تحولات استراتيجية في خطاب مرشح أردوغان لبلدية إسطنبول.. توجهان متناقضان
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
اتسمت الحملة الانتخابية لمراد كوروم المرشح لرئاسة بلدية إسطنبول عن "تحالف الجمهور" بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بسياسة واضحة عقب إعلانه مرشحا في في 24 كانون الأول /ديسمبر الماضي، وهي تجنب الاصطدام المباشر مع منافسه أكرم إمام أوغلو، والتركيز على الخطاب "التسامح" لاحتواء أكبر قدر ممكن من الناخبين المعارضين.
وأشار مراقبون إلى أن هذه الصورة التي عمل حزب "العدالة التنمية" على رسمها في مرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول انسجمت بالفعل مع شخصية كوروم، فهو شاب مبتسم، حيوي، محبب للناس، وبعيد كل البعد عن التراشقات السياسية، ويتحدث "فقط عن إسطنبول"، كما يشير شعار حملته الانتخابية.
وجاءت هذه الاستراتيجية الجديدة إثر اختبار مرير عاشه "العدالة والتنمية" عقب خسارته بلدية إسطنبول لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما، حيث اتسمت حملة "بن علي يلدرم" المرشح عام 2019، بالهجوم المباشر والحاد على أكرم إمام أوغلو المنتمي لحزب "الشعب الجمهوري" المعارض، والذي تمكن من انتزاع إسطنبول من كنف الحزب الحاكم.
لكن لهجة كوروم الهجومية خلال الأسبوع الأخير، كشفت عن تحولات كبيرة في خطاب حملته الانتخابية، حيث بدأ في استهداف منافسه أكرم إمام أوغلو بحدة، فضلا عن ربطه بـحزب العمال الكردستاني "بي كا كا" المدرج على قوائم الإرهاب التركية، وذلك بالإشارة إلى تحالفات "الشعب الجمهوري" مع حزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردي "ديم" الذي يتُهم بأنه امتداد سياسي لتنظيم "بي كا كا".
والأحد، وصف مراد كوروم منافسه أكرم إمام أوغلو بأنه مرشح عن المساومات مع قنديل (يقصد حزب العمال الكردستاني)، متهما إياه بوضع إسطنبول على طاولة مفاوضات قذرة من أجل الفوز بولاية جديدة.
وقال كوروم في تجمع انتخابي منطقة آفجلار بمدينة إسطنبول، "اليوم، وللأسف، وُضعت إسطنبول على طاولة المفاوضات القذرة أمام، والمطلوب أن يتم اقتسامها بإجماع من قنديل من أجل شخص واحد؛ أكرم إمام أوغلو".
وأضاف أن أكرم إمام أوغلو "وهو الذي جعل إسطنبول موضوعاً لهذه المفاوضات من أجل أطماعه السياسية"، متابعا: "أولئك الذين وضعوا إسطنبول في هذا الوضع يجب ألا ينسوا أبدا أنه، منذ التاريخ، كلما تم التفاوض على إسطنبول أو أرادت تقاسمها، لم تسمح هذه الأمة بذلك أبدا".
"صدام مباشر"
الصحفي التركي رشوان تشاكر، رأى أن هناك تغيرات في لهجة كوروم والقضايا التي يتطرق إليها، مشيرا إلى أن القول إن "كوروم غير استراتيجيته" أو الاعتقاد أن كوروم هو من يقرر نوع الحملة الذي سيديرها "غير واقعي"، لأنه يجب أن تكون هناك حملة حددها الرئيس رجب طيب أردوغان بنفسه ودائرته المقربة حتى أدق التفاصيل، وهو الأمر الذي يجعل كوروم أضعف أمام إمام أوغلو، حسب تعبير تشاكر.
ولفت إلى أن الخطاب المتسامح الذي تبناه كوروم في بداية حملته، كان مفهوما مع الإشارة إلى أنه يتولى الجانب "الفني" فقط، فيما ينوب عنه أردوغان في الجانب السياسي.
وأشار إلى أن السلطة السياسية حملة غاضبة قائمة على "البقاء" في الانتخابات المحلية لعام 2019، لم يتصدر فيها سوى أردوغان، الذي العديد من المدن الكبرى أمام مرشحي حزب الشعب الجمهوري الذين تحدثوا عن البلدية بطريقة هادئة وبعيدا عن الجدل السياسي، موضحا أن خطاب كوروم الأول كان يهدف إلى تقليد أكرم إمام أوغلو قبل خمس سنوات "ولا يعتبر هذا فكرة سيئة على الإطلاق".
وأوضح أن "سبب التغير الجذري في خطاب كوروم الذي تم تبنيه في البداية، يأتي بعدما تبين في استطلاعات الرأي العام أن مرشح أردوغان تخلفت عن الركب ولا بد أن يكون هناك تدخل سياسي متسرع في الحملة الانتخابية".
ولفت إلى أن الخطاب الجديد يقوم على ركيزتين أساسيتين، الأولى هي "الخوض في مبارزة مباشرة مع أكرم إمام أوغلو"، والثانية تكمن في "الادعاء بأن حزب الشعب الجمهوري قد توصل إلى اتفاق بشكل أساسي مع قنديل (العمال الكردستاني)، وليس مع حزب ديم".
ورأى الصحفي، أن "إمام أوغلو ليس منزعجا جدا من تعامل كوروم معه، بل على العكس من ذلك فهو مسرور. بل يمكن القول إنه استفز كوروم بطريقة ما من خلال عدم ذكر اسمه والاستخفاف به".
وتابع: إذا تذكرنا الانتخابات قبل خمس سنوات، لم يتحدث إمام أوغلو كثيرا مع أردوغان، ناهيك عن منافسه بن علي يلدريم، أي أنه كان يتطلع إلى الأمام، وليس إلى منافسه. لأن الطريقة الأساسية للإطاحة بصاحب السلطة هي مناشدة الناخبين مباشرة".
وأشار الصحفي إلى أن مرشح حزب "العدالة والتنمية" سيرتكب خطأ فادحا في حال استخف بقوة أكرم إمام أوغلو، معتمدا على وقوف الحكومة وراءه.
"مرحلة متقلبة"
في المقابل، رأى الباحث في الشأن التركي، علي أسمر، أن التغيرات في خطاب كوروم أمر طبيعي، فمرحلة ما قبل الانتخابات هي مرحلة غير مستقرة وتنطوي على التغيرات وخفض وارتفاع نبرة المرشح حسب ظروف المنافس الآخر.
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن كل مرشح يحاول في هذه المرحلة إلقاء أوراقه الأخيرة لجذب العشب التركي، موضحا أنه "من غير الممكن القول إن تراجع الكتلة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية هو أمر حقيقي، لأن كل مراكز الإستبيان والاحصائيات التركية مسيسة وليست محايدة وهذا ما رأيناه في الانتخابات الرئاسية السابقة".
وشدد على أن "شخصية كوروم هي شخصية مسالمة هادئة ومحبوب من قبل الجميع لأنه لا يدخل في جدالات مع شخصيات الأحزاب الأخرى ولهذا السبب تم اختياره ليكون مرشح حزب العدالة والتنمية لبلدية إسطنبول".
وأوضح أن "دخوله الآن في جدالات مع أكرم إمام أوغلو هو بسبب المنافسة لا أكثر"، مستدركا بالقول إن "غوص كوروم بهذه الجدالات والتراشقات الإعلامية سوف تنحيه عن هدفه وهو خدمة إسطنبول، وهذا الشيء سيضره أكثر من أن ينفعه"، حسب تعبير أسمر.
خطاب "البقاء"
في الانتخابات العامة 2023 التي فاز بها "تحالف الجمهور" بأغلبية مقاعد البرلمان، وأسفرت عن فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة، كان من الواضح تبني أردوغان والأحزاب المتحالفة معه كـ"الحركة القومية" خطاب يعرف في الأوساط التركية بخطاب "البقاء"، حيث تم التركيز حينها على ربط تحالف المعارضة بحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب.
واعتمدت الاستراتيجية التركية التي آتت ثمارها حينها، على التصريحات الداعمة من شخصيات بحزب العمال الكردستاني لمرشح المعارضة حينها كمال كليتشدار أوغلو، لاسيما بعدما ترجع حزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردي "ديم" (كان يعرف حينها بحزب الشعوب الديمقراطية) عن تقديم مرشح للرئاسيات.
يرى الصحفي التركي رشوان تشاكر، أن حكومة أردوغان تقلبت بين استراتيجيتين اثنتين في أثناء تبلور خطابها في الانتخابات المحلية المقبلة، قائلا: رأينا أن تحالف الجمهور تعلم بعض الدروس من هزيمة الانتخابات المحلية 2019 في الفترة الأولى من حملته الانتخابية، إلا أنه عاد الآن إلى خطاب البقاء الذي نجح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة".
ويضيف أنه بالرغم من معرفة تحالف الجمهور من أن هذا الخطاب يدفع بالناخبين الأكراد نحو أكرم إمام أوغلو، إلا أنه يتبعه بهدف الحفاظ على ناخبي الأحزاب المحافظة، خاصة حزب الرفاه من جديد.
الجدير بالذكر أن حزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردي "ديم" أعلن عن مرشحه الخاص لرئاسة بلدية إسطنبول في هذه الانتخابات، إلا أنه عاد إلى طاولة المفاوضات مع "الشعب الجمهوري"، الأمر الذي أسفر عن اتفاق جزئي يقضي بعدم تقديم مرشحين في بعض الأحياء في إسطنبول من أجل دعم مرشحي "الشعب الجمهوري" فيها.
وحول مدى إمكانية أن يكون هناك تحالف أوسع بين حزبي "ديم" و "الشعب الجمهوري"، رجح الباحث في الشأن التركي علي أسمر أن "الشعب الجمهوري لا يستطيع أن يفكر بمجرد التفكير بخسارة أصوات حزب ديم لأن أصوات هذا الحزب كانت لها الفضل الكبير في فوز اكرم امام أوغلو في الانتخابات السابقة".
وأردف بالقول: "لذلك أعتقد أنه في نهاية المطاف سينجح حزب الشعب الجمهوري بإقناع حزب ديم وسيقدم له تنازلات، لأن الجميع يعلم أن رئيس بلدية إسطنبول سيكون مراد كوروم أو أكرم إمام أوغلو وهذه الحقيقة يعلمها جيدا حزب ديم".
وفيما يتعلق بخطاب مرشح أردوغان لرئاسة بلدية إسطنبول، حذر أسمر خلال حديثه لـ"عربي21"، من مغبة انجرار حزب العدالة والتنمية وراء ملف الاتهامات، لأن أكرم أمام أوغلو شخص يتقن دور الضحية ويتقن أيضا البروباغندا الإعلامية ويملك فريق قوي لإدارة مواقع التواصل الاجتماعي".
وأوضح أن "الاتهامات الكثيرة سوف تصب في صالح أكرم إمام أوغلو لأن قسم كبير من الشعب التركي هو عاطفي بل عاطفي جدا"، مشيرا إلى ضرورة أن "يعمل حزب العدالة والتنمية على تقوية برنامجه الانتخابي الخدمي، ومحاولة جذب أصوات القسم الرمادي الذي لم يقرر إلى الآن قراره بخصوص هذه الانتخابات".
ومن المقرر إجراء الانتخابات المحلية في 31 آذار/ مارس القادم، حيث ستفتح صناديق الاقتراع في 81 ولاية وقضاء تركيًا أمام الناخبين، من أجل انتخاب رؤساء البلدية الكبرى والفرعية وأعضاء المجالس المحلية.
وتحظى الانتخابات المحلية في تركيا باهتمام عال من الأحزاب السياسية؛ لكونها أولى درجات سلم الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما يرى مراقبون.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية أردوغان مراد كوروم تركيا تركيا أردوغان اسطنبول الانتخابات التركية مراد كوروم سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العمال الکردستانی لرئاسة بلدیة إسطنبول حزب العدالة والتنمیة الانتخابات المحلیة أکرم إمام أوغلو الشعب الجمهوری تحالف الجمهور فی الانتخابات فی خطاب من أجل إلى أن
إقرأ أيضاً:
الرئيس أردوغان: الشعب السوري الذي ألهم المنطقة بعزيمته على المقاومة قادر على إعادة إحياء بلده
أنقرة-سانا
أكد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان أنه ليس هناك أدنى شك بقدرة الشعب السوري الشقيق الذي ألهم المنطقة والمظلومين بعزيمته على المقاومة، على إعادة إحياء بلده مرة أخرى.
وقال الرئيس التركي في عدة تغريدات على حسابه في منصة “إكس”: “أقدم التهنئة مرة أخرى إلى أخي العزيز الرئيس أحمد الشرع، وإلى الشعب السوري بأكمله على كفاحه وتحقيقه الانتصار، لقد تم فتح صفحة جديدة ليس في سوريا فحسب، بل في منطقتنا بأكملها، بعد 13 عاماً من الدماء والدموع، ونحن في تركيا، سنقدم الدعم اللازم إلى أشقائنا السوريين في المرحلة الجديدة أيضاً، مثلما لم نتركهم وحدهم في أيامهم البائسة والصعبة”.
وأضاف الرئيس أردوغان: “إن تركيا في هذه المرحلة الحرجة، تولي أهمية كبيرة لبناء نظام للبلاد بنهج شامل يحتضن الجميع، ويعكس إرادة السوريين”، لافتاً إلى أنه إضافة للمساعدات الإنسانية، فإن بلاده مستعدة أيضاً لتقديم الدعم اللازم لإعادة إعمار المدن المدمرة والبنية التحتية الحيوية في سوريا، باعتبار أنه كلما تسارعت التنمية الاقتصادية، اكتسبت العودة الطوعية للسوريين زخماً.
وشدد الرئيس أردوغان على أن سلسلة العقوبات الدولية المفروضة على سوريا تشكّل عقبة أمام تعافي البلاد من الناحية الاقتصادية والبنية التحتية، مبيناً أن الجهود التركية الرامية إلى رفع العقوبات أثمرت بتخفيف جزئي للعقوبات التي كانت مفروضة على النظام المخلوع، وأن تلك الجهود ستتواصل حتى تحقيق النتائج بشكل كامل.
وقال الرئيس أردوغان: “أثبتنا منذ اليوم الأول بخطوات ملموسة ودون تردد أننا نقف إلى جانب الشعب السوري، فبعد أن أعدنا فتح سفارتنا في دمشق، قمنا بفتح قنصليتنا العامة في حلب، كما بدأت الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى دمشق، إضافة إلى أننا بذلنا قصارى جهدنا على الصعيد الدبلوماسي خلال الشهرين الأولين للإدارة الجديدة، من أجل جعل صوتها ونواياها الصادقة مسموعة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.”
وأشار الرئيس أردوغان إلى قيام مسؤولين في الإدارة الجديدة في سوريا بزيارات إلى تركيا، وإجراء العديد من الوزراء والبيروقراطيين الأتراك زيارات إلى دمشق، ومواصلتهم القيام بذلك، مؤكداً العمل على تطوير العلاقات بين البلدين بشكل متعدد الأبعاد وفي جميع المجالات، بدءاً من التجارة إلى الطيران المدني، ومن الطاقة إلى الصحة والتعليم.
ولفت الرئيس أردوغان إلى أن أساس السياسة التركية تجاه الجارة سوريا منذ فترة طويلة، هو الحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها، موضحاً أن اللقاء الذي جمعه مع السيد أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية كان مبنياً على هذا المبدأ.
وقال الرئيس أردوغان: “أسعدني أن أرى أننا متفقون تماماً بشأن جميع القضايا تقريبا، ولقد قمت وأخي العزيز بتقييم الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها من أجل إرساء الأمن والاستقرار الاقتصادي في سوريا، وبحثنا على وجه الخصوص الخطوات التي يجب اتخاذها ضد المنظمة الإرهابية الانفصالية التي تحتل شمال شرق سوريا وداعميها”.
وأضاف الرئيس أردوغان: “أكدت له أننا مستعدون لتقديم الدعم اللازم إلى سوريا في مكافحة تنظيمي “داعش” و”بي كي كي”، وكل أشكال الإرهاب”، مجدداً تأكيد وقوف بلاده إلى جانب السوريين في إطار السيطرة على المعسكرات في شمال شرق سوريا.
وتابع الرئيس أردوغان: “أود أن أعرب مرة أخرى عن ترحيبنا بالإرادة القوية التي أبداها أخي أحمد الشرع فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وأنا على ثقة أنه من خلال التحرك في نطاق التضامن بيننا، فإننا سنتمكن من ضمان أن يسود جو من السلام والأمن، خالٍ من الإرهاب في مناطقنا الجغرافية المشتركة”.