اتسمت الحملة الانتخابية لمراد كوروم المرشح لرئاسة بلدية إسطنبول عن "تحالف الجمهور" بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بسياسة واضحة عقب إعلانه مرشحا في في 24 كانون الأول /ديسمبر الماضي، وهي تجنب الاصطدام المباشر مع منافسه أكرم إمام أوغلو، والتركيز على الخطاب "التسامح" لاحتواء أكبر قدر ممكن من الناخبين المعارضين.



وأشار مراقبون إلى أن هذه الصورة التي عمل حزب "العدالة التنمية" على رسمها في مرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول انسجمت بالفعل مع شخصية كوروم، فهو شاب مبتسم، حيوي، محبب للناس، وبعيد كل البعد عن التراشقات السياسية، ويتحدث "فقط عن إسطنبول"، كما يشير شعار حملته الانتخابية.

وجاءت هذه الاستراتيجية الجديدة إثر اختبار مرير عاشه "العدالة والتنمية" عقب خسارته بلدية إسطنبول لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما، حيث اتسمت حملة "بن علي يلدرم" المرشح عام 2019، بالهجوم المباشر والحاد على أكرم إمام أوغلو المنتمي لحزب "الشعب الجمهوري" المعارض، والذي تمكن من انتزاع إسطنبول من كنف الحزب الحاكم.

لكن لهجة كوروم الهجومية خلال الأسبوع الأخير، كشفت عن تحولات كبيرة في خطاب حملته الانتخابية، حيث بدأ في استهداف منافسه أكرم إمام أوغلو بحدة، فضلا عن ربطه بـحزب العمال الكردستاني "بي كا كا" المدرج على قوائم الإرهاب التركية، وذلك بالإشارة إلى تحالفات "الشعب الجمهوري" مع حزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردي "ديم" الذي يتُهم بأنه امتداد سياسي لتنظيم  "بي كا كا".



والأحد، وصف مراد كوروم منافسه أكرم إمام أوغلو بأنه مرشح عن المساومات مع قنديل (يقصد حزب العمال الكردستاني)، متهما إياه بوضع إسطنبول على طاولة مفاوضات قذرة من أجل الفوز بولاية جديدة.

وقال كوروم في تجمع انتخابي منطقة آفجلار بمدينة إسطنبول، "اليوم، وللأسف، وُضعت إسطنبول على طاولة المفاوضات القذرة أمام، والمطلوب أن يتم اقتسامها بإجماع من قنديل من أجل شخص واحد؛ أكرم إمام أوغلو".

وأضاف أن أكرم إمام أوغلو "وهو الذي جعل إسطنبول موضوعاً لهذه المفاوضات من أجل أطماعه السياسية"، متابعا: "أولئك الذين وضعوا إسطنبول في هذا الوضع يجب ألا ينسوا أبدا أنه، منذ التاريخ، كلما تم التفاوض على إسطنبول أو أرادت تقاسمها، لم تسمح هذه الأمة بذلك أبدا".

"صدام مباشر"
الصحفي التركي رشوان تشاكر، رأى أن هناك تغيرات في لهجة كوروم والقضايا التي يتطرق إليها، مشيرا إلى أن القول إن "كوروم غير استراتيجيته" أو الاعتقاد أن كوروم هو من يقرر نوع الحملة الذي سيديرها "غير واقعي"، لأنه يجب أن تكون هناك حملة حددها الرئيس رجب طيب أردوغان بنفسه ودائرته المقربة حتى أدق التفاصيل، وهو الأمر الذي يجعل كوروم أضعف أمام إمام أوغلو، حسب تعبير تشاكر.

ولفت إلى أن الخطاب المتسامح الذي تبناه كوروم في بداية حملته، كان مفهوما مع الإشارة إلى أنه يتولى الجانب "الفني" فقط، فيما ينوب عنه أردوغان في الجانب السياسي.

وأشار إلى أن السلطة السياسية حملة غاضبة قائمة على "البقاء" في الانتخابات المحلية لعام 2019، لم يتصدر فيها سوى أردوغان، الذي العديد من المدن الكبرى أمام مرشحي حزب الشعب الجمهوري الذين تحدثوا عن البلدية بطريقة هادئة وبعيدا عن الجدل السياسي، موضحا أن خطاب كوروم الأول كان يهدف إلى تقليد أكرم إمام أوغلو قبل خمس سنوات "ولا يعتبر هذا فكرة سيئة على الإطلاق".


وأوضح أن "سبب التغير الجذري في خطاب كوروم الذي تم تبنيه في البداية، يأتي بعدما تبين في استطلاعات الرأي العام أن مرشح أردوغان تخلفت عن الركب ولا بد أن يكون هناك تدخل سياسي متسرع في الحملة الانتخابية".

ولفت إلى أن الخطاب الجديد يقوم على ركيزتين أساسيتين،  الأولى هي "الخوض في مبارزة مباشرة مع أكرم إمام أوغلو"، والثانية تكمن في "الادعاء بأن حزب الشعب الجمهوري قد توصل إلى اتفاق بشكل أساسي مع قنديل (العمال الكردستاني)، وليس مع حزب ديم".

ورأى الصحفي، أن "إمام أوغلو ليس منزعجا جدا من تعامل كوروم معه، بل على العكس من ذلك فهو مسرور. بل يمكن القول إنه استفز كوروم بطريقة ما من خلال عدم ذكر اسمه والاستخفاف به".

وتابع: إذا تذكرنا الانتخابات قبل خمس سنوات، لم يتحدث إمام أوغلو كثيرا مع أردوغان، ناهيك عن منافسه بن علي يلدريم، أي أنه كان يتطلع إلى الأمام، وليس إلى منافسه. لأن الطريقة الأساسية للإطاحة بصاحب السلطة هي مناشدة الناخبين مباشرة".

وأشار الصحفي إلى أن مرشح حزب "العدالة والتنمية" سيرتكب خطأ فادحا في حال استخف بقوة أكرم إمام أوغلو، معتمدا على وقوف الحكومة وراءه.

"مرحلة متقلبة"
في المقابل، رأى الباحث في الشأن التركي، علي أسمر، أن التغيرات في خطاب كوروم أمر طبيعي، فمرحلة ما قبل الانتخابات هي مرحلة غير مستقرة وتنطوي على التغيرات وخفض وارتفاع نبرة المرشح حسب ظروف المنافس الآخر.

وأشار  في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن كل مرشح يحاول في هذه المرحلة إلقاء أوراقه الأخيرة لجذب العشب التركي، موضحا أنه "من غير الممكن القول إن تراجع الكتلة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية هو أمر حقيقي، لأن كل مراكز الإستبيان والاحصائيات التركية مسيسة وليست محايدة وهذا ما رأيناه في الانتخابات الرئاسية السابقة". 

وشدد على أن "شخصية كوروم هي شخصية مسالمة هادئة ومحبوب من قبل الجميع لأنه لا يدخل في جدالات مع شخصيات الأحزاب الأخرى ولهذا السبب تم اختياره ليكون مرشح حزب العدالة والتنمية لبلدية إسطنبول".

وأوضح أن "دخوله الآن في جدالات مع أكرم إمام أوغلو هو بسبب المنافسة لا أكثر"، مستدركا بالقول إن "غوص كوروم بهذه الجدالات والتراشقات الإعلامية سوف تنحيه عن هدفه وهو خدمة إسطنبول، وهذا الشيء سيضره أكثر من أن ينفعه"، حسب تعبير أسمر.

خطاب "البقاء"
في الانتخابات العامة 2023 التي فاز بها "تحالف الجمهور" بأغلبية مقاعد البرلمان، وأسفرت عن فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة، كان من الواضح تبني أردوغان والأحزاب المتحالفة معه كـ"الحركة القومية" خطاب يعرف في الأوساط التركية بخطاب "البقاء"، حيث تم التركيز حينها على ربط تحالف المعارضة بحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب.

واعتمدت الاستراتيجية التركية التي آتت ثمارها حينها، على التصريحات الداعمة من شخصيات بحزب العمال الكردستاني لمرشح المعارضة حينها كمال كليتشدار أوغلو، لاسيما بعدما ترجع حزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردي "ديم" (كان يعرف حينها بحزب الشعوب الديمقراطية) عن تقديم مرشح للرئاسيات.


يرى الصحفي التركي رشوان تشاكر، أن حكومة أردوغان تقلبت بين استراتيجيتين اثنتين في أثناء تبلور خطابها في الانتخابات المحلية المقبلة، قائلا: رأينا أن تحالف الجمهور تعلم بعض الدروس من هزيمة الانتخابات المحلية 2019 في الفترة الأولى من حملته الانتخابية، إلا أنه عاد الآن إلى خطاب البقاء الذي نجح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة".

ويضيف أنه بالرغم من معرفة تحالف الجمهور من أن هذا الخطاب يدفع بالناخبين الأكراد نحو أكرم إمام أوغلو، إلا أنه يتبعه بهدف الحفاظ على ناخبي الأحزاب المحافظة، خاصة حزب الرفاه من جديد.

الجدير بالذكر أن حزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردي "ديم" أعلن عن مرشحه الخاص لرئاسة بلدية إسطنبول في هذه الانتخابات، إلا أنه عاد إلى طاولة المفاوضات مع "الشعب الجمهوري"، الأمر الذي أسفر عن اتفاق جزئي يقضي بعدم تقديم مرشحين في بعض الأحياء في إسطنبول من أجل دعم مرشحي "الشعب الجمهوري" فيها.

وحول مدى إمكانية أن يكون هناك تحالف أوسع بين حزبي "ديم" و "الشعب الجمهوري"، رجح الباحث في الشأن التركي علي أسمر أن "الشعب الجمهوري لا يستطيع أن يفكر بمجرد التفكير بخسارة أصوات حزب ديم لأن أصوات هذا الحزب كانت لها الفضل الكبير في فوز اكرم امام أوغلو في الانتخابات السابقة".

وأردف بالقول: "لذلك أعتقد أنه في نهاية المطاف سينجح حزب الشعب الجمهوري بإقناع حزب ديم وسيقدم له تنازلات، لأن الجميع يعلم أن رئيس بلدية إسطنبول سيكون مراد كوروم أو أكرم إمام أوغلو وهذه الحقيقة يعلمها جيدا حزب ديم".

وفيما يتعلق بخطاب مرشح أردوغان لرئاسة بلدية إسطنبول، حذر أسمر خلال حديثه لـ"عربي21"، من مغبة انجرار حزب العدالة والتنمية وراء ملف الاتهامات، لأن أكرم أمام أوغلو شخص يتقن دور الضحية ويتقن أيضا البروباغندا الإعلامية ويملك فريق قوي لإدارة مواقع التواصل الاجتماعي".

وأوضح أن "الاتهامات الكثيرة سوف تصب في صالح أكرم إمام أوغلو لأن قسم كبير من الشعب التركي هو عاطفي بل عاطفي جدا"، مشيرا إلى ضرورة أن "يعمل حزب العدالة والتنمية على تقوية برنامجه الانتخابي الخدمي، ومحاولة جذب أصوات القسم الرمادي الذي لم يقرر إلى الآن قراره بخصوص هذه الانتخابات".

ومن المقرر إجراء الانتخابات المحلية في 31 آذار/ مارس القادم، حيث ستفتح صناديق الاقتراع في 81 ولاية وقضاء تركيًا أمام الناخبين، من أجل انتخاب رؤساء البلدية الكبرى والفرعية وأعضاء المجالس المحلية.

وتحظى الانتخابات المحلية في تركيا باهتمام عال من الأحزاب السياسية؛ لكونها أولى درجات سلم الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما يرى مراقبون.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية أردوغان مراد كوروم تركيا تركيا أردوغان اسطنبول الانتخابات التركية مراد كوروم سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العمال الکردستانی لرئاسة بلدیة إسطنبول حزب العدالة والتنمیة الانتخابات المحلیة أکرم إمام أوغلو الشعب الجمهوری تحالف الجمهور فی الانتخابات فی خطاب من أجل إلى أن

إقرأ أيضاً:

أردوغان يتهم المعارضة بعرقلة العدالة في قضية إمام أوغلو

اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء، حزب الشعب الجمهوري، أبرز أحزاب المعارضة في البلاد، بمحاولة تعطيل مسار العدالة في قضية الفساد المتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول المعتقل، أكرم إمام أوغلو.

وفي تصريحات أدلى بها خلال اجتماع مع مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم، قال أردوغان إن الحزب المعارض يسعى إلى تقويض التحقيقات الجارية من خلال اتهام مؤسسات الدولة بالتسييس، واصفًا ذلك بأنه محاولة مكشوفة لعرقلة عمل القضاء. وأضاف: "مهما فعلتم، لا يمكنكم عرقلة سير العدالة"، مشددًا على أن من واجب القضاء "أن يكسر هذه الأيادي القذرة" التي تطوّق إسطنبول، على حد تعبيره.
أردوغان: نشهد في غزة عربدة ارتكبت بها جرائم وصلت لاستهداف الطواقم الطبيةوول ستريت جورنال ترصد رحلة أردوغان من السياسي الناجح إلى النرجسي المتغطرس

من جانبها، ترفض المعارضة هذه الاتهامات، مؤكدة أن التحقيقات مع إمام أوغلو ذات دوافع سياسية، وتهدف إلى تقويض الديمقراطية وقطع الطريق على أبرز منافسي أردوغان المحتملين في أي انتخابات رئاسية مقبلة.

وفيما تنفي الحكومة أي تدخل سياسي في عمل القضاء، فإن الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت عقب اعتقال إمام أوغلو عكست حالة من الغضب الشعبي، خاصة في الأوساط الشبابية والجامعية. وقد شارك مئات الآلاف من المتظاهرين في احتجاجات سلمية عمّت أنحاء مختلفة من البلاد، لكن السلطات ألقت القبض على ما يقرب من ألفي شخص، وتم حبس نحو 300 منهم على ذمة المحاكمة.

وقد أسهمت هذه الاضطرابات السياسية في هز ثقة المستثمرين، ما أدى إلى تراجع حاد في قيمة الليرة التركية، وتسبّب في موجة بيع واسعة للأصول التركية، ما زاد من الضغوط على الميزانيات العامة ورفع من تكاليف الاقتراض المتفاقمة أصلًا.

مقالات مشابهة

  • أوزغور أوزيل يكشف عن خلاف مع أكرم إمام أوغلو بعد زيارته في السجن
  • أردوغان يشن هجوما لاذعا على المعارضة التركية.. كتبوا كتاب الفساد والانقلابات
  • تركيا.. اشتباك قضائي وسياسي يفتح سباق الرئاسة مبكرًا
  • هل تستجيب الحكومة التركية لدعوات الانتخابات المبكرة؟
  • أردوغان يتهم المعارضة بعرقلة العدالة في قضية إمام أوغلو
  • أردوغان يتهم المعارضة التركية بالوقوف أمام تحقيقات فساد إمام أوغلو
  • أردوغان يقاضي زعيم حزب الشعب بتهمة إهانة الرئيس
  • تفتيش منزل والد عمدة إسطنبول
  • إمام أوغلو من سجنه: ”سترحلون“!
  • الرئاسة التركية تصدر بياناً حول التحقيقات بقضية «إمام أوغلو»