقد ذكر (لويس الرابع عشر ) في مذكراته بأن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق , فالله مصدرها لا الشعب وجاء في مقدمة المرسوم الذي أصدره (لويس الخامس عشر) إننا لم نتلق التاج إلا من الله، وتمسك بها امبراطور ألمانيا (غليوم الثاني) الذي قال في خطابه عام 1910م: إن هذا التاج مِنحة من الله وحده).

3- نظرية الحق الإلهي غير المباشر:  تقوم هذه الفكرة على أن الحاكم من البشر وان الله لا يتدخل في اختيار الحاكم مباشرة، بل بطريقة غير مباشرة،  حيث يهيئ الاسباب والمقدمات على نحو يجعل الناس هي من تختار نظام الحكم والحاكم وبرضاهم ويتقبلون الانصياع إليه ويخضعون لسلطانه المطلق عليهم وبدون اعتراض منهم، أي ان الله هو الذي يمنح السلطة لأشخاص قد خصهم وبذلك يهيئ الاسباب لوصولهم للحكم وما الاسباب إلا أداة لتحقيق الإرادة الربانية لوصول من يريد إلى الحكم..

ويلاحظ على هذه النظرية (الثيوقراطية) بتصوراتها الثلاث، انها مصطنعة وتخالف العقل السليم، وتبرر الاستبداد والاستكبار وعنجهية الحاكم وليس لها مستند شرعي وتسلب أرادة الشعوب وحريتهم وتجعلهم عبيداً، وقد وضعها الحكام لتدعيم سلطانهم ،  كما هو حاصل اليوم حيث تمنح الحصانة الدينية أو السياسية أو الاجتماعية لأشخاص وأحزاب يتحكمون بالأمة أنّا يشاءون، وجعلوا لأنفسهم مقامات فوق الآخرين  بحجة القداسة ، واليوم الاعلام يلعب دورا مهما في تغيير المفاهيم مما يجعل الصعوبة بمكان ان تستطيع تعديل او تغيير جزء من تلك المبادئ والقيم التي تربى عليها الكثير.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: هذه النظریة هذه الفکرة من الله

إقرأ أيضاً:

سورية التسعينيات .. الفن والتنفيس

ربما تكون تسعينيات القرن الماضي هي الحقبة الأبرز من عمر الدولة المركزية وهيمنتها على الفضاء العام في بلدان العالم العربي. قد تتفاوت دقة هذا الاستنتاج من بلد عربي إلى آخر، لكن سطوة الدولة على منابر الإعلام، بشكله التقليدي، كانت قد بلغت أوجها خلال عقد التسعينيات، مع تراجع بدا ملحوظًا في نشاط الصحافة المستقلة، حتى في أهم العواصم العربية التي كانت يومًا ما تمثل مركز صناعة الرأي العام العربي. إلى جانب ذلك، كانت السلطات، في أكثر من بلد عربي، يقظة أكثر من أي وقت مضى لضرورة احتكار مؤسسات الإنتاج الثقافي والفني والتحكم بالأنشطة الحزبية وإخضاع مؤسسات المجتمع المدني لرقابة الدولة.

لا يغيب عن البال تزامن تلك المرحلة مع التحول الكبير الذي طرأ على النظام العالمي بعد هزيمة المعسكر الاشتراكي بسقوط الاتحاد السوفييتي وتسيُّد الخطاب الأمريكي على السياسة الدولية. بالنسبة لدولة عربية مثل «سورية»، فقد ترك هذا الحدث أثره العميق على بنية نظام البعث الذي لطالما اعتمد خطابه على الشعارات الاشتراكية، قبل أن يجد نفسه في مواجهة واقع جديد لا يشبه أدبياته. ففي وقت بدأت فيه عواصم أوروبا الشرقية تعلن استقلالها واحدةً تلو الأخرى، أدرك الرئيس حافظ الأسد بأن زمن الأيديولوجيا الاشتراكية قد تغير إلى غير رجعة، وأن سقوط جدار برلين قد فتح على بلاده رياح الديمقراطيات الغربية القادمة إلى المنطقة بشروطها الجديدة. فكان لا بدَّ لنظامه أن يواكب الزمن الجديد بالتخفيف من نبرة خطابه القديم والتوجه نحو سياسيات مخاتلة، مزدوجة، توحي للعالم الخارجي - على الأقل- بأن «سورية» ليست ذلك البلد القمعي المُتَخيَّل.

ميريام كوك، وهي مستشرقة أمريكية متخصصة بدراسة أدب المرأة العربية، قررت مغادرة جامعتها لزيارة دمشق للتعرف عن قرب على أدب الأديبات السوريات، بغيةَ فهم هموم المرأة الكاتبة وأجواء عالمها خلال تلك السنوات الغامضة من عمر البلاد. وكان شغف كوك بالتعرف على أدب المرأة السورية قد بدأ من بيروت، في صيف 1980، حيث كانت تعكف بُعيد تخرجها على مشروع كتاب عن الأدب في الحرب الأهلية اللبنانية، فساقتها المغامرة في عز الحرب للقاء بالروائية غادة السمان والشاعرة الصوفية هدى نعماني.

أقامت كوك في «سورية» فترةً بين خريف عام 1995 وربيع 1996، تعرفت خلالها على كوليت خوري، وإلفة الإدلبي، ونادية خوست، ونادية الغزي، وملاحة الخاني. لكن لقاءها بالشاعر والمسرحي ممدوح عدوان وبالمخرج السينمائي محمد ملص، قادها لتوسيع أفق الدراسة وتوجيهها لتكون عن الأدب المعارض في ما أسمتها بـ«سورية الأخرى»، تلك التي لا يعرفها الدارسون الأجانب، الذين ساد لدى قسم كبير منهم الاعتقاد بأن ما يُكتب في سوريا من أدب يبدو راضخًا عن قناعة وتواضع لإملاءات السلطة وشعاراتها القومية الجوفاء، دون اعتراض أو تحدٍ نقدي يُذكر: «الأدب السوري ما هو إلا استجابة سيئة للقمع... أدب غاية في البساطة لا يستحق الدراسة»!

الاهتمام بموضع المرأة تحديدًا، من قبل باحثة أمريكية قادمة إلى «سورية»، وفي ذلك الجو الحذِر خلال فترة التسعينيات، كان لا بدَّ أن يُقابل بدايةً بشيء من الارتياب بين أوساط المثقفين والمثقفات في «سورية»، خاصةً أن السؤال الغربي عن أحوال المرأة في هذا الجزء من عالم لطالما كان مدخلًا استشراقيًا غير بريء بالمرة. ألهذا السبب ظلت كوك تتهيب من وصفها بـالمستشرقة؟ فعلى الرغم من إجادتها اللغة العربية (كيف لا وهي التي درست أشعار الخنساء) وانجذابها الشديد للأدب العربي الذي مثَّل مدخلها الأساس للبحث والكتابة عن قضايا العالم العربي، أشارت في حوارها التلفزيوني المهم مع الصحفي السعودي محمد رضا نصرالله في برنامجه «هذا هو»، عام 1996، إلى أنها كغيرها من المستشرقين المعاصرين تُفضل أن توصف «باحثةً متخصصة في دراسات الشرق الأوسط»، هذا طبعًا بعد أن أصبحت صفة «المستشرق» بالغة الخطورة والحساسية إثر الضجة الكبرى التي أثارها إدورد سعيد بعد صدور كتابه «الاستشراق» في سبعينيات القرن الماضي.

«سورية الأخرى... صناعة الفن المعارض» هو عنوان كتاب ميريام كوك الصادرة ترجمته إلى العربية عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، بعد أن كانت جامعة ديوك الأمريكية قد نشرته عام 2007 بعنوان «Dissident Syria» أي «سورية المنشقة». تسلط كوك في كتابها الضوء على العلاقة الجدلية والمعقدة بين الفن والسلطة في عهد الأسد الأب. تتحدث مثلا عن نوع خاص من النقد الذي يظهر فجأة على السطح في لحظات الاختناق السياسي، وتصفه بـ«النقد المُكلَّف»: ذلك النقد الموعز والموجه من قبل السلطة لتخفيف الاحتقان الشعبي. غير أن خطورة هذا «النقد المُشترى» لا تتوقف عند كونه صمام أمان بمواجهة السخط الشعبي المحتقن، بل تكمن خطورته في لعبة السلطة التي تسعى من خلاله لخلق معارضة بديلة مشتراة، مصممة وفق المعايير الرسمية والأمنية، تحظى بشرعية الجمهور لتسحب البساط والأضواء عن المعارضين الحقيقيين الذين سيعزلون مع الوقت عن الحاضنة الشعبية.

يصبُّ النقدُ المكلَّف في مصطلح بدا شائعًا حينها بين السوريين؛ وهو «التنفيس» الذي يستحوذ على تركيز المؤلفة في معظم فصول الكتاب كمدخلٍ رئيس لفهم العلاقة التبادلية والنفعية المزدوجة بين السلطة والفن المعارض. ولكن عندما يتبنى الفنانون، عن وعي أو لاوعي، سياسة التنفيس التي تتمثل حدودها القصوى في تفريج هموم المضطهدين في لحظة انتشاء عابرة، فسيكون الفن حينئذ قد خان جوهره، موظفًا موهبة الفنان، من غير أن يشعر، أداةً للتنفيس عن الجمهور في يد السلطة، فيما يظن الفنان أنه يحسن صنعًا ويلعب دوره المثالي كمعارض شجاع.

يدين سعدالله ونوس بقوة «مسرح التنفيس» الذي تحول منذ مطلع السبعينيات إلى حالة عربية قد تأتي في صدارتها مسرحيات الماغوط التي أشهرت بطولة دريد لحَّام في أعمال مثل «ضيعة تشرين» أو «كاسك يا وطن. إن مسؤولية المسرح وفقًا لفلسفة سعدالله ونوس هي أن يشحن لا أن يفرِّغ، كما عبر في «بيانات لمسرح عربي جديد» عام 1970: «المسرح الذي نريد لا يريح المتفرج أو يُنفس عن كربته... بل على العكس، هو المسرح الذي يُقلق، الذي يزيد المتفرج احتقانًا... لا أن يتحول إلى أداة تفريغ تطهر المتفرجين من عوامل النقمة والغضب، وتزيد من قوة احتمالهم لمأساتهم، وفي النهاية تخدر المتفرج وتزيد الوضع القائم رسوخًا ومتانة».

تتحدث كوك عن ضبابية الخط الأحمر الذي لا يعرف المثقفون السوريون أين ينتهي وأين يبدأ، فحدود التعبير المتحركة التي تضيق وتتسع، دون أن يمكن التنبؤ بها، تمثل في الواقع سياسة رقابية شديدة الذكاء، إذ تترك المثقف في حالة مستمرة من مراقبة الذات والتربص على تصرفاته وتصرفات الآخرين، فضلا عن دورها في تعزيز سلطة الرقيب الداخلي لدى كل أفراد المجتمع، بحيث يصبح المجتمع مجتمع رقابة متبادلة بامتياز.

اليوم، وبعد سقوط نظام البعث، سيكون كتاب مريام كوك دليلاً ضروريًا لإعادة قراءة نصف قرن من الأدب والفن في «سورية» بعيون جديدة.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • برلماني: دعم ذوي الاحتياجات الخاصة واجب الدولة والمجتمع معًا
  • تونس: الأزمات الاجتماعية والتأزيم السياسي
  • إلى من يلجؤون بعد الله؟
  • رفع أنقاض الماضي
  • ساعتان ذريتان إلى محطة الفضاء لاختبار نظرية النسبية
  • “أنصار الله” تعلن “فرض عقوبات” على شركات نفط أمريكية
  • وقفة.. أهداف الصهاينة فى الفترة القادمة (١)
  • سانت ليغو: قاسم السلطة أم حارس الهيمنة؟
  • سورية التسعينيات .. الفن والتنفيس
  • علماء يسعون لاختبار نظرية النسبية في الفضاء