د. أحمد جمعة صديق
لعب الطوطم دوراً مهماً في هوية الشعوب البدائية اذ كان يعزز لديهم شعوراً بالتقارب والاتصال ومعرفة تراثهم الثقافي وأصولهم المشتركة من خلال انتمائهم العشائري كما كان الحال لدى عشائر الجاهلية في الجزيرة العربية. وورد في تعريفه ووظيفته أن الطوطم يُعتبر مقدساً في بعض الثقافات لأسباب تتعلق بتمثيله للقيم المحورية في حياة الجماعة، وليس فقط لمشاعر الإجلال والإكبار التي يحملها أفراد الجماعة تجاهه.
• فهل تجسدت هذه القيم لتعطي (محمد حمدان دقلو) هذه الصفات الطوطمية من الحب والاجلال؟
• من صنع هذه السمات التمجيدية في هذا الرجل وتاريخه البسيط؛ الذي لم يكن ليؤهله لاكثر من أن يرتقي به من (راعي) ابل الى (تاجر) ابل، في افضل الاحوال، بين السودان ومصر ومالي والنيجر وليبيا.
ان موقفي من (حميدتي) هو موقف مبدئي من ان الرجل ليس الا قائد ميليشيا صنعت منه الاقدار ان يلعب فصلاً سيئاً في تاريخ السودان الحديث. فالرجل شريك لنظام الانقاذ منذ 2003 حين نال الشرعية بتكوين تلك المليشيات وتبعيتها المباشرة للفاسد عمر البشير لحمايته الشخصية، كما سمي الرجل ب (حمايتي) وللجيش الذي اعطاه صلاحيات التوأمة في خروجهم من رحم واحد كما قال البرهان، وليس لدوره في تنفيذ أجندة على المستوى القومي للسودان مدافعا ومنافحاً عن الارض والعرض.
ثم انقلب السحر على الساحر فكانت ثورة ديسمبر 2018 حيث لعب (حميدتي) دوراً غير منكور. وكان لهذا الدور ان يتجسد فيه (الكثير من الخير) لولا أن ساهمت هذه القوات نفسها في فض اعتصام القيادة في رمضان في 3-6-2019 وأزهقت الارواح ورمت باجساد الشهداء في النيل. ثم تاتي الطامة الأخري فيكون الدعم السريع شريكاً في انقلاب 25 -10-2023 وثالثة الأثافي هي اعلانه الحرب على الجيش في 15-4-2023 وبغض النظر عن شرعية هذا القتال دفاعاً عن النفس كما يدعي الدعم السريع أو حرباً ذات أهداف غير معلنة ؛ فان الدعم السريع قد واجه الرفض التام وعدم الرض حينما وجه آلته العسكرية الي صدر المواطن - نفسه - قتلاً ونهباً وسلباً واغتصاباً واحتلالاً لمساكنهم وفوق ذلك اتخاذ المدنيين دروعا بشرية في كل مدن السودان التي طالتها قواته.
وقد أدرك السودانيون ان الروح القتالية العالية للدعم السريع، ليس لعقيدة قتالية يؤمن بها الدعم السريع، أو قوانين وقواعد اشتباك تتميز بها الجيوش المنضبطة ويلتزم بها الدعم السريع، بل تعود الى تلك الروح والتركيبة النفسية لمقاتل الدعم السريع كفرد ميلشيا اقرب ما يكون الى المرتزق – وهذا ما ثبت في دور الدعم السريع في اليمن – منه الى جندي ذو عقيدة قتاليةيلتزم بقوانين عسكرية، أو فيما يسمى في العسكرية بقواعد االاشتباك. فلا غرابة اذن لتلك الممارسات المشينة التي طالت حتى القرى خارج العواصم الكبيرة لممارسة اغتنام الغنائم ولو اقتضى الامر القتل بلا رحمة. وطبعاً هذا الممارسة تستمد شرعيتها من أن الذين أسسوا لهذا الجيش غير النظامي اوعزوا اليه في ان لا يتحرج، بل من حقه أخذ الغنائم من (أعدائهم) وهو مفهموم بسيط تربت عليه هذه العقول البدوية في استحلال أموال الناس. كل هذا ولم نسمع ادانة واحدة من قيادات الدعم السريع بادانة هذه المماراسات لافراده بل تمجيد مستمر لقيادته المتمثلة في آل دقلو وحاشيىتها من العسكريين والمستشارين حول هذا الرجل. وفي ظني ان الرجل قد وصل الى ما وصل اليه عن طريق:
1. التعميد من الفاسد البشير لتكليفه المباشر بدور الحماية وقبلها مقاتلة كل من لا ينتمي لمن يتسمى بالقبائل العربية في دارفور.
2. احتلاله مناجم الذهب وأخذها عنوة من حليفه هلال مما جعل من قائد الدعم السريع من أكبر اغنياء العالم بمساعدة الروس في انتاج الخام والامارات كمشتري لهذه السلعة وتمويل الدعم السريع كحليف في اليمن وربما في ليبيا.
3. الافادة من هذا الريع المالي في شراء أفضل العناصر من الجيش السوداني كضباط في الدعم السريع.
4. الافادة من ريع الذهب في شراء مجموعة معتبرة من المثقفين والقبليين والانتهازيين للعمل كمستشارين في كافة المواقع.
5. لعب هؤلاء المستشارون الدور الاكبر في صناعة الطوطم ولاشك قد قدموا له امثلة كثيرة لحكام في مثل وضعه أو أدني. وظني - وان بعض الظن أثم - انهم قد حدثوه عن (بوكاسا) بانه لم يكن سوى عريفاً في الجيش الفرنسي عام 1940، حكم أفريقيا الوسطى ونصب نفسه امبراطوراً وشبه اله. ثم (عيدي امين دادا) لم يكن هو الآخر سوى عسكرياً في جيش جلالة ملكة بريطانيا، و(سلفا كير) نموذج آخر قريب منا، لم ينل قدراً عال من التعليم أو تدريب في وست بوينت، و(علي عبدالله صالح) كان يحلو للرئيس المصري ان يطلق عليه لقب الشاويش على. والامثلة مع الفارق كثيرة ودونك الملك فهد واخوته لم يتخرجوا من اوكسفورد او سانت هيرست ولكن تركوا بعض البصمات الايجابية في بلدانهم. كانت المملكة العربية السعودية اكبر مانح في تاريخ البشرية كما شهد بذلك وزير خاجية السودان حينها (جمال محمد أحمد) وامثلة كثيرة ولا ينسى دور الملك فيصل حكيم العرب ونصير القضية الفلسطينية. ظني ان الرجل قد طرح عليه هذا التاريخ فحاك في نفسه ان يلعب هذا الدور ليكون حاكما للسودان. لاشك ان هذه هي الصورة الطوطمية التي طرحها مستشارو (حميدتي) ليستوعبها عقله الطامع في السلطة بأسرع ما يكون ويعمل نحوها بانتهاز أية فرصة تؤدي لذلك حتى ولو كان الامر بتفريغ العاصمة من سكانها كما صرح هو بذلك يوماً بأن تلك العمارات ستحتلها القطط والكلاب.
وكل ما فعله حميدتي في ان يتطلع للحكم والثروة والجاه أمر طبيعي ومشروع، لولا أن السياق الذي حدث فيه غير مقبول بل والنهاية المحتومة، طال الزمن او قصر، سيحاكم الشعب السوداني كل من تسبب في أذيته سواء اكان من جنود الدعم السريع وقياداته ومستشاريه أو من الجيش السوداني الذي فشل تماماً في الايفاء بعهده في حماية الانسان السوداني أرضه وعرضه اذ تلك هي مهمته التي كات تستهلك ما لايقل عن 80% من ميزانية السودان لنكتشف ان تلك كانت مجرد فزاعة أو فقاعة أهدرت ارواح أبناء شعبنا وحكمت بالحديد والنار وأضاعت على السودان نصف قرن على الاقل من التنمية والتقدم. وهذا طوطم آخر من صنعه؟
aahmedgumaa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تحذر: قيود الدعم السريع على تسليم المساعدات قد تؤدي إلى أسوأ أزمة إنسانية في السودان
يعاني مئات الآلاف من سكان دارفور الغربية من خطر المجاعة، خاصة في المناطق التي نزح إليها السكان بسبب النزاعات المستمرة
في خطوة قد تضاعف من معاناة ملايين السودانيين، فرضت قوات الدعم السريع (RSF)، قيودًا مشددة على تسليم المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسعى لتعزيز سيطرتها عليها.
وبينما يتصاعد الجوع والأمراض في هذه الأراضي، تحذر المنظمات الإنسانية من أن هذه السياسات الجديدة قد تؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
صراع السيطرة والشرعية
وتأتي هذه القيود في ظل سعي قوات الدعم السريع لتشكيل "حكومة موازية" في غرب السودان، بينما تخسر بسرعة مواقعها الاستراتيجية في العاصمة الخرطوم، حيث استعاد الجيش السيطرة على مناطق حيوية مثل القصر الرئاسي.
وهذه التطورات تنذر بتعميق الانقسامات في البلاد التي انفصلت عن جنوب السودان عام 2011، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني مئات الآلاف من سكان دارفور الغربية من خطر المجاعة، خاصة في المناطق التي نزح إليها السكان بسبب النزاعات المستمرة.
وتقول الأمم المتحدة إن الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع أدت إلى "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، حيث يعاني حوالي نصف سكان السودان البالغ عددهم 50 مليون نسمة من الجوع الحاد، بينما اضطر أكثر من 12.5 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم.
القيود الجديدة على المساعدات
وفقًا لعمال الإغاثة الذين تحدثوا إلى وكالة رويترز شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، بدأت قوات الدعم السريع منذ أواخر العام الماضي في فرض رسوم أعلى وإجراءات بيروقراطية صارمة على المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق سيطرتها. ومن بين هذه الإجراءات:
- فرض رسوم مرتفعة على العمليات الإنسانية، بما في ذلك توظيف الموظفين المحليين ونقل الإمدادات.
- إجبار المنظمات الإنسانية على توقيع "اتفاقيات تعاون" مع وكالة السودان للإغاثة والعمليات الإنسانية (SARHO)، وهي الذراع الإداري لقوات الدعم السريع.
- مطالبة المنظمات الدولية بإنشاء عمليات مستقلة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
وعلى الرغم من تعليق هذه التوجيهات مؤقتًا حتى أبريل، إلا أن عمال الإغاثة أكدوا أن القيود لا تزال قائمة، مما يعرقل وصول المساعدات إلى المحتاجين.
وتشير بيانات منظمات الإغاثة إلى أن نسبة المنظمات التي تواجه تأخيرات في الحصول على تصاريح السفر إلى مناطق سيطرة قوات الدعم السريع ارتفعت بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين، لتصل إلى 60٪ في يناير، مقارنة بـ 20-30٪ العام الماضي. ورغم تعليق SARHO لتوجيهاتها مؤقتًا في فبراير، انخفضت النسبة فقط إلى 55٪.
الأوضاع في مخيمات النازحين حول مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، تزداد سوءًا يومًا بعد يوم. وأفادت تقارير بأن المجاعة قد تم تأكيدها رسميًا في ثلاثة مخيمات رئيسية: زمزم وأبو شوك والسلام، حيث يعتمد السكان على أكل الأوراق بسبب نقص الغذاء. كما تعرضت هذه المخيمات للقصف من قبل قوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة.
وقال هارون آدم، أحد سكان المخيم البالغ من العمر 37 عامًا، "الوضع في مخيم زمزم صعب للغاية. نحن جائعون وخائفون. لم نحصل على أي نوع من المساعدات".
اتهامات متبادلة
ويتبادل الطرفان المتحاربان الاتهامات بشأن عرقلة وصول المساعدات. ويقول عمال الإغاثة إن مقاتلي قوات الدعم السريع نهبوا المساعدات خلال أكثر من عامين من الحرب، بينما يتهمون الجيش بمنع أو تعطيل الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها RSF.
من جهته، نفى عبد الرحمن إسماعيل، رئيس SARHO، هذه الاتهامات، قائلاً إن الوكالة تمارس حقوقها القانونية بموجب القانون الدولي الإنساني. وأضاف أن السلطات في الإدارة المدعومة من الجيش في بورتسودان تضغط على المنظمات الدولية لعدم التعامل مع SARHO.
استغلال الإغاثة لتحقيق المكاسب السياسية
ويرى محللون أن تشديد الرقابة البيروقراطية ليس فقط جزءًا من استراتيجية قوات الدعم السريع لكسب الشرعية الدولية، بل هو أيضًا وسيلة لجمع الأموال في ظل خسائرها العسكرية.
وقالت خلود خير، محللة سودانية ومديرة شركة Confluence Advisory، إن هذا النهج يعكس "مؤشرًا لما ستبدو عليه حكومة قوات الدعم السريع إذا تمكنت من السيطرة على البلاد".
وأشارت إلى أن هذا النهج يعتمد على نفس السياسات التي استخدمتها الحكومات السابقة لاستغلال الإغاثة لأغراض سياسية.
تحديات أمام المنظمات الإنسانيةوتضع هذه السياسات المنظمات الإنسانية في "موقف مستحيل". فرفض الامتثال لتوجيهات SARHO يؤدي إلى تأخير أو رفض تصاريح السفر، بينما الامتثال قد يؤدي إلى طرد المنظمات من قبل الجيش والحكومة في بورتسودان.
"إما أن نتوقف عن تقديم المساعدات المنقذة للحياة أو نواجه الطرد"، قال الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود كريستوفر لوكيير خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في وقت سابق من هذا الشهر.
مع تجميد تمويل USAID وزيادة القيود المفروضة على المنظمات الإنسانية، تواجه وكالات الإغاثة صعوبة متزايدة في تقديم المساعدات الأساسية.
وقد حذرت المنظمات غير الحكومية من أن هذه العوائق قد تؤدي إلى كارثة إنسانية أكبر، خاصة في المناطق التي تعاني من مجاعة مثل دارفور. مؤكدة أن الوقت ينفد لإنقاذ ملايين السودانيين الذين يواجهون الجوع والمرض.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية واشنطن تفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على مستوردي النفط الفنزويلي والصين أبرز المتضررين "المراهقة": كيف يتحول الشباب إلى التطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي حرائق مستعرة في غرب اليابان تؤدي لإجلاء السكان وتسبب أضرارًا مادية معتبرة قوات الدعم السريع - السودانجمهورية السودانالخرطومجرائم حرب